فضل الإسلام تأليف الإمام المجدد أبي عبد الله محمد بن عبد الوهاب
بسم الله الرحمن الرحيم
باب فضل الإسلام
وقول الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينًا﴾ ١. وقوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ﴾ ٢. وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ٣.
وفي الصحيح عن ابن عمر ﵄ أن رسول الله ﷺ قال: "مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجراء فقال: من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود. ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط؟ فعملت النصارى: ثم قال من يعمل من صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين؟ فأنتم هم. فغضبت اليهود والنصارى وقالوا: ما لنا أكثر عملا وأقل أجرا؟ قال
_________
١ سورة المائدة آية: ٣.
٢ سورة يونس آية: ١٠٤.
٣ سورة الحديد آية: ٢٨.
1 / 205
هل نقصتكم من حقكم شيئا؟ قالوا: لا. قال: ذلك فضلي أوتيه من أشاء" ١.
وفيه أيضا عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا. فكان لليهود يوم السبت، وللنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة. وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون ٢ يوم القيامة " وفيه تعليقا عن النبي ﷺ أنه قال: "أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة" ٣ انتهى.
وعن أبي بن كعب ﵁ قال: (عليكم بالسبيل والسنة، فإنه ليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله فتمسه النار. وليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن فاقشعر جلده من مخافة الله إلا كان كمثل شجرة يبس ورقها إلا تحاتت عنه ذنوبه كما تحات عن هذه الشجرة ورقها. وإن اقتصادا في سنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة) .
وعن أبي الدرداء ﵁: "قال يا حبذا نوم الأكياس وأفطارهم كيف يغبنون ٤ سهر الحمقى وصومهم. مثقال ذرة من بر مع تقوى ويقين أعظم وأفضل وأرجح من عبادة المغترين".
_________
١ البخاري: الإجارة (٢٢٦٨)، والترمذي: الأمثال (٢٨٧١)، وأحمد (٢/٦،٢/١١١،٢/١٢١،٢/١٢٩) .
٢ نص مخطوطة عبد الرحمن الحصين -وهو الموافق لنص البخاري في باب: (الدين يسر) .
٣ البخاري: الإيمان (٢٠،٤٣) والأذان (٧٢٩) والجمعة (١١٣٢،١١٥١) والصوم (١٩٧٠،١٩٨٧) والأدب (٦١٠١) والرقاق (٦٤٦١،٦٤٦٢،٦٤٦٤،٦٤٦٥)، ومسلم: صلاة المسافرين وقصرها (٧٤١،٧٤٦،٧٦١،٧٨٢،٧٨٣،٧٨٥) والصيام (٧٨٢) وصفة القيامة والجنة والنار (٢٨١٨)، والترمذي: الصوم (٧٣٦،٧٦٨)، والنسائي: القبلة (٧٦٢) وقيام الليل وتطوع النهار (١٦٠٤،١٦١٦،١٦٤٢) والإيمان وشرائعه (٥٠٣٥)، وأبو داود: الصلاة (١٣١٧،١٣٦٨،١٣٧٠،١٣٧٣) والصوم (٢٤٣٤)، وابن ماجه: الصيام (١٦٤٩) والزهد (٤٢٣٨)، وأحمد (٦/٤٦)، ومالك: النداء للصلاة (٢٥٠،٤٢٢) والصيام (٦٤١،٦٨٨) .
٤ من (الغبن) وهذا لفظ المخطوطات الثلاثة، وهو الموافق لنص كتاب (الزهد) للإمام أحمد بن حنبل.
1 / 206
باب وجوب الإسلام
وقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ ١٢. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ﴾ ٣. وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ ٤. قال مجاهد: السبل: البدع والشبهات.
وعن عائشة ﵂ أن رسول الله ﷺ قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" ٥ أخرجاه، وفي لفظ: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" ٦.
وللبخاري عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قيل: ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى" ٧.
وفي الصحيح عن ابن عباس ﵄ أن رسول الله صلى
_________
١ سورة آل عمران آية: ٨٥.
٢ ذكرت هذه الآية في مخطوطتي "المفتي وعبد الرحمن الحصين".
٣ سورة آل عمران آية: ١٩.
٤ سورة الأنعام آية: ١٥٣.
٥ البخاري: الصلح (٢٦٩٧)، ومسلم: الأقضية (١٧١٨)، وأبو داود: السنة (٤٦٠٦)، وابن ماجه: المقدمة (١٤)، وأحمد (٦/٧٣،٦/١٤٦،٦/١٨٠،٦/٢٤٠،٦/٢٥٦،٦/٢٧٠) .
٦ البخاري: الصلح (٢٦٩٧)، ومسلم: الأقضية (١٧١٨)، وأبو داود: السنة (٤٦٠٦)، وابن ماجه: المقدمة (١٤)، وأحمد (٦/٧٣،٦/١٤٦،٦/١٨٠،٦/٢٤٠،٦/٢٥٦،٦/٢٧٠) .
٧ البخاري: الاعتصام بالكتاب والسنة (٧٢٨٠)، وأحمد (٢/٣٦١) .
1 / 207
الله عليه وسلم قال: "أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة جاهلية، ومطلب دم امرئ مسلم بغير حق ليهريق دمه" ١ رواه البخاري. (قال ابن تيمية: قوله: سنة جاهلية) ٢ يندرج فيها كل جاهلية مطلقة أو مقيدة، أي في شخص دون شخص كتابية أو وثنية أو غيرهما، من كل مخالفة لما جاء به المرسلون.
وفي الصحيح عن حذيفة ﵁ قال: "يا معشر القراء استقيموا، فقد سبقتم سبقا بعيدا، فإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا".
وعن محمد بن وضاح أنه ٣ كان يدخل المسجد، فيقف على الحلق فيقول: فذكره، وقال أنبأنا ابن عيينة عن مجالد ٤ عن الشعبي عن مسروق قال: قال عبد الله يعني ابن مسعود: (ليس عام إلا والذي بعده شر منه. لا أقول عام أمطر من عام، ولا عام أخصب من عام، ولا أمير خير من أمير لكن ذهاب علمائكم وخياركم، ثم يحدث أقوام يقيسون الأمور، بآرائهم فيهدم الإسلام ويثلم ٥.
_________
١ البخاري: الديات (٦٨٨٢) .
٢ الزيادة التي بين القوسين وردت في مخطوطتي المفتي والحصين.
٣ زيادة (أنه) في مخطوطة عبد الرحمن الحصين والضمير عائد على حذيفة.
٤ مجالد بن سعيد (باللام) كما هو نص كتاب البدع والنهي عنها لابن وضاح.
٥ هذا نص الأثر في كتاب البدع والنهي عنها لابن وضاح.
1 / 208
باب تفسير الإسلام
وقول الله تعالى: ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾ ١.
وفي الصحيح عن عمر بن الخطاب ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا" ٢. وفيه عن أبي هريرة ﵁ مرفوعا: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" ٣.
وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه سأل رسول الله ﷺ عن الإسلام فقال: "أن تسلم قلبك لله، وأن تولي وجهك إلى الله، وأن تصلي الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة" رواه أحمد.
وعن أبي قلابة عن رجل من أهل الشام عن أبيه أنه سأل رسول الله ﷺ: ما الإسلام؟ قال: "أن تسلم قلبك لله، ويسلم المسلمون من لسانك ويدك. قال: أي الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان. قال: وما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت " ٤.
_________
١ سورة آل عمران آية: ٢٠.
٢ مسلم: الإيمان (٨)، والترمذي: الإيمان (٢٦١٠)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (٤٩٩٠)، وأبو داود: السنة (٤٦٩٥)، وابن ماجه: المقدمة (٦٣)، وأحمد (١/٢٧،١/٥١،١/٥٢) .
٣ البخاري: الإيمان (١٠)، ومسلم: الإيمان (٤٠)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (٤٩٩٦)، وأبو داود: الجهاد (٢٤٨١)، وأحمد (٢/١٥٩،٢/١٦٢،٢/١٨٧،٢/١٩١،٢/١٩٢،٢/١٩٣،٢/١٩٤،٢/٢٠٥،٢/٢٠٩،٢/٢١٢،٢/٢١٥،٢/٢٢٤)، والدارمي: الرقاق (٢٧١٦) .
٤ أحمد (٤/١١٤) .
1 / 209
باب قوله تعالى ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ ١
وعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "تجيء الأعمال يوم القيامة، فتجيء الصلاة فتقول: يا رب أنا الصلاة. فيقول: إنك على خير. ثم تجيء الصدقة فتقول: يا رب أنا الصدقة. فيقول: إنك على خير. ثم يجيء الصيام فيقول: يا رب أنا الصيام. فيقول: إنك على خير. ثم تجيء الأعمال على ذلك، فيقول: إنك على خير. ثم يجيء الإسلام فيقول: يا رب أنت السلام، وأنا الإسلام. فيقول: إنك على خير، بك اليوم آخذ، وبك أعطي. قال الله تعالى في كتابه: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ ٢ رواه أحمد.
وفي الصحيح عن عائشة ﵂ أن رسول الله ﷺ قال: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" ٣ رواه أحمد.
_________
١ سورة آل عمران آية: ٨٥.
٢ سورة آل عمران آية: ٨٥.
٣ البخاري: الصلح (٢٦٩٧)، ومسلم: الأقضية (١٧١٨)، وأبو داود: السنة (٤٦٠٦)، وابن ماجه: المقدمة (١٤)، وأحمد (٦/٧٣،٦/١٤٦،٦/١٨٠،٦/٢٤٠،٦/٢٥٦،٦/٢٧٠) .
1 / 210
باب وجوب الاستغناء بمتابعته، يعني القرآن ١
وقول الله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ ٢. روى النسائي: "عن النبي ﷺ أنه رأى في يد عمر بن الخطاب ﵁ ورقة من التوراة فقال: أمتهوكون يا ابن الخطاب؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية. لو كان موسى حيا واتبعتموه وتركتموني، ضللتم" ٣ وفي رواية: "لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي. فقال عمر: رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا".
_________
١ هكذا ورد في مخطوطة الشيخ محمد بن عبد اللطيف وفي مخطوطة عبد الرحمن الحصين (وجوب الاستغناء بمتابعة الكتاب عن كل ما سواه) وفي مخطوطة المفتي "وجوب الاستغناء بمتابعته عن كل ما سواه".
٢ سورة النحل آية: ٨٩.
٣ أحمد (٣/٣٨٧) .
1 / 211
باب ما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام
وقوله تعالى: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا﴾ ١.
عن الحارث الأشعري ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال: "آمركم بخمس الله أمرني بهن: السمع، والطاعة، والجهاد والهجرة، والجماعة. فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، إلا أن يراجع. ومن دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جثى جهنم. فقال رجل يا رسول الله: وإن صلى وصام؟ قال: وإن صلى وصام. فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين والمؤمنين عباد الله" ٢ رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وفي الصحيح: "من فارق الجماعة شبرا فميتته جاهلية" ٣ وفيه: "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ " قال أبو العباس كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة فهو من عزاء الجاهلية، بل لما اختصم مهاجري وأنصاري فقال المهاجري: يا للمهاجرين! وقال الأنصاري: يا للأنصار! قال ﷺ: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ وغضب لذلك غضبا شديدا انتهى كلامه.
_________
١ سورة الحج آية: ٧٨.
٢ أحمد (٥/٣٤٤) .
٣ صحيح البخاري: كتاب الفتن (٧٠٥٤)، وصحيح مسلم: كتاب الإمارة (١٨٤٩)، وسنن أبي داود: كتاب السنة (٤٧٥٨)، ومسند أحمد (٥/١٨٠) .
1 / 212
باب وجوب الدخول في الإسلام كله وترك ما سواه
وقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ ١. وقوله تعالى ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ ٢. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ . قال ابن عباس ﵁ في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ تبيض وجوه أهل السنة والائتلاف وتسود وجوه أهل البدعة والاختلاف.
عن عبد الله بن عمرو ﵃ قال: قال رسول الله ﷺ: "ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية كان في أمتي من يصنع ذلك. وإن بني إسرائيل افترقت على اثنتين وسبعين ملة، وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلهم في النار إلا ملة واحدة. قالوا: من هي يا رسول
_________
١ سورة البقرة آية: ٢٠٨.
٢ سورة النساء آية: ٦٠.
1 / 213
الله؟ قال ما أنا عليه وأصحابي" ١. وليتأمل المؤمن الذي يرجو لقاء الله كلام الصادق الصدوق في هذا المقام، خصوصا قوله: (ما أنا عليه وأصحابي) ٢. يا لها من موعظة لو وافقت من القلوب حياة! رواه الترمذي. ورواه أيضا من حديث أبي هريرة وصححه، لكن ليس فيه ذكر النار، وهو في حديث معاوية (عند) ٣ أحمد وأبي داود وفيه: "أنه سيخرج من أمتي قوم تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكَلَب بصاحبه، فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله" وتقدم قوله: "ومبتغ في الإسلام سنة جاهلية" ٤.
_________
١ الترمذي: الإيمان (٢٦٤١) .
٢ قوله: "وليتأمل" إلى "وأصحابي". في مخطوطة المفتي وكذا "الحصين".
٣ ما بين القوسين اعتمدنا في نقله على نسخة "الحصين".
٤ صحيح البخاري: كتاب الديات (٦٨٨٢) .
1 / 214
باب ما جاء أن البدعة أشد من الكبائر
لقوله (: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ ١. وقوله: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ .
وقوله تعالى: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ ٢.
وفي الصحيح أنه ﷺ قال في الخوارج: "أينما لقيتموهم فاقتلوهم" ٣.
وفيه أنه نهى عن قتل أمراء الجور ما صلوا.
عن جرير بن عبد الله ﵁ أن رجلا تصدق بصدقة ثم تتابع الناس فقال رسول الله ﷺ: "من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من
_________
١ سورة النساء آية: ٤٨.
٢ سورة النحل آية: ٢٥.
٣ صحيح البخاري: كتاب المناقب (٣٦١١) وكتاب فضائل القرآن (٥٠٥٧) وكتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم (٦٩٣٠)، وصحيح مسلم: كتاب الزكاة (١٠٦٦)، وسنن النسائي: كتاب تحريم الدم (٤١٠٢،٤١٠٣)، وسنن أبي داود: كتاب السنة (٤٧٦٧)، وسنن ابن ماجه: كتاب المقدمة (١٧٥)، ومسند أحمد (١/٨١،١/١١٣،١/١٣١،٤/٤٢٤،٥/٣٦) .
1 / 215
أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" ١ رواه مسلم.
وله مثله ٢ من حديث أبي هريرة ولفظه: "من دعا إلى هدى، ثم قال ومن دعا إلى ضلالة" ٣.
_________
١ مسلم: الزكاة (١٠١٧)، والترمذي: العلم (٢٦٧٥)، والنسائي: الزكاة (٢٥٥٤)، وابن ماجه: المقدمة (٢٠٣)، وأحمد (٤/٣٥٧،٤/٣٥٨،٤/٣٦٠،٤/٣٦٢)، والدارمي: المقدمة (٥١٢،٥١٤) .
٢ زيادة لفظ (مثله) في مخطوطة "الحصين".
٣ مسلم: العلم (٢٦٧٤)، والترمذي: العلم (٢٦٧٤)، وأبو داود: السنة (٤٦٠٩)، وأحمد (٢/٣٩٧)، والدارمي: المقدمة (٥١٣) .
1 / 216
باب ما جاء أن الله احتجز التوبة على صاحب البدعة
هذا مروي من حديث أنس ومن مراسيل الحسن. وذكر ابن وضاح عن أيوب قال: كان عندنا رجل يرى رأيا فتركه، فأتيت محمد بن سيرين فقلت أشعرت أن فلانا ترك رأيه؟ قال: انظر إلى ماذا يتحول؟ إن آخر الحديث أشد عليهم من أوله: "يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون إليه ١". وسئل أحمد بن حنبل عن معنى ذلك فقال: لا يوفق للتوبة.
_________
١ اعتمد في تصحيح هذا الأثر على مخطوطة "المفتي".
1 / 217
باب قول الله تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ﴾
قول الله تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْأِنْجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ﴾ ١ - إلى قوله -: ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين﴾ ٢. وقوله: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ ٣. وفيه حديث الخوارج وقد تقدم، وفيه٤، أنه ﷺ قال: "إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء، إنما أوليائي المتقون" ٥ وفيه أيضا عن أنس: "أن رسول الله ﷺ ذكر له أن بعض الصحابة قال: أما أنا فلا آكل اللحم، وقال الآخر: أما أنا فأقوم ولا أنام وقال الآخر; أما أنا فلا أتزوج النساء. وقال الآخر: أما أنا فأصوم ولا أفطر فقال ﷺ: لكنني أقوم وأنام وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني" فتأمل إذا كان بعض الصحابة أراد التبتل للعبادة قيل فيه هذا الكلام الغليظ وسمي فعله رغوبا عن السنة، فما ظنك بغير هذا من البدع، وما ظنك بغير الصحابة؟
_________
١ سورة آل عمران آية: ٦٥.
٢ سورة البقرة آية: ١٣٥.
٣ سورة البقرة آية: ١٣٠.
٤ زيدت "الواو" ليستقيم المعنى.
٥ مسند أحمد (٤/٢٠٣) .
1 / 218
باب قول الله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾
قول الله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ ١.
وقوله تعالى: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ٢ وقوله: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ ٣.
وعن ابن مسعود ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: "إن لكل نبي ولاة من النبيين، وأنا وليي منهم أبي إبراهيم وخليل ربي. ثم قرأ: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ٤ رواه الترمذي.
وعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "إن الله لا ينظر إلى أجسامكم، ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" ٥.
_________
١ سورة الروم آية: ٣٠.
٢ سورة البقرة آية: ١٣٢.
٣ سورة النحل آية: ١٢٣.
٤ سورة آل عمران آية: ٦٨.
٥ مسلم: البر والصلة والآداب (٢٥٦٤) .
1 / 219
ولهما عن ابن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: "أنا فرطكم على الحوض، وليرفعن إلي رجال من أمتي، حتى إذا أهويت لأناولهم. احتجبوا دوني، فأقول: أي رب أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك" ١.
ولهما عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: "وددت أنا قد رأينا إخواننا. قالوا: أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواني الذين لم يأتوا بعد. قالوا: فكيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك؟ قال: أرأيتم لو أن رجلا له خيل غرا محجلة بين ظهراني خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى. قال: فإنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء. وأنا فرطهم على الحوض. ألا ليذادن رجال يوم القيامة عن حوضي كما يذاد البعير الضال. أناديهم: ألا هلم. فيقال: إنهم بدلوا بعدك. فأقول: سحقا سحقا" ٢.
وللبخاري: "بينما أنا قائم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم وعرفوني ٣ خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم فقلت أين؟ قال: إلى النار والله. قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. ثم إذا زمرة - فذكر مثله – قال: فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم".
ولهما في حديث ابن عباس ﵄: "فأقول كما قال العبد الصالح: ﴿وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ ٤.
_________
١ البخاري: الرقاق (٦٥٧٦)، ومسلم: الفضائل (٢٢٩٧)، وابن ماجه: المناسك (٣٠٥٧)، وأحمد (١/٣٨٤،١/٤٣٩) .
٢ البخاري: المساقاة (٢٣٦٧)، ومسلم: الطهارة (٢٤٩)، والنسائي: الطهارة (١٥٠)، وابن ماجه: الزهد (٤٣٠٦)، وأحمد (٢/٣٠٠،٢/٤٠٨)، ومالك: الطهارة (٦٠) .
٣ لفظة (وعرفوني) من مخطوطة المفتي.
٤ سورة المائدة آية: ١١٧.
1 / 220
ولهما مرفوعا: "ما من مولود يولد إلا على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء، حتى تكونوا أنتم تجدعونها" ١. ثم قرأ أبو هريرة: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ ٢ متفق عليه.
وعن حذيفة ﵁ قال: "كان الناس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير. وأنا أسأله عن الشر، مخافة أن يدركني. فقلت: يا رسول الله: إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. فقلت: وهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قلت وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي، ويهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال. نعم. فتنة عمياء، ودعاة على أبواب جهنم؛ مَنْ أجابَهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله، صفهم لنا. قال: قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. قلت: يا رسول الله ما تأمرني إن أدركت ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك" أخرجاه، وزاد مسلم٣: "ثم ماذا؟ قال: ثم يخرج الدجال، معه نهر ونار. فمن وقع في ناره وجب أجره وحط وزره، ومن وقع في نهره وجب وزره وحط أجره٤. قلت: ثم ماذا؟ قال: هي قيام الساعة" وقال أبو العالية: (تعلموا الإسلام فإذا تعلمتموه
_________
١ البخاري: تفسير القرآن (٤٧٧٥)، ومسلم: القدر (٢٦٥٨)، وأحمد (٢/٢٣٣،٢/٢٧٥،٢/٣٤٦،٢/٣٩٣،٢/٤١٠،٢/٤٨١)، ومالك: الجنائز (٥٦٩) .
٢ سورة الروم آية: ٣٠.
٣ هذه الزيادة في "سنن أبي داود" فلعل الأصل "زاد أبو داود".
٤ الزيادة من (وحط وزره) إلى (وحط أجره) في المخطوطات الثلاث.
1 / 221
فلا ترغبوا عنه. وعليكم بالصراط المستقيم، فإنه الإسلام. ولا تتحرفوا عن الصراط يمينا ولا شمالا. وعليكم بسنة نبيكم. وإياكم وهذه الأهواء. انتهى تأمل كلام أبي العالية هذا، ما أجله واعرف زمانه الذي يحذر فيه من الأهواء التي من اتبعها فقد رغب عن الإسلام، وتفسير الإسلام بالسنة، وخوفه على أعلام التابعين وعلمائهم من الخروج عن السنة والكتاب، يتبين لك معنى قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ﴾ ١. وقوله ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ٢. وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ ٣. وأشباه هذه الأصول الكبار التي هي أصل الأصول، والناس عنها في غفلة. وبمعرفته يتبين معنى الأحاديث في هذا الباب وأمثالها؛ وأما الإنسان الذي يقرؤها وأشباهها وهو آمن مطمئن أنها لا تناله، ويظنها في قوم كانوا فبادوا ٤. ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ ٥.
وعن ابن مسعود ﵁ قال "خط لنا رسول الله ﷺ خطا. ثم قال: هذا سبيل الله. ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله. ثم قال: هذه سبل، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، وقرأ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ ٦ ٧" رواه أحمد والنسائي.
_________
١ سورة البقرة آية: ١٣١.
٢ سورة البقرة آية: ١٣٢.
٣ سورة البقرة آية: ١٣٠.
٤ في الأصل: فبانوا.
٥ سورة الأعراف آية: ٩٩.
٦ سورة الأنعام آية: ١٥٣.
٧ أحمد (١/٤٣٥)، والدارمي: المقدمة (٢٠٢) .
1 / 222
باب ما جاء في غربة الإسلام وفضل الغرباء
وقول الله تعالى: ﴿فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ﴾ ١. وعن أبي هريرة ﵁ مرفوعا: "بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبي للغرباء" ٢ رواه مسلم. ورواه أحمد من حديث ابن مسعود وفيه: "ومن الغرباء؟ قال النّزاع من القبائل" ٣. وفي رواية "الغرباء ٤ الذين يصلحون إذا فسد الناس" ٥. وللترمذي من حديث كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده: "طوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي" ٦.
وعن أبي أمية قال: "سألت أبا ثعلبة ﵁ فقلت يا أبا ثعلبة كيف تقول في هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾؟ ٧ قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا. سألت عنها رسول الله ﷺ فقال: بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيتم شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا
_________
١ سورة هود آية: ١١٦.
٢ مسلم: الإيمان (١٤٥)، وابن ماجه: الفتن (٣٩٨٦)، وأحمد (٢/٣٨٩) .
٣ الترمذي: الإيمان (٢٦٢٩)، وابن ماجه: الفتن (٣٩٨٨)، وأحمد (١/٣٩٨)، والدارمي: الرقاق (٢٧٥٥) .
٤ زيادة عبارة (في رواية الغرباء) في مخطوطة المفتي وتوافق ما في (كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة) للحافظ ابن رجب.
٥ مسند أحمد (٤/٧٣) .
٦ سنن الترمذي: كتاب الإيمان (٢٦٣٠) .
٧ سورة المائدة آية: ١٠٥.
1 / 223
مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك ودع عنك العوام؛ فإن من ورائكم أياما الصابر فيهن مثل القابض على الجمر؛ للعامل فيهن أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم. قلنا: منا أم منهم؟ قال: بل منكم" رواه أبو داود والترمذي. وروى ابن وضاح معناه من حديث ابن عمر ﵁ ولفظه: "إن من بعدكم أياما الصابر فيها المتمسك بمثل ما أنتم عليه اليوم له أجر خمسين منكم. قيل: يا رسول الله منهم؟ قال: بل منكم١". ثم قال: أنبأنا محمد بن سعيد أنبأنا أسد قال سفيان ابن عيينة عن أسلم البصري عن سعيد أخي الحسن يرفعه، قلت لسفيان عن النبي ﷺ؟ قال: نعم قال: "إنكم اليوم على بينة من ربكم، تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتجاهدون في الله ولم يظهر فيكم السكرتان: سكرة الجهل وسكرة حب العيش. وستحولون عن ذلك لا تأمرون بالمعروف، ولا تنهون عن المنكر، ولا تجاهدون في الله. وتظهر فيكم السكرتان. فالمتمسك يومئذ بالكتاب والسنة له أجر خمسين. قيل منهم؟ قال: لا، بل منكم ٢". وله بإسناد عن المعافري قال: قال رسول الله ﷺ: "طوبى للغرباء الذين يتمسكون بالكتاب حين يترك، ويعملون بالسنة حين تطفأ".
_________
١ ما أثبت هنا في الحديث هو نص كتاب (البدع والنهي عنها) لابن وضاح.
٢ هذا نص الحديث في كتاب (البدع والنهي عنها) لابن وضاح.
1 / 224