Explanation of the Treatise by Muhammad ibn Abd al-Wahhab on the Conditions, Pillars, and Obligations of Prayer
شرح رسالة محمد بن عبد الوهاب في شروط الصلاة وأركانها وواجباتها
Géneros
1 / 1
1 / 2
قال سماحة الإمام العَلاّمة عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله تعالى-: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فهذه رسالة كان العلماء يعلمونها الناس، والجماعة في المساجد مع الأصول الثلاثة؛ حتى يتفقهوا في أصول دينهم، وفي صفة الصلاة، وأركانها، وواجباتها؛ لأن كل مسلم محتاج إلى ذلك. والمؤلف هو: الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التميمي -رحمة الله عليه-، شيخ الإسلام في عصره، والمجدد لما اندرس من معالم الإسلام في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، في هذه الجزيرة العربية، والمتوفى سنة ست ومئتين وألف من الهجرة النبوية. (١) وهذا أمر معروف لأهل العلم، والشرط هو: الذي لا يلزم من وجوده الوجود، لكن يلزم من عدمه العدم، فمتى عدم الشرط عدم المشروط، لكن لا يلزم من وجوده الوجود حتى تستكمل الشروط كلها مع الواجبات والفرائض، وهذه الشروط من أولها إلى آخرها لا بُدَّ منها في الصلاة فإذا استكملت صحت الصلاة.
1 / 3
(١) الشرط الأول: الإسلام، يعني: لا بُدَّ أن يكون حين دخوله في الصلاة إلى أن يخرج منها مسلم، فإن صلى وهو كافر فصلاته غير صحيحة؛ لقوله جل وعلا: ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ﴾ [التوبة:١٧]، وقوله جل وعلا: ﴿وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٣]، وقوله سبحانه: ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾ [المائدة: ٥]، وقوله سبحانه: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا﴾ [الفرقان: ٢٣]، فكل إنسان يحكم بكفره، فصلاته غير صحيحة، فلو صلى قبل الدخول في الإسلام، لم تصح حتى يدخل في الإسلام. (٢) الشرط الثاني: العقل، بأن يكون عنده عقل، يميز بين ما يضره وما ينفعه، وبين الخير والشر، أما إن كان مجنونًا أو معتوهًا ما يميز، فلا صلاة له؛ لقوله ﷺ: «رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق، والصغير حتى يبلغ» .....
1 / 4
(١) الشرط الثالث: التمييز، وضده الصغر، وحده سبع سنين، ثم يؤمر بالصلاة؛ لقوله ﷺ: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر»، وقوله ﷺ في الحديث: «الصغير حتى يبلغ»، يعني: غير مكلف، ولا يكون مكلفًا بحيث يأثم إلا بعد البلوغ، ولكن يؤمر بها قبل هذا السن تمهيدًا وتمرينًا على الصلاة؛ حتى إذا بلغ فإذا هو قد اعتادها وتمرَّن عليها. (٢) الشرط الرابع: رفع الحدث، أي: كونه يتطهر من الحدثين الأكبر والأصغر، فلا بُدَّ أن يكون على طهارة؛ لقوله ﷺ: «لا تقبل صلاة بغير طهور»، ولقوله ﷺ: «لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ»، فلا بُدَّ من رفع الحدث بالماء عند وجوده، أو التيمم عند عدم الماء أو العجز عنه .........
1 / 5
(١) يعني: لا يصح الوضوء إلا بعشرة شروط. (٢) يعني: كونه يتوضأ وهو مسلم، عاقل، مميز. (٣) يعني: نية الطهارة، بأن ينوي الطهارة من الحدث الذي حصل منه، من بول، أو ريح؛ لقوله ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات». (٤) بأن تبقى معه النية حتى يكمل الوضوء، فلو غسل وجهه ويديه ثم رجع عن الوضوء، ثم طرأ عليه أن يكمل، فإنه يعيد الوضوء من أوله؛ لأنه قد بطل وضوءه لما قطع النية. (٥) بأن يتوضأ بعد أن انقطع عنه موجب، وهو البول أو الغائط مثلًا، فلو توضأ والبول يخرج منه ما صح حتى ينقطع عنه الموجب ويستنجي. (٦) لا بُدَّ أن يسبق الوضوء استنجاء أو استجمار بعد الحدث من البول أو الغائط يستنجي بالماء أو يستجمر بالحجارة ثلاث مرات فأكثر، فشرط الاستجمار أن يكون ثلاثًا فأكثر وينقي المحل. (٧) يعني: كون الماء طهورًا. (٨) يعني: ليس بمغصوب، ولا محرم. - مسألة: هل يصح الوضوء في آنية الذهب والفضة؟. الجواب: آنية الذهب والفضة لا يجوز استعمالها؛ لأن الرسول ﷺ نهى عن استعمالها، ولكن الوضوء فيها يصح مع التحريم؛ لأنه حصل به المقصود. وبعض أهل العلم منع ذلك، ومنه قول المؤلف: (وإباحته)؛ لأن استعمال أواني الذهب والفضة غير مباح، مثل المغصوب، فلا يصح؛ لقوله ﷺ: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد»، وهذا له وجهه الشرعي. ومن قال بصحته قال: المقصود الطهارة وقد حصلت بالماء، والإثم لا يمنع، مثل لو مرَّ على حوض أو بركة وتوضأ منه ولم يستأذن أهله، أو تيمم من تراب أرض لم يستأذن أهلها وما أشبه ذلك، فالمقصود الطهارة وقد حصلت، والإثم في كونه استعمل شيئًا لا يجوز له لا يمنع صحة الوضوء، ولأن المنهي عنه الغصب والظلم، وليس منهيًَّا عن الوضوء، ولكن الأحوط للمؤمن أن يعيد الوضوء ويبتعد عن مسائل الخلاف، وأن لا يتوضأ إلا من ماء مباح، ولذا جزم المؤلف بأن الإباحة شرط لصحة الصلاة؛ عملًا بالأصل: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه». (٩) يعني: كون المتوضئ يزيل ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، إن كان على وجهه أو يده، كعجين أو نحوه من الأشياء التي تمنع الماء من الوصول إلى البشرة. - مسألة: ما حكم البوية، هل تمنع من وصول الماء إلى البشرة؟ الجواب: البوية تختلف، فإن كان لها جرم يزيلها، وإن لم يكن لها جرم، بل هي صبغة، فلا تضر، ولا تمنع من وصول الماء إلى البشرة. (١٠) كالمستحاضة، وصاحب السلس، يتوضأ إذا دخل الوقت؛ لقول النبي ﷺ للمستحاضة: «توضئي لوقت كل صلاة».
1 / 6
(١) لقوله جل وعلا في آية المائدة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ﴾ [المائدة:٦]، ولأن الله ﷾ رتبها، فوجب ترتيبها كما رتبها الله، فيبدأ بما بدأ الله، والنبي ﷺ توضأ كما بين الله، فعلينا أن نتوضأ كما توضأ ﵊. (٢) بأن يوالي بين أعضائه لا يفرق بينها، يعني: يتوضأ وضوءًا متواليًا قبل أن تنشف أعضاؤه، والدليل على هذا: أنه ﷺ لما رأى رجلًا في قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء أمره أن يعيد الصلاة والوضوء، والحديث صحيح، رواه مسلم في الصحيح، وأخرجه أبو داود بإسناد صحيح، فدل على أنه لا بُدَّ من الموالاة، ما قال ﵊ له اغسل محل اللمعة، بل أمره أن يعيد الوضوء والصلاة، فلا بُدَّ من الموالاة في الوضوء، فلو غسل أعضاءه ووجهه، وبقيت الرجل اليسرى، وطال المكث حتى نشفت الأعضاء، فإنه يعيد الوضوء؛ لأنه لم يوالي.
1 / 7
(١) الجمهور على أنها سنة، وقال بعضهم: أنها تجب، والأحوط أنه يسمي، ومن نسيها فليس عليه شيء.
1 / 8
(١) ثمانية عند جمع من أهل العلم وهو مذهب الحنابلة ﵏، وقال آخرون أنها أقل من ذلك: فخروج الفاحش النجس من الجسد ليس هناك دليل واضح على نقضه، وإنما هو من باب الاحتياط، لحديث: «أن النبي ﷺ قاء فتوضأ»، وهكذا مس المرأة بشهوة، وتغسيل الميت ليس عليها دليل واضح، وعلى هذا تكون خمسة، وإذا قيل: إن الردة عن الإسلام ليست بناقضة تصير أربعة. فالمقصود: أن أربعة واضحة أدلتها، وأربعة فيها خلاف بين العلماء، وهي: خروج الفاحش النجس من الجسد، ومس المرأة، وتغسيل الميت، والردة عن الإسلام، هذه محل الخلاف. (٢) أي: البول والغائط، وما في حكمهما من الدبر والقبل. (٣) كالصديد والقيح والقيء، إذا كان كثيرًا، أما القليل فيعفى عنه. (٤) بنوم أو سكر أو مرض، فإذا زال عقله ثم عاد عقله يتوضأ. (٥) هذا عند جمع من أهل العلم، والمؤلف جرى على طريقة الحنابلة في هذا ﵀، وقال آخرون: لا ينقض، والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم، والصواب الراجح من الأقوال: أنه لا ينقض؛ لأن الرسول ﷺ كان يقبل بعض نسائه ثم لا يتوضأ، أما قوله تعالى: ﴿أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء﴾ [المائدة: ٦]، فالمراد به الجماع. (٦) مس الفرج باليد ناقض؛ لقوله ﷺ: «من مس فرجه بيده فليتوضأ»، وفي لفظ: «من أفضى بيده إلى فرجه فليتوضأ»، وفي لفظ آخر: «من مس ذكره فليتوضأ»، وأما حديث «إنما هو بَضْعَةٌ منك»، فالعلماء أجابوا عنه: بأنه كان في أول الإسلام ثم نُسِخ، أو أنه شاذ ضعيف؛ لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة الكثيرة في نقض الوضوء بمس الفرج. (٧) اللحم فقط، دون المرق واللبن، فلا ينقض الوضوء، مثلما جاء في الحديث. (٨) عند جمع من أهل العلم؛ لأن في الغالب قد تمس يده العورة، ولأنه يحصل له من الضعف ما هو جدير بأن يتوضأ حتى ترجع إليه قوته ونشاطه. (٩) يعني: إذا توضأ، ثم أتى بمكفر، ثم هداه الله وتاب، فإنه يعيد الوضوء.
1 / 9
(١) تقدم أن شروط الصلاة تسعة، وقد تقدم منها أربعة، وهي: الإسلام والعقل والتمييز والطهارة، وتقدم الكلام عليها، وما يتعلق بالطهارة. الشرط الخامس: إزالة النجاسة من ثلاث: من الثوب والبدن والبقعة: لا بُدَّ أن يكون المصلي طاهرًا في ثوبه أي: سترته، وفي بدنه أي: جسده، وفي البقعة أي: محل صلاته، فإن صلى في ثوب نجس أو في بدن نجس أو في بقعة نجسة لم تصح صلاته إذا كان ذاكرًا عالمًا، أما إذا كان جاهلًا أو ناسيًا فصلاته صحيحة على الصحيح؛ لأنه ﷺ صلى في نعليه وبها خبث فلما أطلعه جبرائيل خلعهما ولم يعد أول الصلاة، مع عموم قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة:٢٨٦]، والنجاسة المراد التخلص منها ليس مثل الطهارة؛ لأن الطهارة عبادة مطلوبة لذاتها، أما النجاسة فالمطلوب التخلص منها من ثوبه أو بدنه أو بقعته فإذا نسيها أو جهلها فصلاته صحيحة، فلو صلى في ثوب نجس ناسيًا أو جاهلًا أو أصاب بدنه نجاسة ولم يذكر ذلك ولم يعلمه، أو في البقعة ظنها طاهرة فبانت غير طاهرة، فصلاته صحيحة على الصحيح. - مسألة: هل تصح الصلاة في أرض نجسة مع وضع المصلي حائل كسجادة أو بساط وما أشبه ذلك؟. الجواب: إذا وضع حائلًا فلا بأس، ولو كانت النجاسة رطبة مادام الساتر ثخينًا يمنع الرطوبة. - مسألة: ما حكم الدم القليل على الثوب؟. الجواب: الدم القليل يعفى عنه، إذا لم يكن من القبل أو الدبر، مثل: دم الجراح، ودم الضروس، ودم العين، فيعفى عنه. (٢) الشرط السادس: ستر العورة: لا بُدَّ أن يصلي وهو ساتر عورته، وعورة الرجل: من السرة إلى الركبة، يسترها على الصحيح، والحرة: كلها عورة إلا وجهها؛ لقوله ﷺ: «المرأة عورة»، إلا وجهها تكشفه في الصلاة إذا لم يكن عندها أجانب؛ لأن السنة كشفه، واختلف العلماء في الكفين فأجاز بعضهم كشفهما، وأوجب بعضهم سترهما في الصلاة، والأحوط سترهما كما قال المؤلف، أما بقية البدن فإنها تستر قدميها وبقية بدنها في الصلاة إلا إن كان عندها أجنبي فإنها تستر وجهها أيضًا، أما الأمة: ففيها خلاف، فبعض أهل العلم: ألحقها بالرجل؛ لأنها مبتذلة تباع وتشترى فعورتها مثل عورة الرجل، وقال آخرون: بل مثلها مثل المرأة الحرة؛ لعموم الأدلة، والأحوط لها أن تستتر كالحرة خروجًا من الخلاف؛ لعموم الأدلة في ستر العورة، وأن المرأة عورة، وكون المشتري ينظر إليها ويستامها لا يخرجها عن كونها تستتر في الصلاة وتستتر عن الأجانب لئلا يفتن بها، لا سيما إذا كانت جميلة، فتحرص على الستر والبعد عن أسباب الشر، ومعلوم أن مسائل الخلاف من مسائل الاشتباه عند خفاء الدليل، وقد قال ﷺ: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»، وقوله: «فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه»، فهي محل شبهة فالأحوط لها أن تستر العورة وجميع بدنها كالحرة في الصلاة. - مسألة: ما المراد بالزينة في قوله تعالى: ﴿يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: ٣١]؟. الجواب: العلماء فسروا الزينة هنا بالستر، يعني: ستر العورة. - مسألة: الحديث الذي فيه يسأل الصحابة بعضهم بعضًا عن أم المؤمنين صفية ﵂، هل هي إحدى أمهات المؤمنين، أو ما ملكت يمينه؟، فأجاب بعضهم: (إن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه)، رواه البخاري في صحيحه، هل يدل ذلك على أن عورة الأمة غير عورة الحرة؟. الجواب: يظهر أنها لا تحجب، لكن لا يلزم أن تسفر؛ لأن الله قال: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٣]، لكن الحجاب عن كونها لها حجاب يسترها كأمهات المؤمنين هذا ستر خاص، فهو محتمل؛ لأنها تباع وتشترى، ولكن ذكر العلماء لو أن فيها شيء من الجمال وجب التستر؛ حذرًا من الفتنة. (٣) الشرط السابع: دخول الوقت: لا بُدَّ أن تكون الصلاة في الوقت؛ لأن الله تعالى قد فرض الصلاة في أوقاتها، فإن صلاها قبل الوقت لم تصح، وإن صلاها بعد الوقت صحت مع الإثم إذا أخرها عمدًا، إلا أن يجوز له التأخير في السفر أو المرض، فيؤخر الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء فلا بأس، أما إذا أخرها من غير عذر، أو قدمها على الوقت فلا يجوز، لكن متى قدمها على الوقت بطلت، إلا إذا كانت تجمع إلى ما بعدها فأخرها لسفر أو مرض فلا بأس. (٤) الشرط الثامن: استقبال القبلة -الكعبة-: لا بُدَّ أن يستقبلها في الفرض والنفل، فعليه استقبال القبلة؛ للآية الكريمة حيث يقول جل وعلا: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [البقرة:١٤٤]، إلا إذا كان هناك عذر، كالمسافر يصلي النافلة لجهة سيره، فلا بأس للعذر الشرعي، أو مريض ليس عنده من يعدله لجهة القبلة وخاف فوات الوقت فإنه يصلي على حسب حاله، أو سجين مربوط مصلوب ليس له القدرة على استقبال القبلة، فالله جل وعلا يقول: ﴿فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ؟ [التغابن: ١٦]، ويقول: ﴿لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾، [البقرة: ٢٨٦]، أما مع القدرة فيجب أن يستقبل القبلة في الفرض والنفل، إلا في السفر فإنه لا بأس أن يصلي إلى جهة سيره في النافلة. (٥) الشرط التاسع: النية: العبادة كلها لا بُدَّ لها من نية، كالصلاة والصوم والصدقة وغير ذلك، فلا بُدَّ من النية في جميع العبادات، لقوله ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى»، والنية محلها القلب، في الصلاة والصوم وسائر العبادات، إلا في الحج فإنه يظهرها فيلبي بالنسك، كما فعل النبي ﷺ، أما ما عدا ذلك فإنها في القلب، والتلفظ بها بدعة، كأن يقول: (نويت أن أصلي) هذا بدعة، (نويت أن أصوم) كذلك، (نويت أن أتصدق) كذلك، إنما في الحج جاء الشرع بإعلانها في الإحرام فيقول: (لبيك عمرة)، أو (لبيك حجة)، أو (لبيك عمرة وحجة)، فيعلن ويصرح بما نواه في قلبه، هذه السنة وهذا شيء خاص بالحج والعمرة.
1 / 10
(١) يبين المؤلف ﵀ هنا أركان الصلاة، وهي: أربعة عشر على إدخال الصلاة على النبي ﷺ في الأركان، وبَيَّنَها ﵀: القيام مع القدرة، وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والركوع، والرفع منه، يعني: الاعتدال بعد الركوع، والسجود، والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة في جميع الأركان، والترتيب بين الأركان، والتشهد الأخير، والجلوس له، والصلاة على النبي ﷺ، والتسليمتان، فهذه الأربعة عشر ركنًا سيأتي الكلام فيها مفصلًا، كما ذكرها المؤلف ﵀. ومعنى الركن: الذي لا بُدَّ منه، فلا يسقط لا عمدًا ولا سهوًا، بخلاف الواجبات فتسقط بالسهو والجهل، وأما الأركان فلا تسقط لا سهوًا ولا جهلًا ولا عمدًا، بل لا بُدَّ منها، ويدل على ذلك: حديث المسيء في صلاته الذي علمه النبي ﷺ لما أساء في صلاته قال له: «إذا قمت إلى الصلاة، فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن» إلى آخره. (٢) لقول الله تعالى: ﴿وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة:٢٣٨]، ولما ثبت عنه ﷺ أنه قال لعمران بن حصين ﵁: «صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب»، ولما ثبت عنه ﷺ أيضًا أنه كان يصلي قائمًا ويقول: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، ولم يصل جالسًا إلا عند العجز، فالواجب على جميع المكلفين من الرجال والنساء أن يصلوا قيامًا مع القدرة في الفريضة، أما مع العجز لمرض أو كبر سن فلا بأس أن يصلي قاعدًا، ولا نعلم في هذا خلاف بين أهل العلم.
1 / 14
(١) كونه يكبر، فلا دخول في الصلاة إلا بالتكبير، فلو قام بالنية -نية الصلاة- ما دخل فيها حتى يكبر، لقوله ﷺ للمسيء صلاته: «إذا قمت إلى الصلاة، فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر»، هكذا جاء في الصحيحين في قصة المسيء في صلاته، ولقوله ﷺ: «تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم»، وهو حديث حسن رواه أحمد وأهل السنن بإسناد حسن عن علي ﵁؛ ولأنه ﷺ كان يدخلها بالتكبير، يبدؤها بقوله: «الله أكبر»، ويقول: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، فلا بُدَّ من التكبير في جميع الصلوات، لا دخول فيها إلا بالتكبير «الله أكبر»، ومعناه: الله أجلُ من كل شيء وأعظم من كل شيء ﷾. (٢) يبدأ الصلاة بالاستفتاح، فيستفتح إذا كبر، فيقول: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك»، وهذا أخصر الاستفتاحات، وكله توحيد خالص، ويسهل على العامة وغير العامة، وهو من أصح الأحاديث، جاء من عدة طرق عن عائشة وعن أبي سعيد وعن عمر وعن غيرهم ﵃، وتوجد استفتاحات أخرى إذا أتى بواحد منها أجزأه، منها: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد»، فكان يستفتح بهذا أيضًا ﷺ في الفريضة كما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة ﵁. - مسألة: ما حكم الجمع بين استفتاحين في الصلاة الواحدة؟. الجواب: السنة استفتاح واحد يكفي، ما بلغنا أنه كان يجمع استفتاحين ﵊. - مسألة: ما الأفضل الاقتصار على استفتاح واحد في جميع الصلوات أم التنويع بينها؟. الجواب: إذا تيسر التنويع أحسن.
1 / 16
(١) ومعنى «سبحانك اللهم» أي: أنزهك التنزيه اللائق بجلالك، فالتسبيح معناه التنزيه، «سبح الله» أي: نزه الله، «وبحمدك» أي: ثناء عليك، يعني: أثني عليك مع التسبيح، «وتبارك اسمك» أي: البركة تنال بذكرك، أي: بلغ الاسم من البركة النهاية، فكل بركة تنال باسم الله جل وعلا وبفضله وإحسانه ﷾، «وتعالى جدك» أي: عظمتك وكبرياؤك، فجد الله: عظمته؛ لأنه لم يلد ولم يولد ﷾، «ولا إله غيرك» أي: لا معبود بحق في الأرض ولا في السماء سواك يا ربنا، فهو المعبود بحق، كما قال جل وعلا: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾ [الحج: ٦٢]. (٢) وبعد الاستفتاح: يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فيقول: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» قبل أن يقرأ، ومعنى «أعوذ»: ألوذ وألتجئ وأعتصم بك يا الله من الشيطان عدو الله، «الرجيم» يعني: المطرود المبعد عن رحمة الله لا يضرني في ديني ولا في دنياي. - مسألة: ما حكم تكرار الاستعاذة في الركعة الثانية؟. الجواب: غير لازم؛ لأن الصلاة شيء واحد، وإن كررها فلا بأس.
1 / 17
(١) هذا الركن الثالث؛ لقول النبي ﷺ: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»، وقوله ﷺ: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج، فهي خداج غير تمام»، سواء كانت فريضة أو نافلة، فهذا عام، وهذا في حق الإمام والمنفرد، أما في حق المأموم فهي واجبة في حقه، تسقط مع السهو والجهل، وإذا سبقه الإمام، فجاء والإمام راكع وفاتته القراءة، فإنها تسقط عنه على الصحيح؛ لأن الرسول ﷺ لما أدرك أبو بكرة ﵁ الركوع مع الإمام لم يأمره بقضاء الركعة، فالمأموم في حقه واجبة تسقط مع الجهل والنسيان وبفوات القيام، فإذا فاته القيام مع الإمام وأدرك الركوع أجزأه ذلك، أما إذا أمكنه فيقرأ لقوله ﷺ: «لعلكم تقرؤن خلف إمامكم»، قلنا: (نعم)، قال: «لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها»، وهذا للعموم، فقراءة الفاتحة مثل ما تقدم ركن. (٢) ثم يسمي الله بعد أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فيقول: «بسم الله الرحمن الرحيم» استعانة بالله، فالباء هذه للاستعانة، و«الله» معناه: ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين ﷾، و«الرحمن» معناه: ذو الرحمة الواسعة، و«الرحيم» معناه: ذو الرحمة الخاصة بالمؤمنين كما قال تعالى: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأحزاب:٤٣]، ويقول: ﴿إِنَّ الله بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [البقرة:١٤٣]. - مسألة: هل لقراءة البسملة في الفاتحة ركنية الفاتحة؟. الجواب: قراءة البسملة سنة، وليست من الفاتحة، ولا من جميع السور، إلا أنها بعض آية من سور النمل.
1 / 18
(١) معنى ﴿الْحَمْدُ للهِ﴾: الثناء لله كما تقدم. (٢) ومعنى ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أي: رب المخلوقات كلها. (٣) ﴿الرَّحْمنِ﴾: ذو الرحمة الواسعة. (٤) ﴿الرَّحِيمِ﴾: ذو رحمة خاصة بالمؤمنين. (٥) ﴿مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾: يوم الجزاء والحساب، فالدين هو الجزاء والحساب، فهو مالك اليوم الذي فيه الجزاء والحساب، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ [الانفطار:١٩]، ومنه الحديث: «الكيس من دان نفسه -يعني: حاسبها- وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني»، فالكيس الحازم هو الذي يحاسب نفسه، ويعمل لما بعد الموت ويجتهد، والعاجز الكسول من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، والحديث مشهور في سنده بعض اللين.
1 / 19
(١) ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ معناه: ﴿إِيَّاكَ﴾ يعني: وحدك يا رب نعبد ونخصك بالعبادة، وهي: طاعاته التي أمر بها من صلاة وصوم وغير ذلك، وواجب العبد أن يخص الله بالعبادة كما قال جل وعلا ﴿فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [غافر: ١٤]، وقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ﴾ [البقرة: ٢١]، و﴿إِيَّاكَ﴾ يعني: نقصدك وحدك ونستعين بك يا ربنا في كل شيء، في أمورنا كلها، في الدين والدنيا، وهذا يدل على أن العبد يجب عليه أن يخص ربه بالعبادة والاستعانة. (٢) ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾: أي: دلنا وأرشدنا وثبتنا على الصراط، فالهداية بمعنى: الدلالة والإرشاد والتثبيت، و﴿الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾ هو: طريق الله الذي نصبه لعباده وجعله موصلًا إليه، وهو: دينه القويم الذي بعث به نبيه ﵊، و﴿المُستَقِيمَ﴾: الذي لا عوج فيه، وهو اتباع الكتاب والسنة. (٣) ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ﴾: طريق المنعم عليهم، وهم: الرسل وأتباعهم أهل العلم والعمل، يعني: الصراط المستقيم هو طريقهم، طريق المنعم عليهم، وهم: أهل العلم والعمل، الذين قال فيهم سبحانه: ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء:٦٩]، هؤلاء هم المنعم عليهم، وهم: الرسل وأتباعهم.
1 / 20
(١) ﴿غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ﴾: وهم: اليهود قاتلهم الله، غضب الله عليهم لكفرهم وحسدهم وبغيهم، ﴿وَلاَ الضَّالِّينَ﴾: وهم: النصارى تعبدوا على جهل، اليهود داؤهم العناد مع العلم، والنصارى داؤهم الجهل هذا هو الغالب عليهم، قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ [الكهف:١٠٤]، هذا وصف النصارى نسأل الله العافية، وقال النبي ﷺ: «لتتبعن سَنَنَ من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه»، قالوا: (يا رسول الله اليهود والنصارى؟)، قال: «فمن»، هم أهل الغضب والضلالة، أكثر الخلق سار في سبيلهم من ترك الحق واتباع الهوى، تارة عن عمد، وتارة عن جهل، قال تعالى: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يوسف:١٠٣]، وقال تعالى: ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: ١٣]، وفي الحديث الآخر يقول النبي ﷺ: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة»، وهكذا اليهود إحدى وسبعون كلها في النار إلا واحدة، والواحدة هم: أتباع موسى ﵇ في عهده وبعده، والبقية هالكون، والنصارى ثنتان وسبعون كلها في النار إلا واحدة، والواحدة هم: أتباع عيسى ﵇ في عهده وبعده، والبقية هالكون، وفي أمة محمد ﷺ الناجون هم: أتباع محمد ﷺ في عهده وبعده، والذين خالفوه هم الهالكون.
1 / 22
(١) هذه بقية الأركان، والدليل قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾ [الحج:٧٧] فأمر سبحانه بالركوع والسجود، هذا أمر افتراض كما في قوله: ﴿وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ﴾ [الحج: ٧٧]، أيضًا كلها أمر افتراض، وقال ﷺ: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم»، وهو أمر افتراض ونحن مأمورون بأن نقتدي به ﷺ قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، وفي حديث المسيء الذي أساء صلاته عندما دخل المسجد وصلى والنبي ﷺ يشاهده فلما جاء وسلم عليه فقال له: «ارجع فصل فإنك لم تصل»، فرجع فصلى كما صلى ينقرها ثلاث مرات، ثم قال: (والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني)، فقال له النبي ﷺ: «إذا قمت إلى الصلاة فكبر»، وفي لفظ آخر: «إذا قمت إلى الصلاة، فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة، فكبر»، فعلمه الأشياء التي قد تخفى عليه، فالواجب أولًا الوضوء وأن يكون متطهرًا، ثم يستقبل القبلة، ثم يكبر تكبيرة الإحرام، وهي ركن عند الجميع، «ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن»، وفي رواية أخرى: «ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله»، وحديث: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»، يفسر ذلك وأن «ما تيسر من القرآن»، يعني: الفاتحة، ثم يقرأ ما تيسر معها، والركن الفاتحة وما زاد عن ذلك فهو مستحب وسنة، «ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها»، فدل على أن هذه الأمور التي علمها للمسيء في صلاته لا تسقط عن أحد، وأنه لا بُدَّ منها في صلاته، مع أدلة أخرى منها قوله ﷺ: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، وأدلة القرآن في هذا المعنى، وهكذا كونه ﷺ رتبها، يعني: يؤتى بها مرتبة قيام ثم قراءة ثم ركوع ثم رفع ثم سجود هكذا مرتبة والتشهد إلى آخره ...، فلا بُدَّ من هذا الترتيب، فعلينا أن نصلي كما صلى، وعلينا التأسي به ﷺ في ذلك؛ لأنه هو المفسر لما أبهم في القرآن فالله تعالى قال: ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ﴾ [البقرة: ٤٣]، وقال: ﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ﴾ [البقرة: ٢٣٨]، وأطلق، والنبي ﷺ فسرها لنا بأفعاله وأقواله ﵊. - مسألة: ما حكم الطمأنينة في الصلاة؟. الجواب: ركن، ولذا أمر ﷺ بها المسيء في صلاته، قال: «اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا». - مسألة: ما حكم الخشوع في الصلاة؟. الجواب: الخشوع خشوعان: الطمأنينة ركن، وأما الخشوع الذي هو كمال الطمأنينة من حضور قلبه وأن لا تكون حركة لا قليلها ولا كثيرها، من كمالها وتمامها، قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُون﴾ [المؤمنون:٢]، هذا الطمأنينة، وكمالها تمام السكون. - مسألة: ما حكم من سجد ورفع رجليه حال السجود ناسيًا؟. الجواب: في السجود لا بُدَّ أن يضعها على الأرض في أول السجود أو آخره، ولا بُدَّ أن يكون سجد عليها سواء أوله أو آخره، فإن سجد عليها في أول السجود ثم رفعها في آخره يكون قد سجد عليها، فإذا سجد واطمئن حصل المطلوب. - مسألة: ما حكم من يسجد على الجبهة دون الأنف؟. الجواب: الصواب أنه لا بُدَّ من السجود على الأنف، ما يجزأ السجود على الجبهة فقط؛ لأن الرسول ﷺ قال: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم الجبهة وأشار بيده على أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين»، فتكون صلاته غير صحيحة؛ لإخلاله بالركن، ويعيد الركعة فقط إذا تذكر قريبًا، وإن طال الفصل يعيد الصلاة كلها إذا كانت فريضة، مثل بقية الأركان.
1 / 24
(١) لأن الرسول ﷺ فعله، وأمر به بقوله: «قولوا: التحيات»، وهذا أمر للوجوب، وابن مسعود ﵁ قال: «كنا نقول قبل أن يفرض التشهد»، فدل على أن التشهد مفروض عليهم، والتشهد هو: «التحيات لله والصلوات والطيبات» إلى آخره، علَّمه النبي ﷺ لأصحابه، وأمرهم به، فدل على افتراضه، وهو تشهدان: أول وآخر، فالتشهد الأول معدود من الواجبات؛ لأن الرسول ﷺ لما قام عنه ساهيًا جبره بالسجود وصحت صلاته، فدل على أنه ليس بفرض متحتم، بل واجب يسقط مع السهو والجهل، أما التشهد الأخير فهو ركن لا بُدَّ منه؛ لأن الرسول ﷺ حافظ عليه في جميع صلواته ﵊، وهكذا الجلوس له فلا بُدَّ أن يؤديه وهو جالس لا واقف، والتسليمتان؛ لأن الرسول ﷺ كان يسلم في كل صلواته عن يمينه وعن شماله وهما ركن لفعله، وقوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، ﵊. - مسألة: هل التشهد الأخير كله ركن مع الصلاة على النبي ﷺ؟. الجواب: التشهد الأخير مع الصلاة النبي ﷺ ركن على الراجح، وقيل: الصلاة واجبة، وقيل: سنة، ومن لا يحسنه لا بُدَّ أن يتعلمه، فإذا ضاق الوقت ولم يتعلمه ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن:١٦]، فيأتي بما عليه حتى يتعلم. - مسألة: ما حكم من قرأ التشهد الأخير في التشهد الأول؟. الجواب: يقتصر في الأول على التشهد والصلاة على النبي ﷺ، أما الدعاء بالتعوذ من نار جهنم يكون في الأخير، وإذا أكمله في الأول ما عليه شيء. - مسألة: ما رأيكم في من فرق بين التسليمتين، وقال: الأولى ركن، والثانية سنة؟. الجواب: الأمر وجيه، فالجمهور يرون أن الركن التسليمة الأولى، لكن الأرجح مثل ما قال المؤلف أنها تسليمتان؛ لأن النبي ﷺ كان يسلم تسليمتين ويقول: «صلوا كما رأيتموني أصلي».
1 / 25
(١) ومعنى «التحيات»: يعني: التعظيمات لله ملكًا واستحقاقًا، مثل: الانحناء راكعًا، والبقاء والدوام، والركوع والسجود، كل هذه عبادة، فمن يركع لغير الله أو يسجد لغير الله تعبدًا هذا الشرك الأكبر نسأل الله العافية، أو يعتقد أن غير الله يدوم، وهناك خلق يدومون، يعني: ليس لهم أول ولا آخر، فالدوام لله ﷾، هو الأول والآخر جل وعلا وله صفة البقاء، وأما أهل الجنة فقد خلقوا، ثم يكون لهم الدوام بعد ذلك، وهكذا أهل النار بعد ما خلقوا، كانوا عدمًا، ثم أدخلوا النار بأعمالهم، وأدخلوا الجنة بأعمالهم، فداموا دوامًا جديدًا دوامًا بإذن الله ﷾، من فضله على أهل الجنة، ومن عدله بأهل النار، نسأل الله العافية. (٢) ومعنى «الصلوات»: جميع الصلوات الخمس، والدعوات، كلها داخلة نفلها وفرضها، كلها لله. (٣) و«الطيبات» لله، من قول وعمل، كلها لله وحده. (٤) و«السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته» يعني: الدعاء للنبي ﷺ بالسلامة والرحمة والبركة، قال الشيخ: (والذي يدعى له ما يدعى مع الله)، هذا استنباط عظيم، فالذي يدعى له محتاج، فكيف يدعى مع الله؟!. (٥) و«السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين»، يدل كذلك على أن الصالحين لا يدعون مع الله، هم محتاجون للدعاء لهم، بأن الله يغفر لهم، ويسلمهم، ويرحمهم، فكيف يدعون مع الله؟!. (٦) «أشهد أن لا إله إلا الله»: تشهد شهادة حق، أنه لا معبود بحق في الأرض ولا في السماء إلا الله وحده، وهذا هو الحق، كما قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾ [الحج:٦٢]. (٧) «وأشهد أن محمدًا رسول الله» تشهد شهادة حق، أن محمدًا رسول الله، وخاتم الأنبياء، وأنه رسول من عند الله ﷺ، فمن أنكر رسالته، أو أنه خاتم النبيين فقد كفر.
1 / 26