وبقرب الحد بين اليمامة وتهامة عكاظ ذات السوق المشهور.
ومناخ جزيرة العرب - على العموم - حار شديد الحرارة، يعتدل الليل في أراضيها المرتفعة صيفا ويتجمد ماؤها شتاء؛ وأحسن هوائها الرياح الشرقية وتسمى الصبا، وكثيرا ما تغنى الشعراء بمدحها وعلى العكس من ذلك ريح السموم؛ وأحسن أيامها أيام الربيع، وهي تعقب موسم المطر فينبت الكلأ والعشب، ترعى الإبل والماشية. •••
يسكن هذه الجزيرة العرب ، وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن العرب ومن حولهم كانوا من أصل واحد، ثم تحضر من حولهم وتخلفوا هم، وقد تحضر سكان الفرات، وتحضر وادي النيل، وظل العرب تغلب عليهم البداوة لما حاصرتهم جبالهم وبحارهم.
وسواء صح هذا أم لم يصح فقد تأخر العرب عمن حولهم في الحضارة، وغلبت عليهم البداوة، وعاش أكثرهم عيشة قبائل رحل، لا يقرون في مكان، ولا يتصلون بالأرض التي يسكنونها اتصالا وثيقا كما يفعل الزراع، بل هم يتربصون مواسم الغيث، فيخرجون بكل ما لهم من نساء، وإبل يتطلبون المرعى، لا يبذلون جهدا عقليا في تنظيم بيئتهم الطبيعية كما يفعل أهل الحضر، إنما يعتمدون على ما تفعل الأرض والسماء فإن أمطروا رعوا، وإلا ارتقبوا القدر، وليس هذا النوع من المعيشة بالذي يرقي قومه ويسلمهم إلى الحضارة، إنما يسلم إلى الحضارة عيشة القرار واستخدام العقل في تنظيم شئون الحياة.
هذه العيشة البدوية هي التي كانت سائدة في جزيرة العرب، وإن كان هناك أصقاع ممدنة كصقع اليمن.
وهؤلاء البدو وأشباههم ينقسمون إلى قبائل، والقبيلة هي الوحدة التي تبنى عليها كل نظامهم الاجتماعي، وهذه القبائل في نزاع دائم، وقد تتحالف القبيلة مع قبيلة أو قبائل أخرى للإغارة على حلف آخر أو لرد غارة، أو نحو ذلك من الأغراض، وقد تمر الأجيال وتنسى القبائل المتحدة أسماءها وشخصياتها، وتنضم تحت اسم واحد هو اسم أقواها، ثم قد يزعمون فيما بعد أنهم من أب واحد وأم واحدة.
وقد عني المؤرخون بنسب القبائل وتفرعها، وألفوا فيها الكتب الكثيرة، ولكن هذه الأنساب في مجموعها كانت ولا تزال مجالا للشك الكبير، «سئل مالك رحمه الله عن الرجل يرفع نسبه إلى آدم فكره ذلك وقال: من أين يعلم ذلك؟ فقيل له: فإلى إسماعيل، فأنكر ذلك وقال: ومن يخبره به؟»
واعتاد النسابون أن يقولوا: إن عرب الشمال من نسل إسماعيل بن إبراهيم، وعرب الجنوب من نسل يقطان المسمى أيضا قحطان؛ وترجع هذه العقيدة إلى ما ورد في التوراة في سفر التكوين، ويسمى أهل الجنوب عادة اليمنيين أو القحطانيين، وأهل الشمال العدنانيين أو النزاريين أو المعديين، ولسنا الآن بصدد البحث في صحة هذا التقسيم، وكل الذي نريد أن نذكره أن هناك فوارق حقيقية بين القسمين من وجوه: (الأول):
أن القسم الجنوبي كان يعيش عيشة قرار، وتغلب عليه الحضارة،
لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور ، وأهل الشمال تغلب عليهم البداوة وعدم القرار. (الثاني):
Página desconocida