154

El amanecer del Islam

فجر الإسلام

Géneros

جاءنا يخطر في سابغة

فذبحناه ضحى ذبح الحمل

وعفونا فنسيتم عفونا

وكفرتم نعمة الله الأجل

ويظهر أن العراق - على الجملة - كان أكثر البلاد الإسلامية ثروة علمية وأدبية - إذا استثنينا بعض فروع تفوق فيها أهل الحجاز - ولثروة العراق العلمية أسباب أهمها: (أولا):

أن العراق - كما علمنا - أسس على مدنيات قديمة لها علم مأثور، فكان طبيعيا أن ينهض أهله بعد ثروة الفتح فيستعيدوا حضارتهم القديمة وعلمهم الموروث، كان السريانيون منتشرين في أرض العراق قبل الفتح، ولهم مدارس يدرسون فيها الآداب اليونانية، وكانت في العراق مذاهب نصرانية تتجادل في كثير من العقائد كالذي رأيت، وكان في الحيرة يونان مثقفون من أسارى الحروب الفارسية اليونانية، فكان لا بد أن تتخلف من هذا جميعه آراء وأفكار خمدت أثناء الحروب، ثم استيقظت بعد أن قرت سياسة البلاد، وكان كثير من أهل العراق دخل في الإسلام، فأخذت هذه الآراء تصطبغ بالصبغة الإسلامية، يزهر منها ما يتفق والإسلام، ويذبل منها ما يخالفه.

أضف إلى ذلك أن العراق - كما علمت - قطر غني يتوافر فيه العيش فيجد الناس من أوقاتهم ما يسمح لهم بالعلم. (ثانيا):

لعل العراق كان أكبر الأقاليم الإسلامية ميدانا للحروب والفتن في عهد الدولة الأموية، فمنذ مقتل عثمان وهو مشتعل؛ ذهبت عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة، فذهب علي إلى الكوفة، وكانت بين البصرة والكوفة وقعة الجمل؛ وذهب الحسين إلى الكوفة فكان بها مقتله؛ وخرج المختار الثقفي بالكوفة يطلب بثأر الحسين، واستولى مصعب بن الزبير على البصرة وسار إلى الكوفة فقتل المختار؛ وجهز عبد الملك جيشا وسير إلى العراق مصعبا؛ وتغلب عبد الرحمن بن الأشعث على الكوفة فسار إليه الحجاج وتغلب عليه، كان من أثر ذلك طبيعيا أن يتساءل الناس: من المخطئ ومن المصيب؟ هل أخطأ قتلة عثمان أو أصابوا؟ هل لعلي يد في دم عثمان؟ هل لطلحة والزبير وعائشة حق في قتال علي؟ هل أصاب علي في التحكيم؟ هل يصح الخروج على عبد الملك لظلم واليه والحجاج وسفكه للدماء؟ وهل أصاب من فعل ذلك وخرج مع ابن الأشعث؟ كل هذه أسئلة كانت تثار، وكانت تثار بكثرة حتى في دروس الأساتذة في المساجد، وإذ كان العراق ميدانا لأكثر هذه الحروب كان أهله أكثر الناس جدالا في هذا، فكان طبيعيا أن يكون منبعا للكثير من المذاهب الدينية؛ لأن كثيرا منها بني على نحو هذا الأساس كما سيأتي بيانه، جاء في طبقات ابن سعد: أن الحسن البصري كان من رءوس العلماء في الفتن والدماء، ودخل عليه قوم فقالوا له: يا أبا سعيد، ما تقول في هذا الطاغية (يعني الحجاج) الذي سفك الدم الحرام، وأخذ المال الحرام، وترك الصلاة، وفعل وفعل؟ ... إلخ، وقال: «سأل رجل الحسن: ما تقول في الفتن؟ مثل يزيد بن المهلب وابن الأشعث؟ فقال: لا تكن مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، فقال رجل من أهل الشام: ولا مع أمير المؤمنين يا أبا سعيد؟ فغضب، ثم قال بيده فخطر بها، ثم قال: ولا مع أمير المؤمنين يا أبا سعيد؟ نعم ولا مع أمير المؤمنين»

21

إلى كثير من أمثال ذلك. (ثالثا):

Página desconocida