شرح زاد المستقنع - عبد الكريم الخضير
شرح زاد المستقنع - عبد الكريم الخضير
Géneros
أي صيام هذا؟ هل مثل هذا الصيام يجر إلى التقوى؟ لا والله، الصيام الذي يتعبد به بنية خالصة على وفق ما جاء عن الله وعن رسوله ﵊، ولذا قالوا: في هذا إشارة إلى تصحيح القصد بهذه العبادة، فمن لم يصم بنية صالحة ويقصد بصيامه التقرب إلى الله ﷾ فإنه لا ترجى له هذه الملكة، لن يصل إلى التقوى من خلال الصيام الذي لا يقصد به التقرب إلى الله ﷾، فليس الصيام في الإسلام من أجل تعذيب النفس بل لتربيتها وتزكيتها، والصيام أيضًا ينمي لدى الصائم ملكة المراقبة؛ فالصائم يمتنع عن ملاذ الدنيا وشهواتها، وما يمنعه من ذلك سوى اطلاع الله ﷾ عليه، ومراقبته له، هذا الذي يمنع، وإلا إذا خلا في غرفته الخاصة التي يوجد فيها ما يستطيع أن يتناوله من غير اطلاع أحد عليه، وقد تكون معه في الفراش زوجته، حديث العهد بها، فيتركها لوجه الله ﷾، فلا شك أن ترك مثل هذه الأمور دليل على مراقبة الله ﷾، ولا جرم أنه يحصل له من تكرار هذه الملاحظة المصاحبة للعمل، ملكة المراقبة لله تعالى، والحياء منه سبحانه أن يراه حيث نهاه، وفي هذه المراقبة من كمال الإيمان بالله تعالى والاستغراق في تعظيمه وتقديسه أكبر معد للنفوس، ومؤهل لضبط النفس ونزاهتها في الدنيا ولسعادتها في الآخرة، المراقبة منزلة من منازل إياك نعبد وإياك نستعين، وهي الإحسان التي سئل عنها النبي ﵊ في حديث جبريل.
المراقبة كما قال ابن القيم ﵀ تعالى في مدارج السالكين: "دوام علم العبد، وتيقنه أو دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق ﷾ على ظاهره وباطنه، وهي ثمرة علمه بأن الله ﷾ رقيب عليه، ناظر إليه، سامع لقوله، وهو مطلع على عمله كل وقت وكل لحظة وكل نفس وكل طرفة عين والغافل عن هذا بمعزل".
1 / 14