[1.8.7]
وأتى عيينة بن النهاس العجلي مادحا فقال عيينة لوكيله اذهب معه إلى السوق فلا يشيرن إلى شيء ولا يسومن به إلا اشتريته له فلما انصرف عنه قال [طويل]
سئلت فلم تبخل ولم تعط طائلا
فسيان لا ذم عليك ولا حمد
[1.8.8]
ومن لؤم الغرائز أيضا في الناس أن منهم من يؤثر ريح الكراييس على ريح اليلنجوج وريح الحشوش على نفحات الورد ويهتاج من النساء لذات القبح والدفر ويكسل عن الحسناء ذات العطر ومنها أن الرجل يكون في رخاء بعد بؤس وسعة بعد ضيق فيسأم ما هو فيه ويرغب عنه إلى ما كان عليه وقال أعرابي قدم المصر فحسنت حاله [بسيط]
أقول بالمصر لما ساءني شبعي
ألا سبيل إلى أرض بها جوع
ألا سبيل إلى أرض بها غرث
جوع يصدع منه الرأس يرقوع
وهذا وأشباهه من لئيم الغرائز كثير في الأمم.
[1.8.9]
وهذه الطبائع هي أسباب الشرف وأسباب الخمول فذو الهمة تسمو به نفسه إلى معالي الأمور وترغب به عن الشائنات فيخاطر في طلب العظيم بعظيمته ويستخف في ابتغاء المكارم بكريمته ويركب الهول ويدرع الليل ويحط إلى الحضيض وتأبى نفسه إلا علوا حتى يسعد بهمته ويظفر ببغيته ويحوز الشرف لنفسه وذريته ومن لا همة له جثامة لبد يغتنم الأكلة ويرضى بالدون ويستطيب الدعة وإن أعدم لم يأنف من ذل السؤال والجبان يفر عن أمه وأبيه وصاحبته وبنيه والشجاع يحمي من لا يناسبه بسيفه ويقي الجار والرفيق بمحبته والبخيل يبخل على نفسه بالقليل والجواد يجود لمن لا يعرفه بالجزيل وقال الله عز وجل {قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها} يريد قد أفلح من أنمى نفسه بالمعروف وأعلاها وقد خاب من أسقطها بلئيم الأخلاق وأخفاها.
Página desconocida