شرح صحيح مسلم - حسن أبو الأشبال
شرح صحيح مسلم - حسن أبو الأشبال
Géneros
شرح حديث أبي ذر: (إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدًا مجدع الأطراف)
قال: [وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعبد الله بن براد الأشعري وأبو كريب جميعًا قالوا: حدثنا ابن إدريس -وهو عبد الله بن إدريس الأودي أبو محمد الكوفي - عن شعبة عن أبي عمران -وهو عبد الملك بن حبيب الجوني - عن عبد الله بن الصامت الغفاري البصري يروي عن عمه أبي ذر الغفاري ﵁ قال: (إن خليلي -أي: حبيبي محمد ﷺ أوصاني أن أسمع وأطيع)] أي: أسمع للأمير، وأُطيع الأمير، وليس أن تسمع بأحد أذنيك وتُخرجها من الأخرى.
المقصود بالسمع هنا: سمع الإجابة وسمع الطاعة، أن نسمع ونطيع ما دام الأمر في طاعة الرسول ﷺ وفي طاعة الله ﷿.
قال: [(إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع، وإن كان عبدًا مجدّع الأطراف)].
(مجدّع) بمعنى: مقطوع.
فلان مجدوع الأنف.
أي: مقطوع الأنف.
فالنبي ﵊ أوصى بالسمع والطاعة للأمير وإن كان عبدًا مجدّع الأطراف.
يعني: مقطوعة يداه ورجلاه وأنفه.
فمع كل هذا فالمطلوب مني سماع الأمر له.
فالمقصود من الأمير: أنه يملك القوة ويملك البطش والبأس وغير ذلك، لكن هذا مجدّع الأطراف، ومع هذا فإنه لو أمرني بأمر وجب عليّ الطاعة، فإذا لم أسمع فالذي سيتولى العقاب هو الله ﷿، فإذا كنت أنا أعلم أن معصيتي لهذا الأمير تعرضني لسخط الله ﷿ فلابد أن أسمع له وأطيع مع أنه عبد، مع أنه لا يحل مطلقًا اختيار العبد ابتداء للولاية والإمارة، وولاية العبد اختيارًا وابتداء بالإمارة والولاية باطلة؛ وذلك لأن الحرية شرط في الأمير والوالي، لكن إذا عيّن الخليفة عبدًا واليًا أو سلطانًا على بلد أو على سرية، فله ذلك مع مخالفته للأولى، ولا يكون العبد واليًا عامًا، -أي: خليفة في الخلافة العامة- إلا إذا وصل العبد إلى الإمارة بانقلاب عسكري، واستخدم حيلة حتى تمكّن من الولاية، وهذا ممكن والتاريخ يشهد بذلك، فكم من العبيد والبربر وغيرهم كانوا ملوكًا وولاة وأمراء، ومع هذا وجب السمع لهم والطاعة؛ لأنهم بعد تملكهم وإمارتهم يملكون القوة التي يهلكون بها الحرث والنسل، فطاعتهم واجبة حينئذ لحقن دماء المسلمين، مع أن أصل توليتهم باطل.
قال: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر وحدثنا إسحاق أخبرنا النضر بن شميل جميعًا عن شعبة - النضر وغندر يرويان عن شعبة - عن أبي عمران بهذا الإسناد، وقالا في الحديث: (عبدًا حبشيًا مجدع الأطراف)].
فإن كان عبدًا حبشيًا مجدّع الأطراف وصار أميرًا فحينئذ يجب السمع له والطاعة، والسمع والطاعة في كل هذه الأحوال مرهون بطاعة الله، أما إذا كانت في معصية الله حتى وإن كان أميرًا سيد الأحرار، أو كان أبا بكر الصديق فإنه لا سمع ولا طاعة حينئذ؛ لأن السمع والطاعة مرهونان بطاعة الله تعالى وطاعة رسوله ﵊.
20 / 11