شرح حديث «ما ذئبان جائعان»

Ibn Rajab al-Hanbali d. 795 AH
17

شرح حديث «ما ذئبان جائعان»

شرح حديث «ما ذئبان جائعان»

Investigador

أبي مصعب طلعت بن فؤاد الحلواني

Editorial

الفاروق الحديثة للطباعة والنشر

Número de edición

الثانية

Año de publicación

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

Géneros

بذلك، فإِن المحبَّ ربما يتلذذُ بما يُصيبهُ من الأذى في رضى مَحبوبهِ، كما كانَ عبدُ الملكِ بنُ عمرَ بنِ عبدِ العزيز ﵄ يقولُ لأبيهِ في خلافتهِ إذا حرصَ عَلَى تنفيذِ الحقّ وإقامةِ العدلِ: يا أَبَتِ، لوَدِدْتُ أَني غَلتْ بي وبكَ القُدورُ في الله ﷿. وقال بعضُ الصّالحينَ: ودَدتُ أنَّ جسمي قُرِضَ بالمقاريضِ وأَنَّ هذا الخلقَ كُلّهم أطاعُوا اللَّه ﷿. فعُرضَ قولُه عَلَى بعض العارفينَ، فَقَالَ: إِن كانَ أرادَ بذلك النصيحةَ للخلق وإِلَّا فلا أدري. ثم غُشِيَ عليهِ. ومعنى هذا: أنَّ صاحبَ هذا القولِ قد يكونُ لحظ نُصحِ الخلقِ والشفقةِ عليهمِ من عذابِ اللَّه (وأحبَّ) (*) أن يفدِيَهم من عذابِ اللَّه بأَذى نفسهِ، وقد يكونُ لحظ جَلالِ اللَّه وعظمتِهِ وما يستحقُّهُ من الإجلالِ والإكرامِ والطَّاعةِ والمحبةِ، فَوَدَّ أَنَّ الخلقَ قاموا بذلك، وإن حَصَلَ له في نفسهِ غايةُ الضررِ، وهذا هو مَشهدُ خواصِّ المُحبين العارفينَ بِمُلاحظتهِ فغُشِيَ عَلَى هذا الرجلِ العارفِ. وقد وصف اللَّه -تعالى- في كتابه أن المحبين له يجاهدون في سبيله ولا يخافون لومة لائم. وفى ذلك يقولُ بعضُهم: أَجِدُ الْمَلَامَةَ فِي هَوَاكَ لَذِيذَةً ... حُبًّا لِذِكرِكَ فَلْيَلُمْنِي اللُّوَّمُ القسم الثاني: طلبُ الشَّرفِ والعُلوِّ عَلَى الناس بالأُمور الدينيةِ، كالعلمِ والعملِ والزُّهدِ. فهذا أفحشُ من الأولِ وأقبحُ وأشدُّ فسادًا وخطرًا، فإنَّ العلمَ والعملَ والزهدَ إنَّمَا يُطلبُ بها ما عند الله من الدرجات العُلَى والنعيمِ المقيمِ ويطلب بها ما عند الله والقربِ منهُ والزُّلفى لَديهِ (**).

(*) فأحب: "نسخة". (*) لقربه: "نسخة".

1 / 78