131

Explanation of the Book of Faith by Abu Ubaid - Al-Rajhi

شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد - الراجحي

Géneros

رد قول من تأول الأحاديث بحملها على كفر الردة
قال المؤلف ﵀: [وأما الثالث الذي بلغ كفر الردة نفسها فهو شر من الذي قبله؛ لأنه مذهب الخوارج الذين مرقوا من الدين بالتأويل، فكفروا الناس بصغار الذنوب وكبارها، وقد علمت ما وصفهم رسول الله ﷺ من المروق، وما أذن فيهم من سفك دمائهم].
هذا التأويل الثالث -وهو القول بأنها كفر الردة- يوافق مذهب الخوارج الذين يكفرون الناس بالمعاصي فيقولون: الزاني كافر، والسارق كافر، وعاق والديه كافر، وقاطع الرحم كافر، والمرابي كافر، وشاهد الزور كافر، والمرتشي كافر، وهذا من أبطل الباطل، فالمعاصي ليست كفرًا، بل تضعف الإيمان وتنقصه، إنما الكفر إذا ارتكب ناقضًا من نواقض الإسلام أو شركًا في العبادة، أما المعاصي فإنها ليست كفرًا، فالذي يتأولها على أنها كفر وردة فقد وافق الخوارج، والخوارج مذهبهم باطل، وقد مرقوا من الدين كما في الحديث: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)، وفي اللفظ الآخر: (يخرجون من الإسلام ثم لا يعودون إليه)، وفي لفظ: (من وجدهم أو من عاينهم فليقتلهم؛ فإن في قتلهم أجرًا عند الله لمن قتلهم)، وفي لفظ: (لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد).
فكيف يتأول هذا على قول يوافق مذهب الخوارج، وقد وصفهم الرسول بالمروق من الدين وأذن في سفك دمائهم؟! قال المؤلف ﵀: [ثم قد وجدنا الله ﵎ يكذب مقالتهم، وذلك أنه حكم السارق بقطع اليد وفي الزاني والقاذف بالجلد، ولو كان الذنب يكفر صاحبه ما كان الحكم على هؤلاء إلا القتل؛ لأن رسول الله ﷺ قال: (من بدل دينه فاقتلوه) أفلا ترى أنهم لو كانوا كفارًا لما كانت عقوباتهم القطع والجلد؟! وكذلك قول الله فيمن قتل مظلومًا: ﴿فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا﴾ [الإسراء:٣٣] فلو كان القتل كفرًا ما كان للولي عفو ولا أخذ دية ولزمه القتل].
ومما يبطل تأويل النصوص بأنها كفر أكبر أن هناك نصوصًا دلت على أن العصاة ليسوا كفارًا، وذلك أن الله ﷾ أوجب الحدود على العصاة، فالله ﵎ حكم على السارق بقطع اليد فقال: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة:٣٨]، ولو كان كافرًا لوجب قتله ولم يقطع يده، لقول النبي ﷺ: (من بدل دينه فاقتلوه)، وحكم على الزاني بالجلد فقال تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور:٢]، إذا كان بكرًا، والقاذف يجلد ثمانين جلدة، وشارب الخمر يجلد، ولو كانوا كفارًا لوجب قتلهم، ولهذا قال المؤلف: [ولو كان الذنب يكفر صاحبه ما كان الحكم على هؤلاء إلا القتل]؛ لأن المرتد عقوبته القتل؛ لأن الرسول ﷺ قال: (من بدل دينه فاقتلوه».
وقوله: [أفلا ترى أنهم لو كانوا كفارًا لما كانت عقوباتهم القطع والجلد] يعني إنما تكون عقوبتهم القتل.
ومن الأدلة -أيضًا- قول الله تعالى فيمن قتل مظلومًا: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا﴾ [الإسراء:٣٣]، يعني: إذا قتل شخص شخصًا عدوانًا وظلمًا فإنه يخير أولياء القتيل بين أن يقتلوه قصاصًا وبين أن يأخذوا الدية وبين أن يعفوا مجانًا، ولو كان كافرًا لما كان هناك عفو، ولوجب قتله، ولهذا قال المؤلف: [فلو كان القتل كفرًا ما كان للولي عفو ولا أخذ دية ولزمه القتل]، فدل على بطلان هذا المذهب، وهو تأويل النصوص على أنها كفر أكبر، كما في قوله: (اثنتان في الناس هما بهم كفر) فإذا طعن في النسب أو ناح على الميت فهذا باطل وكبيرة وكفر أصغر، لكنه لا يخرج من الملة بل يضعف الإيمان.

10 / 11