شرح صحيح مسلم - حسن أبو الأشبال
شرح صحيح مسلم - حسن أبو الأشبال
Géneros
شرح أحاديث ذكر الغلول وتعظيم أمره
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وحدثني زهير بن حرب] أبو خيثمة النسائي، نزيل بغداد، روى عنه الإمام مسلم أكثر من ألف حديث، فهو من أكابر شيوخ الإمام مسلم [قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم] وهو المعروف بـ ابن علية إسماعيل بن علية بن مقسم الأسدي الضبي أبو بشر البصري [عن أبي حيان] وهو يحيى بن سعيد بن حيان، وهو تيمي كوفي [عن أبي زرعة] وهو ابن عمرو بن جرير البجلي الكوفي، وأبو زرعة مختلف في اسمه جدًا على عدة أقوال: فهو مشهور ومعروف بكنيته، ولذلك استغنى الرواة عن ذكر أسماء مختلفة بذكر المتفق عليه وهو الكنية أبو زرعة، اشتهر بالرواية عن أبي هريرة ﵁، كما أن أبا هريرة اختلف في اسمه واسم أبيه على نحو ثلاثين اسمًا، لكنه مشهور بكنية واحدة: أبو هريرة.
[قال أبو هريرة: (قام فينا رسول الله ﷺ ذات يوم فذكر الغلول، فعظّمه وعظّم أمره)].
والغلول: نوع من أنواع السرقة، لكنه ليس بالسرقة التي يقام عليها حد القطع؛ لأن الذي يغل هو الذي يأخذ من مال الغنيمة قبل توزيعها على الجند المقاتلين، وله فيها حظ ونصيب؛ ولذلك لم يأمر الشرع بقطع يد الغال لهذه الشبهة.
شبهة أن له في هذا المال نصيبًا كالذي يسرق مالًا مشتركًا بينه وبين شريك له مع أنه سارق، لكن لا تقطع يده، لقيام الشبهة.
والحدود تدرأ بالشبهات، فهذا الذي سرق مالًا له فيه شريك لا يقام عليه الحد؛ لأن له في هذا المال حظًا وملكًا، وهذا الحظ والملك يسمى في الشرع شبهة، تُدرأ بها الحدود فلا تقطع يده.
فالغلول: هو الأخذ من الغنيمة قبل أن يقسمها الإمام.
ولا شك أن ثبوت الحظ فيها لهذا الغال؛ لكونه من المقاتلين يدرأ عنه الحد، لكن له عقوبة أخرى كما أن النصّاب له عقوبة أخرى.
المحتال لأخذ المال له عقوبة، والسارق من الحرز له عقوبة، وإن كان يصدق على كل هؤلاء اسم السرقة، لكن لكل واحد منهم تصنيف: هذا سرقة، وهذا غلول، وهذا نصب واحتيال إلى غير ذلك من التصانيف الشرعية للفعل الواحد.
ولذلك أُسندت إقامة الحدود إلى السلطان لا إلى الأفراد؛ لأن الأفراد ليس عندهم التأهيل العلمي لجعل كل سرقة في مكانها، وإنما يعدون كل أخذ أموال الغير بغير حق سرقة ونصبًا واحتيالًا، وربما لا يفرّقون بين العقوبات، فيقطعون يد كل من أخذ مال الغير حتى وإن كان عن طريق النصب، والنصب له عقوبة أخرى ليست هي القطع، والاحتيال كذلك، والغلول كذلك، وإن كان الكل يشترك في معنى واحد وهو أخذ أموال الغير بلا حق ولا بيّنة.
قال: [(قام فينا رسول الله ﷺ فذكر الغلول فعظّمه وعظّم أمره).
أي: ذكر أنه أمر عظيم شنيع جدًا.
ليس معنى (فعظّمه): أنه أمرٌ عظيم شريف.
وإنما معناه: فعظّم أمره جدًا، وهوّله جدًا، وخوفنا منه جدًا.
قال: [(ثم قال: لا ألفين)] أي: لا أجد.
وفي رواية: [(لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء)] يعني: حذار أن أجد أحدًا منكم يأتي يوم القيامة وعلى رقبته بعير قد حمله.
قال: (له رغاء) والرغاء: اسم لصوت البعير [(يقول: يا رسول الله! أغثني -أي: اشفع لي الآن- فأقول: لا أملك لك شيئًا.
قد أبلغتك)] أي: أنا من قبل في الحياة الدنيا قد حذّرتك.
قال: [(لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة -الحمحمة: هي صوت الفرس- فيقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا.
قد أبلغتك.
لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء -وهو اسم لصوت الشاة- يقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا.
قد أبلغتك.
لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح)] النفس لفظ عام، فربما سرق من الأسرى واحدًا، أو من الإماء واحدة، وربما يكون المعنى أعم من ذلك.
قال: [(فيقول: يا رسول الله أغثني.
فأقول لا أملك لك شيئًا.
قد أبلغتك.
لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق، ولو شيئًا من جلد يسير، فيقول: يا رسول الله أغثني.
فأقول: لا أملك لك شيئًا.
قد أبلغتك.
لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت -والصامت هو الذهب والفضة.
أي: يسرق شيئًا من أموال الغنائم ذهبًا أو فضة- فيقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا قد أبلغتك).
وحدثني أبو بكر بن أبي شيبة -وهو عبد الله بن محمد بن إبراهيم الكوفي المعروف بـ أبي بكر - قال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان] وهو الكناني المعروف بـ أبي علي الأشل وهو مروزي الأصل، نزل الكوفة وله تصانيف مف
19 / 3