AUTO الكتاب : رسالة في فضل الأندلس وذكر رجالها

المؤلف : أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي

دار النشر : المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت / لبنان - 1987 م

الطبعة : الثانية

تحقيق : د . إحسان عباس

Página 170

[ ترقيم الشاملة موافق للمطبوع ] """""" صفحة رقم 171 """"""

- 5 - رسالة في فضل الأندلس وذكر رجالها ( 1

Página 171

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد عبده ورسوله وعلى أصحابه الأكرمين ، وأزواجه أمهات المؤمنين ، وذريته الفاضلين الطيبين . 1 - أما بعد يا أخي يا أبا بكر ( 2 ) سلام عليك ، سلام أخ مشوق طالت بينه وبينك الأميال والفراسخ ، وكثرت الأيام والليالي ، ثم لقيك في حال سفر ونقلة ، ووادك في خلال جولة ورحلة ، فلم يقض من مجاورتك أربا ، ولا بلغ في محاورتك مطلبا . وإني لما احتللت بك ، وجالت يدي في مكنون كتبك ، ومضمون دواوينك ، لمحت عيني في تضاعيفها درجا فتأملته ، فإذا فيه خطاب لبعض الكتاب من مصاقبينا في الدار ، أهل إفريقية ، ثم ممن ضمته حضرة قيروانهم ، إلى رجل أندلسي لم يعينه باسمه ، ولا ذكر بنسبه ( 3 ) ، يذكر له فيها أن علماء بلدنا بالأندلس ، وإن كانوا على الذروة العليا من التمكن بأفانين العلوم ، وفي الغاية القصوى من التحكم على وجوه المعارف ، فإن هممهم قد قصرت عن تخليد مآثر بلدهم ، ومكارم ملوكهم ، ومحاسن فقهائهم ، ومناقب قضاتهم ، ومفاخر كتابهم ، وفضائل علمائهم ، ثم تعدى ذلك إلى أن أخلى أرباب العلوم منا من أن يكون لهم تأليف يحيي ذكرهم ، ويبقي علمهم ، بل قطع على أن كل واحد منهم قد مات فدفن علمه معه ، وحقق ظنه في ذلك ، واستدل على صحته عند نفسه ، بأن شيئا من هذه التآليف لو كان منا موجودا لكان إليهم منقولا ، """""" صفحة رقم 172 """"""

Página 172

وعندهم ظاهرا ، لقرب المزار وكثرة السفار ، وترددهم إليهم ، وتكررهم علينا . 2 - ثم لما ضمنا المجلس الحافل بأصناف الآداب ، والمشهد الآهل بأنواع العلوم ، والقصر المعمور بأنواع الفضائل ، والمنزل المحفوف بكل لطيفة وسيعة من دقيق المعاني وجليل المعالي ، قرارة المجد ومحل السؤدد ، ومحط رحال الخائفين ، وملقى عصا التسيار ، عند الرئيس الأجل الشريف قديمه وحسبه ، الرفيع حديثه ومكتسبه ، الذي أجله عن كل خطة يشركه فيها من لا توازي قومته نومته ، ولا ينال حضره ( 1 ) هويناه ، وأربأ به عن كل مرتبة يلحقه فيها من لا يسمو إلى المكارم سموه ، ولا يدنو من المعالي دنوه ، ولا يعلو في حميد الخلال علوه ، بل أكتفي من مدحه باسمه المشهور ، وأجتزي من الإطالة في تقريظه بمنتماه المذكور ، فحسبي بذينك العلمين دليلا على سعيه المشكور وفضله المشهور ، أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن قاسم صاحب البونت ( 2 ) ، أطال الله بقاءه ، وأدام اعتلاءه ، ولا عطل الحامدين من تحليهم بحلاه ، ولا أخلى الأيام من تزينها بعلاه ، فرأيته أعزه الله تعالى حريصا على أن يجاوب هذا المخاطب ، وراغبا في أن يبين له ما لعله قد رآه فنسي ، أو بعد عنه فخفي ، فتناولت الجواب المذكور ، بعد أن بلغني أن ذلك المخاطب قد مات ، رحمنا الله تعالى وإياه ، فلم يكن لقصده بالجواب معنى ، وقد صارت المقابر له مغنى ، فلسنا بمسمعين من في القبور ، فصرفت عنان الخطاب إليك ، إذ من قبلك صرت إلى الكتاب المجاوب عنه ، ومن لدنك وصلت إلي الرسالة المعارضة ، وفي صول كتابي على هذه الهيئة حيثما وصل كناية لمن غاب عنه من أخبار تآليف أهل بلدنا ، مثلما غاب عن هذا الباحث الأول ، ولله الأمر من قبل ومن بعد ، وإن كنت في إخباري إياك بما أرسمه في كتابي هذا ' كمهد إلى البركان نار الحباحب ' ، وباني صوى في مهيع القصد اللاحب ، فإنك وإن كنت المقصود والمواجه فإنما المراد من أهل تلك الناحية من نأي عنهم علم ما استجلبه السائل الماضي ، وما توفيقي إلا بالله سبحانه . 3 - فأما مآثر بلدنا فقد ألف في ذلك أحمد بن محمد الرازي ( 3 ) التاريخي كتبا """""" صفحة رقم 173 """"""

Página 173

جمة منها كتاب ضخم ذكر فيه مسالك الأندلس ومراسيها وأمهات مدنها وأجنادها الستة ( 1 ) ، وخواص كل بلد منها ، وما فيه مما ليس في غيره ، وهو كتاب مريح مليح . وأنا أقول لو لم يكن لأندلسنا إلا ما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بشر به ، ووصف أسلافنا المجاهدين فيه ، بصفات الملوك على الأسرة ، في الحديث الذي رويناه من طريق أبي حمزة أنس بن مالك أن خالته أم حرام بنت ملحان ، زوج أبي الوليد عبادة ابن الصامت ، رضي الله تعالى عنه وعنهم أجمعين ، حدثته به عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه أخبرها بذلك لكفى شرفا بذلك ( 2 ) ، يسر عاجله ويغبط آجله . فإن قال قائل : لعله صلوات الله تعالى عليه إنما عنى بذلك الحديث أهل صقلية وإقريطش ، وما الدليل على ما ادعيته من أنه ( صلى الله عليه وسلم ) عنى الأندلس حتما ، ومثل هذا من التأويل لا يتساهل فيه ذو ورع دون برهان واضح وبيان لائح ، لا يحتمل التوجيه ، ولا يقبل التجريح . فالجواب ، وبالله التوفيق ، أنه ( صلى الله عليه وسلم ) قد أوتي جوامع الكلم وفصل الخطاب ، وأمر بالبيان لما أوحي إليه ، وقد أخبر في ذلك الحديث المتصل سنده بالعدول عن العدول بطائفتين من أمته يركبون ثبج البحر غزاة واحدة بعد واحدة ، فسألته أم حرام أن يدعو ربه تعالى أن يجعلها منهم ، فأخبرها ( صلى الله عليه وسلم ) ، وخبرة الحق ، بأنها من الأولين ، وهذا من أعلام نبوته ( صلى الله عليه وسلم ) ، وهو إخباره بالشيء قبل كونه ، وصح البرهان على رسالته بذلك ، وكانت من الغزاة إلى قبرس ، وخرت عن بغلتها هناك ، فتوفيت رحمها الله تعالى ، وهي أول غزاة ركب فيها المسلمون البحر ، فثبت يقينا أن الغزاة إلى قبرس هم الأولون الذين بشر بهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وكانت أم حرام منهم ، كما أخبرت صلوات الله تعالى وسلامه عليه ، ولا سبيل أن يظن به ، وقد أوتي ما أوتي من البلاغة والبيان ، أنه يذكر طائفتين قد سمى إحداهما أولى ، إلا والتالية لها ثانية ، فهذا من باب الإضافة وتركيب العدد ، وهذا مقتضى طبيعة صناعة المنطق ، إذ لا تكون الأولى أولى إلا لثانية ، ولا الثانية ثانية """""" صفحة رقم 174 """"""

Página 174