بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين أما بعد الحمد لوليه وأهله، والصلاة على نبيه وآله، فيقول الجاني الراجي عفو ربه العفو والرضى، أحوج خليقته إليه، المشتهر بمهذب الدين أحمد بن عبد الرضا: هذا فائق المقال في الحديث والرجال، من وجائزنا عزيز الحال، إجابة لبعض أهل الكمال، مرتبا على فصول الوصال.
Página 15
[القسم الأول: علم الدراية] [وفيه فصول:]
Página 17
[1] فصل [اصطلاحات علم الدراية] علم الدراية: علم يبحث فيه عن متن الحديث، وكيفية تحمله، وآداب نقله، وطرقه من صحيحها وعليلها.
والحديث: كلام يحكي قول المعصوم، أو فعله، أو تقريره. وإطلاقه على ما ورد عن غيره مجاز.
ويرد على عكسه بالمسموع منه غير محكي عنه آخر، فانضمام القول إلى التعريف بأن يقال: إنه قول المعصوم، أو حكاية قوله، أو فعله، أو تقريره.
ويرد انتقاض عكسه بالمنقول بالمعنى فقط. وطرده بكثير من عبارات الفقهآء فروعا.
وإمكان الجواب عن الأول بإمكان إرادة العموم بالحكاية. وعن الثاني بإمكان اعتبار الحيثية فيها.
والخبر: يطلق على ما يقابل الإنشاء تارة، وأخرى ما ورد عن غير المعصوم من الصحابي والتابعي ونحوهما، وثالثا ما يرادف الحديث وهو الأكثر. فعليه إنه كلام يكون لنسبته خارج في أحد الثلاثة.
وفيه أنه إنما ينطبق على الأول، لانتقاض طرده بنحو: " زيد انسان "، وعكسه
Página 19
بنحو قوله (صلى الله عليه وآله): " صلوا كما رأيتموني أصلي " (1).
وقد يجاب عن الأول بإضافة قولنا: " يحكي " الخ. وعن الثاني بجعل قول الراوي: " قال النبي (صلى الله عليه وآله) " جزءا من الحديث.
والاثر: أعم منهما مطلقا. وقيل: ما يرادف الخبر (2)، وهو أعم منهما (3).
والسنة: طريقة النبي (صلى الله عليه وآله) قولا أو فعلا أو تقريرا، أصالة، أو نيابة فأعم من الحديث ونحوه، لصدقها على ذلك كله. واختصاصه بالقول لا غير، لعدم إطلاق نفس الفعل والتقرير على غيرها.
والحديث القدسي: ما يحكي كلام الله سبحانه ولم يتحد بشيء منه، كقوله تعالى:
" يحزن عبدي المؤمن إذا قترت عليه، وذلك أقرب له مني. ويفرح عبدي المؤمن إذا وسعت عليه، وذلك أبعد له مني " (4).
وجواز مسه، وتغيير لفظه. وعدم الإعجاز فيه فارق بينه وبين الفرقان المجيد.
ومتن الحديث: لفظه الذي يتقوم به معناه.
وسنده: طريق المتن، وهو جملة رواته. وقيل: هو الإخبار عن طريقه (5).
وإسناده: رفعه إلى قائله من معصوم وغيره.
NoteV00P020N02 فصل [أقسام الخبر] ما استنبط معناه من عدة أخبار مشتركة فمتواتر معنى، كوجوب الصلاة اليومية، أو بلغت سلسلة روايته إلى المعصوم حدا يؤمن معه تواطؤهم على الكذب في جميع
Página 20
الطبقات فمتواتر لفظا، كحديث: " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " (1).
ويرسم بأنه خبر جماعة يفيد بنفسه القطع بصدقه. والأول في كثير بخلاف الثاني.
وإلا فخبر آحاد، وهو ما لا يفيد بنفسه إلا ظنا.
ثم إن علم سلسلته بأجمعها فمسند. أو سقط من أولها واحد فصاعدا فمعلق.
أو من آخرها كذلك أو جميعا فمرسل. وهو وما قبله من الصحيح مع العلم بوثاقة المحذوف.
أو من وسطها فإن كان واحدا فمنقطع. أو أكثر فمعضل.
أو نقله أكثر من ثلاثة في كل مرتبة فمستفيض.
أو انفرد بها واحد في أحدها فغريب.
أو شاع نقله عموما أو خصوصا فمشهور.
أو روي بلفظ " عن " مكررة فمعنعن.
أو طوي فيه ذكر المعصوم فمضمر.
أو اشترك كلا أو بعضا بأمر خاص، كالاسم والأولوية والفصاحة ونحوها فمسلسل.
أو ادرج فيه كلام بعض الرواة فظن أنه منه فمدرج.
أو خالف المشهور فشاذ.
أو اشتبه تصحيفا فمصحف. وهو إما في الراوي، أو المتن، أو المعنى.
فالأول، كبريد، ويزيد، وجرير وحريز.
والثاني كحديث " من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال " (2). فإنه صحف بالشين
Página 21
المعجمة (1).
والثالث كما نقل عن أبي موسى بن المثنى العنزي (2) أنه قال: " نحن قوم لنا شرف، نحن من عنزة صلى إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ". وذلك أنه روي: " أنه (صلى الله عليه وآله) صلى إلى عنزة " وهي عصاة في رأسها حديدة نصبت بين يديه فتوهم أنه (صلى الله عليه وآله) صلى إلى قبيلتهم بني عنزة (3).
أو قلت الواسطة فيه مع اتصاله فعال، وذلك لبعده عن الخطأ، لان ما قرب إلى المعصوم أو أئمة الحديث أعلى مما بعد.
أو زاد على غيره مما هو مروي بمعناه بالإسناد أو المتن فمزيد.
أو تلقى بالقبول، والعمل بمضمونه وإن ضعف فمقبول كحديث عمر بن حنظلة في المتخاصمين (4).
أو تضاد معنى مع آخر فمختلف ظاهرا أو باطنا.
أو اشتمل على أسباب خفية قادحة فيه سندا ومتنا فمعلل.
أو دل على رفع حكم شرعي سابق عليه فناسخ.
أو رفع ذلك بدليل شرعي متأخر عنه فمنسوخ. ومن طرق معرفتهما، النص والإجماع والتاريخ.
أو اختلف رواته في روايته مرة كذا، واخرى بخلافه فمضطرب. وهو إما في
Página 22
السند أو المتن. فالأول: كأن يرويه تارة عن أبيه عن جده مثلا، واخرى عن جده بلا واسطة. وتارة عن غيرهما.
والثاني: كخبر اعتبار الدم عند اشتباهه بالقرحة حيث رواه الكليني في الكافي (1)، والشيخ في التهذيب، وأكثر نسخه ب " أن الخارج من الجانب الأيمن يكون حيضا " (2)، وبعضها بالعكس (3).
أو أوهم السماع ممن لم يسمع منه، أو تفرد بإيراد ما لم يشتهر بلقائه فمدلس.
أو ورد بطريق يروى بغيره سهوا، أو للرواج، أو للكساد فمقلوب.
أو اختلق ووضع لمعنى لمصلحة فموضوع.
أو وافق الراوي في اسمه واسم أبيه آخر لفظا فمتفق ومتفرق (4).
أو خطا فقط فمختلف ومؤتلف (5).
أو في اسمه فقط، والأبوان مؤتلفان فمتشابه.
أو المروي عنه في السن أو الأخذ عن الشيخ فرواية الأقران.
أو حصول تقدم عليه في أحدهما فرواية الأكابر عن الأصاغر.
Página 23
NoteV00P024N03 فصل [اصول أقسام الحديث] سلسلة السند إماميون ممدوحون بالتوثيق في كل طبقة فصحيح.
وان اعتراه شذوذ، أو بدونه كلا أو بعضا مع توثيق الباقي فحسن.
أو مسكوت عن مدحهم وذمهم كذلك فقوى.
أو غير إماميين كلا أو بعضا مع توثيق الجميع فموثق، وقوي أيضا.
وما سواها فضعيف مقبول إن اشتهر العمل بمضمونه، وإلا فغير مقبول.
وقد يطلق الضعيف على القوي بمعنييه.
وقد ينتظم المرسل في الصحيح كمراسيل محمد بن أبي عمير وإن روى عن غير ثقة، لأنه قد صرحوا بأنه لا يرسل إلا عن ثقة، لا بأنه لا يروي إلا عن ثقة، فروايته أحيانا عن غير ثقة لا تقدح في ذلك مطلقا (1).
وهذا كله على الاصطلاح الجديد من المتأخرين رضوان الله عليهم، وإنما كان المتعارف بين المتقدمين - قدس الله أرواحهم - إطلاق الصحيح على كل حديث اعتضد بما يقتضي الاعتماد عليه، أو اقترن بما يوجب الوثوق به والعمل بمضمونه وإن كان ضعيفا. والضعيف بخلافه وإن كان صحيحا. وستسمع في هذا المقام ما يرضيك من الكلام بعون الملك العلام.
Página 24
NoteV00P025N04 فصل [حجية الحديث] المتواترات: قطعية الصدق والقبول في العلم والعمل، والمنازع مكابر.
والآحاد: ظنيتهما فيهما. وقد عمل بها المتأخرون، وردها السيد المرتضى (1) وابن زهرة (2) وابن البراج (3) وابن إدريس (4) وأكثر المتقدمين (5) رضوان الله عليهم أجمعين.
ولعل العمل أعلى. ومع القرينة المفيدة للقطع بذلك فكالمتواترات. والممانع ممنوع كمدعي القطع مع عدمها.
[قال] الشيخ (رحمه الله): إن غير المتواتر إن اعتضد بقرينة الحق به في إيجاب ووجوب العمل، وإلا فنسميه خبر آحاد نجيز العمل به تارة ونمنعه اخرى ". على تفصيل ذكره في الاستبصار (6).
والصحاح: لا شبهة في وجوب العمل بها.
والحسان: كالصحاح عند قوم (7). وعند آخرين بشرط الانجبار باشتهار عمل الأصحاب بها كالموثقات وغيرها (8).
وأما الضعاف: فقد شاع عملهم بها في السنن وإن كان الضعف إلى النهاية، إذ العمل عندنا ليس بها في الحقيقة بل إنما هو بالحسنة المجبورة المشهورة
Página 25
المتلقاة بالقبول، المروية عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) وهي قوله: " من سمع شيئا من الثواب على شيء فصنعه كان له أجره وإن لم يكن على ما بلغه " (1). وقد تأيدت بعدة أخبار، وجملة آثار.
فمنها: ما رواه الشيخ ثقة الإسلام وحجة الأنام في الكافي عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن عمران الزعفراني، عن محمد بن مروان، قال: سمعت أبا جعفر محمد الباقر (عليه السلام) يقول: " من بلغه ثواب من الله على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب، اوتيه وإن لم يكن الحديث كما بلغه " (2).
وما رواه الشيخ الصدوق والركن النطوق محمد بن بابويه في كتاب ثواب الأعمال عن أبيه، عن ابن بابويه، عن علي بن موسى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن هشام، عن صفوان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " من بلغه شيء من الثواب على شيء من الخير فعمله كان له أجر ذلك وإن كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يقله " (3).
ما رواه أحمد بن أبي عبد الله البرقي (رحمه الله) في المحاسن عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " من بلغه عن النبي (صلى الله عليه وآله) شيء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له وإن كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يقله " (4).
وما روي عنه (صلى الله عليه وآله)، وأنهج نهج الدين بنور كماله، أنه قال: " من بلغه عن الله عزوجل فضيلة فأخذ بها، وعمل بما فيها إيمانا بالله ورجاء لثوابه أعطاه الله تعالى ذلك وإن لم يكن كذلك " (5).
Página 26
ولا يثبت بها شيء من الخمسة سوى الاستحباب، لاستناده إلى هذا الحديث الشريف ومؤيداته كما عرفت.
وذهب بعض المتبحرين من المتأخرين إلى العمل بجميع ما ورد في الكتب المشهورة مطلقا، مدعيا حصول العلم العادي حيث قال:
إنا نعلم عادة أن الإمام ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني، وسيدنا الأجل المرتضى، وشيخنا الصدوق، ورئيس الطائفة قدس الله أرواحهم لم يفتروا في أخبارهم بأن أحاديث كتبنا صحيحة، أو بأنها مأخوذة من الاصول المجمع عليها. ومن المعلوم أن هذا القدر من القطع العادي كاف في جواز العمل بتلك الأحاديث (1).
انتهى تكلفه.
ولا يخفى تعسفه، لأن الشيخ نور الله مرقده لم يصرح بصحة الأحاديث كلها بل ادعى الإجماع على جواز العمل بها (2).
وأنت خبير بما في الإجماع الذي يدعيه (رحمه الله) من الخلل والنزاع، وأن سيدنا (رضي الله عنه) قد صرح بأن أكثر كتبنا المروية عن الأئمة - صلوات الله عليهم - معلومة مقطوع في صحتها (3)، لا أنه قد ادعى صحة جميعها، وأن الثقة محمد بن يعقوب روح الله روحه لم يكن كلامه بذلك الصريح (4). فلو كان، فمن باب الترغيب والاستدعاء إلى الأخذ بما ألفه. وتصريح الصدوق قدس الله روحه في ذلك (5) مبني على ما أدى إليه رأيه واعتقاده الصحة بزعمه، فلا ينهض حجة على غيره قطعا.
Página 27
NoteV00P028N05 فصل [الاصطلاح الجديد] ما بعث المتأخرين - نور الله مراقدهم - على العدول عما كان عليه المتقدمون - جعل الله الجنان مفامدهم - ووضع ذلك الاصطلاح الجديد هو أنه لما طالت الأزمنة بين المتأخر والصدر السالف، وآل الحال إلى اندراس بعض كتب الاصول المعتمدة، لغلظ حكام الجور والضلال، والخوف والوهم من إظهارها وانتساخها، وانضم إلى ذلك اجتماع ما وصل إليهم من كتب الاصول في الاصول المشهورة في هذا الزمان فالتبست الأحاديث المأخوذة من الاصول المعتمدة بالمأخوذة من غيرها، واشتبهت المتكررة في كتب الاصول بغيرها، وخفي عليهم كثير من تلك الامور التي كانت سبب وثوق القدماء بكثير من الأحاديث، ولم يمكنهم الجري على أثرهم في تمييز ما يعتمد عليه مما لا يركن إليه فاحتاجوا إلى قانون تتميز به الأحاديث المعتبرة من غيرها، والوثوق بها عما سواها، فقرروا لنا ذلك الاصطلاح الجديد والمنهج القويم السديد، وقربوا إلينا البعيد، ووصفوا الأحاديث الواردة في كتبهم الاستدلالية بما اقتضاه ذلك الاصطلاح من الصحة والحسن والتوثيق. كذا وجهه بعض الأعلام الفضلاء الكرام (1).
ولا يخفى أن هذا كله دعوى مظنونة، محتملة مطعونة، غير معلومة الثبوت، مرهونة، ومناقشتها ظاهرة قوية باهرة.
واعلم أن الامور التي كانت تقتضي اعتماد القدماء النحارير الكرماء عليها في إطلاق الصحيح على الحديث، وسبب وثوقهم به خمسة:
أحدها: وروده في كثير من الاصول الأربعمائة المشهورة المتداولة المبرورة
Página 28
المتصلة بأصحاب العصمة صلوات الله عليهم أجمعين.
ثانيها: تكرره في أصل منها فأكثر بطرق مختلفة وأسانيد معتبرة مؤتلفة.
ثالثها: وروده عن أحد الجماعة الذين أجمعوا على تصديقهم، كزرارة و محمد بن مسلم والفضيل بن يسار (1). أو على تصحيح ما يصح عنهم، كصفوان بن يحيى ويونس بن عبد الرحمن وأحمد بن محمد بن أبي نصر (2). أو على العمل بروايتهم، كعمار الساباطي وأضاربه.
رابعها: وروده في أكثر أحد الكتب المعروضة على أحد الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين التي أثنوا على مؤلفها، ككتابي يونس بن عبد الرحمن (3) والفضل بن شاذان المعروضين على الإمام العسكري (عليه السلام) فصححهما واستحسنهما وأثنى عليهما (4). وكذا كتاب عبيد الله الحلبي المعروض على الإمام الصادق (عليه السلام) (5).
خامسها: أخذها من أحد الكتب التي شاع بين سلفهم العمل والاعتماد عليها، سواء كان مؤلفها من الفرقة المحقة، ككتاب حريز بن عبد الله، وكتب ابني سعيد وهي خمسون، وكتاب الرحمة لسعيد بن عبد الله، وكتاب المحاسن لأحمد بن أبي عبد الله البرقي، وكتاب نوادر الحكمة لمحمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، وكتاب النوادر لأحمد بن محمد بن عيسى. أو من غيرهم، ككتاب حفص بن غياث القاضي، وكتب الحسين بن عبيد الله السعدي، وكتب علي بن الحسين الطاطري، وأمثالهم.
ثم علي هذا الاصطلاح جرى دأب المحمدين الثلاثة (6) حتى أن الشيخ - قدس الله
Página 29
روحه - جعل في العدة من جملة القرائن المفيدة لصحة الأخبار أربعة:
أحدها: موافقتها لأدلة العقل وما اقتضاه.
ثانيها: مطابقة الخبر لنص الكتاب. إما خصوصه، أو عمومه، أو دليله، أو فحواه.
ثالثها: موافقته للسنة المقطوع بها من جهة التواتر.
رابعها: كونه موافقا لما أجمعت الفرقة الناجية عليه.
إلى أن قال: فهذه القرائن كلها تدل على صحة مضمون أخبار الآحاد، ولا تدل على صحتها أنفسها، لجواز أن تكون مصنوعة (1).
انتهى كلامه أعلى الله مقامه.
ثم إنهم بذلك الاصطلاح كانوا يعرفون إلى نوبة شيخنا العلامة جمال الحق والدين الحسن بن المطهر الحلي نور الله مرقده. فوضع ذلك الاصطلاح الجديد، فهو أول من سلك ذلك الطريق من علمائنا رضوان الله عليهم.
NoteV00P030N06 فصل [شرائط الراوي] شرط الراوي في الرواية من الرواة أمور خمسة: التكليف والإسلام إجماعا، والايمان والعدالة على المشهور، وقد دلت عليه آية التثبت (2).
والعدالة: تعديل القوى النفسانية، وتقويم أفعالها بحيث لا يغلب بعضها على بعض. أو ملكة نفسانية تصدر عنها المساواة في الامور الصادرة عن صاحبها.
وعرفت شرعا بالملكة النفسانية الباعثة على ملازمة التقوى والمروءة.
Página 30
وقد قال الشيخ (رحمه الله) بقبول الرواية من فاسد المذهب، حيث اكتفى في الرواية بكون الراوي ثقة متحرزا عن الكذب وإن كان فاسقا في الجوارح، محتجا بعمل الطايفة برواية مثله (1). ولا يخفى أنه ليس على إطلاقه.
والضبط: أعني كون الراوي حافظا، فطنا، واعيا، متحرزا عن التحريف والغلط، فإن من لا ضبط له قد يغلب عليه السهو في كيفية النقل ونحوها.
وقيل: المراد بالضابط من لا يكون سهوه أكثر من ذكره (2). وهذا القيد لم يذكره المتأخرون روح الله أرواحهم. واعتذر الشهيد الثاني نور الله مرقده عن عدم تعرضهم لذكره بأن قيد العدالة مغن عنه، لأنها تمنعه أن يروي ما ليس مضبوطا عنده على الوجه المعتبر (3).
واعترض عليه بأن العدالة إنما تمنع من تعمد نقل غير المضبوط عنده، لا من نقل ما يسهو عن كونه مضبوطا فيظنه منضبطا (4).
والحق أن العدالة لا تغني عن الضبط لأن من كثر سهوه فربما يسهو عن أنه كثير السهو فيشكل الأمر. وما أحسن ما قال العلامة - أعلى الله مقامه - في النهاية:
إن الضبط من أعظم الشرائط في الرواية، فإن من لا ضبط له قد يسهو عن بعض الحديث ويكون مما تتم به فائدته ويختلف الحكم به، أو يسهو فيزيد في الحديث ما يضطرب به معناه، أو يبدل لفظا بآخر، ويروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) ويسهو عن الواسطة، أو يروي عن شخص فيسهو عنه ويروي عن آخر (5).
انتهى كلامه، زيد إكرامه.
وأما النذرة من السهو فلا بأس، لعدم السلامة منه إلا للمعصوم، فالتكليف بزواله
Página 31
عن غيره أصلا تكليف بالمحال.
ولا يشترط فيه غير ما ذكر من الأوصاف الخمسة: من الحرية والذكورة والفقه ونحوها، لأن الغرض منه الرواية لا المعرفة والدراية، وهي تتحقق بها. نعم ينبغي له المعرفة بالعربية حذرا من اللحن والتصحيف، بل الأولى الوجوب، لما ورد عنهم (عليهم السلام): " اعربوا أحاديثنا فإنا قوم فصحاء " (1). وهو يشمل القلم واللسان.
NoteV00P032N07 فصل [المعتبر من شرائط الراوي] المعتبر بحال الراوي وقت أداء الرواية لا وقت تحملها. فلو تحملها غير متصف بشرائط القبول ثم أداها في وقت يظن اتصافه واستجماعه لها قبلت منه. أما لو جهل حاله، أو كان في وقت غير إمامي أو فاسقا ثم تاب ولم يعلم أن الرواية عنه هل وقعت قبل التوبة أو بعدها؟ لم تقبل ما لم يظهر وقوعها بعدها.
فإن قلت: إن أجل اولي الألباب من الأصحاب يعتمدون في الرواية على مثل هؤلاء، ويثقون بالخبر الوارد عنهم، ويقبلونه منهم من غير فرق بينهم وبين ثقات الإمامية الذين لم يزالوا على الحق، كقبولهم رواية محمد بن علي بن رياح، وعلي بن حمزة، وإسحاق بن جرير الذين هم رؤساء الواقفية وأعيانهم، ورواية علي بن أسباط، والحسين بن يسار مع أن تاريخ الرواية عنهم غير مضبوط ليعلم هل كانت بعد الرجوع إلى الحق أم قبله؟
قلت: قبول الأصحاب - عليهم رضوان رب الأرباب - الرواية عمن هذا حاله لابد من ابتنائه على وجه صبيح وجيه صحيح، وذلك كأن يكون السماع منه قبل عدوله عن الحق، أو بعد رجوعه إليه، أو أن النقل من أصله الذي ألفه واشتهر عنه قبل
Página 32
الوقف، أو من كتاب كذلك بعد الوقف، ولكنه اخذ ذلك الكتاب عن شيوخ أصحابنا الموثوق بهم المعتمد عليهم، كما قيل في علي بن الحسين الطاطري (1) الذي هو من أشد الواقفة عنادا للإمامية رضوان الله عليهم: إنه روي كتبه عن رجال موثوق بهم وبروايتهم، حتى أن الشيخ - قدس الله روحه - شهد له في الفهرست بذلك (2). إلى غير ذلك من المحامل الصريحة والتوجهات الصحيحة، والا فكيف ينسب إلى قدماء الإمامية الاعتماد على مثل هؤلاء في الرواية خصوصا الواقفية، فإن الإمامية - رضي الله عنهم - كانوا في غاية الاجتناب منهم، والتباعد عنهم، والاحتراز عن مجالستهم، والتوقي من مخالطتهم، والتكلم معهم، فضلا عن أخذ الحديث عنهم، حتى أنهم كانوا يسمونهم بالممطورة (3)، أي الكلاب التي أصابها المطر. فقبولهم لرواياتهم وعملهم بها كاشف عن استجماعهم شرائط القبول وقت الأداء، فلا يتطرق به القدح عليهم ولا على الثقة الراوي.
NoteV00P033N08 فصل [الجرح والتعديل] الطرق الموصلة إلى معرفة العدالة: المعاشرة الباطنة، والمعاملة المطلعة على الأحوال الخفية، والاستفاضة، والاشتهار بين أهل العلم الناصحين، كمشايخنا السالفين، واشتهارهم بالتقوى والتوثيق والصلاح والعدالة والضبط والفلاح، وشهادة عدلين فيها بل العدل الواحد في ثبوت عدالة الراوي عند الأكثر، كما ترى.
والحالتان الأولتان هما أحوط الطرق في معرفتها.
Página 33
ويثبت تعديل الراوي وجرحه بقول الواحد العدل، على الأشهر بين الأكثر. ومع اجتماع المعدل والجارح فتقديم الجارح وإن تعدد المعدل دونه، بناء على أن إخبار المعدل عما ظهر من الحال، والجارح علي ما لم يطلع عليه المعدل. هذا هو المشهور ولم اره على إطلاقه، بل الأولى التعويل على ما يثمر غلبة الظن كالأكثر عددا وورعا وضبطا وممارسة واطلاعا، والتوقف مع التكافؤ.
وألفاظ التعديل:
" ثقة "، " حجة "، " صحيح الحديث "، " متقن "، " ثبت "، " حافظ "، " ضابط "، " صدوق "، " مستقيم "، " قريب الأمر "، " صالح الرواية "، " يحتج بحديثه "، أو " يكتب "، أو " ينظر فيه "، " مسكون إلى روايته "، " لا بأس به "، " شيخ "، " جليل "، " شكور "، " زاهد "، " خير "، " عالم "، " فاضل "، " ممدوح "، ونحو ذلك. فيفيد المدح المطلق.
وألفاظ الجرح:
" كذاب "، " وضاع "، " ضعيف "، " غال "، " مضطرب الحديث "، " مرتفع القول "، " متروك في نفسه "، " ساقط "، " متهم "، " واه "، " ليس بشيء "، وما شاكل ذلك.
[9] فصل أنحاء تحمل الحديث سبعة أولها: السماع من الشيخ، إما بقراءة من كتابه، أو بإملاء من حفظه. وهي أعلى المراتب اتفاقا فيقول: " سمعت فلانا " أو " حدثنا " أو " أخبرنا " أو " أنبأنا ".
ثانيها: القراءة عليه، وعليها المدار في زماننا هذا. وتسمى العرض. وشرطه حفظ الشيخ، أو كون الأصل المصحح بيده، أو بيد ثقة. فيقول: " قرأت على فلان " أو " قرئ عليه وأنا أسمع " مع كون الأمر كذلك فأقر ولم ينكر. وله أن يقول: " حدثنا " أو " أخبرنا " مقيدين بالقراءة، أو مطلقين، أو بالتفصيل. وهو المشهور.
ثالثها: الإجازة، وهي إخبار مجمل بشيء معلوم مأمون عليه من الغلط
Página 34
والتصحيف، وهي مقبولة عند الأكثر. وتجوز مشافهة وكتابة ولغير المميز.
وهي إما لمعين بمعين، أو لمعين بغيره، أو لغير معين به، أو بغيره. فأول هذه الأربعة أعلاها، والثلاثة لم تعتبر عند بعضهم بل منعها الأكثر.
فيقول الشيخ: " أجزت لك كلما اتضح عندك من مسموعاتي " ويقول المجاز له:
" أجازني فلان رواية كذا ". أو أحد تلك العبارات مقيدة بالإجازة على قول، ومطلقة على آخر.
وللمجاز له أن يجيز غيره على الأقوى، فيقول: " أجزت لك ما اجيز لي روايته " أو نحو ذلك.
رابعها: المناولة، وهي أن يعطي الشيخ أصله قائلا للمعطي: " هذا سماعي من فلان " مقتصرا عليه، أو مكملا ب " إروه عني " أو " أجزت لك روايته " ونحو ذلك.
وفي قبولها خلاف، ولعل القبول مقبول مع قيام القرينة على قصد الإجازة فيقول: " حدثنا " أو " أخبرنا مناولة " والمقترنة منها بها أعلاها اتفاقا.
خامسها: الكتابة، وهي أن يكتب الشيخ له مرويه بخطه أو يأمر بها له، غائبا كان أم حاضرا، مقتصرا على ذلك أو مكملا له ب " أجزت لك ما كتبت به إليك " ونحوه، فيقول: " كتب إلي فلان " أو " حدثنا مكاتبة " على رأي.
سادسها: الإعلام، وهو أن يعلم الشيخ بأن هذا الكتاب روايته أو سماعه من شيخه، مقتصرا عليه، من دون مناولة أو إجازة.
وفى جواز الرواية به أقوال، ثالثها الجواز (1). فيقول: " أعلمنا " ونحوه.
سابعها: الوجادة - بالكسر -، وهي أن يجد المروي مكتوبا بخط معروف من غير اتصال بأحد الأنحاء السالفة. واختلف في جواز العمل بها كما اتفق على منع الرواية بها. ولعل الجواز أقرب. فيقول الواجد: " وجدت بخط فلان كذا ومثله.
Página 35
NoteV00P036N10 فصل [كيفية كتابة الحديث] ينبغي لمن يكتب الحديث تبيينه، وعدم إندماج بعض في بعض، وإعراب ما يخفى وجهه، حذرا من اللحن والغلط، وعدم الإخلال بالصلاة والسلام بعد ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) أو أحد الأئمة (عليهم السلام)، صريحا لا رمزا، ومد اللام فيما لو كان المستتر في " قال " أو " يقول " ضمير عائد إلى المعصوم (عليه السلام)، وجعل فاصل (1) بين الحديثين كالدائرة الصغيرة مغايرا للون الأصل، وكتابة حاء مهملة عند تحويل السند كما في الخبر المروي بطرق متعددة، لتكون فاصلة بين المحول والمحول إليه.
ومع اتفاق سقط، فإن كان دون السطر كتب على نسق السطور، أو سطرا واحدا فإلى أعلى الصفحة يمينا أو شمالا، أو أكثر فإلى أسفلها يمينا، وأعلاها شمالا.
ومع اتفاق زيادة، فإن كانت يسيرة فالحك إن أمن الخرق وإلا فالضرب عليها ضربا جليا واضحا. ولا يكفي كتابة حرف " لا " أو " الزاي " على أولها و " إلى " على آخرها، فإنه لا يكاد يخفى على الناسخ.
ومع اتفاق التكرار فالحك، أو الضرب للثاني ما لم يكن أجلى خطا، أو في أول السطر فالأول.
وينبغي لمن يدرس الحديث أن يذكر فيه أحكاما خمسة:
أولها: السند. ثانيها: بيان اللغة. ثالثها: التصرف. رابعها: الإعراب. خامسها:
الدلالة.
فإن وجد الكل من الكل واضحا نبه عليه، أو خفيا أو البعض بينه. ويلزمه الاستمرار على هذه الكيفية، فإن بها تظهر ثمرة الحديث، ويكثر حصول فائدته،
Página 36