شرح العقيدة الطحاوية - صالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل
شرح العقيدة الطحاوية - صالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل
Géneros
وَالْمِعْرَاجُ حَقٌّ، وَقَدْ أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ ﷺ، وَعُرِجَ بِشَخْصِهِ فِي الْيَقَظَةِ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ إِلَى حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْعُلَا، وَأَكْرَمَهُ اللَّهُ بِمَا شَاءَ، وَأَوْحَى إِلَيْهِ مَا أَوْحَى ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ [النجم:١١] . فَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى.
وَالْحَوْضُ الَّذِي أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ -غِيَاثًا لِأُمَّتِهِ- حَقٌّ.
هذه الجملة من كلامه اشتملت على تقرير الإسراء والمعراج، وأنّ النبي ﷺ أُسْرِيَ به من مكة إلى بيت المقدس، وأنه عُرج به ﷺ إلى السماء في اليقظة إلى حيث شاء الله ﷿ من العلو.
وهذه المسألة من المسائل الغيبية؛ يعني أنَّ حقيقة الإسراء وحقيقة المعراج من الغيب الذي لم يُعلم إلا من جهته ﷺ.
يعني أنَّ الله ﷿ أسْرَى بِنَبِيِّهِ، ثم عَرَج به إلى السماء، فالعقل لا يدلّ على ذلك ولا يستلزمه، وإنما ذلك سُلِّمَ به وكان حقًّا من جهة أن الله ﷿ أخبر به في كتابه وأخبر به نبينا ﷺ، فالإيمان به واجب، وهو حق لا مِرْية فيه.
وثَمَّ كما سمعت ارتباط ما بين الإسراء والمعراج.
والإسراء والمعراج معنيان مختلفان.
- فالإسراء: هو المشي في الليل، سَرَى أي مشى في الليل، وأسرى أي مشى ليلًا.
- والمعراج: فهو مِفْعَال من العروج، وهو اسمٌ للآلة التي عليها عُرِجَ به ﷺ.
والإسراء: هو الانتقال ليلا من مكة إلى بيت المقدس، وكان على دابة بين البغل وبين الحمار تسمى البُرَاق، والعروج إلى السماء فكان على آلة، على سُلَّمٍ خاص وهو المعراج.
فإذن الإسراء اسم للفعل، والمعراج اسم للآلة التي عليها سار ﷺ إلى السماء.
إذا كان كذلك، فالإسراء وهو المشي ما بين مكة إلى بيت المقدس ليلًا في ساعات معدودة ثم الرجوع، هذا أمر غيبي عجيب، لهذا الإيمان به واجب بتفاصيله التي وردت، فيكون له أصل الكلام على الغيبيات.
فما جاء فيه يُصدَّق دون تعرض للعقل فيه؛ يعني أنَّ العقل لا مَسْرَح له في الأمور الغيبية فكل ما جاء فيه حق دون تفكير فيه من جهة العقل؛ هل هذا يمكن عقلا أو لا يمكن.
كذلك المعراج وهو أبلغ في كونه غيبيًا، فإن آلة العروج وذهاب النبي ﷺ إلى السماوات السبع يُستَفْتَحُ له من سماء على سماء إلى أن بلغ سدرة المنتهى إلى أن كلَّم الرحمن ﷻ، هذا أمر غيبي،،ففي أصله وفي تفاصيله مندرِج عليه قاعدة الغيبيات عند أهل السنة والجماعة.
إذًا فهذا الذي ذكره الطحاوي أصل في الإيمان بالإسراء والمعراج، وأنَّ الإسراء والمعراج أمران غيبيان، وإذا كان غيبيين فلا يُتعرَّضُ لهما ولا لما جرى فيهما بتأويل أو تحريف يخالف ظاهر ما دلت عليه النصوص.
فالنص من الكتاب والسنة دلّ على أنَّ النبي ﷺ أُسْرِيَ به ليلًا في وقتٍ قصيرٍ ما بين مكة إلى بيت المقدس.
وأخبر ﷺ أنَّ جبريل جاءه وهو مضطجع في الحطيم، فأخذه فشَقَّ صدره ما بين ثغرة نحره إلى شِعرته إلى أسفل بطنه، وكان أثر المَخيط يظهر في صدره ﷺ، فلمَّا شقّه أخرج قلبه وجِيء بطست فيه الإيمان والحكمة، طست من ذهب، قال ﷺ «فغُسِلَ قلبي به وحُشي إيمانا وحكمة» (١)، وكان هذا لأجل أن يستعد ﷺ لهذا الأمر الغريب؛ وهو أنه يقطع هذه المسافة الطويلة في الأرض في وقت وجيز ثم يُصْعَد به إلى السماء فيحتاج إلى قلب خاص.
ومعلوم أنَّ الإنسان إذا خاف أو استغرب فَأَوَلُ ما يتأثّر قلبُه.
فإذا كان قلبه لا يتأثّر من الاختلاف، فإنه يتحمل بدنه ذلك بما أعدَّ الله ﷿ له في ذلك.
قال «ثم أخذني جبريل فإذا دابة بين البغل والحمار، فقال: أركب فركبت، ثم سرنا إلى أن وصلنا بيت المقدس» إلى آخر الحديث.
فهذه الصفات وما جاء فيه مما حصل له في بيت المقدس من لقاء الأنبياء ومن صلاته فيه -يعني صلاته في بيت المقدس- ومن كونه صار إماما، واجتماع الأنبياء له، وكونه ﷺ أمَّهُم كل هذا وما ثبت في الأحاديث الصحيحة من الأمور الغيبية التي تجري عليها قاعدة أهل السنة والجماعة في الأمور الغيبية بأنه:
١ - يُسَلَّمُ بها.
٢ - يُؤمَنُ بها.
٣ - ألا يُتعَرَض لها بتأويل يصرفها عن ظاهرها، أو بتحريف يصرفها عن حقائقها.
فنؤمن بها على ما جاء، من جنس جميع الأمور الغيبية التي أخبرنا بها ﷿، أو أخبرنا بها نبينا ﷺ.
[قال (وَالْمِعْرَاجُ حَقٌّ، وَقَدْ أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ ﷺ، وَعُرِجَ بِشَخْصِهِ فِي الْيَقَظَةِ) .]
(فِي الْيَقَظَةِ) يعني ليس في المنام.
(وَعُرِجَ بِشَخْصِهِ) يعني بجسده يعني بروحه، فنفهم من قوله (وَعُرِجَ بِشَخْصِهِ) أنه عروج بالرّوح والجسد معًا.
وقوله (فِي الْيَقَظَةِ) أنها ليست في المنام.
وقوله (وَقَدْ أُسْرِيَ وَعُرِجَ) نفهم منه أنهما متلازمان كما قررتُ لك سالفا.
[قال (إِلَى السَّمَاءِ)]
والمقصود بـ (السَّمَاءِ) جنس السماء وهي السموات.
[قال (ثُمَّ إِلَى حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْعُلَا)]
يعني مما فوق السماء السابعة.
[قال (وَأَكْرَمَهُ اللَّهُ بِمَا شَاءَ)]
يعني من تكليمه ومن أنه رأى ﷺ أشياء لم يرها غيرُه ﷺ وما حباه الله ﷿ به.
[قال (وَأَوْحَى إِلَيْهِ مَا أَوْحَى)]
في شأن الصلاة وفي غيره.
[﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ [النجم:١١])]
﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ هذه قد تُفهَم على أنَّهُ رَأَى رَبَّهُ بفؤاده، يعني من حيث صياغة المؤلف.
وقد يُفْهَمْ أنه أراد الاستشهاد بالآية ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ يعني ما رآه في أثناء الوحي من الأنوار والآيات العظام.
(١) مسلم (٤٣٤) / الترمذي (٣٣٤٦)
1 / 176