El amanecer del Islam

Ahmad Amin d. 1373 AH
108

El amanecer del Islam

فجر الإسلام

Géneros

لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ، وقال يخاطب عيسى:

أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك .

ولم يقتصر النزاع بين النصارى على العقيدة في الله، بل اختلفوا في مسائل أخرى كثيرة: هل ينزل المسيح قبل يوم القيامة أو لا ينزل؟ وهل الحشر يكون للأرواح والأبدان أو للأرواح فقط؟ وهل صفات الله زائدة عن ذات الله، أو هي هي؟ ومن النسطورية من كان يقول بالقدر خيره وشره؛ إلى غير ذلك من أقوال تسرب منها إلى المسلمين كثير وأثار بينهم الجدل، وحق قول النبي

صلى الله عليه وسلم : «لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة»، وسترى أثر ذلك واضحا في الفرق الإسلامية.

وقد لجأت النصرانية إلى الفلسفة اليونانية لتستعين بها على الجدل، ولتؤيد تعاليمها وعقائدها أمام الوثنيين - أولا - ثم أمام المسلمين أخيرا، فكان كثير من رجال الدين فلاسفة كالأب أوغسطينوس (354-430م)، وكانت الإسكندرية هي المركز الجغرافي لمزج الدين بالفلسفة ، فبعد أن كانت مدينة المتحف، والمدينة المعروف عن أهلها النقد وسعة الاطلاع، أصبحت مجمع المذاهب الفلسفية والطوائف الدينية، فسهل الاتصال والامتزاج، والتقى على ضفاف النيل رجال مختلفة آراؤهم، متباينة مذاهبهم، تبادلوا فيها الآراء كما كانت تتبادل السلع، فاتسعت دائرة الفكر، وقورن بين الآراء المختلفة، وكان من نتيجة ذلك ظهور روح جديد أسس على مبدأين متناقضين ممتزجين أحدهما الشك والنقد، والثاني سرعة التصديق، تقابلت في الإسكندرية آراء الشرقيين والغربيين «اليونان» فامتزج روح اليونان بروح المشارقة، فأنتجا عقائد ونظما دينية متأثرة بأمل الأولين وإلهام الآخرين، بما لليونان من علم، وما للمشارقة من أساطير، جاء الروح اليوناني بما له من ذكاء ودقة وقدرة على الشرح المبين، فأصابته شرارة من الشرق أشعلته وأحيته، كذلك أخرج الروح الشرقي - الذي من خصائصه الطموح إلى ما وراء عالم الشهادة - نظاما ملتئما ونظريات مرتبة لم يكن ليخرجها لولا مساعدة العلم اليوناني له، فإنه رتب مأثور الشرقيين وحل من عقد لسانهم، فاستخرجوا العقائد الدينية والنظم الفلسفية التي بلغت الذروة في مذاهب الغنوسطية والأفلاطونية الحديثة، ويهودية فيلون، ومذهب الإشراك الذي وضعه يوليان الصابي، إن الشرقي بما له من ميل إلى الغرب وخوارق العادات، وما في طبيعته من تصوف وتدين، واليوناني بما له من فحص دقيق وبحث عميق، وإن شئت فقل: إن ما للأول من شعور، وما للثاني من تحليل منطقي امتزجا، ونتج منهما فكر خاص انتشر في الإسكندرية في القرون الأولى للميلاد، وقد صبغ ذلك الفكر بصبغتين مختلفين: صبغة الكماليين والصوفيين، وصبغة أهل البحث العلمي، ولذا امتاز هذا العصر بميل الفلسفة إلى الدين، وميل الدين إلى الفلسفة

4 .

الفصل الحادي عشر

الفلسفة اليونانية

في العصور الأولى للمسيح ظهر في الإسكندرية المذهب المعروف «بالأفلاطونية الحديثة»، وكان لهذا المذهب أثر كبير في فلاسفة المسلمين وعلماء الكلام وخاصة المعتزلة والصوفية.

مؤسس هذه المذهب «أمنيوس سكاس» كان أول أمره حمالا، ثم صار معلم فلسفة في الإسكندرية، وقد ولد من أبوين نصرانين، ولكنه صبأ إلى الدين اليوناني القديم، وهو أول المعلمين الإسكندريين الذين حاولوا التوفيق بين تعاليم أفلاطون وأرسطو، ولم يؤثر عنه أي كتاب، ولذلك كانت معلوماتنا عن تعاليمه قليلة، ومات سنة 242 م، ويعد تلميذه «أفلوطين» منظم هذا المذهب وأكبر مؤيديه والمدافعين عنه، بل ربما عد هو مؤسسه، وقد ولد سنة 205م في ليكوبوليس

Página desconocida