الشعر
باسم الله
النور والحياة
أمنية
بسمة
ثالث القمرين
زهرة قرنفل
دمعة
الليل
القبر
حدود العقل
نصيحة
الثوب الأزرق
رجوع العافية
لا تنسي
العصر
ما الحب؟
الثوب الأحمر
عفيفة
الأمل العاثر
أنا
تعزية
شكوى
زهرة القبر
العقد الأسود
النجوى
شرح موجز
العزم المتلاشي
أبو قير
صوت القبر
نظرة إلى الماضي
عزيزة
رأيتك
البحر
نساء الصليب الأحمر
المسئول
المزاج في الحب
الكون مصلى
البحر مرآة الحياة
القطيعة
الهارب
الأختان
المستجير
الغرباء
السابلة
الراحة
نظرة وخطرة
الرسم
جواب
اللاعبة
مجيلة الورق
زر الكهرباء
الراقصة
العينان
المنفرد
النغمة
الداء
سليم وسلمى
العام
الكبرياء
جواب الرسالة
كلمة شكر
الصور المتحركة
حكم عادية
المتشاعر
الحب نور العمر
ضجر
الزهرة الذابلة
وقفة على قبر
إغراء
الأربة الرمادية
السكران
العهد
شجون
القصيدة
التعويذة
المكرمة
على شواطئ الإسكندرية
حيرة الغيور
هند
ثوب المخمل
عقد الكهرمان
بؤس
الوردة والأمل
الطائر والغصن
الموعد
الفؤاد
إيضاح
واجب التهنئة
الشاكي
الشاتم
الخائن
لو ...
المنى والشعر
الشعر
باسم الله
النور والحياة
أمنية
بسمة
ثالث القمرين
زهرة قرنفل
دمعة
الليل
القبر
حدود العقل
نصيحة
الثوب الأزرق
رجوع العافية
لا تنسي
العصر
ما الحب؟
الثوب الأحمر
عفيفة
الأمل العاثر
أنا
تعزية
شكوى
زهرة القبر
العقد الأسود
النجوى
شرح موجز
العزم المتلاشي
أبو قير
صوت القبر
نظرة إلى الماضي
عزيزة
رأيتك
البحر
نساء الصليب الأحمر
المسئول
المزاج في الحب
الكون مصلى
البحر مرآة الحياة
القطيعة
الهارب
الأختان
المستجير
الغرباء
السابلة
الراحة
نظرة وخطرة
الرسم
جواب
اللاعبة
مجيلة الورق
زر الكهرباء
الراقصة
العينان
المنفرد
النغمة
الداء
سليم وسلمى
العام
الكبرياء
جواب الرسالة
كلمة شكر
الصور المتحركة
حكم عادية
المتشاعر
الحب نور العمر
ضجر
الزهرة الذابلة
وقفة على قبر
إغراء
الأربة الرمادية
السكران
العهد
شجون
القصيدة
التعويذة
المكرمة
على شواطئ الإسكندرية
حيرة الغيور
هند
ثوب المخمل
عقد الكهرمان
بؤس
الوردة والأمل
الطائر والغصن
الموعد
الفؤاد
إيضاح
واجب التهنئة
الشاكي
الشاتم
الخائن
لو ...
المنى والشعر
الفجر الأول
الفجر الأول
تأليف
خليل شيبوب
إلى: أ ... أ ... أ ...
خ. ش.
مقدمة
إلى مطالع هذا الديوان
بقلم خليل مطران
خليل شيبوب صديقي، أرادني لأقدم ديوانه؛ حبا للخليل وكرامة. خلته مستحييا مما يسومني، ما أعظم تواضعه! تالله إنه ما كان مجشمي صعبا إلا أن يدعوني إلى غير ما ألفت من الصدق، وهذه فرصة أشكرها له؛ لأنه قيض لي بها أن أبدي رأيي في الضرب الذي آثره من الشعر على سواه، أقول من الشعر، وأرجو أن يفرق القارئ - كما فرقت - بين معنى الضرب من الشعر، وبين معنى الضرب في النظم.
الناطقون بالضاد في هذا الأوان فريقان في تصور كنه الشعر؛ أحدهما يراه على المذهب المعروف كما وضع أصله في الجاهلية، وعدل بعض الشيء في صدر الإسلام، ويأبى له إلا أن يكون على النحو والأسلوب اللذين كانا منذ البدء، وبالرصف والترتيب اللذين بقيا هما هما إلى الساعة، وربما لم ير بأسا في استمرارهما هكذا إلى قيام الساعة.
أما الفريق الثاني فيرغب - مع الحرص على سلامة اللغة وفصاحة التعبير وجمال الديباجة - في مجاراة سائر الأمم من غربية ومن شرقية غير عربية اللسان، على النوع الذي آثروه من الشعر بلا محاكاة آلية، ولا تقليد أعمى كما يقول بعض كتابنا، وهذا النوع الذي نعته الغلاة جورا بالأوروبي أو الأعجمي، وأنصفه المعتدلون المراعون لأحوال الزمن والبيئة والمعيشة والتحول الفكري في الفرد والجماعة، فأسموه بالعصري؛ لم تبد منه في آدابنا إلا طلائع قليلة حتى الآن، ولسوء الحظ كان أقلها مما له قيمة تغري بانتهاج هذا النهج، قبل هذا الديوان.
إن الذين يجيدون الشعر من الضرب الأول، يدلونني على أنهم أتقنوا المحاكاة صوتا والمضاهاة صناعة، لأناس كرروا الجهر بذلك الصوت، والزخرفة بتلك الصناعة دهرا طويلا.
أما مكان نفسيتهم من كل هذا، فلا أراه، أو هو إن تراءى لي فليس إلا شيئا مبهما مغيبا غير واضح الصور، ولا مفسر الرموز.
في حين أن الذين يجيدون الشعر كما توحيه سجيتهم، ويودعون فيه حساتهم بألفاظهم وفي العبارات التي يتخيرونها لها بمحض خيرتهم، قد يفوتهم بعض الصيغ التي أقررناها بالعادة، وقبلناها على أنها الفصحى، ونفينا ما سواها بحكم العرف الذي قدسه القدم وسوده في مخيلاتنا كما سود الأوهام في معظم عقائد الأمم؛ ولكن نفوسنا تشعر كل الشعور بكل ما أودع في تلك المنشآت الجديدة من الوجدان، وترى جلي الرؤية أدق ما رسم فيها من الصور، فإذا أتت على القصيدة أو الديوان تبينت نفسية الشاعر بحقيقتها، وتصورت له شخصية بعينها، لا تمتزج بشخصيات الآخرين من متعاطي هذه الصناعة، غير ظانة لحظة أن المفردات المستظهرة والجمل المحفوظة هي التي عينت له مواضعها من منظومه، لا وحي ضميره، ولا طرب الباعث الذي تحرك في طي جوانحه.
وإنه لغريب أن نكون وحدنا بين الأمم، وقد أقول وحدنا دون سائر الأمم، لا نفكر إلا ما فكره قبلنا أهل لغتنا، ولا نحس إلا ما أحسوه، ولا نتصور إلا ما تصوروه، على تباعد وجوه الشبه بين كل شيء من ظروف زماننا ومكاننا، وظروف أزمنتهم وأمكنتهم.
النوع الثاني من الشعر هو الذي آثره خليل شيبوب، وكل ما نظمه داخل في بابه على ما سيجده المطالع؛ ففي هذا الديوان لن تكون الضالة المنشودة بيتا يجاد، أو مفردات يبالغ في اختيارها، أو عبارات يبحث جد البحث عن وسائل تلفيقها؛ ليرضي عرضها وإن لم يكن لها جوهر، بل ها هنا ستقرأ الشعر؛ لتعرف ماذا أراد الناظم أن يقول به من المعنى الجديد، أو أن يصف من الإحساس على مثال غير مسبوق، فمن يتصفح مثل هذه المجموعة فإنما يتصفحها بشوق المتشوق إلى معرفة نفس الشاعر والتأثر بمؤثراته، وبالرغبة الصادقة في استطلاع ما تسنى لذلك القلب الخفاق والروح الخلاق، أن يبدع من إشارة، أو يجدد من تشبيه أو استعارة، أو يرسل في صفة خاصة من مطلع في الكلام، أو يهيئ من مقطع حلو في ختام؛ إذ إن المكوث آخر الدهر عند عادات عرفت حتى تنكرت، والأخذ بلا ملل على توالي العصور بألفاظ قررت ومعان مجت من فرط ما كررت، كل أولئك إذا طلبه القارئ فليدع هذا الكتاب، وسوف يدع الديوان تلو الديوان مما يصدر بعده؛ لأن الرقي غلاب ، وله الفوز في المآب؛ ولأن العامة إن أصرت على الجمود وهو التأخر أو صورة من صور الموت، فمن الخاصة من كشيبوب يأبى إلا التحرك إلى الأمام، وبهؤلاء النجاة وهم في الحقيقة طليعة النجاح ورسل الحياة.
الشعر
لأمير الشعراء أحمد شوقي بك
ما وصل من تهوى على أنسة
بالبدر في ظل الربيع الظليل
على بساط نسجته الربى
شتى الحلى والوشي غض طليل
أبدى الرياحين وأهدى الشذا
وجر أذيال النسيم العليل
واستضحك الماء فهاج البكى
في كل خدر لبنات الهديل
بالمجلس الممتع ما لم تزد
فيه ابنة الكرم وشعر «الخليل»
شعر جرى من جنبات الصبا
يا طيب واديه وطيب المسيل
فيه روايات الصبا والهوى
تسلسلت أشهى من السلسبيل
قد صانها الشاعر عن حلوة
في مفضل أو مرة في بخيل •••
شيبوب ديوانك باكورة
وفجرك الأول نور السبيل
الشعر صنفان فباق على
قائله أو ذاهب يوم قيل
ما فيه عصري ولا دارس
الدهر عمر للقريض الأصيل
لفظ ومعنى هو فاعمد إلى
لفظ شريف أو لمعنى نبيل
واخلق إذا ما كنت ذا قدرة
رب خيال يخلق المستحيل
ما رفع القالة أو حطهم
إلا خيال جامد أو منيل
من يصف الإبل يصف ناقة
طارت بهم وارتفعت ألف ميل
سائل بني عصرك هل منهم
من لبس الإكليل بعد الكليل
وأيهم كالمتنبي امرؤ
صواغ أمثال عزيز المثيل
والله ما موسى وليلاته
وما لمرتين ولا جيرزيل
أحق بالشعر ولا بالهوى
من قيس المجنون أو من جميل
قد صوروا الحب وأحداثه
في القلب من مستصغر أو جليل
تصوير من تبقى دمى شعره
في كل دهر وعلى كل جيل
شوقي
باسم الله
لا بد لكل كتاب من مقدمة تهيئ الأذهان لقراءته مجاراة للطبيعة في شتى كتبها؛ إذ نقرأ للنهار مقدمة الفجر، ولليل مقدمة الشفق، وللبحر مقدمة الشاطئ، وللربيع مقدمة الطيور، والحب مقدمة الحياة!
ولعل تلك المجاراة إحدى غايات الفن، بل لعلها أهم تلك الغايات.
على هذا سألت سيدي الصديق الكبير، شاعر القطرين، خليل مطران أن يقدم هذه الأوراق إلى القراء، وسرعان ما أجاب على ذلك السؤال بالقطعة الشائقة المدرجة في صدر هذا السفر، فشكرا له على عطفه ولطفه، ولا بد أن يكون قد نظر إلى شعر الكتاب بعين الرضى، وفيما خلا هذا، فإن في تلك المقدمة من الحكم الغوالي ما يجب أن يتدبره كل متعشق لهذه الصناعة. •••
لما افتك الحاضر قيود الماضي، ونفض عن الشعر غبار التقييد والتقليد، وقف الشعراء بين حيرتين: حيرة اللفظ وحيرة المعنى، فمنهم من نبذ اللغة وقواعدها وأساليبها، ورمى بكل ذلك التراث الفخم عرض الحائط، صارفا جهده إلى المعنى، مغاليا فيه ما شاء، مقيدا كل آبدة تسنح له، مبالغا في تقصي آخر ما تستلمح مخيلته، متخيرا له من اللفظ ما يلتبس عاميه بفصيحه وجميله بقبيحه، فثأرت اللغة لنفسها من هؤلاء بما أضعفت من معانيهم، وأفسدت من صور خيالهم؛ لما أنهم ثائرون عليها، متنكبون عن جادتها، وهل يصح الرسم إذا اختل قلم الراسم، أو تثبت القدم إذا وعرت الطريق؟ لأنه مقضي على المرء أن يعبر عن المعاني غير المتناهية في نفسه بلفظ متناه محدود، فاللفظ للمعاني ثياب لا بد من إتقان صنعها والتوفيق بين ألوانها وهيئتها؛ لئلا تصير مدعاة للضحك والسخرية؛ لذلك كان كثير من شعر هؤلاء شنشنة تنبو عن سماعها الآذان، ورطانة لا تظفر الأفهام بشيء منها.
أما الآخرون؛ فإنهم احتفظوا باللغة سليمة مما يشوب جمالها، ثم عالجوها للمعاني الجديدة، فلم يوفقوا إلا قليلا، فكان شعرهم أجوف لا يهز عاطفة ولا يحرك ذهنا؛ لأنه لا هنا ولا هناك، كدرداب الطبل يوقظ النائم؛ ولكنه يصدع الرأس.
إنه يجب التعبير عن المعنى الصحيح باللفظ الفصيح، وكل معنى لا يجدد في الذهن صورة نادرة أو فكرة سامية فهو سقيم، وكل لفظ يصور المعنى بوجه التقريب أو يكدر صفاء الصورة في الذهن فهو عقيم، ونحن اليوم ألح ما نكون حاجة إلى ابتكار المعاني، وتنسيقها وجلائها، والتعبير عنها بلفظ يلائمها، على أن طائفة من نوابغ المحدثين تتمشى اليوم بشعرها في هذا السبيل، وقد وفقت فيه أحسن توفيق، والمستقبل كفيل الرقي.
ليس الشعر وحيا يهبط من السماء، وليس قائلوه من الأنبياء، وإنما هو قوة في الشعور والخيال، وقدرة على تصوير هذه القوة؛ حتى تدخل في حيز من المكان والزمان.
الشعور والخيال جناحان تطير بهما نفس الشاعر إلى مراقي الفن الأبدية، وترفرف بهما على الحياة، تستشرفها استشراف الطائر وجه البسيطة.
والفن شمس الحياة تنير مكامنها المظلمة، وتدل على مخابئها البعيدة، وتزيد في جمال صورها البارزة، فتستجليها العيون على قدر ما أعطيت من قوة الباصرة.
وقد امتزج الفن بالحياة، وامتزجت الحياة بالطبيعة، وكأن الشعر روح تتنفس عنه هذه الطبيعة، فوجب النزول إلى معالجتها، واستفتاح مغالقها، واستيعاب حكمها، واستيضاح زخارفها، وفي هذا ما فيه من الجهد والصبر، ولا كمال في الشعر كما أنه لا كمال في الفن، وإلا ما كان هذا فنا وذلك شعرا. •••
إن من يمعن في الشعر الحديث نظرة استقصاء، لا بد له من التنبه إلى أمر جلل، وهو أن النشء الحاضر عامل على مجاراة المدنية السكسونية في الترامي وراء العويص الشاذ من خيالها ومعانيها، بينما كان النشء السابق يستوحي المدنية اللاتينية، ويتقرب إلى طرائق رجالها والشعراء منها، ولا شك أن الشرقيين بطبائعهم وغرائزهم ونزعة نفوسهم إلى شرود الخيال، الذي تزنه الحكمة بمعيار الحياة، حتى تدني أقصى ما قصي منه، لا شك أنهم بذلك أقرب إلى محاكاة المدنية اللاتينية بما يحولونه منها إلى لحمهم ودمهم؛ لتستقل بذلك نفسيتهم وتبرز شخصيتهم، ولا يجهل المعنيون بهذه الإشارة أن المدنية السكسونية بنت المدنية اللاتينية، وأن مذهبها في الخيال (
romantisme ) قد نشأ في فرنسا، ثم عبر نهر الرين إلى ألمانيا ومنها ركب البحر إلى إنكلترا؛ لأن مبتدعيه برناردان دي سان بيير، وجان جاك روسو، وشاتو بريان، وما في هؤلاء من نظم قافيتين، وقد استوهبهم إياه غوته العظيم، وعنه أخذ بيرون وشلي وغيرهما، ولكن الآخذين تفردوا به لقوة طبيعة التحويل في نفوسهم حتى كأنهم مبتدعوه، ومن مدهشات التطور أن هذا المذهب بقي متابعا سيره حتى عاد إلى مهده فرنسا مصطبغا بصبغة جديدة، فتناوله لامارتين، وموسه، وهوجو، ومن نحا نحوهم.
نعم ، لا وطن للفن، ولكن لكل أمة ميزة عما سواها؛ لذلك نرى أن استقاء ذلك المذهب من منبعه أوفى بالحاجة منه، وأتم انطباقا على طبائعنا وحياتنا الشرقية، بما يلائمها ويتفق معها، حتى يجيء الرقي حثيثا، ويصقل الوضوح شعرا، إنما عيبه اضطراب معانيه وبعده عن المألوف في عيشتنا، وإنما ينظم الشاعر لأهل لغته من الأجيال الحاضرة والمقبلة. •••
وبعد، فهذا شعر نظمته لأروض به نفسي في خلواتها، وأرضيها بما يجدد بهجتها في أفراحها، أو يسليها همومها في أتراحها، فإن أحسنت فلي أو أسأت فعلي، وفي هذا الشعر ما فيه من تردد الضعف وذهول الحيرة وتنفس الصعداء، غير أن الإخلاص شفيع له، وكفى بالشاعر بؤسا أن يرمي بقلبه إلى الناس، وأن يطرح بين يدي الجمهور خاصة دخلته، يفسدها عليه ذوو النيات المبهمة والغايات المتهمة، حتى ليضلونه عن صواب حسه، ويزهدونه في يومه وأمسه، فلغير هؤلاء ينظم الشعر، والله ولي الأمر.
خليل شيبوب
أغسطس سنة 1921
النور والحياة
أحب الضحى وأحب المساء
وأهوى الظلام وأهوى الضياء
ووقتا ترفرف روحي فيه
ينازعني من بقائي البقاء
معاني الحياة كأوقاتها
فما سر سر وما سيء ساء •••
إذا الشمس أرسلت النور لاحت
كنبع عقيق تدفق ماء
وسال كتبر أذيب وصب
على الكون يسقي الفضا والهواء
ترقرق مثل دموع العذارى
حسبت الخدود لهن إناء
وما البدر في الليل إلا لجين
يذوب سنى وينير السناء
كأن الحسان لبسن الحداد
وأسفرن عن كل وجه أضاء
وإن خيم الليل قام السواد
بهيما كعقل أضاع الذكاء
كأن الغواني نشرن الشعور
وسترن أوجههن حياء
فشمس الصباح عقيق يسيل
ونحن دعونا العقيق ذكاء
وبدر الظلام لجين لذاك
يلألئ نور اللجين صفاء
وليس الدجنة إلا فناء
إذا ما تراءت لنا يتراءى
وما قولنا الشمس والبدر والصبح
والليل في العمر إلا امتراء •••
وإن الحياة لتقضى كذل
ك طورا ظلاما وطورا ضياء
وما اختلفت غير عين تراها
شقاء وعين تراها هناء
وما النور إلا الحياة فهذا
رآه صباحا وذاك مساء
11 يوليو سنة 1912
أمنية
إلى: أ ... أ ...
ألا ليتني وحبيبة قلب
ي في روضة أنف زاهرة
فنمشي أطوقها بالذراع
وأنشق أنفاسها العاطرة
نسير كذلك جنبا لجنب
وعيني إلى عينها ناظرة
فأقرأ في وجهها للطبيع
ة أكبر آياتها الساحرة
وتعقد من فوق هاماتنا
مظلاتها الأغصن الناضرة
ونلعب في المرج مستأنسين
بصوت عصافيره الطائرة
تقبل أذيالها الزهرات
وهي بتقبيلها فاخرة
تداعب هذي الأزاهر لطفا
وتجني أناملها الماهرة
وتصنع منها صفوفا صفوفا
لتكليل هامتها الزاهرة
فتعقصها من هنا وهنا
ك ناظمة جمعها ناثرة
وترنو إلي كما تتأل
ق في جوها الأنجم السافرة
فأفدي بروحي وأهلي ومالي
محاسنها الغضة الباهرة
وتقطف بعض ثمار الغصون
وتطعمني يدها الطاهرة
ونأتي إلى النبع نشرب في ال
أكف من الجرع الفائرة
ونجلس فوق الحصى نتحد
ث عن كل واردة صادرة
وفي الليل نرعى نجوم السماء
ونرقب أفلاكها الدائرة
نناجي الغرام وخلاقه
بأعماق أرواحنا الساهرة
تباركنا الشمس كل صباح
بنور أشعتها الفاترة
وننشق ملء الفؤاد الهواء
فتنعشنا النسم العاطرة
وتبسم لي وتجيء بقربي
فتؤنسني الظبية النافرة ... ... ... ... ... ... ... ...
سعاد فريدة عقد الحياة
ودرتها الحرة النادرة
إذا تم لي بعض «أمنيتي»
سمحت بدنياي والآخرة
22 نوفمبر سنة 1912
بسمة
أرأيت الحبيب في الحلل السو
د كشمس بها تحف الغيوم
في ثياب الحداد بين لدات
هي سعد الحمى وهن النعيم
خاطرات يمسن عن خيزران
ناعم وجههن صبح وسيم
في رياض مثل السماء صفاء
هي بدر بها وهن النجوم
رنحتني بلحظها حين مرت
مثلما رنح الغصون النسيم
بسمت عن لآلئ وعقيق
فكأن اللثات عقد نظيم
ما ألذ ابتسامة من فم المحبو
ب إن كان رمزها التسليم
هي فجر الآمال في مشرق العم
ر يراه المخيب المحروم
هي نور الفؤاد قد شف عنه
ثغر حب به الفؤاد يهيم
إنما الحب طفرة النور في القل
ب وسر الغرام سر قديم
وكذا العمر مطلع السعد فيه «بسمة» والحياة ليل بهيم
8 ديسمبر سنة 1912
ثالث القمرين
في تنصير حبيب بدران، نجل الكاتب الكبير عبده بدران.
حبيب أيا ثالث القمرين
وتاجا على هامة الفرقد
ولدت طهورا وإن حملوك
خطيئة آدم في المولد
وروحك أطهر من كل نور
وجسمك أنقى من العسجد
لئن نصروك فهذا التطو
ع ذكرى وريا الفؤاد الصدي
نعيد فيه فداية عيسى
ونكرم فاديك والمفتدي
بعثت من الماء كالشمس تب
عث من بحرها فجر كل غد
وزدت على بهجة بهجة
وفزت من الحسن بالأزيد
كما عبق الزهر غب حياء
وقام بثغر نقي ندي
فدم يا حبيب القلوب حبيبا
تهنأ في العيش بالأرغد
وتنشأ بين خيار الرجا
ل يا طيب الأصل والمحتد
15 ديسمبر سنة 1912
زهرة قرنفل
آمنت أنك روضة فيها غدا
طير الجمال مهللا ومسبحا
هذا قوامك غصنها الرطب الذي
في رأسه زهر القرنفل فتحا
دمعة
على رفيق الصبا المرحوم شاكر إبراهيم
راح ابن إبراهيم فرع العلا
فعطلت منه عيون الحلى
مات وأيام الصبا غضة
والعمر رخص ناعم أقبلا
مات وفي الدوح حماماته
سواجع قد فقدت بلبلا
تبكي وتستبكي عليه الندى
دمعا رخيصا لسواه غلا
الغصن في روضته ذابل
لموت غصن عز أن يذبلا
والأفق مربد الضيا شاحب
والنجم موار السنا أجفلا
والبدر رحال بأبراجه
يسأل عن بدر غدا في البلى
أنزل في بطن الثرى بعد أن
كانت له أرواحنا منزلا
كان مزيل الهم إيناسه
واليوم مغنى الأنس منه خلا
قولوا لسالي ودنا كارها
والله ما منا فؤاد سلا
يا مطرب الرفقة في محفل
قد كان يشجو صوتك المحفلا
صوتك للداء دواء به
يشفى ويشقى العاشق المبتلى
لهفي على «يا ليل» منه وقد
كانت بها الليلات بيض الطلى
لهفي على عمرك وهو الذي
بدا غزير الخير لو أمهلا
لهفي على روحك بنت الرجا
أوصافها ساطعة مندلا
1
لهفي على عقلك لهفي على
علمك يا شاكر لهفي على
علم بروض الصدر دوحاته
تسقي النهى أغراسها سلسلا
كيف حواها القبر في ضيقه
والبحر لا تحويه رحب الفلا
الفضل والمعروف قد يتما
واللطف والرقة قد عطلا
يا أهله لا تسبلوا مدمعا
فالفجر عنكم دمعه أسبلا
لا تندبوا فالطير ندابة
لا تعولوا فالغيث قد أعولا
3 يناير سنة 1913
هوامش
الليل
أنا بين الأمراض والحسرات
ذهبت صبوتي وضاعت حياتي
كم دعوت الممات دعوة يأس
عالما أن راحتي في مماتي
باكيا ليس من يكفكف دمعي
شاكيا ليس من يجيب شكاتي
رق قلبي الخفوق حتى تلاشى
وجرى ذائبا مع العبرات
وقضت مهجتي الضعيفة مقذو
فا بها في النحيب والزفرات
فارحموا مهجة قضت وفؤادا
مقويا في أضالع مقويات •••
أنا في الليل مثل سر عجيب
في فؤاد خال من العاطفات
أنا وحدي سهران مضطرب بي
ن نيام بأنفس هادئات
كطريح في جوف رمس رحيب
قد أحاطت به بوالي رفات
ظلمات ولا شعاع رجاء
مؤنسا في حوالك الظلمات
أيها الليل أنت مرآة حظي
قمت تدني إلي يوم وفاتي
حبذا الموت يا ظلام فإني
تاعس الحظ قد سئمت حياتي
القبر
على سفح ذاك التل من جانب الحمى
له جدث في الأرض قد طاول السما
مطل على البحر المحيط وقد حوى
أجل من البحر المحيط وأعظما
يحييه نور الشمس في كل مطلع
ويبكي عليه الصبح دمعا معندما
ويحنو عليه الليل وهو مروع
فيطلع أقمارا عليه وأنجما
أحاطت به الأشجار وهي كأنها
حزانى لديه شاكيات تألما
تمد إليه الظل يعبس وجهه
إذا ما شعاع في الغصون تبسما
وتؤنسها ندبا وشجوا حمائم
هواتف فوق الغصن تعقد مأتما
يمر به الغادي فيسكب دمعة
ويطرق حزنا ضارعا مترحما
يسير وما بين الجوانح نزعة
إلى اليأس تذكي دفتيه تضرما
على والد لم يخلق الله مثله
بميتته أشقى يتامى وأيما •••
أبي كنت تنسي اليتم كل ميتم
بموتك أضحى مرتين ميتما
توسعت في المعروف حتى ملكته
وحيدا فلما رحت راح مقسما
وكنت كبير العقل والقلب والنهى
وكنت الأبر المستحب المفخما
وكنت طهور النفس والدين والحجا
وكنت الأبي الأريحي الميمما
شمائل يرويها النسيم وقد سرى
عليلا على القبر الكريم مسلما •••
أبي لو تراني واهي الروح باهتا
أجرر جسما خاويا متهدما
يقطع قلبي الداء والداء قاتل
إذا ثار أصلى واستبد وحطما
أروح وصدري مفعم بهمومه
وأغدو وقلبي بالمصائب أفعما
نعم لو تراني ينفث الصدر روحه
رأيت إذن هولا ويأسا تجسما
فليتك لما مت متنا معا لكي
نرى الترب أجرا والنهاية مغنما •••
غدت لك روح في السماء أمينة
وجسمك في الدنيا إلى الأرض أسلما
وإني على هذا وتلك موله
فويلي من الدنيا وويلي من السما •••
لقد أرسلوا رسما إلي أرى به
جمالك ميتا بالردى متلثما
أطاف به أحبابنا تبعث الأسى
لواحظهم حول المفارق حوما
رأيتهم لا يمسك الصدر قلبه
عليك وجوما من أسى وتألما
ومنشورة الشعر التي طار لبها
شعاعا وقد صار الفراق محتما
غدت تستجير الموت والموت جائر
وأنت مهيب الصمت لن تتكلما •••
أبي، أين ما كنا عليه فإنني
أرى اليوم عمري حالك اللون مظلما
ولست أرى صبحا ولست أرى دجى
ولكن أرى شيئا من الليل أقتما
تكاثر فيه الهول والويل ضاربا
عليه شحوبا بالخطوب مخيما
تطايرت الأشباح حولا عيونها
به مثل نيران تقاذف مرتمى
ترجرج قلب الجو والجو أربد
أسالت على أكنافه نارها دما
لعمرك لم يمن امرؤ بمصائب
أشد من اللائي عرفت وأعظما •••
ألا وقفة يا قبر تطفئ لوعة
وتسعد هذا المستميت الميتما
أذيب سواد المقلتين تفجعا
وأسقي الثرى حتى يحن ترحما
وأسأله عن والدي كيف حاله
وقد أنزلوه فيه ضيفا مكرما
وأسأله رفقا ولطفا بضيفه
وحقا له أن لا يضاع ويهضما
أيا قبره في كل يوم وليلة
عليك إله العرش صلى وسلما
أبريل سنة 1913
حدود العقل
إلى سيدي الكريم، الأخ توما اسطفان، مفتش اللغة العربية بمدارس الفرير.
إله الورى أين المواعيد والذكر
ظمئنا وعن أبياتنا انقطع القطر
لقد شاخ هذا الكون وانهد أسه
كأنا به الأموات وهو لنا قبر
تنكرت الشمس الإلهي نورها
وقد أصبحت صفرا أشعتها الحمر
وبدر الدجى قد كاد يخفي ضياءه
علينا فهل من شرنا غضب البدر
فلا مبسم يجلو عن القلب غمه
ولا نظر يهتز من سحره الصدر
ولا نسم في بردها طيب الشذا
ولا شفق من نوره اندفق التبر
ولا أصل في خيطها لمع بارق
تنير منار الطوق أنجمه در
بلى ارتجفت أم النجوم وأجفلت
ولا كوكب إلا ملامحه كدر
يسير إلى البحر الخضم ليرتمي
به فيواريه ويبتلع البحر •••
إله الورى هل نظرة من عناية
يرد بها عن كوننا النظر الشزر
ألم تر أن اللؤم والغش والخنا
تناهت وقد مات التعفف والطهر
عبادك في تيهاء كونك سافروا
فأين ضياء يستنير به السفر
تمشت سموم المخزيات بجسمهم
فلا قلب إلا ملء أوداجه الغدر
أقلهم جاها تكاثر فضله
وليس قليلا من فضائله كثر
وأصبح شر الناس فعلا أجلهم
مقاما كأن العز يصحبه الشر
وما الناس إلا ذو جحود ومؤمن
فللجاحد النعمى وللمؤمن الضر
الحسن
رأيت نساء كالصباح صباحة
ترف عليهن البشاشة والبشر
مشين خفافا لاهيات كأنما
يشق عمود الليل في المشرق الفجر
ومسن بقد الخيزرانة ناعما
ورحن بثغر الأقحوانة يفتر
وغازلن فتيان الحمى بنواعس
ترقرق في أجفانها الحب والسحر
لقد كن للقلب المقطع بلسما
ويسرا لذي عدم إذا ذهب اليسر
مررن كما مر النسيم مهينما
ونمن فلا عرف هناك ولا نكر
وزال عبير كن ينشرن طيبه
وصرن ترابا ... هكذا يذبل الزهر! ...
ذهبن ولم يشفق عليهن قانص
من الموت قح لا ينهنهه زجر
فما هذه الأجسام يخفق قلبها
وما هذه الأرواح والخلق الغر •••
القوة
وأبصرت أبطال الحروب كأنهم
من الطود بأسا لا يروعهم الذعر
إذا ضربوا بالسيف طاحت ممالك
وإن أغمدوا لم يأمن السهل والوعر
وإن نظروا شزرا فما البرق في الدجى
وإن حدقوا راعت عيونهم الحمر
ولكنهم مالوا سريعا وجندلوا
كما انحط صخر أو كما انحدر النسر •••
الذكاء
وأبصرت شبانا تلهب لحظهم
ذكاء وفهما واستوى لهم الفخر
وعاطتهم العلياء بنت كرومها
فداموا كبارا لم تنل منهم الخمر
هم ناهزوا الشعرى ضياء ورفعة
بوري نهى يعلو به الصيت والقدر
تضاحك ثغر الدهر عجبا وهكذا
بأمثالهم من نفسه يعجب الدهر
ولكنهم لم يلبثوا أن تقهقروا
سراعا إلى البلوى فواراهم القبر •••
ألا إنهم جاءوا وإنهم رأوا
وإنهم ذاقوا وإنهم مروا
ولم يبق من حسن ومن قوة ومن
ذكاء سوى شيء يردده الذكر
وما فهموا معنى الذي أبصروا كما
تزيغ عيون الشرب
1
أثقلها السكر
فقام أناس يطلبون بثأرهم
وهل لهم في الغيب عند القضا ثأر
أغاروا بمرخي العنان مطهم
من العقل لكن عيبه الشكل
2
والأسر
فلاسفة في البحث لجوا وإنما
رأوا لججا في البحث ليس لها سبر
أرادوا من الأكوان كشف غوامض
محصنة كالبكر يحضنها الخدر
وما برحت في الجسم والروح عندهم
أقاويل من تسطيرها نضب الحبر
فلما رأوا للجسم حلا لأنه
تواصل أوصال نبا العقل فاغتروا
وألووا على الروح الحرون عنانهم
ولكن كبا في شوطه بهم المهر
وآخر أمر أنكروها لأنهم
عيوا وبحكم الطبع قد أنكر الحشر
هي الروح مجموع القوى في اعتقادهم
متى يتلاشى الجسم يودي بها الكسر
وإنك مجموع العناصر كلها
فأنت الهوا والأرض والماء والجمر
ونحن قطيع شارد متقطع
كما شردت في الدو
3
سائمة ضمر
نعم، هكذا قالوا وهذي علومهم
لها كل يوم في صحائفهم نشر
فمالك عنهم ساعة الذود صامتا
وعند تلافي الخطب هل يحمد الصبر
وأعظم ما بي أنني لست فاهما
لصمتك معنى عنده يكشف العسر •••
فما اسمك يا رب السماوات قل لهم
ومن أنت يا من دونه أسدل الستر
ومن دونه سبع طباق ودونها
بروج وأفلاك يحاربها الفكر
فقل لهم: ألأرض والبحر مسلك
إلى عرشك السامي الذرى والورى سفر
وقل لهم: أعدى عدو ابن آدم
هي الروح إن لم تستقم فهو الخسر
لعل لهم روحا لعل لهم نهى
لعل لهم قولا يصح به العذر
وإلا فبدد شملهم وإلى متى
بهم وبهاتيك الأضاليل تغتر
بكفك أرواح العباد تعلقت
كما حملت أثمارها الأغصن النضر
أمط عن محيا الكون عجمة جهله
وأعربه حتى لا يظل به سر
أبن للذي يرنو إليك بمقلة
يسيل على الخدين من مائها نهر
وقل ما الذي قبل الحياة وبعدها
ومن أي نسج ساحر نسج العمر
أحقا كتاب ذلك الكون كله
وكل له ما بين أوراقه سطر
وهل عيشنا تشكيل أحرف سطرنا
فهذا له نصب وذاك له جر
وذاك سكون مستديم تضمه
عليه صروف الدهر والمحن الغبر
كأن بني حواء ألفاظ منشئ
فعليتهم نظم وسوقتهم نثر
هل الناس والأفلاك والصبح والدجى
وهل صبوة الإنسان والجاه والفخر
سوى معضلات إن توخيت حلها
وردت وبي أمر وعدت وبي أمر
وأدركني شك بأنك كائن
وهمت بواد من معارجه الكفر
ولكن إيمانا بقلبي موطدا
يرد جماح الفكر إن جمح الفكر ... ... ... ... ... ... ... ... •••
ألا حبذا العبد الذي أنت ربه
وما العبد من والاك لكنه الحر
وطوبى لمن يرضيك فعلا فيقتني
رضاك له كنزا وأنت له ذخر
كما امتاز توما اسطفان تورعا
فميزته بالعلم وهو له أجر
أتوما وفضل الله عندك واضح
علمت فعلمنا ومنا لك الشكر
أبريل سنة 1913
هوامش
نصيحة
القبيحة جميلة صنعة، والجميلة جميلة بلا طاء.
رونسار
إلى آنسة
لا تقتدي بهم إذا شاهدتهم
ألفوا صباغ الوجه أبيض أحمرا
لو أنهم يدرون عاقبة الطلا
فزعوا بأوجههم إلى رب الورى
خدعوك بالمثل القبيح كما هم
خدعوا به وغدوا مثالا منكرا
هذي وجوههم انظريها كلها
لطخ نبت ذوقا وساءت منظرا
أنت الجميلة تفخرين عليهم
تيها كما فخر الشقيق العصفرا
أنت الشبيبة غضة ضحاكة
أفتقتلين بها الحياة تحسرا
والعاج أنت نقاوة وطهارة
والفجر رفاف الجوانب نورا
والظبي مكحول النواظر ساحر
والغصن ملك الروض يزهو مزهرا
والشمس طالعة تموج نورها
في المشرقين فكان أبهج ما يرى
فلأي شيء تعشقين غمائما
ربدا تبرقع وجهك المتنورا
ولأي شيء تطرحين أزاهر ال
غصن النضير لكي يجف ويكسرا
ولأي شيء تمنعين الظبي أن
يرنو كحيل الطرف أحوى أحورا
ولأي شيء تسترين الفجر بال
ليل البهيم مشوها ومكدرا
ولأي شيء تخبئين العاج في
ترب فتختبئ الثريا في الثرى
صوني المحاسن في عيونك محضة
وتمتعي بالعيش عذبا أخضرا
الفرق ما بين الحرائر والفوا
جر وجههن لناظر لن يخبرا
فدعي التبرج والتحلي وابسمي
تستنزلي النجم الأغر الأزهرا
إن المليحة صنعة الرحمن لا
صنع السحوق مزوقا ومزورا
22 مايو سنة 1913
الثوب الأزرق
فاخري بالذي لبست السماء
أنت بدر التمام فيها تراءى
كل ما تلبسين حلو جميل
مستمد منك السنى والسناء
زدت حسنا إن السماء وشاح
لك صارت غلالة زرقاء
درة تلبس البحار وجسم
بصفاه كالماء يلبس ماء
كوكب ثوبه الفضاء وغصن
قد تردى أوراقه الخضراء
نسجت ذلك القميص العيون الزر
ق تكسو الحمامة البيضاء
تتهادين عزة وجلالا
وجمالا ومنعة وإباء
لك ثغر غض على جانبيه
طبع الحسن آيتيه رواء
1
وابتسام ترقرق السحر فيه
يبعث الحب والمنى والرجاء
وعيون سود بها سكب الله
شعاعا يحيي النفوس غذاء
فالبسي ما يشاء ذوقك وابقي
قرة العين بهجة وصفاء
واسرحي وامرحي وتيهي ودلي
واسلمي واغنمي الحياة هناء
30 مايو سنة 1913
هوامش
رجوع العافية
شمس الصباح شقيقة البدر
عوفيت من ألم ومن ضر
وسلمت من ضيم ومن شر
شكرا لربك قد رجعت إلى
نور الشباب ضحوكة جزلا
محفوفة بالأنس والبشر
لا تجزعي من حادث نزلا
البدر يكمل بعد أن أفلا
ويعود ملء العين والفكر
ما ضر وجهك صفرة عرضت
سترينها قد زايلت ومضت
وجلت بياض جمالك النضر
الوردة الحسناء في الخمر
صفراء أو حمراء للنظر
أوما تظل مليكة الزهر
والدر غالي القدر والشرف
إن قام في بيت من الصدف
ما حط ذاك بقيمة الدر
هذا تنقل حسنك البهج
كالشمس من برج إلى برج
وهي المنيرة ربة الفجر
أنت الرجاء مجسم عذب
أنت الشباب منعم رطب
أنت ابتسام النور في القطر
أنت الحياة وكل زخرفها
وأعيذ طهرك من تزلفها
وتباين الإعلان والسر
إنا حمدنا غب عاقبة
فيها لبست ثياب عافية
دامت عليك إلى مدى العمر
سلمت عيونك فابسمي كرما
للدهر وابقي ما حييت كما
شاء الجمال فريدة الدهر
2 يونيو سنة 1913
لا تنسي
أسعاد ليت الله صورني
ظلا يقيك حرارة الشمس
أو زهرة حسناء باسمة
تضعينها في مفرق الرأس
أو كوكبا يجلو الشعاع على
خديك والفتانة النعس
أو شرعة من ماء صافية
تسقيك سقيا طيب الغرس
أو نفحة تسري فتحمل من
حبي إليك بقية النفس
تسري إلى أذنيك تالية
آي الغرام عليك بالهمس
لكن أماني العمر ضائعة
بين الغد المجهول والأمس
تبدو وتخفى فيك مالئة
صدري بنار الحب واليأس
فيظل قلبي منصتا وجلا
في أضلعي كالرمس في رمس
أضحي على جزع يولهني
وعلى تقطع مهجتي أمسي
من حادث يبلي إلى نكد
يصمي ومن بؤس إلى بؤس
متحيرا والموت يرقبني
متنصتا في موقع الحس
أسعاد يوم أنام في جدثي
متواريا عن أعين الإنس
وترين نور الشمس فادكري
من بات محجوبا عن الشمس
6 يوليو سنة 1913
العصر
وقالوا إن هذا العصر نور
فهل سلمت من اللؤم الطباع
أو انجابت غيوم الغش يوما
فلاح الصبح وابتسم الشعاع
وهل ساد الوفاء ومات غدر
وزال الشك وانحسر القناع
وإلا ما الذي يدعون نورا
وبين عناصر الدنيا صراع
أكفر كله سفه وعاب
وإيمان هو الشتم القذاع
وفلسفة تقوم على جماد
أشال نشوءه القوم الرعاع
بها انقادوا لما يرضي هواهم
كما ينقاد للريح الشراع
تشاد لربة الفسق المغاني
ويعمر في جوانبها النزاع
ويبذل كل أحرش
1
في حماها
أحق به الأطيفال الجياع
لقد بكت الطهارة يوم ولى
بنوها وانجلى عنها الوداع
على الحب السلام فما تبقت
سوى الشهوات يضرمها التياع
فتقضى مثل شرب الماء فيهم
ولا سيف يروع ولا يراع
زواجهم لمال أو مقام
يسوقهم إليه المستطاع
سماسرة تتاجر بالغواني
لها الأعراض تشرى أو تباع
رمينا بالبنات لهم متاعا
كأن بناتنا لهم متاع! ...
عفاء أيها الدنيا فإني
رأيت الناس قد ماتوا وضاعوا
إذا قلتم بأن العصر نور
يعززه ابتداع واختراع
فباسم العصر لا تبقوا على ما
يقال له التضامن والمشاع
وباسم العلم والعلما أضلوا
نفوسا قد تناولها الضياع
وباسم الدين والتقوى أميتوا
ضمير الناس وليحي الخداع
كلوا مال الأرامل واليتامى
وجدوا في تطلبه وداعوا
ولا تحزنكم ثكلى أرنت
ولا طفل نبا عنه الرضاع
ولا قوم أمضهم نواح
فما أصغى لنوحهم سماع
وقولوا إن هذا العصر نور
فقولكم هو الأمر المطاع •••
لحى الله السكوت وناصحيه
ولكن ليس في العذل اقتناع
تمدينهم مصائب صائبات
يضيق ببعضها الصدر الوساع
مصائب كلما فكرت فيها
أرى رأسي ألم به صداع
فيا دهري وبيعي كان خسرا
لحاك الله هل مثلي يباع
22 يوليو سنة 1913
هوامش
ما الحب؟
إلى: د ...
تسائلني ما الحب قلت عواطف
منوعة الأجناس مركزها القلب
فقالت: ولكن كنهه، قلت: ما له
لدى البحث كنه يستفاد ولا حسب
وكل له حب لأن تضارب ال
عواطف لا قول يفيد ولا كتب
سكت. أجابت: قل. فقلت: ألم أقل
عواطف قلب بعضها شبم عذب
ومنها التي تسري كنار مذيبة
ومنها التي تسلي حياة الذي يصبو
وما الحب إلا رابط الكون كله
فلم يخل منه الفدم والجهبذ الندب
1
كأن بني الدنيا بروج دوائر
منظمة الترتيب وهو لها قطب
فيحفظ بين العالمين توازنا
ليبقى لها معنى كما خلق الرب
وأسراره في القوتين اللتين لا
تزيداننا علما هما الدفع والجذب
ومن فهم الحسن الصميم فإنما
دعاه إليه واستقل له الحب
على أنه لا غصب فيه لأنه
يجيء اختياريا يعيب به الغصب
فلم يرضها هذا الكلام وأقبلت
علي بوجه خده ناعم رطب
وقالت أطل عنه الحديث فإنني
أحس فؤادي قد تناوله الرعب
فقلت سلي الأطيار في وكناتها
إذا لعبت ماذا أثار بها اللعب
سلي زهرات الروض عن نفحاتها
إذا مال غصن الروض وهو شج صب
سلي نسمات الصبح حين تنهدت
خوافت تشجيها الأزاهر والقضب
سلي جاريات الماء عما تذيعه
عن الترب أو ماذا يقول لها الترب
سلي الأثلاث النابتات من الثرى
وقد كن حبا كيف قد نبت الحب
سلي زاخرات الموج وهي نواصت
إلى نغمات السحب إذ درت السحب
سلي ساطعات النجم والبدر بينها
بدا وهي سرب كيف يأتلف السرب
سلي الصخر يسقيه الندى بدموعه
فيجثو سعيدا زاهيا فوقه العشب
سلي الشمس إذ تأوي إلى البحر زوجها
مساء لماذا دار بينهما العتب
سلي الليل مرتاعا على البدر آفلا
كأن له لبا وقد خفت اللب
سلي الصبح إذ يبكي سلي الأفق باسما
سلي النور فوق الكون يجري وينصب
سلي قلبك المصغي إلي وروحك ال
تي هي أخت القلب تصبو كما يصبو
سلي الدين والدنيا سلي الأرض والسما
سلي من له قلب ومن ما له قلب
يخبرك أن الحب سر بدت له
معان ولكن دون جوهره حجب ... ... ... ... ... ... ... ...
فقالت وهمت بالبكاء وما اشتفت
ولكن، ولكن، بعد ذلك، ما الحب ... ... ... ... ... ... ... ...
22 أكتوبر سنة 1913
هوامش
الثوب الأحمر
تبارك الله وقد أقبلت
في مطرف من سندس تخطر
كأنها حين تراءت به
شمس جلاها الشفق الأحمر
عفيفة
كذب المسمي والمسمى إنهم
ذروا الرماد على العيون ولوحوا
ما أنصفوا لما دعوك عفيفة
لكنهم شتموا العفاف وقبحوا •••
لله حسنك والعفاف حجابه
ما كان أوضحه لمن يستوضح
أيام ترتد القلوب خواشعا
ولها إلى عليا جمالك مطمح
أيام ترمقك العيون حواسرا
ولها احترام الطهر فرض أرجح
أيام قدك إن تثني خاطرا
فالغصن من مرح الصبا يترنح
أيام لحظك إن رمى وإذا رنا
فالنبل يرشق والمهند يذبح
أيام ثغرك لؤلؤ كنز اللمى
مكنونه كالزهر حين يفتح
أيام جيدك فضة مسبوكة
بالنور تسبي الزاهرات وتفضح
أيام وجهك كالصباح تزينه
ضفر مجعدة تتيه وتمرح
أيام جسمك هيكل لجلاله
سجد الألى عبدوا الإله وسبحوا •••
يا بنت من عميت بصائرهم فما
فهموا جمالك وهو حق أفصح
قذفوا به من حالق في هوة
هجرت معالمها الغوادي الروح
قد زوجوك ولا ملام وإنما
ذاك التهور منهم مستقبح
ما كان بينهم محب مخلص
يصف الدواء ولا حكيم ينصح
ومن النساء مليحة لا بد أن
تتزوج الرجل الذي تستملح
تأبى طباعك حمل قيد متعب
والجسم رخص والسلاسل ترزح
فكسرتها وسلكت ما نهج الهوى
للعاثرات كأن ذلك أربح
الذنب ذنبهم صدقت وإنما
للقلب حد عنه لا يتزحزح
يا ليتهم دفنوك في قبر به
سكن الظلام فشيعتك النوح
وذهبت خطبك فادح لكنما
موت العفاف اليوم خطب أفدح
اليوم قدك ذابل واليوم لح
ظك ذاهل واليوم ثغرك أكلح
واليوم جيدك عاطل واليوم وج
هك باطل واليوم جسمك مسرح
مات الجمال بمقلتيك وأذبلت
خديك محرقة تهب وتلفح
إن المعاصي كالسموم فحرها
أبدا به زهر الجمال مصوح •••
قالوا بأنك تبت قلت لك الهنا
ألذنب تغسله دموع تسفح
وإذا المدامع طهرت حسنا غدا
كالصبح أصبى ما يكون وأصبح
إني يشق علي طرفك فاتنا
يرمي القلوب بناره ويطوح
وأراك ساهية فيقلق مهجتي
وجد يهز صبابتي ويبرح
وأنا الذي بغض الرياض لأنها
مسرى لكل العالمين ومسرح
لولا نضارتها ولولا طهرها
لرأيت كل الناس عنها ينزح
فإذا نهضت من العثار «عفيفة»
أصبحت أول من يغض ويصفح
إن تبت فالرب الكريم مسامح
لكنما هذا الورى لا يسمح
الناس بعض خلائق ممزوجة
هذا يخطئ ذا وذاك يصحح
لا يبصرون النور يهبط من عل
مترقرقا يهدي الصدور ويشرح
كم مصلح بعث الإله وإنما
بقيت خلائقهم ومات المصلح
1 نوفمبر سنة 1913
الأمل العاثر
منى لحن لي ثم انثنين عجالا
وزايلن آمال الشباب فزالا
شموس أضاءت في سماء شبيبتي
هواد وإذ زالت طلبن زوالا
مباسم سعد في ثغور غضيضة
محاهن ليل بالخطوب توالى
تركن بأحشائي قنوطا على المدى
تحول داء في الفؤاد عضالا
فمن كان تغريه الحياة فإنني
تحملت أعباء الحياة ثقالا
إذا طمحت نفسي إلى السعد إنها
لتعلم أن السعد عز منالا
وكنت أظن العمر تسعده النهى
ولكن هذا العقل صار عقالا
فيا لشقاء العلم ذل تواضعا
ويا لهناء الجهل حين تعالى
إذا صحب البؤس العقول فإنما
على السعد يبقى الجاهلون عيالا •••
عذرت أخا علم يهاجر علمه
وينسى مباديه لينعم بالا
فما زال هذا الناس ضربة لازب
يعيدون مبسوط الأديم جبالا
ومن لم يساير عيشه في اعوجاجه
فتقويمه يمسي عليه وبالا •••
صحبت زماني لاهيا متلقيا
نعيمي وبؤسي منه كيف أنالا
ليالي أسلو الدهر في وجه غادة
هي الدهر تعطي يمنة وشمالا
عشقتك صدقا يا سعاد ولم أكن
أشك بأن العشق يكذب فالا
إلى أن تخطتني إليك عواطف
رمتها بقلبي الحادثات نبالا
من الناس من لا يدخل العشق قلبه
فيفني لياليه ونى وملالا
لأن غذاء النفس قرب حبيبة
تعين على نهب الزمان حلالا
هو الحب نور العمر إما خبا فقد
خبا بعده نور الحياة وحالا
فإن يك من تهواه غير مسالم
تصب في التصابي جنة وخبالا
سبا مهجتي قد رشيق ومبسم
عقيق ووجه يستهل جمالا
وشعر كأن الشمس مدت شعاعها
شباكا على متن الضحى وحبالا
وعينان زرقاوان يجلو سناهما
سماء ربيع فيهما تتلالا
تعشقت خلقا لم تزنه خليقة
فتوجد في شخص الحبيب كمالا
فلم تمتزج روحي وروحك في الهوى
فصار علي الحب فيك محالا
تفاخرني بالحسن أني أسيره
وأن لها عرشا به يتعالى
إذا وجدت حسناء فخرا بحسنها
فمذ كن تستصبي النساء رجالا
وأي افتخار للشراب بكاسه
إذا لم يكن ذاك الشراب زلالا
هويتك حتى لا نهاية في الهوى
وأتعبت فيك النازلات نزالا
وأعملت قلبي في غرامك خالصا
فكان نصيبي فجعة ونكالا
وأصبحت أضنى ما أكون حشاشة
وأضيع آمالا وأسوأ حالا
وأدمى فؤادا حيثما جرني الهوى
جررت ذيول الحادثات طوالا •••
زجرت فؤادي عن مصانعة الورى
فإنهم قد ضايقوه مجالا
وقلت لآمالي ردي العيش إنه
لأظمأ حي من تورد آلا
ومتعت جسمي باللذاذات برهة
أبدد أخلاقا وأبذل مالا
فعدت وقلبي كاره متجنب
وما نلت إلا حطة وكلالا •••
ألا بئس عيش الصابرين على الأذى
يوالون دهرا بالمصائب والى
لقد ثكلوا الآمال هل عجب إذا
غدوا ولهم حزنا وجوه ثكالى
فلا تنتظر عود السرور وإنما
خذ العمر نهبا والحياة قتالا
تلق المنى كيف استهلت وإن تكن
مناك على ما ترتجيه ضئالا
فها أنا لاقيت الشقاء متمما
له في دياجي النائبات وصالا
أعيش لأن الموت عني غافل
وأضحك حتى لا أنوح خبالا
حملت هموم الحب حتى تخرمت
قواي عواديه فصرت خيالا
وأصبحت عنوان الشقاء مجسما
وأصبحت للبؤس الصميم مثالا
ومن أنا أهواه يظل منعما
سعيدا على الدنيا يتيه دلالا
إذا قمت أشكو لا أرى لي مؤاسيا
به ويقول الناس زاد وغالى
فبدلت شوك الحب من بعد زهره
وبدلت من نور الحياة ظلالا
وأصبح ذاك الصبح ليلا مخيما
وصارت به تلك الرياض رمالا
أأبقى كذا حتى أموت وربما
إذا مت لم أفجع بموتي آلا
5 و6 ديسمبر سنة 1913
أنا
تسائلني عن منشئي ومواطني
فقلت لها في الناس مالي ثاني
أبي آدم والأم حواء إنما
فؤادي لا أهل ولا أبوان
تلقيته من مهبط الوحي ساكبا
علي ضياء باهر اللمعان
أفاضته أم النور يوم أفاضها ال
إله فجاءت في أتم كيان
وثبتها في اللانهاية آمرا
على بعضها الأفلاك بالدوران
لها الشمس قطب قد تنظم حولها
عرائس تجلوها بحسن بيان
فصدري أفلاك وقلبي شمسها
سروري وحزني ذانك الملوان
1
هممت كأني شعلة أبدية
إلى مستقر الخلد بالطيران
جبلت كما لا تعلمين فإنني
أخو كل جيل وابن كل زمان
9 فبراير سنة 1914
هوامش
تعزية
إلى الصديق الكريم جاد بك فهده، في وفاة شقيقه الطبيب المرحوم داود فهده.
ماذا يفيد المرء مدمعه
ينصب والأحشاء تستعر
هل ترجع الماضي الدموع وهل
تحيي الذين طوتهم الحفر
لم تشف من يأس وكم نهكت
جسما فزال شبابه النضر
والدمع إن جاشت غواربه
لغة النفوس وسرها الحصر
تقذي وتحمر العيون به
فكأنما بجفونها شرر
هذي المنى تجري على قدر
يروي الذي يجري به القدر
والنفس كالأفلاك إن أفلت
فيها النجوم وغيب القمر
ضل السبيل السفر وانقطعت
آماله وحياتنا سفر •••
يا من ينوح على فراق أخ
الله يجزل أجر من صبروا
المرء ليس مخلدا أبدا
ومماته لا بد منتظر
والراحة الكبرى إذا طويت
أيامه والعين والأثر
كم نائم في القبر يحسده
عالي السرير وليله سهر
ومقطب في اللحد يغبطه
متبسم وفؤاده ضجر
حي وكل حياته حذر
والقبر لا أمن ولا حذر
والموت مرحمة وألين من
بسط الحرير الترب والحجر •••
إن كان قد كبر المصاب به
فلأنه من معشر كبروا
قصرت لدن قصفت شبيبته
إن الشبيبة عيبها القصر
والزهر إن نضرت مباسمه
تأتي السموم فيذبل الزهر
كان الطبيب فلم يفده وقد
صال الحمام وحارت الفكر
كان الذي يسلي الضعاف إذا
ذلوا وقام الدهر ينتصر
كان الذي يأسو الجراح إذا
نغلت وأفسدها الدم الكدر
يجتث مبضعه مفاسدها
حتى تعود الروح تنتشر
اليوم عوفي من متاعبه
وكأنما منه انقضى الوطر
إن الطبيب الله خالقنا
ودواؤه في الخلق مشتهر
ما صحة الإنسان غير ضنى
في تيه كون كله غير
والعيش داء لا دواء له
إلا الردى وبه اشتفى البشر
لو لم نمت لم نحي فيه فيا
للنفع يجلب ذلك الضرر •••
سلم إلى الرحمن فهو يرى
ما لا تراه عقولنا الحسر
واذكر أخاك بكل محمدة
فهو الذي أيامه غرر
قد عاش فينا واسمه رجل
ومن الرجال كأنهم صور
20 مايو سنة 1914
شكوى
يا رب قد طال السقام
فإلام لا يأتي الحمام
وعلام في وادي الدمو
ع أعيش يفنيني الضرام
أرجو من الحب الشفا
ء لعله يشفي الأوام
والقلب بيت اللانها
ية ما له غير الغرام
أطلقه يا رباه يلق الح
ب في دار السلام •••
إني خرجت إلى الوجو
د فلا وراء ولا أمام
أمشي كما يمشي المسا
فر تحت أذيال الظلام
في مأزق لا أعرف ال
بدء البعيد ولا الختام
فانهار بي جرف الحيا
ة إلى حضيض لا يرام
وعدا الزمان بما أع
د من الملمات العظام
سود دواهم وقعه
ن أشد من وقع السهام
ولقيت خلقا كل أم
رهم التنازع والخصام
لا يفهمون لعيشهم
معنى التجامل والوئام
فطروا كما فطر الكبا
ش على التناطح والصدام
فرأيت آمالي شعا
عا طار في ذاك الزحام
وعلمت أن سعادة الد
نيا مصانعة الأنام
وأبى لي الطبع النزي
ه مودة القوم اللئام
فكأنني في الناس جز
ء ما له بهم التئام
إن مت لم يحزن مح
ب أو حييت فلا ابتسام
فبكيت لكن هل تعي
د العمر أدمعي السجام
وأسفت أني لم أنل
حظي ولم أقض المرام
أسف الطريد على موا
طن كن جنات السلام
مثوى جدود نخبة
ومبيت أحباب كرام
وحسدت فرخ الطير حي
ن إلى جناح الأم نام
وحسدت ترب الأرض إذ
منه نضير الغصن نام
وحسدت أنفاس النسي
م غدا بها عبق الخزام
وحسدت أزهار الجنا
ئن حين ضمتها الكمام
ضاقت علي الكائنا
ت فلا قرار على مقام
أغدو وحالات التيق
ظ مثل حالات المنام
لم يبق من جسمي سوى
ما أبقت الكرب الجسام
نفس يردده الفنا
ء على ضريح من عظام •••
إني زهدت فلا رجا
ء فهل أعود ولا دوام
من كان يخشى منتهى الت
عس الملم فلا ملام
رباه عفوك إنني
أدعوك يا رب الأنام
فمتى أموت وأستري
ح وينقضي هذا السقام
وأقول في قبري على الد
نيا ومن فيها السلام
15 يوليو سنة 1914
زهرة القبر
إلى: أ ... أ ...
قفي فوق قبري وابكي تعيدي
ترابي بماء الدموع خصيبا
ويخضل منها فينبت زهرا
أغر المحيا نضيرا رطيبا
تغذيه أعظمي الراقدات
لتجري الحياة به ويطيبا
إذا ما انتشقت الشذا فهو حبي
تسرب في الزهر نفحا وطيبا
لئن حلل الموت عنصر جسمي
فأصبح تحت التراب مريبا
فإن غرامك بعد مماتي
هنالك حي يناجي الغيوبا
سأرسل روحي تزورك فاصغي
إليها تحن لديك وجيبا
أصيرها ملكا حارسا
تقيك وتدفع عنك الخطوبا
وإن زرت قبري خذي زهرة
هي الذكر عنك إلي أنيبا
فما زهرة القبر إلا ابتسام
محب به يستزير الحبيبا
22 سبتمبر سنة 1914
العقد الأسود
لبست في الجيد عقدا أسودا
كلما أبصره القلب يذوب
إنما السلك هوى متصل
ولآلي العقد حبات قلوب
4 نوفمبر سنة 1914
النجوى
لا تسأليني عن حياتي فقد
وضعتها في يدك اللاهية
والقلب والروح تصبتهما
مقلتك الفاتنة الساهية
والله لا أملك من مهجتي
غير شكايات النهى الشاكية
ومن فؤادي غير إيغاله
في اليأس والمجهلة الداجية
ومن مداعي العمر غير الأسى
والبؤس والنازلة الداهية
من لي بأن تلقينني بالرضا
ألق المنى زاهرة زاهية
فأستعيد العمر من بدئه
مستدنيا آمالي النائية
مسامحا دهري عما جنى
مرتجعا أيامي الخالية
إذن أحب القلب أسقامه
كأنها صحته الماضية
وجددت نفسي شبابي الذي
أهرمت في العشرين يا قاسية •••
أراك في نجواي مغمورة
بالنور تجلوك المنى الجالية
طائرة في رائعات السنى
خاطرة في الحلل الراضية
كربة الشعر وقد رفرفت
في أفقها بادية خافية
طلعت في منطقة حولها
آلهة رائحة غادية
مجنحو الأوساط مستكملو
جمال أنوارهم الصافية
مؤتلقو الأوجه ألحاظهم
ترد صولات الدجى العادية
منك استعاروا الحسن كالأنجم الز
هراء أبهى حسنها عارية
أقيم عرش أنت من فوقه
بينهم آمرة ناهية
مد شعاعا في السما أصلها
وفرعها في الأبحر القاصية
صفا وحن البحر إذ أشرقت
سماؤك الصافية الحانية
بينهما قد نشرت عطرها
ثغور هذي الروضة الزاكية
أزهارها الآمال مجلوة
حلى الضحى أوجهها النادية
إذا أنا استجليت حبي على
تموجات النغم السارية
مسائلا عينيك مستشفيا
إليهما من مهجتي الصادية
مجردا عن كل حس لدى
أوصافك النادرة السامية
عليل قلب لا تؤاسيه في
هواك إلا العلة الآسية
على شفيري جدث عابس
وجنة ضاحكة بادية
يخالساني نظرا عانيا
يجاذباني نفسي العانية
بينا أرى الحب بعيد المدى
تقله أيدي السنا العالية
إذا بنفسي في بحار الأسى
والليل أرخى الظلم الغاشية •••
يا منيتي هذي حياتي وما
حوته في المنطقة الراقية
العرش قلبي قد ترقيته
قام على آمالي الجاثية
حفت بك الأحلام فضية
ترسلها أجفاني الباكية
كأن نفسي إذ تملكتها
تحولت فيك منى حالية
وكل ما ازدانت حياتي به
من آية باهرة باهية
مكتسب منك الجمال الذي
أولتكه أيدي الرضى النادية
أما إذا عادت إلى أعيني
حقيقة الذاكرة الناسية
وانتبهت نفسي إلى نفسها
كما ترف المقل الغافية
عدت إلى الليل وعادت إلى
قلبي جراحات الأسى الدامية
وهكذا العمر أكاذيبه
متاع هذي الأمم الفانية
فإن تراءى صادقا أبصروا
ما يفجع الآمنة الهانية
والحب في العمر طلاء كسا
فواجع الكارثة الخافية
فأحسني زخرفه بالرضى
إن الرضى غاية آماليه
5 و6 نوفمبر سنة 1914
شرح موجز
أتغضبين لقول قلته عرضا
ما كنت فيه مسيء الظن والفكر
وما أردت سوى المزح البسيط وقد
فهمته خطأ من شرح مختصر
لأن ذكر الذي قد فات يؤلمني
ولن تريني يوما غير مدكر
والقلب تقتله الذكرى إذا نزلت
منه على موضع بالوجد منفطر
إني أحبك حتى لا قلوب ولا
أرواح خافقة بالحب في البشر
فلم تكذبني عيناك ضاحكة
وفيهما لي نور الشمس والقمر
وأنت نور ونار إن صفوت وإن
كدرت حاشاك من صفو ومن كدر
وإنما فيك معنى يا سعاد غدا
مبرأ من معاني النفع والضرر
محض السعادة غذاها الرجاء وقد
باتت بأمن من الأحداث والغير
فلم أروح شقيا في هواك ولم
أوقفتني بين ورد الموت والصدر
سلي الليالي عن حزني وعن ولهي
وعن همومي وعن دمعي وعن سهري
أطوي الضلوع على قلب وهى وحشى
كأنها عبرة من أفجع العبر
أخنى الزمان على جسمي ففتته
سقما وأشرقني بالسائغ الخصر
1
وكل شيء له رسم يصوره
فالبؤس صرت له من أصدق الصور
إني لعينيك ألقى الدهر مدرعا
بما تمليت من عزم ومصطبر
يزيدني البؤس فهما بالحياة إذا
ما ازددت علما قرنت الخبر بالخبر
نظام من خلق الدنيا وسن لها
هذا النظام وأجراه على قدر •••
للناس شمس ولي شمسان واحدة
من الكواكب والأخرى من البشر
حسناهما شرع لكن أحبهما
إلي فاتنتي باللفظ والنظر
والناس قلبان قلب طار طائره
مع النسيم وقلب قد من حجر
هذا يعيش بلا هم ولا كدر
وذاك يبقى حليف الهم والكدر
وإن أولاهما بالسعد لو علموا
من لا تفارقه أنفاس محتضر
كذاك قلبي وفيه يا سعاد ثوى
هواك فاحتكمي ما شئت وأتمري
10 سبتمبر سنة 1914
هوامش
العزم المتلاشي
إذا ضج في صدري الغرام وثارا
حسبت ضلوعي قد علقن شرارا
فعدت إلى الدمع المبرد لوعتي
أخفف آلاما وأطفئ نارا
وعاملت قلبي بالمداراة مثلما
يعامل طفل موجع ويدراى •••
أهاجرتي قلبا وعندي أنسها
ألا ليت هذا الأنس كان نفارا
وكان فؤادانا تصافى هواهما
فحلاهما الحب الأكيد سرارا
فما تنفع الدار القريبة بيننا
وروحك عن روحي البعيدة دارا
فقدت المنى لما فقدت صبابتي
لديك وراح العمر فيك خسارا
أرى أملي الساجي بعيدا كأنه
شعاع ضئيل في الغيوم توارى
وأيام عمري قد تناثرن مثلما
تناثر أوراق الغصون أوارا
ألا إن أيامي الحسان استمدها
فناء على الماضي يمد ستارا
تمر بي الساعات سودا طويلة
وفي إثرها تمضي السنون قصارا
يقلبني هذا الزمان فلا يرى
مكانا بجسمي من أذاه مدارى
وتبدو سماء الصيف صافية فلا
أرى قمري بعد العشي أنارا
تعذبني الذكرى إذا هي حركت
جوى تتغذاه الضلوع حرارا
فأهتز من يأس وبؤس كأنني
شربت بكف الثاكلات عقارا •••
إذا كان يجدي الفخر في الحب عاشقا
فإني سباق اللدات فخارا
وإني لذو القلب الكبير وصاحب ال
مروءة طبعا والكريم نجارا
1
ونفسي هي النفس التي يستميلها
جمال الصفات المنشئات كبارا •••
أيرضيك ذلي بين صحبي وأنني
بلغت من الجهد الجهيد قصارى
وما كان قلبي بالقليل اصطباره
ولكنه بعد القطيعة صارا
وكان الذي يلقى الحوادث باسما
إلى أن تعود الحادثات حيارى
تصبته في المهد العظائم فانبرى
لهن مثيرا في الرهان غبارا
إذا كان بعض الناس يفعل فعله
يسر به خلا ويعجب جارا
فغايته القصوى رضاك وإنه
لذلك قد بز القلوب وبارى
وأدرك ما لا يدرك الناس بعضه
وصار إلى الغايات ليس يجارى
ولكن هذا الهجر أضعف عزمه
وصار له دون البلوغ عثارا
فإن كان لا يرضيك إلا شقاؤه
فها هو قد ألوى عليه صغارا •••
ألا إنني ساري الظلام بدا له
محياك في جنح الظلام منارا
وما الليل إلا العمر والحب نوره
عليه مشى ساري الظلام وسارا
فإن تقطعي فالعمر خاب مناره
وإن تصلي صار الظلام نهارا
3 و4 ديسمبر سنة 1914
هوامش
أبو قير
أبو قير
1
والأمس لا يرجع
عفت فيك من بعدنا الأربع
وهدت خيام المصيف فلا
ظلال بأكنافها يطمع
وقد طرد الناس عنك الخريف
فأوحشك المؤنس المقلع
وأغضب بحرك هجراننا
فجاش به الموج يستدفع
وروع حصنك وهو الأشم
يحاذره البطل الأروع
ولم يخفق العلم المستطيل
عليك وحراسه هجع
وقد صرت يأوي إلى شجرات
ك وحش فلاة بها يظلع
2
فجرت على وجهك الرامسات
3
ذيولا هي الكفن المفجع •••
ليالي أبو قير أين الليالي
وأين النجوم التي تلمع
وأين الهلال وكان مساء
على البحر من خيمة يطلع
أغار أخاه بكبد السماء
مكون بهجته المبدع
وتسرح فوق الرمال الظباء
على شاطئ البحر تستتبع
عيون تغازلها أعين
قدود تطوقها أذرع
نواعم كالأغصن الناعمات
فوائح كالعطر يضوع
طوالع بعد العشي شموسا
ترافقها الأنجم التبع
نواشر فوق المتون ليالي الش
عور وهن الدجى الروع
جوالس فوق الصخور غصونا
على الصخر نضرتها تمرع
سوافر عن فاضحات البدور
ضواحك عن درر تسطع
سواحر لب سواء أخو ال
هداية والعاشق المولع
سواه لواه بملك الجمال
لهن الخلود وما يتبع •••
وليل به بت مستلقيا
على الرمل والجفن لا يهجع
تحير فيه النجوم كما ت
تحير في المقل الأدمع
يداعب وجهي نسيم المساء
وترمقني الخيم الخشع
بما علقوا من سراج منير
على بابها نوره أسفع
وقد وقف الحصن طودا منيعا
يؤمن من قلبه يهلع
وساد السكوت كأن البرايا
مظنات أنفاسها تنزع
فحدثني الصخر عما رأى
وأسمعني الماء ما يسمع
حوادث ملء الزمان استقلت
على البحر أحرفها تطبع
مسطرة بالدماء خطوطا
عصي بها الناظر الطيع
فتقرأها في الظلام عيون ال
فؤاد وتضمنها الأضلع •••
أساطيل تحسدها الراسخات
تسير الرياح بها الأربع
تروع البحار إذا ما جرت
ففي قلبها الحوت مستفزع
تقل جيوش المنايا استثارت
ومصر لنسرهم موقع •••
رمى بالمماليك حتى تشت
ت شملهم فهو لا يجمع
وجاءته كل وفود البلاد
تباعا لإمرته تخضع
ولكن كبار الرجال يرون
بأتباعهم صمما إن دعوا
كذلك خالف أمر الكبير
أمير المياه
4
فما يسمع
وألقى مراسيه فيك لا
يبالي العدو ولا يفزع
فيا يوم فاجأه الإنكليز
على رأسه حوم شرع
5
فدمدم في أفقيك الرصاص
وأرعد في بحرك المدفع
وطبق في جانبيك الدخان
كأن الجهات لهى جوع
فروى بحارك قاني النجيع
وإن العطاش
6
لها أنجع
وأطعمها من تجاليدهم
لحوم الألوف وما تشبع
وأخر نجدتهم جاهل
من الخوف مهجته تخلع
فحاق الدمار بهم وكذل
ك تهوي الجبال وتصدع •••
شفى نفسهم أنهم أدركوا
بك الثأر والموت لا يقنع
أتى الترك من بعد حول لكي
يردوا البلاد ويستنزعوا
عديد الرمال أتى بونابار
ت والنار في قلبه تلذع
رماهم بموج الحديد قضاء
عليهم وعنهم فلا يدفع
فسل عن بسالتهم مصطفى
وقد جاء مورا به يشفع
رمى بطبنجته مصطفى
فتى قلبه الصخر لا يهلع
فقط أنامله بالحسا
م مورا وجاء به يظلع
وأرسل فرسانه كالصقو
ر والخيل في شوطها تمزع
7
ومزق شمل الجنود فما
تبقى لهم أثر يتبع
فكانوا طعامك في الحالتين
لهم وعليهم بك المصرع •••
مضوا وبقيت تحدث عما
أتوه فلم ينضب المنبع
فقل لي هل يرجع الغائبون
وقل لي هل يفطم المرضع
يقولون عنك غدا بلقعا
على أن عمرهم البلقع
أرى الجامدات أطول عمرا
من العاقلات فما نصنع
وأنهم في المقال افتروا
بما لفقوه وما شنعوا
وأعجبهم طالع مشرق
وأعجبهم مورق مفرع
فراحوا وشاعرهم مفلق
لهم وخطيبهم مصقع
فماذا أفاداهم في الحيا
ة والدهر في سيره يسرع
وكلهم في البلى صائر
وذكرهم سحب قشع •••
أبو قير أنت سمير الجليس
ووعظك أبلغ ما يسمع
ورغم العفاء أراك رياضا
تسير بها النسم الضوع
سماؤك صافية وهواك
يعيد الشباب ويسترجع
وبحرك أجمل ما يجتلى
وماؤك أعذب ما ينبع
وحصنك عال يرف عليه
لواء هو الشرف الأمنع
فدم سارحات بك الظبيات
ودم كاملا بدرك المبدع
ودم وارفات عليك الظلال
وغلة رائدها تنقع
ترى راجعات ليالي فيك
أبو قير والأمس لا يرجع
نوفمبر سنة 1914
هوامش
صوت القبر
إذا اصفر وجه الشمس في الغرب وانتحى
ظلام على الدنيا يمد رواقه
وأقبل بدر الأفق أربد كالحا
أضاع على الدنيا الخسوف ائتلاقه
وهبت حزينات النجوم جوازعا
ثكالى على بدر رأين محاقه
أصيخي إلى صوت من القبر خافت
أطال البلى تحت التراب اختناقه
بقية قلب واجب حن إذ سرى
نسيم إلى وجه الحبيبة شاقه
رهين لدود الأرض يأكل جسمه
ويغري عليه قيده ووثاقه
يعانق أحجار الفناء كأنها
مهود رخاء يستطبن عناقه
تخرم برد الداجيات عظامه
وأكثر حر اللافحات احتراقه
وكان الذي وافى العظائم سابقا
فأحرزها حتى حمدن سباقه
علا ما علا حتى ترامت صروفه
وباغته جيش المنون فعاقه
ونازعه هذا التراب بقاءه
وخلد ديجور الرموس فراقه
فناجاك وهنا والسكوت مضيق
على كل قلب صدره وخناقه
1
وقد حال هذا القبر دون حبيبه
وأبعد عنه أهله ورفاقه
أطلي كهذا النجم حيران ثاكلا
وفي القبر بدر قد رأيت محاقه
2 فبراير سنة 1915
هوامش
نظرة إلى الماضي
ماذا يريد الناس مني
إن كنت قد أكثرت حزني
أفنيت عمري في البكا
ء وفي الرجاء وفي التمني
ذهب الشباب وما ملأ
ت بنوره قلبي وجفني •••
يا منزل الفتيان والفتيات ضا
عت عليك شبيبتي وحياتي
وبقيت فيك مخلد الحسرات •••
إنما العمر الطويل
يشبه العمر القصيرا
إنما الحظ القليل
يشبه الحظ الكثيرا •••
ودفنت فيك مودتي وودادي
وأطلت عنك تغيبي وبعادي
وجهلت بعدك مورد اللذات •••
فطموني عنك طفلا
لاهيا في غفلاتي
تاركا صحبا وأهلا
تاركا فيك حياتي •••
فنزلت في أرض الغريب وحيدا
متحملا بأس الزمان شديدا
طاوي الضلوع على لظى الجمرات •••
إننا كنا جميعا
ستة أما وأب
رزقا أربعة غرا
ميامينا نجب •••
فتفرق الأبناء قبل أوان
أسفا وغيب في الثرى الأبوان
في فترة حسبا مع الأموات •••
دفن الأبناء بدرا
دفن الأبناء شمسا
قد أعادا الجفن بحرا
وأعادا القلب رمسا •••
هلا ذكرت أبي وطول حنانه
وسناء طلعته وحر جنانه
وكمال أخلاق وغر صفات •••
كان لم يبل الشبابا
مشرقا كالنيرات
إنه صار ترابا
وعظاما نخرات •••
فذكت عليه أضالع ونفوس
أخذت عليها للشقاء نحوس
عهدا على أن تسكن الظلمات •••
يا لها الله نفوسا
حرة الطبع كريمة
حالفت يأسا وبؤسا
وجراحات أليمة •••
لم تنس أمي وهي جوهرة الحمى
بنت الطهارة أخت سكان السما
نزل الكمال بها بأكرم ذات •••
أنها عاشت حزينة
بعده عشرين شهرا
وهي للداء رهينة
تحسب الليلة دهرا •••
نزل السقام بها فأكثر همها
وأزال رونقها وأبلى جسمها
وغدت كذابلة من الزهرات •••
فقضت ذات مساء
وابنها في البعد مكره
في ديار الغرباء
لم تباركه بنظرة •••
اليوم يذكرها ويبكي آيسا
من عمره ذاكي الأضالع تاعسا
دامي الجفون مفلل العزمات •••
إيه يا أم، حياتي
ذهبت فيك أنينا
صامتا في خلواتي
أذرف الدمع السخينا •••
أتذكر العيش القديم وكلنا
يلتف حولك ناعمين بأنسنا
لاهين عن دهر وعن أوقات •••
قاتل الله القضاء
لم يراع لك حرمة
إنه صب البلاء
قاتلا من غير رحمة •••
لو كنت بالمهجات توقين الردى
يا أم قلت أن تكون لك الفدا
فتمتعين بهذه المهجات •••
ليت أني ما ولدت
ما الذي في العيش ألقى
أنا يا أم وجدت
أنني يا أم أشقى •••
كنت الأمان لروحي المتفزع
كنت الشفاء لقلبي المتقطع
كنت الحياة إذا فقدت حياتي •••
إن قلب الأم كنز
كله حب وسعد
وهو بين الناس رمز
فيه لطف الله يبدو •••
لكن فقدت حنانه المتدفقا
يروي شبابي في الحياة ليورقا
مستبشرا بالزهر والثمرات •••
أنضب الأدمع دهري
غير أن النفس تبكي
بدموع مثل جمر
في الحشا تذكو وتذكي •••
قومي انظريني بعد موتك عانيا
يا أم، إني مت موتا خافيا
لما فقدت لندبك العبرات •••
من ليأسي واحتراقي
ولبؤسي وشقائي
ما الذي صرت ألاقي
من تباريح العناء •••
ضاعت عليك شبيبتي وحياتي
وبقيت فيك مخلد الحسرات
يا منزل الفتيان والفتيات •••
ماذا يريد الناس مني
إن كنت قد أكثرت حزني
أفنيت عمري في البكا
ء وفي الرجاء وفي التمني
ذهب الشباب وما ملأ
ت بنوره قلبي وجفني
فبراير سنة 1915
عزيزة
إن تكوني عزيزة فعزيز
أن تكوني يا بنت في الشقوات
ومحياك مسحة الحزن فيه
تنزل اليأس في القلوب القساة
واجم ذاهل السكينة عينا
ك به تبعثان نور الحياة •••
أنزلوها منازل الهون خسرا
ثم قالوا صارت من الفاجرات
مكروها وخادعوها وأغرو
ها وقالوا غدت من الهالكات
ورأوا في نسائهم شرفا لو
نبشوه عدوه في المخزيات
إنما عذرها هم ونساهم
عذرهن العمى وقبح الصفات
لست أرجو لها اعتذارا إذا ما
صدع الحق قارع المنكرات
غير أني أرى هناك اختلافا
في الغوايات يفرق الغاويات
وفجور الأجسام أيسر خطبا
من فجور النفوس والعاطفات
وإذا ما كان السبيل سويا
بطل العذر فيه للعثرات
إن شر الفجور ما كان مستو
را بستر العفاف في الأسرات
إنما نحن في زمان حفيل
بالضلالات في الرجال الهداة
إنما بينهم عزيزة كالجا
ني ولا عفو عندهم للجناة
وأراها ضعيفة فأراني
رق قلبي وفارقتني أناتي
وهفت في كل جارحة تد
مى بوخز القوارص الجارحات
وهي ترنو بمثل ساطعة النج
م وتمشي بخفة الظبيات
وقوام لها كما وقف الغص
ن حزينا في ملعب النسمات
تشبه البدر صفرة وضياء
وتحاكي الأزهار بالبسمات
حرة اللفظ والجنان إذا افتر
ت فعن طاهر نقي اللثاة
جمعت بين حسن خلق وخلق
فهي ذات النجار بنت السراة
وحرام أن يترك الحسن للشر
ويقضي فريسة الشهوات
إنما ينشل الغريق من اليم
ويدلى إليه حبل النجاة
إنما يرجع المريض إلى الصح
ة إن عالجوه بالشافيات
إنما يزجر الشقي عن المو
ت وإن كان طامعا في الممات
إنما هذه الحياة متاع
فاصرفوها في البر والحسنات
27 و28 فبراير سنة 1915
رأيتك
1
رأيتك باسمة فأران
ي في الليل بدر السما مبسمه
وفاض جمالك نورا هداني الس
بيل إلى الغاية المبهمة
فرفرف فيه النعيم على
جراح الأسى ساكبا بلسمه
وما كنت إلا الأسي على
حياتي وأيامها المظلمة
فغادرني الحب أذكي الفؤا
د مستعذبا ناري المضرمة
وصرت الذي يشفقون عليه
ويستوجب العطف والمرحمة
ويهزأ بالدهر إما أرا
ه وجه حبيبته مبسمه
24 مارس سنة 1915
2
رأيتك باكية فرأيت
دموع الصباح وزهر الربيع
منسقة كاللآلي تحلي
جبين الورود بشكل بديع
هي الشهب تغرب في المشرقين
وخداك مغرب شهب الدموع
يرفرف جفنك إما هوت
فيخفق قلبي بنار الولوع
كأن بصدري شيئا يهز
مشاعر روحي ويذكي الضلوع
وإن كنت أغضبتني وهجرت
وخلفت قلبي حليف الهلوع
ولكن دموعك لاشت قواي
فها أنا ذا أتمنى الرجوع
إلى السقم واليأس والموت فيك
فكفي البكاء وصوني الدموع
26 مارس سنة 1915
البحر
جلست وجفني جاريات سواكبه
إليه أشاكيه الأسى وأعاتبه
وأسأله عن سائلات مدامعي
وما الدمع إلا خيره ومواهبه
نسيت وقد رق الشعور وعطلت
ثغور المنى وانفض ما أنا حاسبه
ومرت عوادي الدهر بي فكأنني
على الدهر ذيل والمنايا سواحبه
مواثيق أيام الشباب الذي مضى
به الدهر وهاب الشباب وسالبه
نفضت يدي إلا من الشعر إنه
عزائي إذا ما الدهر جلت نوائبه
أحلي به الآمال ثم أعيدها
عرائس يجلوها الهوى وغرائبه
وكنت أخا ودي ودال زماننا
وودك مخطوب وإني خاطبه
فإن عدت بعد الهجر فالعود أحمد
إليك وأحلى الوصل ما الهجر جالبه
ففيك لقلب المستهام استراحة
إذا عثرت آماله ورغائبه
إذا رقت كنت الروض وحفا نباته
تراوحه ريح الصبا وتداعبه
1
تقبله نهبا فتسعده وما
نواسم روض الأنس إلا حبائبه
تلاحظك الدنيا لأنك ربها
وحولك ملك مائجات مواكبه
فيأوي إليك البدر والشمس كلما
أرابهما الكون الطوال معايبه
ترى نفسها فيك السماء فتنجلي
مباسمها والنور غزل ملاعبه
وأنت ترى فيها جمالك زاهرا
فمن منكما رب الجمال وصاحبه
ولكن إذا ما ثار قلبك حاقدا
عليها وهذا الماء جاشت غواربه
زخرت كأن الضاريات زئيرها
علا وصداه من بعيد يجاوبه
وهجت وهاج الكون حولك ناقما
يغاصبك الدنيا وأنت تغاصبه
وأبرق هذا الجو يرسل سخطه
غيوما كما اربدت بليل غياهبه
أثار عليك الراعدات فأطبقت
وأطبقت كل ثائرات كتائبه
نهضت بموج كلما كر كرة
علا وترامى سيله وضرائبه
تشن عليه غارة إثر غارة
فطورا تراخيه وطورا تجاذبه
ونازلته مستهزئا بسيوله
تطاوله مستبسلا وتواثبه
فأتعبته حتى استرد جيوشه
وعاد وباديه من الذل غائبه
وأرسل هذي الشمس تطلب هدنة
إليك ورب الحسن تقضى مطالبه
فعدت إلى ما أنت وجهك ضاحك
ونورك رقراق وماؤك شاربه •••
يرفرف طير الماء فوقك طالبا
غذاء فتعطيه الذي هو طالبه
وتجري على سطح المياه بواخر
مواخر مثل السهل تمشي أهاضبه
وتسبح تحت الماء فيك عوالم
كأن خميس الجن ثارت سلاهبه
هنالك كون آخر مثل كوننا
يعيش قريب العمر فيه وعازبه
بذا ما بذا أبعاده مطمئنة
وغاباته ممتدة وسباسبه
وأنجاده نهاضة الهام تحتها
غوائر فيها العشب خضر شعائبه
كأن به الغمر السحيق فضاؤه
مشارقه مشهودة ومغاربه
وإن بنيه حبهم مثل حبنا
وليست بنات الماء إلا كواعبه
ينازع أقواهم ضعيفهم كما
ينازعه ما بيننا ويغالبه
سوى أنهم لا نوم عندهم فلا
يرون مناما مزعجات غرائبه
سرت بينهم أحكام خالقهم كما
سرت بيننا والله عدل مذاهبه •••
ويوم قصير الحزن فيه طويله
ينازع قلبي يأسه ويحاربه
مشيت وأشجاني كثير قليلها
بقربك أستجلي السنى وأراقبه
ومن فوق رأسي اللانهاية تنحني
على مثلها والكون غر عجائبه
تمدان أنوار الجمال ضحوكة
إلى أفق قاص ترامت جوانبه
تصافحتما فيه فهلل وجهه
يسبح من تهمي عليه مواهبه
كأن بقايا عالم الأرض صافحت
به عالما بالروح تعلو مراتبه
وأدركني الليل البهيم فأظلمت
مياهك حتى أعجم الماء عاربه
فأبصرت في الجو النجوم روانيا
وهن طويلات الشعاع ثواقبه
مولية شطر السماء وجوهها
تكاد تداني ربها وتقاربه
وألحاظها فوق المياه وكلها
رواجف قلب صامتات رواهبه
تمليت من هذي المناظر ليلتي
إلى أن دعا ناعي الظلام وناعبه
فعدت وقد لاح الفناء لناظري
وأصدقه في العين ما هو كاذبه
رأيت بعين النفس عمري وحاله
وأني ضيف مقلعات مراكبه
وأني في الكون العظيم إضافة
إليه وإن مدت أمامي مآدبه
وأني بعد الحين لا شك مفرد
عن الكون والنسيان تزجى ركائبه
وتسلمني الأرض الخئون إلى الفنا
لأفقد فيه كل ما أنا كاسبه
وأحرم حتى نظرة وابتسامة
لوجه الفضاء الباسمات كواكبه
فناديت ربي ضارعا مترحما
وأصبح جفني هاميات سحائبه •••
إليك هوى النفس الحزينة راجع
إذا غصب الآمال في القلب غاصبه
أناجيك مسلوب الحشاشة والنهى
وعمري يماليه الأسى ويناصبه
فلولا عيون حبها يبعث المنى
وأنوارها توحي الذي أنا كاتبه
لها زرقة الماء الذي فيك سره
وفيها من السحر العجيب غرائبه
لأضجعت جنبي التراب مطوحا
بعمري إن العمر كثر متاعبه
8 و9 أبريل سنة 1915
هوامش
نساء الصليب الأحمر
أكرم بهن أواتيا وذاوهبا
مثل الشموس طوالعا وغواربا
خضن البحار وجبن أجواز الفلا
وذرعنهن مشارقا ومغاربا
وخففن يسعفن الجريح أواسيا
وركضن يخدمن المريض دوائبا
هن الملائك مرسلات من عل
للناس من لدن الإله كواعبا
الغاليات جواهرا والساطعا
ت أزاهرا والسافرات كواكبا
هذي العذارى الحاملات أشعة
تجلو عن القلب الحزين غياهبا
جئن الصليب كما أتته نسوة
يوم الصليب بواكيا ونوادبا
وعليه عيسى قد أمال جبينه
وجرى الدم الفادي عليه خاضبا
ووقفن يبصرن المسيح مكللا
بالشوك مستفعا هزيلا شاحبا
فأذبن حبات القلوب تفجعا
وسكبن من درر الشئون سحائبا
أما وقد نبذ الشعوب شريعة
سكب المسيح بها الشعاع الثاقبا
بالبر والحسنات تأمر أهلها
والنهي عن عمل السيوف قواضبا
فكأنما هم صالبوه مرة
أخرى ومصلي الحرب يصبح صالبا
فلذاك هن الناهجات سبيله
إما حمدن فواتحا وعواقبا
أخواته وذوات قرباه بما
أوصى البرية موحيا ومخاطبا
الوارثات حنان مريم رحمة
بالعالمين أباعدا وأقاربا
من كل عالية الجناب رفيعة
تندى يداها أنعما ومواهبا
ووضيعة نزل الزمان بها فلم
يترك لها إلا الحياة متاعبا
وقفت على حب القريب حياتها
وسرت على السنن القويم مذاهبا
فهي التي ضمن الإله جزاءها
والله عدل جازيا ومعاقبا
بوركن أعمالا فهن صواحب
لمن استخارته النوائب صاحبا
11 يونيو سنة 1915
المسئول
لا أكذب الله فقدت الرمقا
ولاشت الأيام قلبي النزقا
وصرت إن ألقى المساء آتيا
أخاف لا ألقى الصباح مشرقا
وإن رأيت النجم رق نوره
فغازل الدنيا به والأفقا
رأيت في نفسي المنى غواربا
كالماء لا يسيغه من شرقا
يروعني البحر إذا أمواجه
اربدت وطاف ظلها مسترقا
أراقب الموج بعيدا إنني
لا أركب البحر فأخشى الغرقا
من يسبر الغور ومن يعربه
قد أعجم الهول العقول فرقا
يعترض الهلال في الجو إذا
ما اعترض الليل الوجود انطلقا
يطلع في جنح الظلام خافقا
كأنه قلب محب خفقا
يشوق النجم بعيدا وهو في
مرقبه ملتهب تشوقا
والزهر قد أغضى الجفون نعسا
والمندل الطيب منه عبقا
والغصن قد أذهله السحر وفي
مسارح المياه تسكب الرقى
والطير أخفى رأسه تحت جنا
حيه ونام لا يبالي أرقا
ولاحظ النسيم ما في المحفل ال
معقود من أنس فوافى شيفا
يحمل في أردانه قطر الندى
ينثره منتظما متسقا
والنور من فوق ومن تحت وما
بينهما مد الإله الغسقا •••
يا قوم ناموا في أمان إنني
أساهر الأكوان وحدي مشفقا
أسأل هل تحنو القلوب مرة
فالنور رمز للحنان خلقا
وهل بها صفح وإغضاء ففي
زهر الرياض الصفح باد طلقا
وهل بها ذكرى ففي الماء جرت
ذكرى نفت عنه القذى والرنقا
وهل بها تألف فالطير في
مبيتها تقسم لن تفترقا
وهل بها عهد جميل فالندى
على الأزاهير صفا مؤتلقا
وهل لها من العمى انتباهة
فالليل زال والصباح انبثقا •••
قولوا لسعدي والقلوب أصبحت
فوضى هو الله بنا قد رفقا
ما أجمل الإحسان بالناس وما
أبهجه إن كان عفوا مطلقا
إن الحفاظ في الورى وثيقة
بينهم وحافظ من وثقا
من لي بان أراك لي ذاكرة
أطرد عن نفسي الأسى والقلقا
هل كنت يوما في الهوى مقصرا
أو كنت بين الناس شيئا خلقا
في الحسن جاوزت المدى وفي الهوى
قلبي جاراك فنال السبقا
أعملت رأيي في حياتي ناجحا
حتى رأيت الحب سرا مغلقا
سر تولاني فأصبحت كما
ترين نزاعا لجوجا قلقا
أعالج الحب ولا أعرف إلا
أن لي قلبا إلى الحب ارتقى
مشرد الإدراك موكول إلى
هواك أن يكون حرا لبقا
في كل يوم تعتريه هزة
يكاد إذ تنتابه أن يصعقا
كأنه النبتة في تربتها
تكاد في الهجير أن تحترقا
منتفض كالطير في وكنته
إذا الشتاء بالسيول أغرقا
منقبض الصدر حزين صابر
من غصصي أكاد أن أختنقا
والناس راحوا في الزمان شيعا
شتى وساروا في الحياة فرقا
إلا فؤادي فهو عنهم راغب
إليك عبد كاره أن يعتقا
سعى كما يسعى الكرام جهدهم
ماذا عليه إن يكن قد أخفقا
الحب حبي فليكن لي الوفا
والوجد وجدي فليكن لي الشقا
والحظ حظي فليكن لي الهنا
والعمر عمري فليكن لك البقا
ماذا على الفراش إذ تيمه ال
مصباح إن طاف به فاحترقا
أنا الذي أسأل عن نفسي وما
غيري إذ عشقت قالوا عشقا
والله لا أطلب إلا أن أرى
منك الرضى رغم الورى بي لحقا
وأن يقول الناس عنا مرة
هذان قد تصاحبا فاتفقا
16 يونيو سنة 1915
المزاج في الحب
تعب كلها الحياة.
المعري
لج الهوى وتفاقم الخطب
فإلام أشقى أيها الحب
وعلام دائي برؤه صعب
الحب لا برء ولا طب
يا هند إني العاشق الصب
اليوم لا عين ولا أثر
عندي ولا صفو ولا كدر
إن كنت والأحداث تبتدر
حذرا فماذا ينفع الحذر
إن الليالي سلمها حرب
والحب أوله وآخره
سقم إذا لم ينه آمره
وإذا نهى فالقلب ناصره
وإذا سها وقفت دوائره
وتشاكل الإيجاب والسلب
أما الحياة فكلها تعب
حال نبدلها ونرتقب
ونزيلها فتزيلنا الحقب
إن الليالي شأنها عجب
فينا وسيل الدهر ينصب
وأحقنا باللوم ذو قلق
يشكو بقلب دائم الحرق
بين الظلام وحمرة الشفق
بين النهار وظلمة الغسق
نوران ذا يبدو وذا يخبو
فعلام هذا الخوف والوجل
والعمر معترك ومقتتل
إن الشبيبة وهي تقتبل
هرم يؤخر وقعه أجل
طرفاه مما يمسك الرب •••
قالت أراك معاهد النفس
أن لا تجيب دواعي الأنس
فأجبتها لا توقظي بؤسي
إن الرجاء مولد اليأس
وأنا كباقي الناس لي قلب
لكن أميل إلى الجمال به
في الكون يطلع وجه كوكبه
زهرا وزهرا في تقلبه
يجلو بمشرقه ومغربه
صدري كما تجلو الدجى الشهب
قالت: ولكن الحياة إذا
لم تجر فيه أضاع كل شذا
ويكون في عين الخلي قذى
ما غاية الإنسان وهو كذا
لا هم إلا الأكل والشرب؟
جاء الحديث بفرحة وأسى
ثوران صدر يشبه الهوسا
فرأيتني بين الورى تعسا
مما ينازعني صباح مسا
أهفو وإن جن الدجى أصبو
بقيت تجاذبني وتدفعني
والحب أصرعه ويصرعني
تبدو شقاوته فتردعني
وأرى سعادته تشجعني
حتى كبوت وكنت لا أكبو
ففقدت راحة عيشتي ومضى
عزمي وزال وأحدث المرضا
سهران أطلب في السما غرضا
متشرد الإدراك منقبضا
حتى رثى لشقائي الصحب •••
يا روضة للحب دبجها
رب السما ما كان أبهجها
نشر العبير بها وتوجها
بالنور منتسقا وموجها
بالنور يشربه الندى الرطب
كنز العقيق بتربها فنما
وافتر ثغر الورد مبتسما
وكسا الغصون زمردا فسما
تيها على أعطافها وهمى
جفن الضحى فتكلل العشب
ودعا الطيور فآنست كرما
منها وراحت تبدع النغما
بسط المياه وأطلق النسما
فيها وفوح تربها شبما
فزكا على علاته الترب
وهناك مما يعقد الشجر
متفيأ يحلو به السمر
أحنى عليه جبينه الزهر
وأقام يحرس غصنه الخفر
وسرى به نفح الشذا العذب •••
قالت تعال هناك نأتنس
إذ يهجع السمار والحرس
من نور هذا النجم نقتبس
سعدا ومعنى العمر ملتبس
وبمثل هذا يدفع الكرب
جاءت وجئت وكلنا ثمل
في مقلتيها يبسم الأمل
جلست إلي ولحظها غزل
وجلست ملء فؤادي الوجل
أبكي وملء فؤادها العجب
والدمع أفصح ما يفوه به
قلب توقف في تهيبه
عن بث بعض من تعتبه
العتب يكثر من تلهبه
لو كان ينفع في الهوى العتب
مدت إلي يدا مكفكفة
دمعي مسكنة ملطفة
قالت مؤنبة معنفة
ألمثل هذا جئت مسعفة
يا ليته ما قادني الحب
الحب! أنت! نعم به نطقت
يا ليتها في قولها صدقت
قولي أعيدي لفظة سرقت
من مقلتيك حروفها اخترقت
قلبي فصار يرفرف القلب
مالي ومالك يا ابنة الفجر
غضي عيونك وارحمي صدري
إن العيون نوافث السحر
أصبحت كالثاوي على الجمر
وغدوت يجهل مضجعي الجنب
يا بنت آمالي وأحلامي
ومقر أفراحي وآلامي
ضاعت بغير الحب أيامي
فالقلب مكلوم الحشا دامي
والعين قرح جفنها السكب
هذي منى نفسي عليك جرت
من مقلتي وحشاشتي استعرت
يا أخت روحي أختك انفطرت
جزعا فهلا أختها نظرت
في خطبها فتيسر الخطب
مدت إلي يمين مستلم
وبوجنتيها لاعج الضرم
فدنوت محترق الفؤاد ظمي
ولثمتها لهفا فما لفم
فشعرت أني ضاق بي الرحب
وشعرت أني قد رفعت إلى
أفق نواسمه سرت أملا
طارت معالم أنسه جزلا
وبروضه عرش الغرام علا
ولديه من زهر المنى سرب
وقف الهلال يرى ويضطرب
حسدا وقلب الشهب يلتهب
والماء كل أنينه طرب
والزهر ملء عيونه عجب
والليل منه رقت الحجب
حتى إذا عادت إلى الرشد
قالت كفاك الآن فاتئد
ولعلني آتيك بعد غد
فأجبتها ما حيلة الولد
إما هم فطموا ولا ذنب
ذهبت وستر الليل ما رفعا
والنجم أشفق وجهه جزعا
وبقيت وحدي طائرا فزعا
أهذي كرب أريكة خلعا
عنها وضيع عزه الرب
يا ليل كيف ظلامك انصرما
يا صبح كيف طلعت مبتسما
يا شمس كيف جهلت ما علما
ذاك النسيم وروضه وهما
خفتا وطار العقل واللب
وبقيت أرقب عودها وأنا
قلق وطال فضاعف الشجنا
يا هند صرت أسائل الزمنا
هل كان يوما أن يعود لنا
فيعيد فيك حياتي القرب
الله مما يحدث القدر
العاشقون صفاؤهم كدر
إن تبتسم في أفقها الدرر
فشماتة والشمس والقمر
لها استقل الشرق والغرب
وعلمت هندا سافرت ومضت
عني وراحت بعد أن قبضت
روحي فهلا فكرة عرضت
منها ولكن لا فقد نقضت
ودي لأن غرامها لعب •••
واليوم دار العام دورته
والحب ما أخمدت ثورته
متذكرا ليلي ونعمته
في هند وهي تطيل لذته
فكأنه وكأنها كذب
هذي التي تركت لي الندما
حتى نضبت حشاشة ودما
إن قمت أدفع عني السقما
ألفيت ملء جوانحي ضرما
يذكو وحد عزيمتي ينبو
عمر يمر وكله نكد
يا دهر ماذا أنت والأبد
وأقول أسلوها غدا وغد
يمضي وبعد غد ولا أجد
إلا الشقاء وأنني صب
الكون مصلى
تبدد الليل مضمحلا
إذ أفلت أنجم العلاء
وأقبل الفجر مستهلا
يضاحك الأرض والسماء •••
أطل في الشرق زاهرا
تصبغه حمرة الشفق
يخترق الغيم باهرا
بنوره عندما ائتلق
ويرسل النور زائرا
ينبه الطير في الورق
كأنما الكون إذ تجلى
وامتزج الليل بالضياء
بقية البؤس حين ولى
في مطلع السعد والهناء •••
وأقبلت ربة النهار
في موكب النور رافعة
ألوية النصر والفخار
وردية اللون ساطعة
كأنها والنسيم ساري
في الروض يغدو الشذا معه
تاج عقيق به تحلى
وزاد حسنا هذا الفضاء
أو ملك عز وافى محلا
يغمره الشرق بالبهاء •••
فقمت أمشي إلى الحقول
أشاهد الشمس مشرقة
والنور من وجهها الجميل
يسكب في قلبي المقة
1
في مسرح بالضحى حفيل
حيث الرياض المنمقة
إن شئت وردا أو شئت فلا
وكلها نابت الخلاء
تقلدت رونقا وطلا
وابتسمت بسمة الحياء •••
واستعرض العشب فرشه
خضراء مثل الزمرد
إذ نشر الطير ريشه
ملتمعا فوقها ندي
وبارح الفرخ عشه
في ملعب الجد والدد
2
على الربى طائرا تعلى
مستشرفا هابط الجواء
3
يسبح الله مستقلا
لواحفيه ملك الهواء
4 •••
جئت إلى النهر قاصدا
جمام نفسي على حصاه
5
مسرح الفكر ناشدا
من العلا راحة الحياة
أنظر حولي إلى مدى
والشجر الخافر المياه
يرسم فوق المياه ظلا
مضطربا عابس الرواء
قلت لنفسي يا نفس مهلا
لا ينفع الهم والعناء •••
فكل هذي الحصى نجوم
على الرمال استقرت
والمرج وجه السما الوسيم
والنهر نهر المجرة
والنبت زاه به عميم
يبعث روح المسرة
والزهر فيه يشبه طفلا
ضجيع مهد رحب رخاء
إذا يهب النسيم سهلا
يلعب فيه كما يشاء •••
الماء والنور والعبير
والرمل والنبت والحصى
والنسمات التي تسير
والظل إما تقلصا
رمز لكون به السرور
على المدى قد تخصصا
وجاء هذا عنه مقلا
بكل ما فيه من عداء
يقتص فيه الإله عدلا
ممن بغى فيه أو أساء •••
الكل في الكون لازم
حتى جماد بغير حس
والحيوان المسالم
يسرح في مأمن وأنس
له الفضا والنواسم
وظل دوح ونور شمس
واتخذ الله فيه كفلا
لما يوافيه من غذاء
ينتج ولدا له وأهلا
ويكثر الخصب والنماء •••
كذاك كل العناصر
تنضم حتى توحدا
أواصر في أواصر
6
أوائل لن تعددا
موصولة بالأواخر
وهي بناء تفردا
لمن بناه فهو مصلى
يعبد فيه سر البقاء
والله فيه عز وجلا
يدبر الكل بالسواء
هوامش
البحر مرآة الحياة
أرى البحر مرآة هذي الحيا
ة فهو يحاكي مداها اتساعا
وإبعاده مثل إبعادها
يضيق على الفهم أن تستطاعا
ويصفو وتصفو فمحض سرور
يروق الورى منظرا وسماعا
وإن كدرا فشقاء العناصر
مثل شقاء النفوس نزاعا
وتغتال سفر الوجود خداعا
ويغتال سفر السفين خداعا
فلا هي هابت عليها حصونا
ولا هو هاب عليه شراعا
وقد وضع الله حدا له
وحدا لأعمارنا وانقطاعا
وسلط هوج الرياح عليه
وهوج الخطوب علينا تباعا
فنحن كأسماكه في الوجود
يغول الكبير الصغير ابتلاعا
وأعمارنا كقراراته ان
خفاضا إذ اختلفت وارتفاعا
وأيامنا مثل أمواجه
تجيء سراعا وتمضي سراعا
18 أغسطس سنة 1915
القطيعة
ومات حديث المنى في ضميري.
ابن سهل
نعم مات في صدري حديث رجائه
وأسلمني قلبي إلى برحائه
فإن كنت أزمعت القطيعة فافعلي
وأن تزمعي فعل برغم خفائه
لقد كنت في صحراء عمري روضة
فأذبل فيها الزهر حر ظمائه
وما حبنا إلا كنابتة ذوت
ولم يروها جفن الضحى بضيائه
لعلك في القطع القريب مزيلة
عن القلب عبئا كان أصل شقائه
فكم مرضع قد مات لم يدر داؤه
ولو عاش كان العمر أكبر دائه
أديري بهذا الكون طرفك سائلا
ورديه يرجع دافقا ببكائه
فأهون ما في الكون قطع محبة
إذا وجدت فيه كساري هوائه
وأعظم ذنبي أن قلبي في الهوى
مشاعره مقرونة بوفائه
وأني غريب بين أهلي ومعشري
أجرر بين الناس أقدام تائه
لقد مات في قلبي الرجاء فإن أعش
فطول احتضار كيف لي بشفائه
وقلبك مغمور بماء حياته
ووجهك مغمور بماء حيائه
فدونك بين الناس ما شئت من هوى
لقد مات في صدري حديث رجائه
23 سبتمبر سنة 1915
الهارب
لو كان لي صحة أعيش بها
لم أشك يوما كوارث الكرب
بل كنت أغدو حيث الجدود غدت
موفورة في الحياة للنهب
معتزلا في الجبال معتصما
بغارها مشرفا على الكتب
مرتميا في مفاوز جهلت
غير الرزايا والويل والحرب
أهرب ممن تقلى ودادي وما
لداء قلبي أشفى من الهرب
أطالع الفجر أين لاح ولا
عين ترى غير أعين الشهب
وألبس الليل أينما اندفقت
سيوله كالغيوم والسحب
وأركب البحر منشدا ولهي
هزته مثل هزة الطرب
أهزأ بالناس أنهم خلقوا
شعث النواصي للأكل والشرب
أحمل قلبي على يدي فإذا
جد بي الضعف مت من تعبي
ماذا على المرء أن يموت إذا
عاش بلا غاية ولا أرب
يا أرض أين القبور فاغرة
فاها وأين الفناء في الترب
وأين دود البلى ينازعني
جسمي وينهي في الكون مغتربي
يا دهر قد طال تيه نفسي في
هذا الزحام المضيق اللجب
وطال تيه الشعور منزعه
إلى التي حبها أخو الكذب
ألا شعاع هاد عواطفنا
هداية العين في الدجى العصب
الله يا عمر أنت أعظم ما
ألقى ويا موت نمت عن طلبي
15 أكتوبر سنة 1915
الأختان
نزلت لتشهد روضة نبتت
أثلاتها وترعرع النبت
فإذا السماء وكل أنجمها
وإذا الحياة وصفوها البحت
فتانة البهجات زخرفها
كالسحر عنه يقصر النعت
زهر الرياض طوائف نشرت
راياتها وصفا لها الوقت
لا بل عيال كل واضحة
أم وكل وضيعة بنت
1
والماء تسقيها مناهله
خيرات عمر عافها المقت
وملاعب النسمات تنقل ما
تروي ولا زور ولا بهت
وكذاك وجه العمر مبتسم
لذوي العيال وللسوى شخت
2
لكن هنالك زهرة وقفت
حيرى وجافاها الألى شتوا
ملمومة الورقات ذابلة
مثل المليحة ما لها بخت
صمتت حواليها الطيور وفي
بعض المواقف يحسن الصمت
ومضت على الأيام مرتفعا
رغم الجفاء جبينها الصلت
3
فحنت لها سلمى وقد ذرفت
دمعا كعقد الدر ينبت
4
وتقدمت حتى إذا قربت
منها وحجب غيرها السمت
5
صارت تقبلها ملاطفة
وكذا تقبل أختها الأخت
3 نوفمبر سنة 1915
هوامش
المستجير
أجيري الذي بهواك استجارا
محب عليه غرامك جارا
رأى زرقة بين عينيك قد
وسعت السماء بها والبحارا
فأعطاك قلبا ونفسا وعقلا
وفكرا وهذا الشباب خيارا
إذا انعكس النور من مقلتي
ك أضرم بين الجوانح نارا
وإن رفرف السحر في شفتيك اب
تساما فرفرف قلبي وطارا
أرى أن روحي قد علقت
بمثل نثير الهباء مثارا
وأن الزمان توقف عن سي
ره وترى قبلها الدهر سارا
وأن الحياة تجلت وأن النعيم
بدا والشقاء توارى
وأن لا صباح وأن لا مساء
وأن لا ظلام وأن لا نهارا
تبارى بنفسي معاني الوجود
سوى الحب فهو الذي لا يبارى
وما الحب في العمر إلا محيط
على قطبه فلك العمر دارا •••
ملكت بقلبي حسنك وهو
كنوز فما عدت أخشى افتقارا
وعمري في البعد عنك عثار
وعندك لست أخاف العثارا
فمن ناظريك المنى تستهل
إلى النفس كالنجم حين أنارا
وكم عبثت بالنهى مقلتاك
فهام الفؤاد وضل وحارا
وقبل الهوى كان عقلي صحيحا
فلا تسألي بعده كيف صارا
خذي من فؤادي عواطف صدري
فقد ضج صدري بهن وثارا
طمت مثل ماء طمى في الحياض
ولكنه لا يصيب انحدارا
عشقتك حتى فقدت القوى
بحرب الورى لا أروم انتصارا
أدافع ألسنة الناس عنك
وعني وهي تحاكي الشفارا
فتجرح هذي الجسوم حرارا
وتجرح تلك النفوس حرارا
فديتك هذا الورى ليس يفه
م إلا لجاج الضلوع أوارا
وإضرام جسم وإطفاءه
بما فيه سر البقاء توارى
وهل في الورى غير أطماعهم
يدارونها وهي ليست تدارى
وحب بطانته الكبرياء
تبطن منهم نفوسا صغارا
وشرط المحبة في الكون أن
تعيد صغار النفوس كبارا •••
ألا إنني بينهم عنهم
بعيد كأني سكنت القفارا
أشاغل قلبي فأسقي به
غراس هواك وأرجو الثمارا
وما هي إلا رضاك وأن
تجيري الذي بهواك استجارا
مارس سنة 1916
الغرباء
إلهي تداركنا بلطفك واشفنا
من البؤس وارحم إننا بؤساء
ترى قبل هذا الكون كنا بآخر
وكنت لنا ربا وكان بقاء
وهل فيه أغضبناك حتى نفيتنا
إلى الأرض نشقى فوقها ونساء
وتنبذنا عن ظهرها في قرارة
تحالف موت تحتها وفناء
ألم يكفنا فوق التراب شقاؤنا
فيلحقنا تحت التراب شقاء
أكفارة عما اجترمناه قبلها
على الجهل فاغفر إننا جهلاء
وروح لنا أودعتها الجسم لم يكن
لها موطن إلا هناك سماء
يعذبها الجسم الذي أصله الثرى
بها في النوى داء وذلك داء
طريدة ليل قد حوتها غيابة
من الجسم تصليها به البرحاء
1
وكيف لها سلوى بفقد ضيائها
وما البدر إلا أن يكون ضياء
وما الزهر إن تفقد شذاها وما المنى
إذا عمت البلوى ومات رجاء
وزاد عذاب النفس أنك واجد
عليها بجرم جره السفهاء
أتوه قديما لا الذي جاء عارفا
بما جاء أو من في زمانك جاءوا
تمخض فينا الدهر وهو ضعيفة
قواه وإنا ولده الضعفاء
تمادت بنا الأوجاع في دار غربة
فرحماك ربي إننا غرباء
10 مارس سنة 1916
هوامش
السابلة
إلام هذي المقلة السائلة
تجول فيها الدمعة السائلة
مطروفة في الليل ترعى السها
وهي بها مشغولة شاغلة
تتعب نفسا هي مرآتها
واجمة في بؤسها ذاهلة
تمردت في الجسم لكنه
شد عليها فثوت ماثلة
1
كانت تصباها جمال بدت
أنواره واضحة حافلة
تقلدت منه المنى حلية
صارت بها حالية عاطلة
لكنه عاد حليف الأسى
وانحرفت أوضاعه مائلة
وعاث فيه كل ذي منية
نافرة أو غاية سافلة
فارتجعت منه أماناتها
واستدرجت عنه المنى قافلة
وهي عليه اليوم قد أسبلت
عبرتها تستوقف السابلة
21 مارس سنة 1916
هوامش
الراحة
إذن أين رجائي؟ رجائي من يراه؟
إنه يهبط إلى أبواب الجحيم، لا جرم إن في التراب لراحة ... (أيوب، 17: 15 و16)
أفي كل يوم أنت ناشد غاية
يظن بها مما تراوغك السحر
حريص عليها إن يلم بها البلى
إذا كدرتها عندك المحن الغبر
وما الحرص إن لم تستقل لك المنى
بأسرارها أو يستتب لك الأمر
تمتعت من دنياك حتى تنكرت
عليك وجوه العمر وانقلب العمر
وحتى دعاك اليأس منها إلى الهدى
وليس الهدى إلا الحفيظة والذكر
1
فهل فزت من غاياتها بسوى الأسى
وكان الأسى ذخرا لو ان الأسى ذخر
حبتك المنى أسرارها وتواطأت
لخدمتك الأيام وانقطع الغدر
وعدن كما أبدأن لا فيك مطمع
بهن ولا فيهن عرف ولا نكر
فأنت وهن الأمس واليوم بالمدى
قريبان لكن دون لقياهما الدهر
لقد أتعبتك الحادثات وأجهزت
عليك ولا خير بهن ولا شر
سوى ضيق صدر أثقلتك همومه
وإن الليالي لا يحيط بها الصدر
وأنت على الأيام تنشد راحة
فيا جاهل الأيام راحتك القبر
12 أبريل سنة 1916
هوامش
نظرة وخطرة
على شاطئ البحر
يا حب قد أفنيتني فكرا
وتركتني بين الورى خبرا
وسلبت قلبي كل راحته
ووهبت قلبي الهم والضجرا
أشقيت عمرا كنت راضيه
ما كان لا صفوا ولا كدرا
حسبي شفيعا أنني رجل
أكفي الأنام النفع والضررا
في كل يوم سيرة عجب
عندي تفوق بفضلك السيرا
بالأمس إذ خطرت مهفهفة
هند أباحت روحي الخطرا
في محفل للأنس قد جمعت
منه الشواطئ بالورى زمرا
والأفق ضاحكة ملاحظه
والبحر هاد والنسيم سرى
نفر الجميع إليه رائدهم
طيب الهوى وصحبت من نفرا
فمشوا فرادى في مسارحه
ومشوا ثنى ومشوا به نفرا
شيب وشبان يخالطهم
سرب الملاج يجرر الحبرا
يتسايرون به على مهل
وبه استطابوا الأنس والسمرا
فكأن هند الشمس إذ طلعت
تمحو النجوم وتفضح القمرا
يا نظرة للقلب إذ عرضت
ماذا فعلت بقلب من نظرا
يا فتنة للنفس ساحرة
يوحي إلي بيانها سورا
يا سر هذا العمر أحسبه
لما رأيتك منهلا خصرا
هلا وقفت تراك مقلة من
ألف الضنى والحزن والسهرا
هلا تبطنت الخفي لدى
تلك المشاهد وهو قد ظهرا
الحب ذاك ملكته وأنا
ما دار حولك سر أو جهرا
صدري وهذا البحر غورهما
أبدا يضلل كل من سبرا
ودي وهذا الصخر قد رسخا
أنا شاعر والصخر ما شعرا
ويضم قلبي كل مزبدة
جاشت بموج عواطف زخرا
كانت سماء النفس صافية
في أفقها نجم المنى سفرا
لكنها بهواك قد أفلت
وثويت في ليل قد اعتكرا
إني نبذت العيش ليس له
معنى ولست سوى سناك أرى
خفيت مجالي الكون عن بصري
فكأنه بجمالك استترا
لم أعتب الأيام إن غدرت
إذ كان من أهواه قد غدرا
لم تبتكر لي في الحياة سوى
حب أراني اليأس مبتكرا
فصحبت أقوامي مجاملة
سيان من قد غاب أو حضرا
ونسيت أن سواك بارئه
ربي وأن سوى هواك برا
وذكرت أن سواي ليس له
هم سوى غرض به اشتهرا
وفهمت أن العيش مضحكة
نخفي بها الأدران والوضرا
وحفظت إلا كيف ينفعني
علمي وإلا العقل والفكرا
وعلمت أن الحب جاء به
قدر وكيف أعاند القدرا
فكنزت حبك في الفؤاد فلم
أطلع عليه السمع والبصرا
وذهبت في الدنيا على قدم
يسعى بها جدي الذي عثرا
لو تعلمين خوافقا علقت
قلبي فضج ولج مبتدرا
ومنازعا للنفس ضاربة
أوتارها ما أغفلت وترا
وأوابدا للعقل شاردة
ترد الجنون وتأنف الصدرا
لرثيت للعاني المريض هوى
وجبرت قلبا بالأسى انكسرا
الله يعلم أنني رجل
لم يقض يوما في الهوى وطرا
31 يوليو سنة 1916
الرسم
أتاني رسمك يهدي إلي
جمال محياك في العين رسما
فأنزلته منزلا في الفؤاد
وبردت شوقي ضما ولثما
وروحك عندي في القلب قد
أقمت لها مسكنا فيه أسمى
فمذ جاء رسمك تم سروري
وقد صرت عندي روحا وجسما
22 أغسطس سنة 1916
جواب
1
تطالبني سلمى بأني أحبها
متى كان في الحب الفؤاد مخيرا
فديتك يا سلمى جمالك ساحر
ولكن قلبي لن يعود فيسحرا
صبوت كثيرا واسترحت من الصبا
فما فزت إلا من شقائي بأكثرا
أبى لي ذلي في المحبة رجعة
إليها وعيشي مستضاما مسخرا
ومن أنا أهواه يزيد سروره
بأني عنه لا أطيق تصبرا
ويعجبه فيه هيامي ولوعتي
وتضيع آمالي وبؤسي وما جرى
وإن لا أرى إلاه في كل ما أرى
بعيد المنى كيما أنوح وأسهرا
فأورثني داء بقلبي كامنا
عضالا رأيت الطب فيه محيرا
كذلك كان الحب عندي فإن أكن
جديرا بدائي كنت بالبرء أجدرا
هرمت وشعري فاحم وشبيبتي
كما فاح في الروض العبير معطرا
وشاخت قوى نفسي ونفسي فتية
وقلبي طفل في الوجيعة عمرا
وأسلمني هذا الزمان إلى التي
تريني ضياء الصبح ليلا مكدرا
تباعدت حتى ليس في الأرض مبعد
لذلك لم أسمع عن الحب مخبرا
وعالجت هذا العمر حتى تركتها
وإياه لكن آسفا متحسرا
بكيتهما حتى كأن مدامعي
مسيل غدير ماؤه قد تحدرا
وكفكفت دمعي بعد ذلك صامتا
ذهولا وفي قلبي الضرام تسعرا
لقد صار قلبي مثلما يعلم الأسى
تغير حتى صار لن يتغيرا
6 سبتمبر سنة 1916
2
أينفعني الحب الجديد وصاحبي
فؤاد كما شاء الزمان قديم
وكيف لقلبي بالصبابة والهوى
وقلبي طفل في الغرام فطيم
ولم يبق من نفسي سوى نفس له
زفير ونزع في الضلوع أليم
وبي غصة إن عاود الذكر عاودت
وعاود داء في الفؤاد كظيم
وعاودني شوقي العهيد ونازعت
قواي خطوب جمة وهموم
أرى الجبل العالي فأشتاق أنني
على رأسه ثاو هناك مقيم
هنالك ما شاء الفؤاد سكينة
وأنس ونور طاهر ونسيم
هناك جماعات الطيور أوانس
إلي ووجه النيرات وسيم
هنالكم قلبي صغير بنفسه
ولكن بما يوحي الإله عظيم
وإن جوار الله أعظم راحة
يراها فؤاد في الشقاء سقيم
وأكبر شر أن تحول مقلة
عن النور فالليل القريب بهيم
وأفظع خطب أن تموت عواطف
وتقفر منها أنفس وجسوم
أيا دهر هذا العمر أقلق راحتي
ومات رجائي إنني لعديم
وضيعت ما في النفس من مرح الصبا
وأصبحت في قفر الحياة أهيم
تذكرت أياما عوازب إنها
لقلبي في ليل الخطوب نجوم
1
بها أهتدي إن هوم العمر وارتمت
بي الغاديات السود فهي غيوم
ووسدنني مهد الأسى متململا
كأني مما قد لدغن سليم
2
خذوا نزعات العزم مني واطفئوا
سعيرا بقلبي إنه لجحيم
وحلوا عرى أضلاع صدري وأوقفوا
به خفقان القلب فهو أليم
وشدوا على نفسي بأثقال دائها
ففي النفس منه مقعد ومقيم
عسى خطرة في العمر أغفلها الأسى
وسانحة دون الفناء تحوم
تبادلني ما استسلف القلب رحمة
به وهو رغم النائبات رحيم
وفي كل يوم لي منى متسجدة
وشوق إلى ذاك العذاب قديم
22 أكتوبر سنة 1916
هوامش
اللاعبة
أناملك اللطاف وقد أمرت
على المضراب أنطقت الجمادا
1
فأسمعنا التدله والتصابي
وغنانا المحبة والودادا
وأطربنا بكل رخيم سجع
إذا نحن استزدنا منه زادا
فهيج في الفؤاد كمين وجدي
وزاد أضالعي منه اتقادا
كأن يداك عابثة بصدري
تثير به العواطف والفؤادا
كأن يداك لامسة عيوني
فتعقد في مغامضها السهادا
كأن يداك لاعبة بروحي
تمرسها وقد لانت قيادا
فتنشدك الحياة وقد أضاعت
بها الأمل الذي أعيى المرادا
وتبكيك المنى ثكلى أرنت
عليها عندما لاقت نفادا
وترثي العقل وهو أغر زاه
أصيب فما استفاد ولا أفادا
وتندب كل باسمة تولت
وقد لبست على النور السوادا
ولولا العجز كنت شققت قلبي
غداة بيأسه فيها تمادى
فأبصرت الحقيقة غير أني
يذر الدهر في عيني الرمادا
فديتك أسمعينا كل لحن
يحول يأسنا أملا مفادا
وخلي العاج ينشد إن فيه
معاني العمر تكتسب امتدادا
فنعتقد الهوى نورا تجلى
وأكثر ما يرى النور اعتقادا
لأن الحب يرسل وهو داج
إلى القلب الوجيعة والفسادا
14 ديسمبر سنة 1916
هوامش
مجيلة الورق
إلى: ن. أ.
جلست تجيلين أوراقهم
ومنها جدودهم تعلم
فتعثر هذي وتنهض تلك
وأنت القضاء بهم يحكم
إذا ما غنمت وإما غرمت
سواء جلا وجهك المبسم
تدور الدنانير منهم عليك
ومنك عليهم إن يغنموا
فتجري على راحتيك الشموس
وتنثر من يدك الأنجم
16 يناير سنة 1917
زر الكهرباء
غمزت زرا للكهرباء
به نور المكان
كأنك الله خالقا إذ
قال للنور كن فكان
الراقصة
بغضتك راقصة إنه
يطوق خصرك غيري فأدري
وتسرين بين يديه على
رخيم الغناء لعوبا ويسري
وتنتهبان معا في النعيم
لذيذ المنى تجريان وتجري
وتنفلتان لها مرحين
وتجتمعان بكف وصدر
فتستسلمين إليه بنفس
طروب ولهو وخفة فكر
وتعكس منك عليه عواط
ف قلبك وهي مطالع فجري
ونم عليك احمرار الخدود
وما تحتويه ابتسامة ثغر
فمتع غيري منك بقد
وزند ونهد ووجه وشعر
وقد ضم بين ذراعيه من
أفدي بقلبي وروحي وعمري
أراني إذا ما تأملت ذل
ك ضلل رشدي وأشكل أمري
وقامت قيامة روحي علي
وأطبق رأسي وأفرغ صبري
وما دام يرضيك بؤسي وذلي
فخليك راقصة واستمري
ولا تفكري بي من بعد ذاك
وطيبي بغيري نفسا وقري
ولا تأملي بي ولا تطلبيني
ولا ترحميني وارضي بهجري
وإن مت في الهجر منك فبعد
مماتي قومي ارقصي فوق قبري
26 فبراير سنة 1917
العينان
عيناك علمتاني الشعر والغزلا
وحاك لحظاك أكفاني بما غزلا
صددت عني فلم أملك سوى نفس
به أرد الأسى والبؤس والعللا
الله الله في عينيك نورهما
قد صار للقلب عن أشغاله شغلا
إني دعوني محبا في هواك وهل
يدعى محبا فؤاد في الهوى قتلا
ما كنت إلا شهيد المقلتين وما
عرفت في الحب من يستشهد المقلا
أرى بعينيك نور الفجر منبثقا
والحب منبعثا والعمر مقتبلا
وفي فؤادي ليل البؤس نازلة
دجاه في مهجة فيها الأسى نزلا
إني غدوت يراني الصبح منفردا
حتى يراني ظلام الليل معتزلا
فأعشق الفجر ورديا مباسمه
وأعشق الزهر منه ناضرا خضلا
وأعشق الشمس مرفوعا لها علم
كأنه ناشر فوق الورى كللا
والبدر تؤنسني أنواره وأرى
في النجم لي راحة إن ضاء أو أفلا
أصغي إلى الماء يجري في مسارحه
على الحصى وهو صب يغنم القبلا
إني لتطربني الأمواج منشدة
لحنا يعيد فؤاد الصخر مختبلا
والطير شاربة نور الفضاء إذا
جرى حياة لها طارت به جزلا
والأفق مد يد الحسنى مباركة
لا يستر الليل منه المبسم الرتلا
1
تحيط بي بهجات الكون حافلة
تعيد قلبي لها بالصمت محتفلا
والصمت أفصح ما يملي الوجود على
قلب يكون بسر الكون منفعلا
يفضي إليه بما تخفي المنى أمل
تغدو به روحه مملوءة أملا
عيناك والكون قد آلى الجمال على
قلبي يرى بهما في العمر منشغلا
وكلما رمت إعمال الروية في
سر الجمال رأيت العقل معتقلا
وإنما الحسن نور الحب منعكسا
على الحبيب فيبدو الحسن مكتملا
ويكسب الحب تمكينا به وهما
في العمر ما اختلفا يوما ولا انفصلا
عيناك تحتملان الأفق مبتسما
وهاك قلبي نور الحب قد حملا
هما ألحا على نفسي فما ضمنت
لنفسها غير جمر في الحشا اشتعلا
يا مقلتاك وإني شارب بهما
خمر الهوى وفؤادي في الهوى ثملا
بي من غرامكما يأس يلج وقد
أعاد روض حياتي بالأسى طللا
إبريل سنة 1917
هوامش
المنفرد
عدمتك قلبا لا يجيب وقد دعا
إلى العقل داع بالهداية أسمعا
إذا لجت الذكرى فما العذل نافعا
وما كان مرجو الشفاء لينفعا
وما اللوم إلا باعث الوجد والأسى
يجدد ذكرا في الفؤاد ملوعا
تسيل جراحات الفؤاد إذا الهوى
أثار به الداء الدفين فأوجعا
وإن لم يصب قلب المحب شفاءه
أصاب ولكن في الملامة مصرعا
فقدت أماني الشباب فخلفت
فؤادي لكن خافتا متقطعا
وألفيت عمري في الوجيعة ضائعا
فلله عمر في الوجيعة ضيعا
أردد في الدنيا شكاتي وإنها
تردد في الدنيا علي التفجعا
لقد كان لي عند الحبيب وديعة
هي القلب في سر الهوى كان مودعا
فما حفظت تلك الأمانة بل غدت
لضيعتها نفسي تضج تفزعا
وتنظم هذا الشعر يجري به الأسى
كما تسكب العينان في الحزن أدمعا
لقد خلقت بعض النفوس طموحة
إلى النور إن تفقده لن تتمتعا
ويؤلمها في صبحها ومسائها
من الناس إغلاق العقول تمنعا
وإظلام إحساس القلوب صلابة
فلست ترى فيها إلى اللين موضعا
ألا إن بعض الناس يشقى ببعضهم
وأشقاهم مستوعب ما بهم وعى
تقحمت أهوال الحياة لغاية
بقيت إلى تحقيقها متتبعا
وشفعت فيها الله سبحانه وقد
أبى الله لي في كونها أن يشفعا
طويت عليها العمر لو كان بعده
مجال لها عالجته متوسعا
فرحت وراحت لا بها أنا غانم
ولا سلكت نحوي إلى الغنم مهيعا
1
أإخفاق سعي في الحياة ملازم
وغلة صدر لا تفارق من سعى
وتصريم آمال وتطويح رغبة
وتبعيد أسباب تقرب مطمعا
فلا كانت الدنيا ولا كان أهلها
ولا كان يوم عابسا باسما معا
هم أبصروا للجهل جاها ورونقا
وهم رفعوه بينهم فترفعا
وهم قلبوا معنى الحجا فتقلبت
وآمن وجه العمر أصبح مفزعا
وهم كذبوا حتى فشا الكذب وادعوا
فأيقن بالنجح الغبي الذي ادعى
وهم هزءوا بالحق فارتد ساخطا
وهم زعزعوا ركن الهدى فتزعزعا
وما كنت إلا واحدا في جماعة
على نفسه إذ أفردوه تجمعا
فأصبحت في عين السموات عالما
وفي عين هذا الناس فردا مضيعا
وسرت وفي قلبي عواصف جمة
تعيد رياض العمر في الصدر بلقعا
ولو سالمت سلمى لكنت بنانها
طواعية بل ربما كنت أطوعا
ولكنها آلت علي قطيعة
وآلت على قلبي بأن يتقطعا
فبتنا كلانا في الحياة مخيبا
يرى شمله بعد التئام تصدعا
17 يونيو سنة 1917
هوامش
النغمة
هي نغمة رددتها دهرا
وقضيت في ترديدها العمرا
شكوى من الحب الذي انفطرت
روحي به لما غدا هجرا
ما أضيع الأيام مجفلة
في قلب صب يألف الذكرى
يبكي على الماضي وقد ضربت
نوب الليالي دونه سترا
نهوى ولكن مرة فإذا
من بعدها عاد الهوى مرا
1
تبع الفؤاد شواردا ومضى
لا يهتدي برا ولا بحرا
فيكون ما قد جد تسلية
للنفس فيها قد جرى مجرى
ما آثرت نفسي الجديد ولا
خليت فيه من دمي أثرا
ودمي تقاضاه القديم ولا
من عليه أنه أحرى
يا هند قلبي كان نابتة
شربت جمالك شربها القطرا
فتحت على الجنات مقلتها
فرأتك في آفاقها بدرا
فمضت عليك حياتها فإذا
أبعدت عنها عوجلت قهرا
من لي بآمالي وأنت لها
تولين قلبي العسر واليسرا
فأرى ببعدك كل كارثة
وإذا قربت الإنس والبشرا
الغاب تؤنسها الطيور فإن
صمتت تثير الهول والذعرا
والليل هذا النجم زينته
إن غاب أرخى للأسى سترا
أعطيت كل الحسن موهبة
وهواي زادك حسنه وفرا
يا حسن ذاك الوجه مندفقا
نورا وذاك الثغر مفترا
حلاك فكري حين حام على
صفحات حسنك ينفث السحرا
يا ربة حار الفؤاد بها
فوق المحاسن تلبس الفكرا
هذا سناؤك لونه وكذا
نور الصباح يموج الفجرا
لا غض فيه على جمالك إذ
أخذ الذي أعطى وما أزرى
فالفكر عندي ليس باعثه
إلا جمالك ساميا قدرا
هذا وذا سران قد خفيا
لله سر باعث سرا
وقفت عليك مداركي فغدت
مثل النسيم يلاعب الزهرا
وبذلت فيك عواطفي وأرى
هذي الأشعة تسكن القفرا
يا هند كم جاهدت فيك وما
أوليتني إلا الأسى أجرا
أملت أعراف الهوى ولقد
خطأنني وغدا الهوى نكرا
من ذا يعاند ربه وأرى
يا هند أجمل ما أرى الصبرا
23 يونيو سنة 1917
هوامش
الداء
لم أشف من ذلك الداء الذي فنيت
به الحشاشة مما سامها ألما
إن كان صحة غيري طول عافية
فصحتي طول هذا الداء قد حتما
إني شقيت به مما فسحت له
بين الضلوع فكان الجمر مضطرما
وكلما عاودت ذكراك عاودني
شوق ويأس هما موت الفؤاد هما
مللت نظم قريض قد نثرت به
عواطفا نديت بالدمع منتظما
وكنت أملت برأ في البعاد وإذ
هممت هم علي الدهر منتقما
فقلت للنفس لا حزن ولا جزع
إن الشباب حياة تغلب السقما
لكن تغلبت الويلات وازدحمت
بين الضلوع فضاق الصدر مزدحما
يا هند هل أبصرت عيناك بارقة
إلا رأيت ظلاما بعدها دهما
لله آمالنا في العمر كم سخرت
منا ولله وجدان غدا عدما
قد أسلم القلب نفسي للأسى أسفا
منه فما سلمت منه ولا سلما
12 أغسطس سنة 1917
سليم وسلمى
إلى نادرة العصر
وعلم النظم والنثر
مجدد الصناعتين
ونابغة القطرين
خليل مطران
الهدية
هذه قصة قلبي
ن قضى كل شهيدا
وقليل لهما أن
يذكرا ذكرا حميدا
في قصيد لست بالآ
مل أن يدعى قصيدا
فلذا قلدتها اسما
طائر الصيت بعيدا
محسنا يرعي عليها
ضامن الذكر مديدا
صغتها في قالب لو
لاه ما كان جديدا
فغدا في ذاك عندي
مبدئ الفضل معيدا
إن يعرها نظرة من
ه فقد صرت سعيدا
القصة
يعاتبها فيه الفؤاد مفندا
فتغريه حتى ينثني متوددا
وتسمعه من سورة الوجد آية
يعود بها أدمى وأضنى وأوجدا
ألا إن ثورات الفؤاد قواتل
إذا لم تصب من خالص العقل مسعدا
ولكنه فات الزمان وأطفئت
مناراته فازور واشتط مبعدا
وفي كل يوم غفوة وانتباهة
لناحلة وجدا وفاقدة هدى
على ذلك القلب الذي أضمر الأسى
إلى ذلك الوجه الذي حجب المدى •••
أحبته ملء الصدر في مرح الصبا
جميل المحيا فاتر اللحظ أصيدا
ولم تستشر فيه النهى إن حكمها
يعيد لها وجه المحبة أسودا
فتى مثل ريحان الجنان نضارة
يطالعها بدرا ويخطر أملدا
وتبرق عيناه ذكاء كأنما
محبتها مرت بعينيه إثمدا
لقد نزلت من قلبه في مكانة
ينم عليها خده متوردا
ودل على حب عظيم مثوله
لديها حييا واهيا متجلدا
إذا لحظتها مقلتاه تنهدت
وإن لحظته مقلتاها تنهدا
تحب الغواني في الفتى شيمة الحيا
ويعرضن عن مستوقح قد تمردا •••
سليم وسلمى اسماهما سر رامز
بقلبين في روح الهوى قد توحدا
تعشقها بنت السراة ولم يكن
يضارعها عزا وجاها ومحتدا
وليس له في العمر إلا شبابه
وعقل يراه في الأمور مسددا
وسلمى فتاة تشبه الشمس طلعة
لها وجنة كالورد كلله الندى
وعينان إنساناهما قد تلألآ
كنجمي سماء يبرقان زمردا
وجيد كأن الفجر شق عموده
وحلاه بالنجم المضيء وقلدا
وشعر كعقد التاج زين رأسها
فإن أسبلته انساب تبرا مجعدا
وقد كغصن الزنبق الغض ناعم
إذا راوحته الناسمات تأودا
وتمشي كأن الأرض ليست تمسها
لها قدما ظبي تقلان أميدا
وتضحك ضحكات الطهارة مثلما
تجاوب طير في الأراك وغردا
وتبسم عن در نظيم مطلة
بوجه لها يزهو لجينا وعسجدا
فيعشقها في صبحه ومسائه
وفي أمسه الماضي ويعشقها غدا
ويعبدها في الخلق والخلق ربة
له وفخار أن تجل وتعبدا
يكد ليرضيها بإعلاء شأنه
إذا نال في الدنيا علاء وسؤددا
إن انحط عنها في الحياة فإنها
أقامت له مرقاة حب ليصعدا
وقد وعدته أن يكون حليلها
ولم تك ممن ليس يصدق موعدا •••
لها والد لم ينضج العلم رأسه
فما انفك في الطبع القديم مقيدا
يرى سطوة الآباء حقا مؤيدا
تبيح على الأبناء حقا مؤيدا
ولا يفهم الدنيا الحديثة إذ يرى
تمدين أهل العصر للخلق مفسدا
وهل يبصر النور امرؤ حين تنجلي
أشعته إن كان أحسر أرمدا
يرى وهجا في طيه كدرة بدت
ويجهل أن هذا بعينيه قد بدا
ولا شك في نقص الجديد وإنما
يفوق كمالا للقديم غدا سدى
وإن أبا سلمى كثير مثاله
يضيقون حصرا في الورى وتعددا •••
وجاءت أباها مرة وشكت له
غرام سليم وهو إن طال أقصدا
1
وقالت له ما ضر لو زوجت به
وما كان إلا كامل الخلق أيدا
فإن يك عنهم قد تداني مقامه
فمن يتزوج سيدا كان سيدا
ولكن أبوها كان صلبا طباعه
وكان عليها قاسي القلب أصلدا
فقام إليها مجفلا متباعدا
وظن الذي قالته سلمى له ددا
وكذب فيها سمعه وعيانه
وراجعها فيما تقول مؤكدا
فما زاده إلا اقتناعا حديثها
فهاج غضوبا شاتما متهددا
وأوسعها سبا وخلى نهارها
ظلاما بما أرغى عليها وأزبدا
أتعشق بنت الشؤم ثم تجيئه
ليسعفها فيمن تحب وينجدا
ولا تستحي فيما تقول ومن له
مكان سليم إن يزوجها الردى
كذاك ضعيف الشأن خامل سمعة
تسربل أثواب المهانة وارتدى
أيجرؤ أن يهوى فتاة كبنته
ويخطب قلبا منه أسمى وأبعدا
ألا لا وبئس العمر أن تقدم ابنة
على أمرها كيما تضل وتفقدا
وأقسم أن لا تبرح البيت ناصحا
بأن تستشير الراشدات لترشدا •••
هنيئا لأهل الفقر شدة فقرهم
فرب ثراء كان فقرا مشددا
وإن الغنى حرية القلب في الورى
وما زاد عنها فالحكاية والصدا
وراحة فكر المرء أكبر نعمة
بها كان عيش المرء أخضر أرغدا
وما ضر تزويج الوضيع بغادة
أجل مقاما منه إن كان أغيدا
على أنها الأحساب أكثر ما ترى
لتذعر أن يدنى إليها وتنقدا
تريك الذي لا يملك المرء وجهه
لديه وأنكى لو تريك وأنكدا
يقلد بعض الناس بعضهم وهل
يعيش الذي يقضي الحياة مقلدا
وأكثر ما يأتيه عادات سابق
له وهو آت بعده قد تعودا
ألا إنها العادات سلعة خاسر
ولن يترقى القوم إلا تجددا
ولن يلد العقل الكبير كبيرة
إذا لم يجل في حومة العمر مجهدا
فتنسخ عادات وتنشأ غيرها
فإن راج بعض أصبح البعض مكسدا
وقيمة هذا العمر يوم وليلة
وما السعد إلا في الذي لاح مسعدا
وما النور إلا ما ترى العين صافيا
وما الليل إلا ما ترى العين أربدا
ولم يخش بعض الناس إشقاء بعضهم
لوهم قديم في النفوس توطدا •••
نعم زوجوها جاهلا غير أنه
له ثروة طابت كما طاب مولدا
أخا بدوات في الحياة مرافقا
ثلاثا ملاحا في الفواجر خردا
فيصرف في الحانات معظم وقته
على منضدات اللعب جنحا ومغتدى
ويغرم بين الكاس والطاس صحة
ويغرم مالا في القمار مبددا
فإن أخلصت سلمى له النصح ردها
ثقيلا عليها ناهيا متمردا
يقص سفاهات الأزقة كلها
ويروي فظاعات المقاصف منشدا
ويغلظ في عرض الحديث فإن شكت
فأهون أمر زجرها متوعدا
وإن رغبت أمرا لها رام ضده
حرونا وغالى في النكاية واعتدى
ويضجر أن يأوي إلى البيت ساعة
فيخرج غضبانا ويأتي معربدا
فلاقت عذابا هون الموت بعضه
بما وردت من شرعة الذل موردا
وساعة تعذيب تساوي ثراءها
وتنسي جميع الجاه والعز والجدى
وتكتم سلمى بؤسها وغرامها
بمن أبعدوا عنها أسيرا مصفدا
هوى في شغاف القلب عاص كأنه
إذا لجت الذكرى لهيب توقدا
2
كما رميت دون الورود غزالة
وقد أفلتت لم تظفر المتصيدا
وفازت بقتالين سهم وغلة
يمضانها حتى تموت فيهمدا
كذلك سلمى إذ تفاقم خطبها
عليها وشهى أن تموت وتلحدا •••
وأين سليم؟ ... إنه بعد قطعه
أسيفا مضى لا يعرف اليوم والغدا
مضى حاملا في القلب جرح غرامه
لدن سال واستشرى به وتفصدا
على أنه جرح دخيل ومن له
بأن يأسو الجرح الدخيل ويضمدا
ألا أبلغوها في القطيعة أنه
أصاب عذابا مفنيا وتكبدا
وما مات إلا أنه كل ساعة
يموت بها يأسا ويحيى تجلدا
ويطوي على العلات ضيق صدره
ليسلو الهوى في الشغل كدحا ومكتدى
3
وهيهات سلوان لولهان عاشق
أخي حرق في الحب لن يتبردا
إذا عاش بعد اليأس منها فإنه
لسر أقام الكائنات وأقعدا •••
أتعرف سلمى الصاحبات فإنها
ضجيعة مهد للشقاء تمهدا
تخرم داء القلب خافق قلبها
فأوسعه يأسا وسقما وأجهدا
تعد الليالي الباقيات تفجعا
وتبكي الليالي الماضيات توجدا
وترثي شبابا كان نورا وقد خبا
وتندب قلبا كان جمرا فأخمدا
وتحسب ما قد مر من عهد حبها
وترجع بالذكرى إليه تفقدا
إلا أنها صانت عواطفها كما
تصان الغراس الناميات تعهدا
وكم أقلقت ذكرى سليم فؤادها
فأحيت له الليل الطويل تسهدا
إن اضطجعت من دائها مستريحة
رأت شبحا بالقرب منها توسدا
وإن نهضت تمشي تمثل شخصه
لدى ناظريها واقفا متجسدا
فتبصره طورا شقيا مخيبا
وطورا قرير العين جذلان مسعدا
فتزعجها أشباحه وهي حوم
تروح وتغدو في الأماكن رودا
ويصرعها الداء الدفين وإنه
أحار أساة في العلاج وعودا
إلى أن تمادى عاديا متثاقلا
وحل قواها الفانيات وأهمدا
فماتت وغصات الأسى في فؤادها
ومقلتها في الأفق ترقب فرقدا •••
نعوها إليه فاستقر ملجلجا
كما هزت الأنواء صرحا مشيدا
ولم يبك لكن أجمد اليأس دمعه
وشر دموع العين ما قد تجمدا
فضج عليه قلبه متقطعا
ولج عليه عقله متشردا
وثارت عليه الروح تطلب ثأرها
كما هز قرم في الجلاد مهندا
فبات بحمى صدع الرأس جمرها
كما أبرق الغيم الجهام وأرعدا
ووافى أباها غاديا وهو حامل
حديدا طليق الشفرتين محددا
وقال له: يا مذبلا زهر الصبا
ويا جاعلا ماء الشبيبة أركدا
أعد لي سلمى أين سلمى؟ ألم تكن
تفدى بأرواح لكنت لها الفدى
وطار شرار الموت في لحظاته
فأمسكه من راهشيه مشددا
4
وأشفق مذعور النهى متراجعا
مهولا كما لو حية لسعت يدا
ألا إنه نذل الفؤاد جبانه
بإيذاء شيخ أحدب الظهر أدردا
أيقتل هما قد تداعى عموده
ويغضب سلمى في التراب تعمدا
5
ويردي بها من كان أصل حياتها
ومن كان لو تودى بمهجته ودى
6
أتاها الأذى منه ولم يك قاصدا
ولا ثأر ممن لم يكن متقصدا
نعم لا ولكن ثورة الحقد لم تمت
وحسب سليم أن يثور ويحقدا
لقد أعجم الهول الفظيع لسانه
مغيرا بباقي عقله متنجدا
فلز إلى أضلاعه النصل خارقا
وغيب في العظم الحديد وأغمدا
ومال صريعا كالمنارة إذ هوت
وكالجذع ملقيا طريحا ممددا ... ... ... ... ... ... ... ... •••
ألا استقبليه صادق العهد وافيا
أمينا بلا وعد أتاك ولا ندا
وناما بأمن الله في ظل جنة
أقيمت لأرواح المحبين سرمدا
وقرا بها عينا وطيبا سريرة
وعيشا بها عيش الهناء مخلدا
تنبهتما في رحمة الله فاذكرا
محبين ظلوا في المصائب رقدا
أكتوبر سنة 1917
هوامش
العام
سنة 1917
ولى ولم يشعر به أحد
عام كأمس مضى به الأبد
اليوم أطول منك ضائقة
بالوجد مثل الجمر يتقد
لما أذنت بفرقة بقيت
فينا المصائب عنك والكمد
حتام يغرينا الزمان ولا
سلوى تجيء بما يجيء غد
تتعاقب السنوات تالية
والعمر لا يألو به الجهد
والنفس ترغب والمنى عدة
1
والدهر ليس يفي بما يعد
دنيا تبكينا وتضحكنا
منا وجامعة النهى بدد
2 •••
يا عام ما نصل الظلام ولا
غنى الصباح البلبل الغرد
3
جلت حوادثك الطوال كما
جل الأسى والبؤس والنكد
والدهر أجفل منك تذعره
تلك الجيوش وهذه العدد
الأرض توقد للورى حمما
4
تفني الرجال بكل ما وقدوا
طال القتال وتلك مجزرة
فيها يضل العقل والرشد
يشكو الثرى شرب الدماء وقد
هدرت ولا دية ولا قود
5
إن أبطأ النصر الذي طلبوا
وتباعد القصد الذي قصدوا
لا بد من يوم يحق لهم
نصر الإله وعيشة رغد
ما في الحجى سلم تعود على
هذا الورى حربا فتطرد
ودفاعهم فتح الإله لهم
قاموا به للحق واجتهدوا
لا يستباح حمى له خفر
ويموت دون عرينه الأسد •••
رحب بأعظم دولة
6
نهضت
للعدل تعدله فلا أود
7
نبت الزمان جديدة جملت
تيها بها أثوابها الجدد
للعلم في ساحاتها عمل
يمشي بها فهما بها أحد
أخذوا القديم وجددوه بما اخ
ترعوا وزادوا فيه وانتقدوا
بنشاط مضمون النجاح له
من علمه ونشاطه سند
ولسانه وفؤاده شرع
فكأنما هذا لذا عضد
أغنى الأنام فكل ما ملكوا
بذلوا انتصار الحق واعتمدوا
قل للعدو غدا تصبحكم
بنت البحار ببأسها تفد
جيش يضيق البر منه فما
لرجاله وخيوله عدد
ووراءهم في البحر ماخرة
هضبات عز سيرها وخد
وعليهم سرب النسور إذا
ما أبرقت نيرانهم رعدوا
هل عندكم مدد وقد وصلوا
يصلونكم سقرا وهم مدد
8 •••
يا عام روعك الزمان وقد
أودى بملك وهو منتضد
9
عرشان في الدنيا بربهما
سقطا وقد خانتهما العمد
صغر الذي خان العهود فلم
يخلعه إلا الأبيض الحرد
10
في جنب أكرم هامة رفعت
لله يرفعها فيقتصد
11
رب الديانة في رعيته
بعد الإله لذكره سجدوا
يوليهم شرا إذا كفروا
وينيلهم خيرا إذا حمدوا
رب الولاية والهدى بهم
قد كاد يعبد في الذي عبدوا
رب الجيوش كأن مربضها
موج البحار حديدها الزبد
رب المعالي لو يمد يدا
لمست سماء الله منه يد
قد حط عنه التاج منعقدا
اليوم لا تاج فينعقد
واليوم قد كفروا به وهم
في الدين قد نسخوا الذي اعتقدوا
واليوم قد دفعوا مواهبه
عنهم وبعد الشكر قد جحدوا
واليوم في الدركات أنزله
صبب القضاء فما له صعد
والجيش يشهد هول سقطته
والأرض جازعة لما شهدوا
عظة الليالي أنها اتأدت
بالخلق لو في الخلق متئد •••
يا عام والأيام ذاهبة
هلا توقف دونك الأمد
تمضي وما بردت لوعجنا
صبرا ولا شفيت لنا كبد
إنا وردنا العمر فيك فما
في العمر فيك على البلى نرد
أما الحياة فبارق وعلى
أكنافها الظلمات ترتعد
والناس فوضى في الحياة ولا
يألو اجتهادا فيهم الحسد
يمشي الفناء بهم وجاذبه
رغباتهم والروح والجسد
حتى يقرهم بخاوية
فيها تساوى الشيخ والولد
ويجيء يوم لا السنون لها
معنى ولا رقم ولا عدد
والكون يمسي ليس تعمره
إلا زعازع فيه تطرد
12
تفني الحياة وكل ذي نسم
فيه ويبقى الواحد الصمد
8 و10 يناير سنة 1917
هوامش
الكبرياء
إلى: ن ...
أما المحب فمثلما علمت
حرق تزيد وأضلع تغلي
ذهب الربيع وليس يعقبه
إلا لوافح نارها تصلي
تصفر منها كل نابتة
في الأرض أو في القلب والعقل
والجسم يبليه الهوى وإذا
زاد الهوى فالروح ما يبلي
قولوا لها عيناك فاضحتا
قلبي بسحر الحب والكحل
كأسان كان الموت خمرهما
القلب يشربها ويتسحلي
والعمر طول في العذاب ولن
أرضى بأن أفنى على مهل
زيدي جوى أزدد عليك أسى
كيما أعجل في الهوى قتلي
كم باذل من نفسه فقدت
منه بلا شكر على البذل
ومحبة تشقي وتتعس إذ
في العمر لم تنزل على أهل
ما كان إلا النبل باعثها
يا هند لا حب بلا نبل
أسمى العواطف ليس يفهمها
بين الورى إلا أولو الفضل
فعلام تقطعني وما وصلت
هند ولا قطع بلا وصل
سل عن معاني الكبرياء ولا
تعتب فلن تسلو ولن تسلي
واقذف بهذا القلب في لجج
للصدر طامية من الجهل
واظلم شبابك فهو عارية
ستردها يوما بلا مطل
16 يناير سنة 1918
جواب الرسالة
إلى: أ ... أ ...
لقد باكرتني اليوم منك رسالة
بها كلمات عذبة وعتاب
مسالمة لكن أتتني فجاءة
كما انقض في جنح الظلام شهاب
تنزل وحي الحب بين سطورها
وروى حواشيها شذا وملاب
1
وكنت التي صدت على غير علة
ومن دونها في الحب قام حجاب
وخلفت قلبي ذاهل اللب حائرا
يخاف رزايا نفسه ويهاب
فكيف كتبت اليوم ناسية وهل
يعيد الذي مني سلبت كتاب
سلبت ذكاء كان في العمر عدتي
وعزما به قفر الحياة يجاب
ولم تتركي شيئا أقول حفظته
معينا لقلبي إن دهاه مصاب
فحال سواد اليأس دون عزيمتي
كما حال من دون الضياء ضباب
وبالغت في قطعي وقلت صنيعة
وطاولت في هجري وقلت ثواب
كذلك يجزى الحب عندك أنه
ينال الذي يبغي هواك عقاب
أضعت شبابي فيك فالعمر ضائع
ولا عمر إلا أن يكون شباب
لك الحكم لكن كيف كان ترفقي
ولا ذنب إلا كان منه متاب
ولا ليل إلا يطلع الفجر بعده
وربتما في الصيف سح سحاب
وها أنت قد طالبت قلبي بعودة
وقد كان أعياني إليك طلاب
سأسرع يحدو بي هواك الذي له
منازل ما بين الضلوع رحاب
فأمحو قديما لست أذكره ولن
يجدده في مسمعيك خطاب
وآملها أخرى تنافرنا فلا
يفرق وهم بيننا وكذاب
وقال وقيل يذهبان خسارة
بطيب حياتينا ونحن غضاب
فكوني كما شاء الغرام حبيبتي
وأنت حياتي ليس عنك ذهاب
وتالله ما هذي السطور إجابتي
إليك ولكني إليك جواب
21 يناير سنة 1918
هوامش
كلمة شكر
إلى حضرة الأصولي المدقق فريد بشارة، وقد أهدى إلى الناظم معجم محيط المحيط.
عدمت وفائي إن كتمت صنيعة
لكفيك عندي كيف تخفى وتكتم
وهبت محيطا جامع اللفظ معجما
وأنت محيط جامع متكلم
كتاب حفيل بالفوائد والحجى
به لغة الأعراب تزكو وتفخم
فكان نفيسا مرتين وقد أتى
يكرمه منك العطاء فيكرم
وهذب ألفاظي لمدحك إنها
لآلئ شكر في ثناك تنظم
وما هو عندي اليوم إلا فريدة
أتت من فريد فهي ذخر ومغنم
28 يناير سنة 1918
الصور المتحركة
عظونا فبعض الوعظ قد يسمع الصما
وداروا نفوسا بيننا دنفت سقما
وكونوا لنا عونا على الدهر إنه
ليقتلنا حربا ويقتلنا سلما
فإن أحرج القول المدارك فاضربوا
لنا مثلا يبقى لأشهاده حكما
نقيس عليه كل أمر لعلنا
نصيب حياة بينكم أو نصيب اسما •••
إذا ضاق صدري واستشفت جوانحي
لواعج في الأحشاء من دونها الحمى
تفننت في أسباب لهوي نافيا
بما شملت أنواعها عني الهما
وأحسنها فيما ترى العين ملعب - ولا ملعب - يبدو لنا ماثلا رسما
فيعكس فيه النور يحمل عالما
يروح ويغدو ساريا فيه مهتما
وتبدو حياة الناس ما بين ظلمة
ونور فنستجلي وقائعها وهما
وقد تظفر العينان منه بمشهد
دعابته عمن يرى تدفع الغما
وتظفر منه في مآس مثيرة
شجون فؤاد تثقل الروح والجسما
وفي نزهات بالربيع حفيلة
تلاعب فيها الغصن والزهر فوق الما
نؤم به البلدان وهي بعينها
نراها ولم نبرح مقاعدنا أما
ونشهد فيها كل أمر ونجتلي
سرائر للأحداث نقتلها فهما
وكم بدعة للعلم أحكم سردها
وتفصيلها حتى أحطنا بها علما
ورائعة للفن تبدو شئونها
نواصع يستهدي بها الناظر الأعمى
وفاتنة حوراء يفتر ثغرها
بهاء وبدر الحسن في وجهها تما
ومفتتن صب يروح ويغتدي
من الوجد والتبريح قد ضيع الحزما
يداعبها في خلوة غير مستح
فيوسعها لثما وتوسعه لثما
حوادث هذا العيش مما بدا لنا
ومما اختفى تجلى وقد أحكمت نظما
منوعة تغري بما شاءت الفتى
فيغرى أديبا كان أم جاهلا فدما
ويبرق كالدر النثير مكانهم
صغار إليه رافقوا الأب والأما
ويثلج صدر الغانيات تفكها
بمرأى خواف لا يخفن لها وصما
فيفتر طرف فاتن اللحظ ساحر
ويبسم ثغر طاهر رتل ألمى
ويسطعن طيبا في المكان كأنه
سماء وروض أطلعا الزهر والنجما ... ... ... ... ... ... ... ... •••
لعمرك إني كلما انفض مجلسي
رجعت ونفسي منه دامية كلمى
وعاودني بؤس الحياة ويأسها
وفي مهجتي قد أحدثا ألما جما
أروي فؤادي بالمدامع مثلما
يروي ندى فجر على ظمأ كما
أفتش حولي لا أرى غير معشر
أرقاء أسرى ذاك عيشهم حتما
كأنهم ذاك الستار وما بدا
به من شخوص تشبه الدم واللحما
فأضحك لكني أعود إلى الهدى
فأبكي وبعض العدل قد يشبه الظلما
وما العمر إلا كدرة في غضونها
ملاعب أشباح ترى وجهها جهما
فيحملهم منه شعاع يديرهم
على صفحات الدهر ينطقهم بكما
ويضحك منهم عالم الغيب راميا
بهم في مهاويه ولا يخطئ المرمى
فإن طلع النور امحوا وكأنما
تلاشوا ولا روح تحركهم ثما
إلا أنها الدنيا زخارف في دجى
من الجهل تمحى كلما مست الحلما
1
1 و2 فبراير سنة 1918
هوامش
حكم عادية
إذا تعاميت عن ضياء
فلا يمس الضياء شين
وإن تناسيت صدق قول
فإن ذاك النسيان مين
وكل خلف بالوعد ضعف
وكل صعب عالجت هين
فلا تبادر بسوء ظن
وإن تكن شككتك عين
فرب فحم يكون ماسا
وبعض صخر هو اللجين
دار جميع الأنام تمدح
فإن مدح الأنام زين
ولا تهاترهم فتغرم
رجاءهم فيك وهو دين
قد يكسر العود وهو قاس
ويعشق الغصن وهو لين
5 فبراير سنة 1918
المتشاعر
عرفت فتى شأنه مضحك
غريب حوى في الغريب فصولا
تعشق نظم القوافي أخيرا
وكان به العهد فدما جهولا
عصته وفيها عصى اللائمين
وصافي البغيض وجافي الخليلا
وآلى عليها وآلت عليه
بأن لا يحول وأن لا تحولا
ونادى بنات القريض فجئن
بواكي يندبن منه عويلا
ولباه كل هزيل المعاني
تخطى إليه وجاء هزيلا
وكل ثقيل من اللفظ وافا
ه ثم أقام لديه ثقيلا
إذا نظم الشعر قامت عليه
قيامته تعبا ونحولا
يقطع أبحره الطاميات
فواقيع لا يهتدين سبيلا
ويكسر أوزانه مثلما
تفرق جيش فلولا فلولا
1
ويجهل حتى هجاء الحروف
ومعنى الكلام جهلا جزيلا
فيأخذ سينا بصاد ودالا
بضاد وقافا بكاف بديلا
وينصب جزما ويخفض رفعا
ويدخل في النحو عرضا وطولا
ورب معان أطلت عليه
كما سقط الغيث يسقي الطلولا
فتقضي على شعره السرقات
ويقتل بعض الدواء العليلا
ولا يختفي في الظلام شعاع
ويفضح فخر الذليل الذليلا
وزنجية إن تلد أبيضا
ينم عليه البياض دخيلا
وسارق شعر يباهي به
يجر مصابا عليه جليلا
كسارق ثوب يكون علي
ه إما قصيرا وإما طويلا
6 فبراير سنة 1918
هوامش
الحب نور العمر
يا آية النور فدتك النجوم
أنرت عمرا كدرته الهموم
نورك جالي الصدر نافي الأسى
ملطف الأوجاع شافي الكلوم
إذا تبسمت ولم تبرحي
باسمة فرجت كل الغموم •••
أنت برد وسلام
أنت شوق وهيام
وسعاده
لمحب قد تفانى
فيك حبا وافتتانا
وعباده •••
أنت تجرين خطاه إلى
مرابع فيها الشذا والنسيم
أنت إذا استسقاك أسقيته
من منهل الروح الطهور الكريم
أنت إذا استعطاك أعطيته
نظرة سعد هي كنز عظيم •••
إنما أنت الأمل
جل قدرا واكتمل
وتحقق
وتجلى ناشرا
منك نورا عاطرا
يتألق •••
قد حسدتك النيرات التي
عليك في أفق الهيولى تحوم
لما بك الجد غدا قائما
وكل جد في الهوى لا يقوم
ودام فيك الحسن رغم الورى
والحسن شيء في الورى لا يدوم •••
قد بدا نور بهائك
مثل أنوار الملائك
أزليا
للهدى يحوي فنونا
فتعالى أن يكونا
بشريا •••
لم يفهم الناس سناك الذي
أطل وهو الصبح زاه وسيم
والناس في جهلهم أغفلوا
مجالي الحسن الصحيح الصميم
جازيتهم أنهم أبصروا
ولم يروا وهو مصاب جسيم •••
يفهم الحسن محب
قلبه في الحسن صب
يتعامى
عن شئون العمر طرا
فهو في الحب استقرا
وأقاما •••
أكسبه الحسن معاني الهدى
مغنية عن فانيات العلوم
فانطلق العقل بها وهو ما
بين الورى قد قيدته الجسوم
وصار منها شعلة نارها
كأنها في القدس نار الكليم •••
بك يستهدي السبيلا
وينال المستحيلا
كل هائم
إذ أصاب الرفد كهل
من عطاياك وطفل
في التمائم •••
برزت في الفردوس لما به
أبرز حواء القدير الحكيم
ما زلت توحين إليها الهدى
حتى على ما جهلت لا تقيم
فوسوست حوا إلى آدم
واقتسما تفاحة في النعيم •••
فتحت عيناهما
وبدا عرياهما
في الجنان
فقدا الخلد فراحا
منه طردا واستراحا
في الزمان •••
أنت هي الحية لكنما
نفثت سما لم يكن كالسموم
يدب في الجسم دبيب المنى
كخمرة ليست عصير الكروم
لكنها سر الحياة الذي
بات غذاء للنهى والحلوم •••
جاءنا من أبوينا
عمرنا زينا وشينا
فرضينا
بك يا سر القلوب
لمناجاة الغيوب
كي تبينا •••
ومرت الأجيال لا تأتلي
عدا وكل بك صب يهيم
لممت أشعاثهم فاغتدوا
وليس فيهم بك نكس لئيم
1
كل تساوى فيك لكنما
ذلك لم يحلم وهذا حليم •••
وستبقين مديدا
وتوالين عديدا
مقبلينا
عندما نبقى ترابا
بعدنا كوني ثوابا
للبنينا •••
وباركيهم واذكري عهدنا
فإنه يصبح عهدا قديم
وإنما الماضي له لذة
في الذكر تحلو للأنيس النديم
يا آية النور تجلي لهم
فإنما العمر ظلام بهيم
19 و20 فبراير سنة 1918
هوامش
ضجر
عدمتك يا قلب ماذا استفدت
وأنت بخمر الحياة ثمل
وفي الروض قد ضحك الزهر من
بكاء الصباح عليه يهل
شماتا وسهوا كذاك الزمان
وما يتراءى وما يشتمل
وأحمل في الدهر عبأك حتى
أموت وقد طال ما أحتمل
يراجعني اليأس فيك ملحا
فأغرق فيه ولا أعتدل
وكيف اعتدالي وتفنى الحياة
ولا يقبل العمر بل يرتحل
وإن هلال الحياة إذا لا
ح ينقص من قبل أن يكتمل
1 مايو سنة 1918
الزهرة الذابلة
في رثاء فقيدة الصبا والعفاف مينرفا شيبوب.
أكبرت فينا ضربة الدهر
لما رمينا منك بالهجر
فرحلت عنا غير قالية
ميعاد لقيانا إلى الحشر
كيف ارتحلت وكنت نازلة
منا نزول الروح في الصدر
أفتهجرين النور مارحة
فيه إلى الظلمات والقبر
غدرت بك الأيام وافية
والدهر مطبوع على الغدر
نزلت بك الحمى فذبت بها
وكذا يذوب التبر في الجمر
لو أنها تدري إذن لغدت
بردا عليك لو انها تدري
كيف استحرت فيك سالبة
منا جميع صفاتك الغر
لم يدفع الحمى صباك ولا
طب تناول منتهى الفكر
والطب من حيل الحياة فإن
حم القضاء قضى على الأمر
ماذا استفدت من الحياة وما
خلصت بغير السقم والضر
قلت لك العبرات جارية
لو دونها أرواحنا تجري
كنت السماء وكل زخرفها
فاليوم قد طويت بلا نشر
يا روضة مضت السموم بها
فتحولت منها إلى قفر
مالت غصون الروض جازعة
من هول مصرع غصنك النضر
وتذابلت زهر الرياض على
أنفاس ذابلة من الزهر
أنت الحياة قضت بلا أمل
أنت الشباب مضى بلا وزر
من كان أبهج منك حافلة
ما بيننا بالأنس والبشر
من كان أعقل منك ناظرة
نظر الحكيم لمبهم العمر
من كان أسنى منك طالعة
يزري سناك بطلعة الفجر
من كان أطيب منك مخلصة
قلبا طبعت به على الطهر
من كان أنقى منك ضاحكة
للعيش في سر وفي جهر
إن الوجيعة فيك قد عظمت
لما أتت ذنبا بلا عذر
لسنا نريد الصبر عنك وما
كنا لنطمع منه بالأجر
الله فينا حين رحت ولم
تبقي لنا شيئا سوى الذكر
11 أغسطس سنة 1918
وقفة على قبر
إلى مينرفا
إني وقفت عليه أنظر خاشعا
متذكرا حسنا به مدفونا
ومباسما ضمن التراب جمودها
فيه فصارت لؤلؤا مكنونا
عدت البلى فزهت عليه أزاهرا
بيضاء أرسلها الحمام عيونا
ترنو إلى زواره فتزيدهم
فيها تذكرهم أسى وشجونا
لهفي عليك لو انهم نبشوا الثرى
ورأوك ما عرفوك فيه يقينا
أمشى الفناء على صباك به وهل
تلك المحاسن في التراب بلينا
والله لم أملك فؤادي عندما
أمسى جمالك بالفناء رهينا
فرأيت عشبا فوق قبرك نابتا
يقتات جسمك لينا ليلينا
يزهو وقد غذته أكرم تربة
أجرت به ماء الحياة معينا
وقف الصليب مباركا أرضا حوت
وجها بداجية الرموس مصونا
ووقفت أذهلني المقام تهيبا
وكأن عقلي فيه صار جنونا
وألح بي اليأس الملح فأسبلت
عيناي دمعا في التراب سخينا
يا بنت يرحمك الإله فإنه
مولاك أعلم بالعباد شئونا
26 ديسمبر سنة 1918
إغراء
زودينا من حسن وجهك.
المتنبي
يا باخلا بجمال عي
نيه علي البخل عاب
ومفاخرا أترابه
بمباسم الثغر العذاب
ومغير زهر الروض بال
خدين أصلا وانتساب
ما ضر لو نلهو ولو
يوما كما شاء الشباب
ولمن تصون الحسن تن
زله ضنينا في حجاب
هب أنك الدنيا وبه
جتها ففيها العيش طاب
والشمس يسقي نورها ال
أزهار أصناف الشراب
والبدر يبذل نفسه
لليل منجرد الإهاب
1
والفجر يكسو الكون وال
آفاق أنواع الثياب
والزهر نقطفه ونح
مله كحلي أو ملاب
ونضمه ونشمه
فكأنه رود كعاب
ونرى من الأطيار ما
إن هجته نغما أجاب
آيات ربك كلها
في الحسن أنزلها ثواب
كفارة عما نلا
قي في الحياة من العذاب
والعمر بغي الفاهمي
ه والحياة لهم عقاب
لما تمادى ذنبها
جاء الجمال لها متاب
فعلام تذخره وهل
في صونه نفع يصاب
الحسن وهو من الترا
ب غدا يصير إلى التراب
10 يناير سنة 1919
هوامش
الأربة الرمادية
أهديت لي أربة لون الرماد بها
مثل الأزاهر في قد وفي ورق
1
ضمختها بعبير خلت أن به
للزهر روحا سرى في ذلك العبق
هذا الحرير يحاكي في تخطفه
سوانح الفكر بين النوم والأرق
كأن شمس خريف غادرت شفقا
وغودرت قطعة في ذلك الشفق
أو النسيم على نول الغروب بها
حاك الكهولة غزالا على الأفق
أو روضة الحزن يوم الدجن جللها
تراكب السحب في لون وفي نسق
2
أو ظل دوح على ماء الغدير غدا
من النواسم في وجد وفي قلق
أهديتها لي لذكرى لا تزول وقد
أنزلتها منزل الأنوار في الحدق
حليت صدري بها والنفس حالية
بما تضمنها عيناك من عشق
وإنما العمر إدلاج إلى غرض
كأنما أنا أمشي منه في نفق
3
وأنت كوكب هذا العمر هادية
في البر والبحر دون التيه والغرق
أمددتني بشعاع جاء مخترقا
حجب الغيوب فوافى غير مخترق
أحللته الصدر مرتاحا فأسكرني
حبا رضيت بأني منه لم أفق
والحب كل شباب القلب مختصر
في نظرة منك للثاوي على الحرق
عيناك كأسا شراب الخلد نورهما
سر العواطف من موت الغرام يقي
هما زمردتا فجر ولؤلؤتا
بحر ونجما سماء جاليا الغسق
وإنما أنا أهوى مقلتيك على
حالات قلبي من رشد ومن نزق
والعهد ما بين قلبي واللحاظ على
أن لا تخلي به شيئا من الرمق
واليوم أحكمت هذا العهد جاعلة
ميثاقه أربة نيطت إلى عنقي
15 يناير سنة 1919
هوامش
السكران
عار عليك! أنت التي بدأت فعلمتني الخيانة.
دي موسيه
واصل اللهو فالزمان مؤات
واطرح ذكر كل ما هو آت
ذاك سر الغد الذي خبأته
مبهمات الأيام في المبهمات
واسقنيها صفراء مثل شعاع الشم
س تحيي في النفس كل موات
تبعث السعد من مظناته في ال
غيب حتى يصير في الممكنات
وهي توحي إلى الجنان ليزدا
د اتساعا في فهم معنى الحياة
صففت في الكئوس فاختطفت أل
حاظنا بالأشعة الخاطفات
وتبدت كئوسها كنجوم
في سماء الخوان منتثرات
هاتها تنجلي عروسا فإني
كلف بالأعراس والجلوات
نحن في روضة وهذا ربيع
حافل بالعبير والنسمات
فانظر الأرض والسماء فكم بي
نهما للنهى من الآيات
رق وجه السماء حتى اجتلينا
معجزات السماء في مرآة
وبدا الأفق مائجا بضياء
أرسلته لواحظ الآلهات
خطرت شمسه تجر ذيول النو
ر فيه كخطرة الملكات
وقفت ساعة الأصيل تحيي
نا بنثر الشقيق والوردات
فهي لليوم كالربيع من العا
م يكونان أطيب الأوقات
انظر الروض كل غصن لديه
زهرة كالفتى بقرب الفتاة
قد سقى النور كل زهر هناء
إنما النور خمرة الزهرات
فلذا مال كل غصن هياما
لاعبا في النواسم اللاعبات •••
اسقنيها مثل الضياء لأجلو
عن فؤادي الهموم كالظلمات
إنني ضاحك وقلبي باك
ودموعي قد مازجت ضحكاتي
إن وقت الأصيل يبعث بالذك
رى شجونا ثقيلة الوطئات •••
لبست هذه الرياض ثيابا
جددا في ألوانها زاهيات
جددت زيها وفي كل فصل
جدة في الأزياء للغانيات
إنما هذه الطبيعة أنثى
قد حوت في الغرام كل السمات
تتحلى بكل وشي من النب
ت كوشي الزخارف المتقنات
تتهادى في كل ثوب من الحس
ن فريد في هذه الأشتات
كل جزء بشكله صار كلا
كاملا في المحاسن الكاملات
كل معنى فيه بهيج كأحلا
م الليالي البواسم السافرات
تبذل الماء لارتشاف كما يب
ذل ثغر الملاح للرشفات
ضرج الحسن خدها فدعانا
لشميم التفاح في الوجنات
ضمها النور في فراش من العش
ب لذيذ العناق والقبلات
فأثارت كوامن الوجد في النف
س وهاجت مطارح اللذات •••
اسقنيها وغنني فحميا ال
كأس تتميم موقع النغمات
غنني الشعر واسقني الخمر واعذر
نزعات الجنون في نزعاتي
إن في الشعر رنة تبعتها
راحة تنتهي إلى القافيات
إن في الخمر سورة تخمد اليأ
س وتنسي المصائب الصائبات
رب يأس ألم بي لأمور
ضاق صدري بها وطالت شكاتي
من شقاء وعثرة وغرام
وسقام وغربة وشتات
داوني بالنسيان والخمر والشع
ر وسكن جوانحي الثائرات
فالأماني صرعى مشيت عليها
فكأني مشيت فوق رفات
ليتني قد فقدت حسي فما تو
جعني كل هذه الموجعات
ليتني قد وجدت عقلي فما أر
تاع من كل هذه الحادثات
ليتني ليتني بعيد عن الن
اس أنيس الوحوش في الفلوات •••
هاتها إنها ابنة النور باللو
ن وأم الظلام بالفعلات
بهجة العين حرقة القلب فيها
كل ما شئت من منى وأذاة
هي روح بنفسه مستقل
عن قيود الأجسام قام بذات
وهبتها ملائك الله للنا
س فكانت منهم أجل الهبات
فهي تروي عن السماء حديثا
كحديث العيون بالنظرات
تتلقاه كل نفس بما يط
بع فيها الزمان من حالات •••
فضح السر يا نديمي فاملأ
كأس خمر وسم هندا وهات
واسقنيها على اسم هند كما يب
دأ باسم الإله في الصلوات
زحف الليل بالغروب على الكو
ن كزحف الجيوش بالرايات
ليت هندا هنا إذا لرأيت الش
مس في الليل في أتم صفات
آه يا هند أنت معنى وجودي
ولعينيك قد كرهت حياتي
قاطعيني كما تريدين إني
بك صب حشرت بين الغواة
وتناسي حبي ولا تذكريني
وتمني على الزمان مماتي
فأنا حافظ عهود فؤادي
ومطيل على الشقاء أناتي
كل حب يزول في يومه إن
لم يك ابن العواطف الخالدات
ابحثي في دمي فحبك فيه
راسخ كالقواعد الراسخات
ثابت كالجبال في الأرض لا يق
وى عليها الزمان بالعاصفات •••
كل يوم حوادث تفعم الصد
ر وقول يدور بين الوشاة
ودعاة إلى التنابذ والبغ
ضاء والكيد قام بين السعاة
كل ذنبي يا هند كثرة عشقي
لك والعاشقون غير الجناة
عشرات السنين مرت على حب
ي فواها لهن من عشرات
لم أخن مرة ولم ألف يوما
غافل القلب فاتر العزمات
بل جعلت الغرام حلية نفسي
مثل قطر الصباح فوق النبات
منزلا ذلك الغرام من النف
س نزول الأنوار في الحدقات
نابذا في الحياة ما ليس حبا
واسع الصدر صادق النيات
معطيا ما ملكت قولا وفعلا
وفؤادي في أول الأعطيات
1
ناسيا أن لي شبابا أضحي
فيه حب الهوى بغير تقاة
2
لم أعود فمي فيلفظ غير اس
مك حتى اشتهرت بين اللدات
مغفلا كل من يحدثني عن
غير حبي أعده من عداتي
جاعلا ذلك الغرام أمام
الله والناس واضحا كالأضاة
3
عاقلا لم يضر بحمق وطيش
طاهرا لم يشب بأدنى الهنات
كل هذا نسيته وتباعد
ت فماذا جرى من الآفات
ودعيني على الأقل وأبقي
لي هذا العزاء في خلواتي
إن أشاع الرواة عني كلاما
كذبي كذبي كلام الرواة
كلمات البهتان تبدو جليا
إن كل الجحيم في كلمات
راجعيني بلفظة وأعيري
كل ماضي فيك بعض التفات
لم أكن آفن المدارك حتى
تنبذيني يا هند نبذ النواة
4 •••
أنا سكران فاعذروا هذياني
ودعوني ألج في سكراتي
أنا في روعة فهاتوا أمانا
أنا أبكي فكفكفوا عبراتي
إن ما بين أضلعي جمرات
أطفئوا نار هذه الجمرات •••
إيه ردي إلي عمري فهذي
شمس عمري قد آذنت بفوات
وأعيري إن لم تردي ولو بع
ض ثوان أقضي بها حاجاتي
يا ظلام العصور أين شبابي
أين عزمي وصحتي وثباتي
أي ذنب جنيت حتى دهاني
قدر قد جرى على ميقات
ليس عهدي أني جنيت ذنوبا
إن عهدي توافر الحسنات
سلبتني الأحداث حالي ومالي
وأطالت على الهوى حسراتي
أين هند وهل أرادت لي الأو
جاع هند وهل أنا في سبات
أي شيء أرى أمامي؟ لا لا
إنما أنت ساكب الكاسات
وقف الليل يملأ القلب خوفا
بالخيالات من جميع الجهات
يا نجوم السماء أهلا وسهلا
بالحسان الفواتن الطاهرات
يا عيون الدجى أطلي على الكو
ن ومدي لحاظك الباهرات
نحن في الأرض حائرون فما با
لك في ظلمة الدجى حائرات
أنا ضيعت كل شيء فهل عن
دك علم ببعض مفقوداتي
أنت من فوق للأنام سلام
نير في وجوهك النيرات
طالعيها وعاتبيها فهند
لك أخت باللحظ والبسمات •••
أسكروني ما شاء يأسي وحبي
أولستم بين الأنام ثقاتي
واكتموا ما أذعته بلسان ال
خمر عنها وفرجوا أزماتي •••
إيه يا هند والزمان طويل
بيننا والأيام خير قضاة
سوف يبدو لك الصريح ويبقى
لك جرم الخواتل الجارمات
اذهبي إنني سئمتك وامضي
في طريق قامت بغير هداة
اسرحي وامرحي فإني مشغو
ل أداوي جراحي الداميات
لا تنهنهك أدمعي إنها را
حت من الغيظ لا الهوى جاريات
واتركي كل ما يوافيك عني
ودعي فهم هذه الزفرات
لغة النفس كلها فسدت عن
دي وللهجر مفسد للغات •••
أبلغوها قطيعتي وسلاما
طيبا كالنواسم الطيبات
ولتدم في حماية الله ولتن
س الذي خلفته في الشقوات •••
أضجعوني على الثرى وافرشوه
بالحصى واذهبوا على البركات
ودعوني لكي أنام ويا لله
مما تعيد لي يقظاتي ... ... ... ... ... ...
أبريل سنة 1919
هوامش
العهد
لقد سرني أني خطرت ببالك.
ابن الدمينة
حفظت لك العهد القديم لأنني
أرى أن شر الناس من ينقض العهدا
وآثرت أن أبقى شقيا مخيبا
على أن أطيع الكيد والغيظ والحقدا
ولو أنني عددت كل مساءة
بها نلتني ضاق الزمان بها عدا
أأذكر إغفالي احتقارا ونبذتي
بعيدا كأني لم أكن أطلب البعدا
وإيغار صدري بالسعايات بيننا
كما يلقم النيران موقدها وقدا
وإبداء ما أبديته مشمئزة
لدى صاحب لي لا أعاد ولا أبدا
وصحبة غيري تستثيرين غيرتي
وقصدك إذلالي وسؤت به قصدا
ومظهر إدلال علي وريبة
بطاهر ما أخفى فؤادي وما أبدى
ألا إنني بالرغم منك منزه
عن اللؤم واستوفيته لي فما أجدى
وبالرغم مني صابر لا ينالني
أذاك وصبري عنك أفقدك الرشدا
لي الله من قلب به البؤس ساكن
كما سكن الليل الخرائب مسودا
وإني لراض بالذي أنا واجد
أصد بصمتي كل نازلة صدا
سأنسى عذابا كان حبك أصله
وسيان عفوا كان ذلك أم عمدا
وأقسم أني قد وجدت وإنما
أرى أنني ما عدت مستشعرا وجدا
لقد فعلت بي الحادثات فعالها
فصرت على تكرارها صابرا جلدا
صحبت زماني فيك يا هند مرة
فكان نصيبي منكما اليأس والزهدا
لكنت على عزمي وحزمي لو أنها
خيانة من أهواه لم تفرط العقدا
فكيف أرجي العيش يا هند بعدها
ودهري يريني كل غانية هندا
مايو سنة 1919
شجون
إلى الأخ الحميم: ج. د.
هذي الشجون نظمتها
بين الوساوس والشجون
وبذلت فيها من دمي ال
غالي ومن دمعي المصون
آيات حزن نظمت
ها الجاريات من الشئون
نزعات يأس كله
ن كأنهن من الجنون
بدهات أفكار لما
قد كان أو ما قد يكون •••
وإليك أهديها كما
يشكو الخدين إلى الخدين
أنت الصفي كأنما
قطرت من ماء معين
أنت العليم بما ينا
وبني به الداء الدفين
أنت الذي اختار الفؤا
د لنفسه في العالمين
وأنا وإياك الظلي
ل وظله في كل حين
هذي الشجون بكل ما
فيها من الدمع السخين
جاءتك تعلم أن في
ك لها عزاء البائسين
فاحرص عليها إنها
قطع من القلب الحزين
واعذر أخاك وكن له
في الناس خير أخ أمين
القصيدة
أنا وحدي والساعة تدق! يا للعزلة يا للفقر!
دي موسيه
محال لعمر الله هذا التندم
وزور شكاتي والأسى والتظلم
وما بي داء أشتكيه ولا أذى
رميت به أو ما يمض ويؤلم
تمر بي الساعات شتى سريعة
أباشر أعمالي بها وأتمم
ولا هم إلا واجب العمر ينقضي
كما ينقضي داء يداوى فيحسم
فأغنم في الدنيا حياتي وإنها
بها للفؤاد الخالص السر مغنم
أنال بحمد الله وفرا ومتعة
وليس على غيري بما نلت مغرم
كفيت الورى شري ولا شر لي وما
جميع الورى إلا الذين هم هم
وما قالتي شكوى ولا فخر إنما
على ما أنا يدمى فؤادي ويكلم
أقلب طيات الحياة مفتشا
على فعلة يوما بها المرء يوصم
فأغدو بقلب يعلم الله طاهر
ونفس على علاتها تتردم
1
لقد درت دورات الحياة جميعها
وطالعت فيها ما يضيء ويظلم
فألفيتها حربا لزاما وإنما
بها يغنم الأسلاب من يتقحم
فزودت نفسي واعتزلت غمارها
أراقب عن بعد لظاها فأسلم
وإني لمستغن عن الناس عائش
بنفسي حرا سادرا أتنعم
2
كأني طير في الخمائل راتع
يروح ويغدو شاديا يترنم
وعمري غدير قد جرى متموجا
حوادثه حصباؤه تتبسم
يقبل ثغر الشمس وهو أشعة
ويغسل فيه الوجه بدر وأنجم
إذا روع الليل الرياض يزوره
نسيم الصبا يأتي عليه يسلم
فيؤنسه بالنفح والطيب ممليا
عليه حديث الزهر وهو مرجم
3
ويروي له ما قاله الغصن مائلا
وما قاله عشب الرياض المنمنم
4
ويفهمه سر السماء وإن يكن
يحجبها هذا الظلام المخيم
لغات يهز الدوح حسن بيانها
فليست إلى أخرى سواها تترجم •••
ولكنني أبلت شعوري عزلتي
فها أنا ذا كالعود يذوي فيحطم
أيا عزلتي أنضبت ماء شبيبتي
فصرت على مهلي أشيب وأهرم
ولا عمل إلا دواة ومكتب
فأنثر ما بي من شقاء وأنظم
وأقتل كتبي قارئا وكأنما
تحوطني منها خميس عرمرم
أقلب فيها أوجه الدهر باحثا
فتعرب عن أسرارها لي وتعجم
وتفني حياتي لذة وفكاهة
وأفني الليالي جاهلا أتعلم
أرى بينها الأجيال شتى وجوهها
فمبتهج هذا وذا متجهم
5
يمرون أرسالا
6
كأن صفوفهم
نمال على وكر ترد وتزحم
منابر والأفكار فيها نواطق
مناهل والمورود أري
7
وعلقم
أسافر فيها كل يوم وطيتي
8
مرامي فناء تستحيل وتبهم
أضحي بقلبي فوق مذبحها وما
صحائفها إلا لظى يتضرم
وأخرج صفر الكف منها بحسرة
أسيغ شجاها كل يوم وأكظم
9
فياكتبي مالي ومالك إنني
رضيت عمى قلبي ونورك أسحم
هجرتك فامضي في سبيلك وادرجي
إلى حيث يفنيك الغبار المهوم
ويطلع جيش العث فوقك غازيا
فيثأر لي مما جنيت وينقم •••
لحى الله من باع الضمير بدرهم
وأثمن مما باع في القدر درهم
وما عرض نفس المرء إلا ضميرها
إذا كان عرض الجسم ما أنت تعلم
فافهم عرض الجسم يبذل واصلا
إلى غرض محسوسه متجسم
ولكن عرض النفس يبذل ضائعا
فذلك بين الناس ما لست أفهم •••
ظلمت حياتي بالصيانة والحجا
ولي بالذي جرت حياتي أظلم
أمنعا وتعذيبا وجهدا وحيرة
حنانيك ربي إن صدري مفعم
وإني قطعت الشوط إلا أقله
وأقطعه سيان أرضي وأرغم
عزاء فؤادي أن للعمر منتهى
ولا رجعة منها أخاف وأوجم •••
على أنني أحببت في العمر مرة
رجوت بها تحقيق ما كنت أحلم
فكنت أرى الآفاق تضحك بهجة
فأستنزل الإلهام منها فألهم
وأشعر بالعزم الأكيد يضمه
فؤاد على لذاته يتألم
لعوبا بأسرار الوجود كأنما
يطل عليها ناظري المتوسم
إذا ابتسمت سلمى ففجر منور
وإن عبست فالليل أعكر أهيم
10
ولكنها ملت سريعا لضعفها
وما الحب إلا قوة وتعظم
فلما عرفت الضعف فيها وأنها
تخالف في نطقيهما القلب والفم
عملت على الهجر الجميل لأنه
غدا وهو أمر بيننا متحتم
كذلك قد جربت نفسي في الهوى
فأبت بجرح لا يداويه مرهم
وضيعت قلبي في الغرام فها أنا
أعيش بلا قلب وأسقى وأطعم •••
أرى العقل في الدنيا حديثا لأنه
أتى ليزيل الجهل فالجهل أقدم
وكل قديم كان ذا أولية
تفضله فهو العزيز المكرم
لذاك ترى أن الجهالة في الورى
أحب من العقل الصحيح إليهم •••
إذا أنت أسلمت الفؤاد زمامه
يقودك وهو الآمر المتحكم
ويبني لك الآمال غير محقق
وكل بناء بالعواطف يهدم
فتدخل في الدنيا سعيدا مهنأ
وتخرج طفلا يستضام ويفطم ••• ... ... ... ... ... ... ... ...
إلى كم أسلى بالرجاء يزيله
قضاء على كل البرية مبرم
وتعبس في وجهي النجوم وإنها
إلى كل ران في الدجى تتبسم
ويندك صرح العمر عند ارتفاعه
وكان على الأيام يعلو ويدعم ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
قنعت من الدنيا بخل وداده
صميم به يجري ويمتزج الدم
غدا سلوتي إذ لم أجد لي سلوة
وغنمي الذي أصبحت في العمر أغنم
رضيت به حصنا على الدهر قائما
وإني له حصن على الدهر أقوم
هو الرزق من رب كفيل وإنها
من الله أرزاق على الخلق تقسم
يونيو سنة 1919
هوامش
التعويذة
يا هند ما ارتاب فيك القلب حين رأى
أن العواذل لم تفهم معانيك
لو أنهم أبصروا النور الذي فتنت
عيناك قلبي به كانوا أحبوك
إذن لحزت بصدري غيرة ذهبت
بها حياتي شقاء منهم فيك
فالحمد لله إذ ضلوا السبيل وإذ
آبوا برأي كما تدرين مأفوك
1
وما لنا ولهم إما هذوا وهذوا
فنحن نضحك من هذي الأضاحيك
ولن يعاب جمال ليس تفهمه
بين الورى زمر الأغمار والنوك
2
الحسن يفهمه قلب يذوب هوى
يأتي به كل تسكين وتحريك
لا من تراءى بمرأى سيد وله
في كل حالة دنيا قلب صعلوك
دعيهم وهلمي اسقي فؤادي من
جمال عينيك نورا وهو يسقيك
ومتعيني بمشهود ومحتجب
وأرشفيني برد العيش من فيك
ولا تبالي بما قالوا وما فعلوا
فلن تؤخر فجرا صيحة الديك •••
أنا أهواك كما يهوى الظلام، زهره
وهي فيك الحسن قد أبدي النظام، نثره
فجلا الوجه كما يجلو التمام، بدره •••
ألثميني الخد جمرا قد تحلى، ورده
وأنيليني ثغرا يتملا، برده
وأعيدي لي وصلا قد تولى، عهده •••
أنا من قد تيمته في الورى ، بسمة
وأنا في الحب لي لن تسترا، شيمة >
لست أشكو إنها فيما أرى، قسمة •••
فارحمي يرحمك الله فما، أعهد
بك بخلا وغرامي مثلما، تشهد
لي عيناك وسعدي فيهما، أرصد •••
قد يجن المرء لكن بعد حين، يعقل
وهو يدري ما الذي رغم الجنون، يفعل
وبذا عنه أحاديث شجون، تنقل •••
حرست من أعين الحساد إنهم
بكل عين حسود قد أصابوك
يفديك عمري لكن لا أراه يفي
ببعض حسنك عمري وهو يفديك
فلا تخافي فذا قلبي أصيره
تعويذة علقيها وهي تحميك
ولا تبالي بما قال العواذل إذ
عواذلي فيك لم تفهم معانيك
يوليو سنة 1919
هوامش
المكرمة
عتابك لا يصافينا لأنا
تقاطعنا بلا أمل الرجوع
وكنت صبرت كل الصبر عني
بلا أسف ولا ذكر مذيع
لقد صرعتني الأحداث لكن
رأيتك لم تبالي بالصريع
وقلبك صار أمنع من عقاب
فقلبي صار كالحصن المنيع
أضعتك لا فأنت أضعتني إذ
أنا البادي قياما بالقنوع
على أني أسفت عليك لما
بلوت حقيقة الهجر الفظيع
ودمت على ضلالك لم تبالي
تظنيني خليقا بالخضوع
لكنت خضعت لو أبديت شيئا
يقال له مبادأة الصنيع
أبت لك كبرياؤك غير ذلي
وإني ما طبعت على الركوع
وكنت بعين نفسي فيك كفؤا
لنفسك ربة القدر الرفيع
ولا فخر لأنك كنت مني
بمنزلة الفؤاد من الضلوع
حببتك ملء أحلامي المواضي
وملء شبابي الفاني السريع
فأسفني الشباب وقد تولى
كما ذبلت أزاهير الربيع
وخلى غصة في الهجر لجت
مضايقة على صدري الوسيع
فأطفأت الليالي عاطفاتي
وأحلامي كإطفاء الشموع
وأرضعت الفؤاد أسى ويأسا
فصار أقل من طفل رضيع
تعود أن ينام ولا رجاء
بأن يلقاك في غده الرجيع
يباشر عيشه غفلا ويمشي
على الأيام بالصمت المروع
أضاحكه بلا سبب فيبكي
وأبكيه فيضحك كالخليع
يرى الدنيا ويسمع وهو باد
شتيتا غير راء أو سميع
ويشمس للورى طرفا حرونا
ويهدأ هدأة الحمل الوديع
1
فلازمه الشقاء بلا تشك
ملازمة المضاجع للضجيع ... ... ... ... ... ... •••
فلا يا هند ما هذي حياة
ولا عوض عن العمر المضيع
وإني قد عصيت الحقد يغري
عليك ورب عاص كالمطيع
أأتبع انتقاما منك يشقي
حياتك في الزمان بلا شفيع
ولكن لا فأنت مع التجافي
مكرمة على رغم الجميع
سماحا فاذهبي وحبيت سعدا
كنور الشمس وهاج السطوع
2 أغسطس سنة 1919
هوامش
على شواطئ الإسكندرية
أشواطئ الإسكندرية طيب
فيك المصيف لعاشق ولهان
هجر البيوت إليك محرقة اللظى
إذ شب فيها القيظ كالنيران
وأتاك يحمل حبه وغرامه
متقيلا في ظلك الفينان
يا مربعي دون المرابع إنني
دون المرابع واله بك عاني
أنسيتني وطني البعيد وإنما
هو أول عندي وأنت الثاني
لكنما فيك الحبيب وإنني
وطن الحبيب أحب من أوطاني
كم جلسة لي فيك وحدي شاكيا
كشكاية الإخوان للإخوان
أبكي بكاء الطفل حتى ينتهي
دمع به يتقرح الجفنان
جهد الحزين عيونه الشكرى فإن
نضبت فتلك نهاية الأحزان
والصبر أجمل ما استفاد القلب إن
نشط القضاء إليه بالحدثان
لكنه ماذا يفيد ودونه
حقد القضاء وغضبة الأزمان •••
البحر مبسوط الأديم كأنه
صدر أليف مسرة وأمان
والريح لينة المهب لطيفة
كتنهدات الموجع المرنان
والشمس تضرم في السماء مجامرا
هذي الغيوم لهن مثل دخان
بعثت إلى لجج البحار أشعة
صيرنها لججا من العقيان
اللانهاية في بعيد سمائها
واللانهاية في القريب الداني
بحران من جلد ومن ماء وفي ال
أفق القصي تمارج البحران •••
العين يأخذها الجلال كأنها
شهدت هبوط هدى ووحي جنان
يا بحر والأمواج فيك تدفعت
قلبي كهمك دائم الخفقان
وأساك مثل أساي لج وإنما
صدري وصدرك بالأسى رحبان •••
هذي شواطئك الطويلة إنها
مسرى الغرام ومسرح الغزلان
نصبوا بها خيم المصيف صفوفها
متسلسلات مثل عقد جمان
نزعت بإحداها سعاد ثيابها
فرأت تجلي حسنها العينان
وأتتك عارية الإهاب وإنما
لبست بياض جمالها الفتان
ورمت إليك بنفسها وتلاعبت
في الماء بين الصحب والخلان
ما آن ثم ملاحة وملوحة
جمعا ولم يتمازج الماءان
أنت السماء قريبة قد أطلعت
نجم الوجوه على مياهك راني
أنت الرياض جنية قد أبدعت
زهرا مغيرا زهر كل جنان
هذي طيورك إنها ثرثارة
ضحكا ولعبا فيك باطمئنان
الواقفات جسومهن هياكل
صحت بهن عبادة الأوثان
والماشيات بطيئة مياسة
أعطافهن نواعم الأبدان
والجالسات على الصخور زواهرا
مثل الرياض قطوفهن دواني
شجر الحياة على الرمال ثماره
ن أطايب التفاح والرمان
والسابحات رشيقة حركاته
ن بديعة التصريف والإتقان
أنت الغني وقد حويت جواهرا
فاقت كنوز الدر والمرجان
هذي عرائسك الجميلة إنها
مشمولة بالحسن والإحسان
متلاعبات في مياهك مثلما
لعبت حميا الكاس بالسكران
يخرجن منك مكللات لؤلؤا
كالزهر غب العارض الهتان
لكنهن عواطل من كل ما
زان الجمال لأنهن غواني
وتضيء فيك سعاد شمسا برجها
قلبي وقلبك إننا أخوان
الشعر فيض أشعة ذهبية
والجسم فيض النور واللمعان
نزلت ذكاء إلى المغيب فواجهت
سعدى وقد يتواجه القمران
فإذا هما يتناظران وهذه
شمس المساء تميل في الميزان
ذابت حياء فاختفت من بعدها
أرخت ستار الأفق أحمر قاني
ومضت سعاد كأنها ملك مشى
في الخلد بين الحور والولدان •••
يا منيتي ومنيتي ما ضر لو
سرنا كما يتساير الإلفان
متشابكين أناملا بأنامل
متهاديين كأننا ملكان
متساقيين غرامنا بلحاظنا
متخاصرين كأننا غصنان
متناسيين العالمين وما بها
والعالمون أحق بالنسيان •••
يا بحر قد جاء المساء مجررا
أذياله ينبث في الأكوان
والناس يمشون الهوينا مثلما
يتريث المتفرج المتواني
شيب وشبان وولد كلهم
متباين الأزياء والألوان
والبشر ترسمه الحياة سعادة
في أوجه الفتيات والفتيان
ويهزهم مرح الشبيبة مثلما
هز النسيم نواعم الأغصان
يتنافر الصبيان بينهم كما
تتنافر الأطيار في الأفنان
ولد كنثر الدر ملء قلوبهم
أمن السعيد وخفة الجذلان
لا رغبة لهم ولا أمنية
إن الشقاء رغائب وأماني
لاهون عما في الحياة وإنما
في اللهو كل سعادة الصبيان ... ... ... ... ... ...
حتى إذا ما النجم أشرق باسما
في الأفق ينظر نظرة الحيران
قفل الجميع إلى منازلهم ومن
بعد اللقاء رموك بالهجران •••
يا بحر إن العمر هم دائم
بتعارف وتباعد وتداني
أنت الزمان وكل عمر قطرة
هيهات تنقع غلة الظمآن
والنفس مثل شواطئ ممتدة
روادهن عواطف الإنسان
والقلب لجتك السحيقة إنها
مرسى القرار ومنبع الطغيان
أما الحياة وأنت رمز وجودها
فلها إليك جواذب ومعاني
يا بحر زد وانقص فإنك مثلها
فان ومثلك كل شيء فاني
3 و5 أغسطس سنة 1919
حيرة الغيور
إلى: ن ...
وحق عينيك وما فيهما
من غزل نور الأفق الأزرق
وحاجبيك اختط قوسيهما
نور يراع مظلم مبرق
ومارن
1
مبتدع شكله
منسم عطر الهوى المنشق
ووجنتيك اشتفتا حمرة الت
فاح في الوجه الصبوح النقي
وشعرك المرفوع تاجا كما
ينعقد التاج على المفرق
ووجهك الطافح نورا كما
يطفح نور الشمس في المشرق
وجيدك المفرغ في قالب
للحسن لم يعرف ولم يسبق
وصدرك العاجي قد زانه
نهدان كنز الناظر المملق
وخصرك المعطوف لينا كما
يعطف لينا غصن الزنبق
وردفك الرابي جلالا به
يتم حسن الغصن الأرشق
ولفتة الريم وما لطفت
لها معاني حسنك المطلق
أهواك حتى ليس لي مهجة
بها أوالي العيش أو أتقي
ولا بجسمي قطرة من دمي
لم تختمر حبا ولم تعشق
ولا أرى غيرك في من أرى
كأنما غيرك لم يخلق
يا فتنة العين التي سحرها
لا رقية في الحب منه تقي
وبهجة العيش التي حسنها
صفاء نور باسم مشرق
وشرعة الحب التي ماؤها
منه حياتي في الهوى أستقي
وكوكب العمر الذي نوره
يروي فؤادي الظامئ المحرق
وروضة الأنس التي نشرها
لغير نشر الحب لم يعبق
وراحة القلب التي بردها
يسكب لي السعد الذي أنتقي
ومنية للروح تحقيقها
غاية عمري الضائع المنفق
لم يبق مني غير رسم به
دل على ما راح ما قد بقي
أي غمار الحب لم يقتحم
لوائي العالي ولم يخفق
بل أي ليل فيك لم أحيه
بل أي قول لي لم يصدق
بل أي بؤس منك لم أحتمل
بل أي سعي فيك لم يخفق
كذاك قلبي في الهوى إنه
فيه الرزايا كلها تلتقي
لغير ما ذنب سوى أنه
أسير حب ظافر موثق
فلا تغالي في مجافاته
وقد تحكمت به فارفقي
وعامليه بالرضى إنه
يكفيه من حبك ما قد لقي
وإنني ما زلت عبدا وقد
خبرت إخلاصي فلا تعتقي ••• ... ... ... ... ... ...
بي غيرة تشعرني أنها
موت فؤادي الكاظم المحنق
كأنما قلبي في بحرها ال
غريق لم ينج ولم يغرق
مرارة جارية في دمي
وغصة في صدري المطبق
ونزعة في النفس وثابة
إلى حبيب لي لم يشتق
فقدت عزمي إنه خانني
ومن سوى الغيرة لم أفرق
يلج بي اليأس ولكنني
أثوي ثواء الصابر المشفق
أروح بالبؤس وأغدو به
وبالمحيا العابس المطرق
ولست أشكو فالشكايات لا
تفيد غير المزعج المقلق
21 سبتمبر سنة 1919
هوامش
هند
عواطف هذا القلب مختلفات
ولكنها في الحب مؤتلفات
إذا برزت شتى المذاهب في الورى
فليس لها يا هند فيك شتات
يوحدها الوجه الوضيء كأنه
سنا الفجر منه تهرب الظلمات
تباين إلا في الهوى الخلق أنه
عليه نفوس الخلق متفقات
وما هو إلا الشمس والناس حولها
أشعتها في الكون منفرعات •••
ألا إن حبي روضة مستقلة
معاني الهوى أزهارها النضرات
وإن شذاها ما أقول عواطفي
وهن المنى تسري بها النفحات
وتشرب من دمعي وتشرب من دمي
فتروى بها الأغصان والأثلات
وفي كل يوم زهرة وخميلة
فحتى متى لا تعقد الثمرات
أشادية تلك الطيور سعادة
فإن الأماني تلكم النغمات
بلى هتفت حزنا أثار شجونه
جوى لم تبرد ناره عبرات
وأقتل ما في الحزن أن يعصي البكا
وتزدحم الأشجان والزفرات
بهند وحبيها إذا الذكر عادني
تكاد بقلبي تذهب الخفقات
وكنا حفيلا أنسنا بتجاور
ولهو به ساعاتنا بركات
إذا ما تواقفنا يسارق لحظنا
أحاديث حب كلها سرقات
ونلبث مذعورين نحسب أننا
ضللنا وأن العالمين هداة
وما الناس إلا مفسدون وكلما
تولوا بأن يحيوا الصواب أماتوا
وكم موعد وافيت يا هند وافيا
تنم على حبي به الخطوات
تلاقينني ملء الجوانح لهفة
وتملأ قلب الناظر اللهفات
وتنسين أن الناس ترقبنا لذا
نمر فتى تمشي إليه فتاة
نسير الهوينا غافلين وإنما
تحلي أماني الصبى الغفلات
وكم شهدت تلك المسالك حبنا
وتلك القصور البيض والنزهات
وجار من النيل المبارك ضاحك
تمد عليه ظلها «العربات»
تخف لديه راكضات كأنه
سراب عليه تركض الظبيات
ونحن بإحداهن طار فؤادنا
غراما وقد طارت بها العجلات
جرت فكأنا في الفضاء وهذه
هي الأرض تجري والهواء فلاة
وحبي دنيا أنت فيها سعيدة
وحبك لي دنيا بها حظوات
شكوت إليك البث وهو محبتي
فأشكيتني كيما تزول شكاة
وأدنيتني حتى اتحدنا صبابة
وذاب فؤادانا ولا شبهات
حديث كنشر الروض غب سمائه
وألفاظك الأنداء منتثرات
إذا نظرت عيناك همت صبابة
فلله مما تفعل النظرات
وأرشف من فيك الحياة وإنني
تطيل حياتي هذه الرشفات
ويثنى على كتفي ذراعك لينا
هو العاج لو لم تجر فيه حياة
يضرج خديك الحياء طهارة
وتسحرني من ثغرك البسمات
تفوحين طيبا نادر العرف منعشا
إذا عبثت في شعرك النسمات
فألثم ما استرخى علي وأنثني
وبي من غوالي نشره سكرات
كذلك كنا ثم نرجع والحشا
به للتلاقي في غد حسرات ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
طوى ذلك العهد الزمان وباغتت
حوادث دنيا كلها نكبات
كأن لم يكن شيء هناك وهكذا
تبدد أحلام الدجى اليقظات
أطاول أيامي لعلي أرى التي
مضت وأناديها وفي خفات
أجيبي أحقا لا تعودين وانظري
ففينا تمادت بعدك العثرات
ألا أحسني بل لا تسيئي وإنما
أنلت وإن قلت لك الحسنات
أتمي صنيعا واغنمي أجره فقد
مررت ولما تنقض الرغبات ... ... ... ... ... ... ... ...
محال رجوع العمر بعد زواله
وما حييت بعد الممات رفات
إلام إلام العيش والحب قد مضى
وفيم وفيم البؤس والحسرات
أكتوبر سنة 1919
ثوب المخمل
إلى: ن ...
فديتك خاطرة عندما
تمايل قدك غصنا نضيرا
وأقبل مرتديا مخملا
فكان الحرير تردى حريرا
كأنك في ظلمة قد أطل
عليها محياك بدرا منيرا
وعيناك نجمان للسعد في
سماء الجمال يفيضان نورا
يضم قوامك هذا الرداء
هياما كما ضم كم عبيرا
ولله مما يضم وإني
بذلك قد صرت منه غيورا
ألا فاعذري يأس صب يغار
وخير الورى من يكون عذيرا
كأن تموج ذاك الحري
ر سحر يضلل طرفا بصيرا
وقد زانه ما به من بريق
كما زانت البسمات الثغورا
وهيهات ذاك له إنما
غدا منك بعض السنا مستعيرا
ومهما تكاثف نسجا فنور
ك أزهى صفاء وأجلى ظهورا
كما وهج الليل والبدر ثاو
وراء الغمائم يأبى السفورا •••
تولى الشتاء وهذا الربيع
فألقيه يجل سناك ظهورا
ويبرز جمالا أقل معاني
ه يفتن ولدا ويفضح حورا
ويأخذ باللب حتى يكاد ال
فؤاد بحكم الهوى أن يطيرا
كذاك يفتح كم الرياض
إذا ما الربيع أتاه بشيرا
فينفح طيب الشذا وينو
ر بين الغصون ويغري الطيورا
وأنت الرياض وأنت الربيع
وأنت الحياة منى وسرورا
أزيليه واطويه حتى يصح
شماتي به فأكون شكورا
ولكنه بعد عام يعو
د سيرته وأعود غيورا
5 أبريل سنة 1920
عقد الكهرمان
حليت بالكهرمان الصدر لابسة
عقدا تدلى إلى النهدين وانعقدا
أغار حباته الألحاظ طامحة
إليك فهي لذا مصفرة أبدا
ما ضارها أنها غبراء شاحبة
وفضلها واضح في عين من نقدا
ورب وجه دميم كان صاحبه
شهما ووجه جميل يستر الحسدا
ما أسعد العقد مرتاحا إذا عبثت
به يداك على صدر به سعدا
تمشين مطرقة آنا فتقلقه
خطاك مرسلة في سيرها صددا
فلا يني خافقا من وجده طربا
فإن وقفت تراءى هادئا كمدا
له تلطف آس في تلمسه
نهديك محتشما في اللمس متئدا
نهداك رائعتا فن ونادرتا
حسن وكنزا حياة للهوى وجدا
وآيتان من الأنوار أنزلتا
عليك والنور فوق الصدر قد جمدا
عليهما العقد مثل النجم غبره
جرم يمد إليه الليل مبتعدا
فظل يبرق لكن شاحبا ومضى
مطالبا بتداني نوره الأمدا
رمز القلوب التي أصحابها عشقوا
عينيك ثم مضوا لا يعرفون هدى
تعلقت بك لا تنفك فهي كما
ترين عاشقة من قدك الميدا
تبيني ذلك العقد العجيب تري
قلبي فريدة هذا العقد منفردا
أحبك الحب صرفا لا مزاج به
لكن جفاؤك ما أبقى له جلدا
فمات حيا فلا حس ليؤلمه
شيء ويمتعه إن غاب أو شهدا
لكنه حافظ عهدا ومدكر
ودا وفي كل يوم مستبيح ردى
ووارد شرعة باليأس مترعة
واليأس في العمر يضني الروح والجسدا
ولا يزال كهذا العقد مضطربا
ووده مثل هذا العقد قد عقدا
أبريل سنة 1920
بؤس
أما آن للقلب أن يهدأ
وللدمع في العين أن يرقأ
وللجسم في العمر أن يستريح
وللداء في الصدر أن يبرأ
وللنفس في الوجد أن تستقر
وللنار في القلب أن تطفأ
علام وفيم عذاب طويل
وعمر قصير له أنشئا
مللت الزمان بما قد حباني
وما قد أعد وما هيأ
أكاذيب لكنها تطمع الن
هى وتكون لها مرتأى
ويألفها العقل مستقريا
فيرعى الأكاذيب مستمرئا
أرجي شفاء وميعاده
إذا أنا شارفته أرجئا
وإن الشباب كثوب ولكن
إذا ما تخرق لن يرفأ
هو العزم سيف إذا لم يثلم
ه ضرب فلا بد أن يصدأ
لو اني طلبت علوا لما
رضيت لنعلي السهى موطئا
ولكن رأيت القناعة في العي
ش أروح للقلب بل أهنأ
فضيعت هذي وذاك ورحت
أفتش عن غرض خبئا
وما غرض النفس إلا القريب
سواء أأجمل أم جزئا
يناصبها الحرب يوما فيوما
ويوردها الحتف آنا وآ ...
وما السر في نيل ما أنت تطل
ب في العمر إلا بأن تجرأ
فزعت إلى الليل مما أرى
وقد فزع الليل مما رأى
إذا أنا أضوتني الداجيات
رأيت الدياجي لي أضوأ
وأشقى البرية مثلي طريد
يكون الظلام له ملجأ
أراجعة في الزمان أماني ال
حياة ومدنية ما نأى
وهبه دنا إن بعض الشراب
يغادر شاربه أظمأ
أيا رب ذا الكون حرف من اسم
ك لكنما اسمك لن يقرأ
تعامى على مقل لو رأت
لكادت من النور أن تفقأ
ولم تزغ العين لكنها
أرادت عن القلب أن تدرأ
ومن بهر النور ما جر ذنبا
ولا عد في عمره مخطئا
ربأت بنفسي عن أن تضل
ومن لي بنفسي أن أربأ
وأحببت عمري على أي حال
فناء سريعا يرى مبطئا
وهما ينازعني راحتي
وبؤسا يرى الأحسن الأسوأ
لقد زهدتني الحوادث في
حياتي فأسلمتها مبرئا
ولم ألف يوما أسيفا لأني
صحبتك يا دهر مستهزئا
وألزمني الصمت أن المعي
د إن هو إلا الذي أبدأ
21 أبريل سنة 1920
الوردة والأمل
تشبه الوردة في أشواكها
أملا ينبت بين الحادثات
يعقد الكم فيسقيه الندى
ويغذيه التراب الحاضن
ويواليه الضحى نورا كما
تبعد الأوضار عنه النسمات
فإذا ما فتح الكم بدا
في محيا الروض خد فاتن •••
هكذا في النفس يبدو أمل
بعد أن تشتد فيها النكبات
يطرد الهم بلطف دائبا
وبه يقوى الضعيف الواهن
مثل خيط الفجر يبدو نوره
ثم ينمو ثم يجلو الظلمات
فإذا الصبح وما في الصبح من
راحة فالقلب ساج آمن •••
ويظل الورد في روضته
باسما يملي على الطير الغنا
ويسري كل هم شكله
بهج لونا يقر الأعينا
طاهر يوحي إلى القلب شذا
كان طهرا ثم منه فقدا •••
وكذاك النفس في راحتها
لا يدانيها اضطراب وقلق
تفعل الخير لفعل الخير لا
للمباهاة به يوم السبق
وتوالي بسمات كلها
أرج باق وإن طال المدى
3 مايو سنة 1920
الطائر والغصن
ومشبه بالغصن قلبي.
البهاء زهير
طير على غصن في الروض قد وقعا
إذا شدا راح في الألحان مبتدعا
مموجا صوته في الناسمات كما
تموج النور فوق الماء فالتمعا
يقرب الفجر بالإنشاد مبتكرا
ويبعد الليل بالإنشاد مخترعا
أعير من بهجات الكون أوقعها
في النفس لونا وشكلا عنده اجتمعا
والغصن من سعده ما انفك في جذل
يحبوه أوراقه الخضراء مفترعا
ويلتوي لدنو الماء يورده
ويخرج الثمرات الغر مصطنعا
ويحمل الطير مرتاحا به وإذا
أبدى الخضوع له حبا فما خضعا
كل سعيد بما قد نال صاحبه
هذا بذاك ولا غرم لمن شفعا
لكن رأى الطير يوما زهرة فمضى
وخلف الغصن في أوراقه جزعا
فأذبلت حسرات الغصن نضرته
ولم يزل موجسا في يأسه فزعا
ويأسه في غد لا شك قاتله
على حبيب له ولى فما رجعا
ولازم الصمت لا يشكو إلى أحد
وما رأى أحد شيئا ولا سمعا
3 مايو سنة 1920
الموعد
نحن تواعدنا بأن نلتقي
في مقصف يوما لكي نقصفا
فما أتت هند ولا أرسلت
عنها اعتذارا مظهرا للوفا •••
ثم تواعدنا بأن نلتقي
في روضة زاهرة زاهية
فما أتت هند ولا أرسلت
عنها اعتذارا أنها ناسية •••
ثم تواعدنا بأن نلتقي
يوما على الشاطئ عند المساء
فما أتت هند ولا أرسلت
عنها اعتذارا نافيا للجفاء •••
فما تعاتبنا ولا أعتبت
هند ولم تحفل ولم تشفق
ثم تقاطعنا ومن قبلها
نحن تواعدنا ولم نلتق
4 مايو سنة 1920
الفؤاد
بين جنبي على البؤس فؤاد
ما انقضى يوما له فيك مراد
وإذا يا هند ما طال البعاد
ذبت وجدا وأنا عنك أذاد
بين جنبي فؤاد •••
بين جنبي فؤاد لم يزل
كل حين منك يدنيه أمل
ثم يقصيه احترام ووجل
أنت قد أشقيته العمر فهل
بين جنبيك فؤاد؟ •••
وصديق فيك قد لام فما
زادني إلا الأسى والسقما
أنا يا هند عصيت اللوما
سائلا ذاك الذي لام أما
بين جنبيه فؤاد؟ •••
كل ما في الحب هم وعنا
إن نأى المحبوب يوما أو دنا
فعلى ذا لم أطع فيك المنى
إنما يا هند رفقا فأنا
بين جنبي فؤاد
12 مايو سنة 1920
إيضاح
حسبت في الهجر أني
لا شك لاق شقاء
نعم لقيت ولكن
ألبسته الكبرياء
إني سأصبر حتى
لا أشمت الأعداء •••
حسبت في الهجر أني
لا شك باق رقيقا
نعم بقيت ولكن
فككت قيدا وثيقا
قد كنت حرا أسيرا
فصرت عبدا طليقا •••
حسبت في الهجر أني
لا شك فاقد لبي
نعم فقدت ولكن
وجدت عقلي وربي
ما كنت أملك إلا
قلبي وما مات قلبي
2 يونيو سنة 1920
واجب التهنئة
إلى صاحب العزة جبرائيل بك شيبوب بمناسبة الإنعام عليه بالرتبة الثانية.
لم تأت معلية مقامك إنه
من قبلها بين البرية عال
لكنما هي رتبة قد زينت
عمرا زها بجلائل الأعمال
هذي حياتك في استقامة سيرها
ونشاطها في الخلق خير مثال
حفلت بكل فضيلة ومبرة
فسمت من العلياء أوج كمال
أنت العصامي الذي ضمنت له
عزماته في العمر كل منال
إذ أنت أول ما نشأت مجاهدا
بنزاهة الأقوال والأفعال
والعيش حرب لا ينال رغيده
إلا معد عزيمة الأبطال
من نية صدقت وحسن سريرة
طهرت وطيب سمعة وخصال
تتدبر الدنيا بعقل واضح
كالنجم زاه نوره المتلالي
ومناقب الخلق الكريم كأنها
زهر الربيع يفوح في الآصال
هذي المحامد أبلغتك مناصبا
ما أنشئت إلا لبعض رجال
لله أنت أبا يبر بولده
وبزوجه من طاهر الأذيال
قد أنجبت خير البنين عقيلة
لك شابهتك برائعات خلال
وكذا السعادة أن تعيش ممتعا
بوفاء أولاد وذات جمال
ويكون ما قد نلته من رتبة
شرفا يشار به إلى الأفضال
فاسعد بأسرتك الحبيبة محرزا
مجدا يحقق أكبر الآمال
واقبل تهانيء كل قلب مخلص
يدعو لكي تبقى بأنعم بال
2 يونيو سنة 1920
الشاكي
إني لزمتك مثلما
لزم الحمام أليفه
ولقيت منك تجنبا
حمل الفؤاد عنيفه
ففصلت عن قلبي هوا
ك ثقيله وخفيفه
فإذا بليل اليأس قد
أرخى علي سجوفه
فثويت فيه نادبا
عمرا حببت صروفه
كالأم تندب طفلها
والموت صار حليفه
إني وهبتك ما ملك
ت تليده وطريفه
وحببتك الحب الذي
لا تفهمين نحيفه
ولقيت منك تجنبا
حمل الفؤاد عنيفه
لما لزمتك مثلما
لزم الحمام أليفه •••
الريح قد نامت على
موج البحار الهادية
والزهر أطبقت الدجى
أجفانه المتراخية
نفرت نجوم الليل وه
ي إلى المجرة ظامية
فتناكرت بين الغصون
لحاظهن الساهية
وتطايرت في الروض أش
باح النفوس السارية
إن المياه أنينها
ذوب العواطف جارية
وكأنما هذي وتل
ك على حبيب باكية
ويزيد نيران الأسى
أن الطبيعة ساجية
والزهر أطبقت الدجى
أجفانه المتراخية
والريح قد نامت على
موج البحار الهادية •••
يا من يساعدني على
بث الشكاية والجوى
الله في القلب الذي
لعبت به أيدي الهوى
كالنجم يهوي مشرقا
والغصن يقصفه الهوا
واها لهذا الغصن في
شرخ الشبيبة قد ذوى
واها لذاك النجم إذ
لم يرتفع حتى هوى
أملي ويأسي في الحيا
ة كلاهما عندي سوا
القرب أشقاني لذاك
عليه آثرت النوى
قلبي من الأحزان في
ليل المصائب قد ثوى
الله في القلب الذي
لعبت به أيدي الهوى
يا من يساعدني على
بث الشكاية والجوى
12 أغسطس سنة 1920
الشاتم
نالني بالسوء من أعرفه
أنه بالسوء فاش خبره
يا دميما شوهت خلقته
فغدا يجرح عيني منظره
ولئيما فسدت جبلته
وتوالى بالمخازي محضره
ليس ماضيك الذي نعرفه
بالذي يمحى سريعا أثره
عد إليه واحتجب عنا فقد
كاد أن يعلق فينا شرره ... ... ... ... ... ...
أبلغوني أنه يشتمني
أبلغوه أنني أحتقره
أكتوبر سنة 1920
الخائن
إلى صديق خانه صديق له
عزاءك إن خان الصفي المنافق
فأكثر من تلقاه خب مماذق
تناكرت الدنيا عليك وربما
تساوى بها في العين خاب وشارق
فلا تبتئس إن الحياة خيانة
لها طرق معروفة وطرائق
فربتما خان اللسان فؤاده
وخان دم بين الجوانح دافق
وخان الضياء العين والضوء واضح
وخان اللسان النطق والفم ناطق
تصاحب هذي الروح ذا الجسم خدعة
ترافقه يومين ثم تفارق
وتنبذه حتى كأن لم يعش بها
فينكره أولاده والشقائق
عزاءك بعض الناس أدنى مكانة
فلم أنت مما برح الوجد فارق
جزعت على عهد مضى في إخائه
ضياعا توالي وده وتصادق
فأكثر هذا الخلق تفنى حياتهم
ضياعا وكم راحت ضياعا خلائق
أطل وترفع عن عتاب يمسه
كما يتعالى الماء والصخر حانق
إذا كان حرا فاعتراف بذنبه
وإن كان عبدا خله وهو آبق
1
فماذا ترجي منه بعد فضيحة
أراد بها فتق الذي أنت راتق
ولم تك هذي منه أول مرة
ولكن جرت من قبل هذي سوابق
فداريته دهرا فزاد لجاجة
وما أنت منه أن يعاود واثق
ففيم ولم تلك المداراة إنما
يداري أخ مثلي لمثلك صادق
ولم أنت تأسى والسماء منيرة
وهذا خريف طيب وحدائق
وطير تغني في الغصون سعادة
وزهر وأثمار ودوح بواسق
وأنت سليم واسع الجاه منعم
ومن أنت تهواه قريب موافق
توقع هدى تلك القطيعة إنها
بشير بأن الخير لا شك غادق
1 نوفمبر سنة 1920
هوامش
لو ...
هدية الفن إلى الصديق الشاعر العربي صالح المصري.
لو أن لي الأرض والسماء
عفتهما في سبيل نظرة
أرضى بها في الهوى رجاء
أحيا به والحياة فترة •••
لو كنت أرضا نفحت طيبا
ينعشه نائيا قريبا
وكل ما شاءه عجيبا
أخرجته زاهيا ليرضى
لو كنت أرضا •••
لو كنت روضا زدت زهورا
1
يحسبها في الجنان حورا
وسلت ماء يروي الطيورا
وهي تروض الألحان روضا
لو كنت روضا •••
لو كنت زهرا نظمت تاجا
لرأسه يشرق ابتهاجا
ولحت تبرا ولحت عاجا
أنفث في الناظرين سحرا
لو كنت زهرا •••
لو كنت غصنا رقصت تيها
حتى يراني غرا نزيها
عساه يدنو مني بديها
يبصر أني رقصت حزنا
لو كنت غصنا •••
لو كنت طيرا أنشدت لحنا
يهز منه شوقا وحزنا
لعله إن صبا وحنا
أصيب منه غنما وخيرا
لو كنت طيرا •••
لو كنت حقلا فرشت عشبا
يلين وطئا له وعجبا
وزدت كل النبات خصبا
فيه يلاقي أهلا وسهلا
لو كنت حقلا •••
لو كنت طودا صدع رأسي
سقمي منه وهد بأسي
لو كان يدري الذي أقاسي
لعادني في السقام عودا
لو كنت طودا •••
لو كنت ماء لمعت آلا
أسقيه سلسالي الزلالا
إن انتشى ينثني دلالا
يزيدني في الهوى ظماء
لو كنت ماء •••
لو كنت نهرا جريت أبهى
من كل نور ماء وأزهى
إذا أتاني قبلت وجها
يراه في الماء مستقرا
لو كنت نهرا •••
لو كنت بحرا ثرت حزينا
أسمعه البث والأنينا
مجاملا رقة ولينا
وكيف لي أن ألين صخرا
لو كنت بحرا •••
لو كنت ريحا ضممت قدا
له وداعبته مجدا
مبردا من هواي وقدا
عساي أشفى لأستريحا
لو كنت ريحا •••
لو كنت أفقا لحت عقيقا
شعاعه يسكب الرحيقا
وهو دمي عنده أريقا
عسى يوالي عطفا ورفقا
لو كنت أفقا •••
لو كنت برجا لكان شمسي
ونجم سعدي وبدر أنسي
وكان يومي وكان أمسي
فهل غدي عنده يرجى
لو كنت برجا •••
لو كنت شمسا أضرمت نارا
تبعث في قلبه الأوارا
مخالسا روحه سرارا
أنبت فيها للحب غرسا
لو كنت شمسا •••
لو كنت بدرا بقيت تما
حتى يسري مرآي غما
عنه وأحنو عليه أما
ألبسه النور مسبطرا
لو كنت بدرا •••
لو كنت نجما ثبت لحظا
يحرسه في الدجى ويحظى
بحسنه والعيون يقظى
غيرى بكحل السهاد تدمى
لو كنت نجما •••
لو كنت لو كنت والأماني
خوادع كلها يفوت
نعيش في الخوف والأمان
وإنما في غد نموت
14 ديسمبر سنة 1920
هوامش
المنى والشعر
تملأ الذكرى فؤادي
حرقات تتوقد
فأرى الماضي ليلا
تحته الأقوام رقد
ما به إلا فؤادي
هائم فيه مسهد
تابع ظل خيالا
ت على الآفاق شرد
كشعاع النور نفا
ذا إلى الغيم الملبد
أنا قد أعطيت ماضي
منى لا تتعدد
غررا مثل الدراري
أو الدر المنضد
تلك أحلام شبابي
غالها الماضي وأقصد
كلها ميت صريع ال
يأس في قفر ممدد
كن ينطفن
1
حياة
فغدون اليوم جلمد
أنا إن أبك كثيرا
ينضب الدمع وينفد
فلذا أذخر منه
بعضه يسعف في الغد
إن أقس آتي بالما
ضي فكل العمر أسود
فعلى ذا أنا أبكي
وعلى ذا أتنهد
أنظم الشعر سلوا
لهموم تتجدد
كل لفظ دمعة تج
ري على عمري المبدد
كل حرف قطرة من
دم قلبي تتفصد
كل معنى حرقة الأن
فاس من صدري تصعد
هكذا اليوم إلى الده
ر بشعري أتودد
30 ديسمبر سنة 1920
هوامش
Página desconocida