Explanation of the Lofty Principles Concerning the Beautiful Names and Attributes of Allah

Muhammad ibn Khalifa Al-Tamimi d. Unknown

Explanation of the Lofty Principles Concerning the Beautiful Names and Attributes of Allah

شرح القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى

Editorial

دار منار التوحيد للنشر

Número de edición

الأولى

Año de publicación

١٤٤١ هـ

Ubicación del editor

المدينة المنورة

Géneros

مقدِّمة المُصَنِّف بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمدُ لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوب إليه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَنْ يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله، صَلَّى الله وعلى آله وأصحابه ومَن تَبِعهم بإحسانٍ وسَلَّم تسليمًا. وبعدُ: فإنَّ الإيمانَ بأسماءِ الله وصفاتِه أحدُ أركانِ الإيمان باللهِ تعالى، وهي الإيمانُ بوجود الله تعالى، والإيمان بربوبيته، والإيمان بألوهيته، والإيمان بأسمائه وصفاته. وتوحيدُ الله به أحدُ أقسامِ التَّوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية. وتوحيد الألوهية. وتوحيد الأسماء والصِّفات».

1 / 5

مقدمة الشَّارح بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمدُ لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا؛ مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، ثم أما بعد .. فقد بدأ المصنف ﵀ هذه المقدمة بالإشارة إلى أهمية هذا الباب؛ فأشار أولًا إلى أن هذا الباب هو جزء وركن من أركان باب (الإيمان بالله ﷾، ومعلوم أن إيمانَ العبد وتوحيدَه لا يتمُّ إلا بأن يكون العبدُ مُوَحِّدًا لله ﷾ في رُبوبيته وأسمائه وصفاته، وموحدًا له في عبادته ﷾؛ فلا بد من تحقيق هذين التوحيدين حتى يكونَ العبدُ مؤمنًا بالله تعالى، موحدًا لله. أقسام التوحيد: تَنَوَّعَت عباراتُ علماء أهل السُّنَّة في التعبير عن أنواع التوحيد، ولكنها مع ذلك التنوع متفقة في المضمون، ولعل السبب في ذلك هو أن تلك التقسيمات مأخوذ من استقراء النصوص، ولم يُنص عليها باللفظ مباشرة، ولذلك فمن العلماء (^١) مَنْ قَسَّم التوحيد إلى ثلاثة أقسام، هي: ١ - توحيد الرُّبوبية: وهو إفراد الله بأفعاله كالخلق والرزق.

(^١) انظر: «طريق الهجرتين» (ص. ٣)، و«شرح الطحاوية» (ص ٧٦)، و«لوامع الأنوار» للسفاريني (١/ ١٢٨)، و«تيسير العزيز الحميد» (ص ١٧ - ١٩).

1 / 7

٢ - توحيد الأسماء والصفات: وقد تقدم ذكر تعريفه. ٣ - توحيد الألوهية: وهو إفراد الله بأفعال العباد التعبدية؛ كالصلاة، والصوم، والدعاء. ومِن المتأخرين مَنْ زاد قسمًا رابعًا على الأقسام الثلاثة السَّابقة، وسمَّاه: ٤ - توحيد الاتباع، أو توحيد الحاكمية (أي: التحاكم إلى الكتاب والسنة)، ولكن يُلاحظ على مَنْ ذكر هذا القسم أنَّ هذا القسم في الحقيقة داخل ضمن توحيد الألوهية؛ لأن العبادة لا تُقبل شرعًا إلا بشرطين هما: ١ - الإخلاص. ٢ - الاتِّباع. كما قال تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾. ومن العلماء من قَسَّم التوحيد إلى قسمين، وهذا هو الأغلب في كلام أهل العلم المتقدمين؛ لأنهم يَجمعون بين توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وذلك بالنظر إلى أنهما يُشكلان بمجموعهما جانب العلم بالله ومعرفته ﷿؛ فجمعوا بينهما لذلك، بينما توحيد الألوهية يُشكل جانب العمل لله. وتَقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام راجع إلى اعتبار مُتَعَلَّق التوحيد، وتقسيمه إلى قسمين راجع إلى اعتبار ما يجب على المُوَحِّد. فمن العلماء من يقول: التوحيد قسمان (^١): القسم الأول: توحيد المعرفة والإثبات: ويُريد به توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وسُمِّي بتوحيد المعرفة؛ لأن معرفة الله ﷿ إنما تكون بمعرفة أسمائه وصفاته وأفعاله.

(^١) مِمَّنْ ذكر ذلك ابنُ القيم في كتابه «مدارج السالكين» (٣/ ٤٤٩).

1 / 8

والإثبات: أي: إثبات ما أثبته اللهُ لنفسه من الأسماء والصفات والأفعال. القسم الثاني: توحيد القَصد والطَّلب: ويُراد به الألوهية، وسُمِّي بتوحيد القصد والطلب؛ لأن العبد يتوجه بقلبه ولسانه وجوارحه بالعبادة لله وحده؛ رغبة ورهبة، ويُقصد بذلك وجه الله وابتغاء مرضاته. ومن العلماء مَنْ يُقَسِّم التوحيد إلى قِسمين هما (^١): القسم الأول: التوحيد العلمي الخبري: والمقصود به: توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات. وسُمِّي بالتوحيد العلمي: لأنَّه يَعتني بجانب معرفة الله، فالعلمي أي: (العلم بالله). والخبري: لأنَّه يَتوقف على الخبر، أي: (الكتاب والسنة). القسم الثاني: التوحيد الإرادي الطلبي: والمقصود به: توحيد الألوهية، وسُمِّي بالتوحيد الإرادي؛ لأن العبد له في العبادات إرادة، فهو إمَّا أن يقوم بتلك العبادة أو لا يقوم بها، وسمي بالطلبي؛ لأن العبد يطلب بتلك العبادات وجه الله ويقصده ﷿ بذلك. ومِن العلماء مَنْ يُقَسِّم التوحيد إلى قسمين؛ فيقول (^٢): القسم الأول: التوحيد القولي: والمراد به: توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وسُمِّي بالقولي؛

(^١) مِمَّنْ ذكر ذلك ابنُ القيم في كتابه «مدارج السالكين» (٣/ ٤٥٠)، وابن تيمية في «الصَّفدية» (٢/ ٢٢٨). (^٢) ممن ذكر ذلك شيخُ الإسلام ابنُ تيمية. انظر: «مجموع الفتاوى» (١/ ٣٦٧).

1 / 9

لأنه في مقابل توحيد الألوهية الذي يُشكل الجانب العلمي من التوحيد، وأما هذا الجانب فهو مختص بالجانب القولي العلمي. القسم الثاني: التوحيد العملي: والمراد به: توحيد الألوهية، وسُمِّي بالعملي؛ لأنه يشمل كلًّا من عمل القلب وعمل اللسان وعمل الجوارح التي تشكل بمجموعها جانب العمل من التوحيد. فالتوحيد له جانبان: جانب تصديقي علمي. وجانب انقيادي عملي. ومِن العلماء مَنْ يُقَسِّم التوحيد إلى قسمين؛ فيقول: القسم الأول: توحيد السِّيادة: ويُعنى بذلك: توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وسُمِّي بذلك؛ لأن تفرد الله بأفعاله وأسمائه وصفاته يُوجب له القيادة المطلقة والتصرف التام في هذا الكون خلقًا ورزقًا وإحياء وإماتة وتصرُّفًا وتدبيرًا ﷾، فمن واجب الموحد أن يُفرد الله بذلك. والقسم الثاني: توحيد العبادة: المراد به: توحيد الألوهية، وتسميته بذلك واضحة لا تحتاج إلى مزيد تفصيل. وهذا ما وقفت عليه من تقسيمات العلماء للتوحيد، وهي واحدة من حيث مضمونها، كما سبق إيضاح ذلك من خلال ربطها بالتقسيم الأول، ولذا فإن الاختلاف بينها مُنحصر في الألفاظ فقط، والله أعلم. وأما عن (العلاقة بين هذه الأقسام للتوحيد)، فأقول: هذه الأقسام تُشكل بمجموعها جانب الإيمان بالله الذي نُسميه التوحيد، فلا يكمل لأحد توحيده إلا باجتماع أنواع التوحيد الثلاثة، فهي متكافلة

1 / 10

متلازمة يكمل بعضها بعضًا، ولا يمكن الاستغناء ببعضها عن الآخر، فلا ينفع توحيد الربوبية بدون توحيد الألوهية، وكذلك لا يصح- ولا يقوم- توحيد الألوهية بدون توحيد الربوبية، وكذلك توحيد الله في ربوبيته وألوهيته لا يستقيم بدون توحيد الله في أسمائه وصفاته، فالخلل والانحراف في أيِّ نوع منها هو خلل في التوحيد كله، (فمعرفة الله لا تكون بدون عبادته، والعبادة لا تكون بدون معرفة الله، فهما متلازمان) (^١). وقد أوضح بعضُ أهل العلم هذه العلاقة بقوله: «هي علاقة تلازم وتضمن وشمول». فتوحيد الربوبية مُستلزم لتوحيد الألوهية. وتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية. وتوحيد الأسماء والصفات شامل للنوعين معًا. بيان ذلك: أنَّ مَنْ أقرَّ بتوحيد الربوبية، وعلم أنَّ الله سبحانه هو الرب وحده لا شريك له في ربوبيته لَزمه (^٢) من ذلك الإقرار أن يُفرد الله بالعبادة وحده ﷾؛ لأنه لا يصلح أن يعبد إلا من كان ربًّا خالقًا مالكًا مدبرًا، وما دام كله لله وحده وجب أن يكون هو المعبود وحده. ولهذا جَرَت سُنَّة القرآن الكريم على سوق آيات الربوبية مَقرونة بآيات الدعوة إلى توحيد الألوهية، ومن أمثلة ذلك: قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.

(^١) «تحذير أهل الإيمان» (١/ ١٤٠)، (ضمن «مجموعة الرسائل المنيرية»). (^٢) اللازم هنا قد يتخلف، كما هو الحال في كفار قريش؛ فهم يُقرون بتوحيد الربوبية، كما دَلَّت على ذلك النصوص، ولكنهم لم يُحققوا اللازم مِنْ إقرارهم بتوحيد الربوبية.

1 / 11

وأمَّا توحيد الألوهية فهو متضمن لتوحيد الربوبية؛ لأنَّ مَنْ عبد الله ولم يُشرك به شيئًا فهذا يدل ضمنًا على أنه قد اعتقد بأن الله هو ربه ومالكه الذي لا ربَّ غيره. وهذا أمر يشاهده المُوحد من نفسه، فكونه قد أفرد الله بالعبادة ولم يَصرف شيئًا منها لغير الله، ما هو إلا لإقراره بتوحيد الربوبية، وأنه لا ربَّ ولا مالك ولا متصرف إلا الله وحده. وأمَّا توحيد الأسماء والصفات فهو شامل للنَّوعين معًا، وذلك لأنه يقوم على إفراد الله تعالى بكلِّ ما له من الأسماء الحسنى والصفات العُلى التي لا تنبغي إلا له ﷾، والتي من جملتها: الرَّب- الخالق- الرازق- الملك، وهذا هو توحيد الربوبية. ومن جملتها: الله- الغفور- الرحيم- التَّواب، وهذا هو توحيد الألوهية (^١). فائدة: القرآن كله دعوة للتوحيد. قال ابنُ القيم ﵀: «كلُّ سُورة في القرآن هي متضمنة للتوحيد، بل نقول قولًا كليًّا: إن كل آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد، شاهدة به، داعية إليه. فإن القرآن: ١ - إمَّا خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، فهو التوحيد العلمي الخبري. ٢ - وإمَّا دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له، وخلع كل ما يعبد من دونه، فهو التوحيد الإرادي الطلبي.

(^١) انظر: «الكواشف الجلية عن معاني الواسطية» للشيخ عبد العزيز السلمان (ص ٤٢١، ٤٢٢).

1 / 12

٣ - وإمَّا أمر ونهي، وإلزام بطاعته في نهيه وأمره، فهي حقوق التوحيد ومكملاته. ٤ - وإمَّا خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته، وما فعل بهم في الدنيا، وما يُكرمهم به في الآخرة، فهو جزاء توحيده. ٥ - وإمَّا خبر عن أهل الشرك، وما فُعل بهم في الدنيا من النِّكال، وما يحل بهم في العقبى من العذاب، فهو خبر عمن خرج عن حكم توحيده. فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه، وفي شأن الشرك وأهله وجَزائهم» (^١).

(^١) «مدارج السَّالكين» (٣/ ٤٤٩، ٤٥٠).

1 / 13

قال المصنف ﵀: «فمنزلتُه في الدين عاليةٌ، وأهميتُه عظيمةٌ، ولا يُمكن أحدًا أن يَعبد الله على الوجه الأكمل حتى يكونَ على علمٍ بأسماء الله تعالى وصفاته؛ ليَعبده على بصيرةٍ، قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٨٠]. وهذا يشملُ دعاء المسألة، ودعاء العبادة. فدعاء المسألة: أن تُقَدِّم بين يدي مَطلوبك من أسماء الله تعالى ما يكون مناسبًا؛ مثل أن تقول: يا غفور؛ اغفر لي. ويا رحيم؛ ارحمني. ويا حفيظ؛ احفظني. ونحو ذلك. ودعاء العبادة: أن تَتعبد للهِ- تعالى- بمُقتضى هذه الأسماء؛ فتقوم بالتَّوبة إليه؛ لأنَّه التواب، وتذكره بلسانك؛ لأنه السَّميع، وتتعبد له بجوارحك؛ لأنَّه البصير، وتخشاه في السر؛ لأنه اللطيف الخبير، وهكذا. ومِن أجل مَنزلته هذه، ومِن أجل كلامِ النَّاس فيه بالحق تارة، وبالباطل النَّاشئ عن الجهل أو التَّعصب تارة أخرى- أحببتُ أن أكتب فيه ما تَيَسَّر من القواعد؛ راجيًا مِنْ الله تعالى أن يَجعل عملي خالصًا لوجهه، موافقًا لمرضاته، نافعًا لعباده. وسمَّيْتُه: «القواعد المُثلى في صفات الله تعالى وأسمائه الحسنى».

1 / 15

الشَّرح أهمية توحيد الأسماء والصفات: تتجلى أهمية توحيد الأسماء الحُسنى والصِّفات العُلى في الأسباب التالية: أولًا: هذا التوحيد شَطر باب الإيمان بالله تعالى: لا يخفى على المسلم أهمية الإيمان بالله، فهو أول أركان الإيمان، بل هو أعظمها، فما بقية الأركان إلا تَبَع له وفرع عنه، وهو أهم ما خُلق لها الخلق، وأُرسلت به الرسل، وأُنزلت به الكتب، وأُسِّست عليه الملة؛ فالإيمان بالله هو أساس كل خير، ومصدر كل هداية، وسبب كل فلاح، ذلك لأنَّ الإنسان لما كان مخلوقًا مَربوبًا عاد في علمه وعمله إلى خالقه وبارئه؛ فبه يهتدي، وله يعمل، وإليه يصير، فلا غِنى له عنه، وانصرافه إلى غيره هو عين هلاكه وفساده، والإنسان له بالله عن كل شيء عِوض، وليس لكل شيء عن الله عوض؛ فليس للعبد صلاح ولا فلاح إلا بمعرفة ربِّه وعبادته، فإذا حصل له ذلك فهو الغاية المرادة له والتي خُلق من أجلها، فما سوى ذلك إما فضل نافع، أو فُضول غير نافعة، أو فضول ضارة، ولهذا صارت دعوة الرسل لأممهم إلى الإيمان بالله وعبادته؛ فكل رسول يبدأ دعوته بذلك كما يُعلم من تَتبع دعوات الرسل في القرآن. وملاك السعادة والنجاة والفوز يكون بتحقيق التوحيدين اللذين عليهما يقوم الإيمان بالله تعالى، وبتحقيقهما بَعث الله ﷾ رسوله ﷺ، وإليه دَعت الرسل- صلوات الله وسلامه عليهم- من أولهم إلى آخرهم. وأحدهما: التوحيد العِلمي الخبري الاعتقادي المتضمن إثبات صفات الكمال لله تعالى، وتنزيهه فيها عن التشبيه والتمثيل، وتنزيهه عن صفات النقص.

1 / 16

قال الإمامُ ابنُ القَيِّم ﵀: «ولا ريبَ أنَّ العِلم به وبأسمائه وصفاته وأفعاله أَجَلُّ العلوم وأَفضلها، ونِسبته إلى سائر العلوم كنسبة معلومه إلى سائر المعلومات، وكما أنَّ العلمَ به أَجَلُّ العلوم وأشرفُها، فهو أصلها كلها، كما أنَّ كل موجود فهو مستند في وجوده إلى الملك الحق المبين ومفتقر اليه في تحقق ذاته وأينيته، وكل علم فهو تابع للعلم به مُفتقر في تحقق ذاته إليه، فالعلم به أصل كل علم، كما أنَّه- سبحانه- ربُّ كل شيء ومليكه ومُوجده …»، إلى أن قال: «فالعِلم بذاته- سبحانه- وصفاته وأفعاله يستلزم العلم بما سواه فهو- في ذاته- ربُّ كل شيء ومليكه، والعلم به أصل كل علم ومَنشؤه؛ فمَن عَرف الله عرف ما سواه، ومَن جهل ربَّه فهو لما سواه أجهل» (^١). والتوحيد الثاني: عبادته وحده لا شريك له، وتجريد محبته والإخلاص له وخوفه ورجاؤه والتوكل عليه، والرضا به ربًّا وإلهًا ووليًّا، وأن لا يَجعل له عدلًا في شيء من الأشياء. وقد جمع ﷾ هذين النوعين في سورتي الإخلاص، وهما سورة: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ المتضمنة للتوحيد العملي الإرادي. وسورة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ المتضمنة للتوحيد العلمي الخبري. فسورة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ فيها بيانُ ما يجب لله تعالى من صفات الكمال، وبيان ما يجب تنزيهه عنه من النقائص والأمثال. وسورة ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ فيها إيجاب عبادته وحده لا شريك له، والتبري من عبادة كل ما سواه. ولا يتمُّ أحدُ التوحيدين إلا بالآخر، ولهذا كان النبي ﷺ يقرأ بهاتين السورتين في سُنَّة الفجر والوتر والمغرب، وقد ورد كذلك في سُنَّة المغرب

(^١) «مفتاح دار السعادة» (١/ ٨٦)، دار الكتب العلمية - بيروت.

1 / 17

القراءة بهاتين السورتين (^١)؛ ليكون فاتحة العمل وخاتمته توحيدًا؛ إذ مبدأ النهار توحيدًا وخاتمته توحيدًا (^٢). فالتوحيد المطلوب من العبد شَطره هو توحيد الأسماء والصفات. ثانيًا: توحيد الأسماء والصِّفات أشرف العلوم وأهمها على الإطلاق: إنَّ شرف العلم تابع لشرف معلومه؛ لوثوق النفس بأدلة وجوده وبراهينه، ولشدة الحاجة إلى معرفته وعِظم النفع بها. ولا ريب أن أَجَلَّ مَعلوم وأعظمه وأكبره هو الله الذي لا إله إلا هو ربُّ العالمين، وقَيُّوم السموات والأرضين، الملك الحق المبين، الموصوف بالكمال كله، المنزه عن كل عيب ونقص وعن كل تشبيه وتمثيل في كماله. فلا ريب أن العلمَ به وبأسمائه وصفاته وأفعاله أَجَلُّ العلوم وأفضلها، ونسبته إلى سائر العلوم كنسبة معلومه إلى سائر المعلومات (^٣). فإن قيل: فالعلم إنما هو وسيلة إلى العمل ومراد له، والعمل هو الغاية، ومعلوم أنَّ الغاية أشرف من الوسيلة؛ فكيف تُفضل الوسائل على غاياتها؟

(^١) قد ثبت في «صحيح مسلم» (٧٢٦) عن أبي هريرة ﵁: «أنَّ رسول الله ﷺ قَرَأَ فِي رَكعَتَي الفَجرِ: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ و﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾». وأخرج الترمذي (٤٦٢) عن ابن عباس ﵄، قال: «كان النبي ﷺ يقرأ في الوتر: بـ ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾، و﴿قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾، و﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ في ركعة ركعة»، وأخرجه الدارمي بنحوه (١٦٣٠)، وصححه الألباني في «صلاة التراويح» (ص ١٠٨). وأخرج النسائي (٩٢٢) عن ابن عمر ﵄ قال: «رَمَقتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ عِشرين مَرَّةً يقرأ في الرَّكعَتَينِ بعد المغرب، وفي الرَّكعَتَين قبل الفجرِ: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾، و﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، وقال النووي في «المجموع» (٣/ ٣٨٥): «إسناده جيد»، وصححه الشيخ أحمد شاكر في «تحقيق المسند» (٨/ ٨٩)، والألباني في «السلسلة الصحيحة» (٣٣٢٨). (^٢) انظر «اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة الجهمية» لابن القيم (ص ٣٥، ٣٦). (^٣) «مفتاح دار السعادة» (١/ ٨٦).

1 / 18

قيل: كل مِنْ العلم والعمل ينقسم إلى قسمين؛ منه ما يكون وسيلة، ومنه ما يكون غاية، فليس العلم كله وسيلة مرادة لغيرها، فإنَّ العلم بالله وأسمائه وصفاته هو أشرف العلوم على الإطلاق، وهو مطلوب لنفسه، مراد لذاته؛ قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾، فقد أخبر- سبحانه- أنه خلق السموات والأرض، ونَزَّل الأمر بينهن؛ ليَعلم عباده أنه بكل شي عليم، وعلى كل شي قدير؛ فهذا العلم هو غاية الخلق المطلوبة، وقال تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾؛ فالعلم بوحدانيته تعالى وأنه لا إله إلا هو مطلوب لذاته وإن كان لا يُكتفى به وحده، بل لابد معه من عبادته وحده لا شريك له؛ فهما أمران مطلوبان لأنفسهما. الأمر الأول: أن يُعرف الربُّ تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه. والأمر الثاني: أن يُعبد بمُوجبها ومُقتضاها. فكما أنَّ عبادته مطلوبة مرادة لذاتها، فكذلك العلم به ومعرفته أيضًا، فإنَّ العلم من أفضل العبادات (^١). ثالثًا: توحيد الأسماء والصفات هو أصل العلوم الدينية: كما أن العلم بأسماء الله وصفاته وأفعاله أجل العلوم وأشرفها وأعظمها فهو أصلها كلها، فكل علم هو تابع للعلم به، مفتقر في تحقق ذاته إليه، فالعلم به أصل كل علم ومَنشؤه؛ فمَن عرف الله عَرف ما سواه، ومَن جهل ربَّه فهو لما سواه أجهل؛ قال تعالى: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾، فتأمل هذه الآية تجد تحتها معنى شريفًا عظيمًا، وهو: أنَّ مَنْ نسي ربَّه أنساه ذاته ونفسه، فلم يَعرف حقيقته ولا مصالحه، بل نَسي ما به

(^١) «مفتاح دار السعادة» (١/ ١٧٨).

1 / 19

صلاحه وفلاحه في معاشه ومعاده؛ لأنَّه خرج عن فطرته التي خلق عليها، فنسي ربَّه فأنساه نفسه وصفاتها وما تكمل به وتزكو به وتسعد به في معاشها ومعادها؛ قال تعالى: ﴿وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾، فغفل عن ذكر ربه؛ فانفرط عليه أمره وقلبه، فلا التفات له إلى مصالحه وكماله وما تزكو به نفسه وقلبه، بل هو مُشتت القلب مُضيعه، مفرط الأمر حيران لا يهتدي سبيلًا. فالعِلم بالله أصل كل علم، وهو أصل علم العبد بسعادته وكماله ومصالح دنياه وآخرته، والجهل به مُستلزم للجهل بنفسه ومصالحها وكمالها وما تزكو به وتفلح به، فالعلم به سعادة العبد والجهل به أصل شقاوته (^١). رابعًا: معرفة أسماء الله وصفاته أصل عظيم في منهج السلف: معرفة أسماء الله وصفاته هي الأساس الذي يَنبني عليه عمل العبد، ومن خلالها تتحدد العلاقة التي تربط العبد بربه، وعلى ضوئها يَعبد المسلم ربَّه، ويتقرب إليه. قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية ﵀: «وأصلُ الإيمان: قولُ القلب الذي هو التَّصديق. وعمل القلب الذي هو المحبة على سبيل الخضوع؛ إذ لا مُلائمة لأرواح العباد أتم من ملاءمة إلهها؛ الذي هو الله الذي لا إله إلا هو». ولذلك كان منهج السلف يقوم على أمرين؛ هما: ١ - العلم بالله. ٢ - والعمل لله. فجمعوا بذلك بين التصديق العِلمي والعَمل الحُبِّي، وبذلك تميز منهج أهل السنة والجماعة (السلف) عن المناهج الأخرى. وحققوا كِلا الأمرين؛ من القول التصديقي المعتمد على معرفة أسماء الله

(^١) «مفتاح دار السعادة» (١/ ٨٦).

1 / 20

وصفاته وأفعاله الواردة في الكتاب والسنة. والعمل الإرادي، وذلك باتباع الأوامر واجتناب النواهي وفق ما شرعه الله في كتابه وعلى لسان رسوله ﷺ. ولذلك كان كلامهم وعملهم باطنًا وظاهرًا بعلم، وكان كل واحد من قولهم وعملهم مقرونًا بالآخر، وهؤلاء هم المسلمون حقًّا؛ الذين سَلِموا من آفات منحرفة المتكلمة والمتصوفة. فوقعت كل طائفة من هاتين الطائفتين المنحرفتين في مفسدتين: إحداهما: القول بلا علم إن كان متكلمًا، والعمل بلا علم إن كان متصوفًا. والمفسدة الثانية: فوت المتكلم العمل، وفوت المتصوف القول والكلام (^١). وهو ما وقع من البدع الكلامية والعملية المخالفة للكتاب والسنة. فالكلاميون: غالب نظرهم وقولهم في الثبوت والانتفاء، والوجود والعدم، والقضايا التصديقية؛ فغايتهم مجرد التصديق والعلم والخبر؛ فاعتنوا بجانب علمي لم يَنْبَنِ على الكتاب والسنة؛ لذلك عَطَّلوا أسماء الله ﷿، وعَطَّلوا صفاتِه ﷾. وعندما عَرَّفوا التوحيد؛ قالوا: «واحد في ذاته، وواحد في صفاته، وواحد في أفعاله». وأهملوا جانب توحيد العبادة: «واحد في ذاته» قالوا: «لا شريكَ له». و«واحد في صفاته»: «لا نظير له». و«واحد في أفعاله»: «لا نِدَّ له». فهذا تقسيمهم للتوحيد (^٢)، ويُلاحظ أنه قد خلا في هذه الثلاثة من الجانب العملي، فلا يوجد عمل، ثم إذا تحدثوا عن ذات الله تعالى تحدثوا بالتعطيل؛ فقالوا بما قالوا: «ليس في جهة، ولا في عُلو، ولا في مكان، ولا

(^١) «مجموع الفتاوى» (٢/ ٤١) بتصرف. (^٢) انظر: «المِلل والنِّحَل» للشهرستاني (١/ ٤٢)، مؤسسة الحلبي.

1 / 21

في حيز» ولا إلى غير ذلك؛ فجعلوه والعدم سواء، وإذا تحدثوا عن صفات الله تعالى تحدثوا عن سبع صفات فقط، وإذا تحدثوا عن أفعال الله تعالى هذا هو الذي سَلِم لهم: «توحيد الربوبية»؛ فلم يَسلم لهم إلا توحيد الربوبية، ونحن نعلم أن كفار قريش كانوا مُقِرِّين بتوحيد الربوبية: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزمر: ٣٨]؛ فهذا حاصل توحيد هؤلاء. وأمَّا الصُّوفيون: فغالب طلبهم وعملهم في المحبة والبغضة، والإرادة والكراهة، والحركات العملية؛ فاعتنوا بجانب العمل، وأهملوا جانب العلم، وكذلك عملهم لم ينبنِ على السنة، وإنَّما انبنى على البدعة؛ إذ غايتهم المحبة والانقياد والعمل والإرادة. وهكذا إذا جئنا إلى أهل التصوف لم نجد عندهم من حقيقة التوحيد شيء. أمَّا توحيدُ أهل السُّنَّة فيقوم على هذين الأصلين العظيمين: أن تَعرف اللهَ، وذاك بمعرفة أسمائه وصفاته التي وردت في الكتاب والسُّنَّة. وأن تعبد الله، وهذا باتِّباع شرع الله ﷿ على لسان رسوله ﷺ. فالسلف وأتباعهم جعلوا من توحيد الأسماء والصفات إحدى الرَّكيزتين التي قام عليها منهجهم المعتمد على نصوص الكتاب والسنة، وذلك لما لهذا التوحيد من أهمية ومنزلة، وهذا ما تشهد له كثرة النصوص الشرعية الواردة في هذا الشأن. فلذلك لا بد لصاحب السُّنَّة أن يدرس هذا الباب، وأن يَبني هذه الدراسة على الكتاب والسنة؛ ليعرف الله ﷾، فلن تكون من أصحاب السنة ولن تكون من أتباع السلف حتى تُعنى بهذا الباب، وطبعًا العلم بهذا الباب- كما ذكر العلماء مطلوب لذاته، ليس وسيلة للعمل كما يزعم البعض؛ فكلٌّ من العِلم بالله والعمل لله مطلوب لذاته؛ فقد يكون منه ما هو وسيلة، ومنه ما هو غاية؛ فيجب أن نعلم أنه لا بد من معرفة هذا الباب وتعلمه؛ باعتبار أنه أمر

1 / 22

مطلوب لذاته، وإن كان لا يُكتفى به وحده، بل لا بد وأن يجتمع معه عبادة الله ﷾، وإلا فإن العبد لا يكون مؤمنًا، وبهذا نعلم أن من أهمية هذا الباب أنه أصلٌ عظيمٌ في منهج أهل السنة والجماعة؛ فبالتالي لا بد من الاعتناء به، ولا بد من الاهتمام به، ولا بد من تعلُّمِه، وكما أشار المصنف: لا بد منه لأهميته وعِظمه ومنزلته، وكذلك لوقوع الاختلاف والافتراق في هذا الباب بين الفِرَق والطوائف لا بد من مزيد جهد وعناية بفهمه وتوضيحه ودراسته وتعلمه وتطبيقه. والله تعالى ليس له مَثيل حتى يُقاس عليه، وعقول البشر لا يمكن أن تستقلَّ بمعرفة الله تعالى استقلالًا؛ لأنها قاصرة عاجزة، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ ﴿الإسراء: ٨٥]؛ فالله تعالى تَعَرَّف إليك! فضلًا منه ومِنَّة عليك عَرَّفك بأسمائه وصفاته، عَرَّفك بأنه العليم، وأنه السميع، وأنه البصير، وأنه القدير، وأنه الغفور، وأنه الرحيم، وأنه الجبَّار، وأنه المتكبر .. إلى غير ذلك مِنْ أسماء الله ﷿ وصفاتِه الواردة في الكتاب والسُّنَّة؛ فمِنَّةٌ عُظمى فتحها الله عليك! بالله عليك كيف تُغلقها على نفسِك؟! بل إن الله رَغَّبك في هذه المعرفة فقال: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٨٠]، وقال: ﴿لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الحشر: ٢٤]، وقال: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [طه: ٨] .. إلى غير ذلك من المواطن التي ذُكرت فيها أسماء الله ﷾؛ إمَّا جملة وإما تفصيلًا. فافتح بابَ معرفة الله تعالى! لا تُغلقه على نفسك! لا تحرم هذا القلب من أن يَعرف ربَّه، ويَعرف معبودَه! خامسًا: العلم بأسماء الله وصفاته يَفتح للعبد باب معرفة الله: إنَّ محبة الشيء فرع عن الشعور به، وأعرف الخلق بالله أشدهم حُبًّا له، فكل من عرف الله أحبه، والعلم يَفتح هذا الباب العظيم الذي هو سِرُّ الخَلق

1 / 23

والأمر (^١)؛ فمن أعظم أصول الدين: المحبة، بل هي قاعدة العبادة، فكيف يكون حبٌّ في قلب العبد المؤمن وهو لم يعرف الله ﷿؛ فالله تعالى فتح لنا باب معرفته من هذا الطريق، فإن شأت فادخل وتعَرَّف على أسماء الله وصفاته وأفعاله، وإلا فإنك محروم مِنْ ضِمن مَنْ حُرم مِنْ هذا الخير العظيم؛ فطمأنينة القلب وحياته هي في هذا الأمر العظيم: في معرفة الله ﷾، ولا سبيل للحصول على هذه المعرفة إلا من باب العلم بأسماء الله وصفاته، فلا تَستقر للعبد قَدَم في معرفة الله إلا بالتعرف على أسمائه وصفاته الواردة في القرآن والسنة؛ فالعلم بأسماء الله وصفاته يَفتح للعبد هذا البابَ العظيمَ، فالله ﷿ لم يجعل السبيل إلى معرفته من طريق الاطلاع على ذاته، فهذا الباب موصود إلى قيام الساعة، كما أخبرنا بذلك نبينا محمد ﷺ حيث قال: «تَعَلَّمُوا أنَّه لن يَرى أحدٌ مِنكم ربَّه ﷿ حتى يَموت» (^٢). وكذلك فإنَّ من المحال أن تَستقل العقول البشرية بمعرفة ذلك وإدراكه على وجه التفصيل، فهي عاجزة عن ذلك لكونه من المُغيبات التي لا سبيل إلى معرفتها إلا من طريق الوحي، والله ﷿ يقول: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾، فهذه الآية تُبين محدودية علم الإنسان. وقد اقتضت رحمة العزيز الحكيم أن بَعث الرسل به مُعَرِّفين وإليه داعين، وجعل معرفته سبحانه بأسمائه وصفاته، أفعاله هي مفتاح دعوتهم وزبدة رسالتهم، فأساس دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم والأصل الأول فيها: معرفة الله سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله. ثم يتبع هذا الأصل أصلان عظيمان هما: ١ - تعريف الناس الطريق الموصلة إلى الله، وهي: «شريعته المتضمنة لأمره ونهيه».

(^١) «مفتاح دار السعادة» (١/ ٨٧). (^٢) أخرجه مسلم (٢٩٣١) من حديث عبد الله بن عمر ﵄.

1 / 24

٢ - تعريفهم مآلهم في الآخرة. وهذان الأصلان تابعان للأصل الأول مَبنيان عليه، فأعرف الناس بالله أتبعهم للطريق الموصلة إليه، وأعرفهم بحال الناس عند القدوم عليه. سادسًا: أساس العلم الصحيح هو الإيمان بالله وبأسمائه وصفاته: على أساس العلم الصحيح بالله وبأسمائه وصفاته يقوم الإيمان الصحيح والتوحيد الخالص، وتنبني مطالب الرسالة جميعها؛ فهذا التوحيد هو أساس الهداية والإيمان، وهو أصل الدين الذي يقوم عليه، ولذلك فإنه لا يتصور إيمان صحيح ممن لا يعرف ربه، فهذه المعرفة لازمة لانعقاد أصل الإيمان، وهي مهمة جدًّا للمؤمن لشدة حاجته إليها؛ لسلامة قلبه، وصلاح معتقده، واستقامة عمله، فهذه المعرفة لأسماء الله وصفاته وأفعاله تُوجب للعبد التمييز بين الإيمان والكفر، والتوحيد والشرك، والإقرار والتعطيل، وتنزيه الرب عما لا يَليق به، ووصفه بما هو أهله من الجلال والإكرام. وذلك يتم بتدبر كلام الله تعالى، وما تعَرَّف به سبحانه إلى عباده على ألسنة رسله من أسمائه وصفاته وأفعاله، وما نَزَّه نفسه عنه مما لا ينبغي له ولا يليق به سبحانه. والجدير ذِكره أن معرفة الله نوعان: النوع الأول: المعرفة الإجمالية: وهي التي تَلزم العبد المؤمن؛ لينعقد بها أصلُ الإيمان، وهي تتحقق بالقدر الذي يميز العبد به بين ربه وبين سائر الآلهة الباطلة، ويتحقق بها الإيمان المجمل، وتجعله في سلامة من الكفر والشرك المُخرجين من الإيمان، وتُخرجه من حدِّ الجهل بربه وما يجب له. وهذه المعرفة يتحصل عليها من قراءة سورة الإخلاص وآية الكرسي وغيرها من الآيات، ومعرفة معانيها.

1 / 25

ولكن هذه المعرفة لا تُوجب قوة الإيمان والرسوخ فيه. النوع الثاني: المعرفة التفصيلية: وهذه تكون بمعرفة الأدلة التفصيلية الواردة في هذا الباب، وتعلمها واعتقاد اتصاف الله بها، ومعرفة معانيها، والعمل بمقتضياتها وأحكامها. وهذه المعرفة هي التي يحصل بها زيادة الإيمان ورسوخه، فكلما ازداد العبد علمًا بالله زاد إيمانه وخشيته ومحبته لربِّه وتَعلقه به؛ قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾، كما تجلب للعبد النور والبصيرة التي تُحَصِّنه من الشبهات المضللة والشهوات المحرمة. «والعلم بالله يُراد به في الأصل نوعان: أحدهما: العلم به نفسه، أي: بما هو متصف به مِنْ نُعوت الجلال والإكرام، وما دَلَّت عليه أسماؤه الحسنى. وهذا العلم إذا رَسخ في القلب أوجب خشية الله لا محالة، فإنه لابد أن يعلم أن الله يُثيب على طاعته، ويعاقب على معصيته. والنوع الثاني: يُراد بالعلم بالله: العلم بالأحكام الشرعية من الأوامر والنواهي والحلال والحرام. ولهذا قال بعض السلف: العلماء ثلاثة: ١ - عالم بالله ليس عالمًا بأمر الله. ٢ - عالم بأمر الله ليس عالمًا بالله. ٣ - عالم بالله وبأمر الله. فالعالم بالله: الذي يخشى الله. والعالم بأمر الله: الذي يعرف الحلال والحرام» (^١).

(^١) «مجموع الفتاوى» (٣/ ٣٣٣) بتصرف بسير.

1 / 26