شرح العقيدة الطحاوية - عبد العزيز الراجحي
شرح العقيدة الطحاوية - عبد العزيز الراجحي
Géneros
حَيٌّ لَا يَمُوتُ، قَيُّومٌ لَا يَنَامُ
_________
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد:
قوله ﵀: "حي لا يموت قيوم لا ينام" في إثبات هذين الاسمين للرب ﷾ هو اسم الحي واسم القيوم، وهما متضمنان لصفةِ الحياة، وصفة القيومية، فالحي اسم من أسماء الله ﷿ والقيوم اسم آخَر.
والحي متضمن لصفة الحياة، والقيوم متضمن لصفة القيومية؛ لأن أسماء الله ﷾ مشتقة، ليست جامدة، وكل اسم من أسماء الله يدل على الصفة؛ الرحمن تدل على صفة الرحمة، القادر يدل على صفة القدرة، العليم يدل على صفة العلم، وهكذا الحي يدل على صفة الحياة، والقيوم يدل على صفة القيومية؛ لأن أسماء الله تعالى مشتقة ليست جامدة مشتملة على المعاني. والحي والقيوم اسمان عظيمان من أسماء الرب ﷾ قد جمع الله ﷾ بينهما في ثلاث آيات من كتابه ﷿ الآية الأولى قول الله تعالى: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾ أي آية الكرسي. والثانية قوله تعالى في أول سورة آل عمران: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ والثالثة في سوة طه قوله سبحانه: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (١١١)﴾ . فالله تعالى جمع بينهما في هذه الآيات الثلاث، واسم الحي جاء في آيات أخرى قال تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ ﴿هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ . وهذان الاسمان عظيمان من أعظم أسماء الله الحسنى، حتى قال بعض أهل العلم: إنهما اسم الله الأعظم؛ الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سئل به أعطى، وجاء هذا في حديث أسماء بنت يزيد أن النبي ﷺ قال: (في هاتين الآيتين اسم الله الأعظم ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (١٦٣)﴾ ﴿الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢)﴾) والحديث فيه ضعف ولكنه شاهد.
لهذا قال بعض أهل العلم: إنهما اسم الله الأعظم، وما ذاك إلا لأن مدار الأسماء الحسنى كلها تعود إلى هذين الاسمين، وإليها ترجع معانيها. والمؤلِّف ﵀ قال: حي لا يموت قيوم لا ينام" فصفة الحياة ترجع إليها جميع صفات الأفعال ولا يتخلف عنها إلا لضعف الحياة، والله تعالى له الحياة الكاملة، فجميع صفات الكمال ترجع إليها.
والقيوم الذي لا ينام قيوم يدل على كمال غناه ﷾ وكمال دوامه وبقائه، وهو أكمل مِن القديم لأنه يدلُّ على كمال دين الرب، وكمال قوته واقتداره، ودوام ذلك واستمراره أزلا وأبدا.
ويدل على أنه واجب بنفسه، وهو واجب الوجود؛ ولهذا قال الله ﷾: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ جمع بينهما ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾، فنفي السنة والنوم يدل على كمال الحياة والقيومية؛ ولهذا كانت هذه الآية وهي آية الكرسي أعظم آية في القرآن الكريم كما ثبت ذلك في الصحيح، وأن مَن قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح. ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾ ... إلى آخِر الآية.
وما ذاك إلا لأن هذين الاسمين الحي والقيوم يتضمنان صفات الكمال أكمل تضمُّن وأصدقه. فإلى الحياة ترجع جميع صفات الأفعال، والقيوم هو كامل الغِنى والقدرة الذي لا يحتاج إلى أحد، الغني الذي لا يحتاج إلى أحد بوجه من الوجوه، القائم بنفسه المقيم لغيره ﷾.
فتضمن هذان الاسمان جميع الأسماء الحسنى أكمل تضمن وأفضله وكان النبي ﷺ كثيرا ما يدعو، كثيرا ما يتوسل إلى الله بهذين الاسمين، يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم؛ فهما اسمان عظيمان ثابتان لله ﷿ متضمنان لصفة الحياة، الحي متضمن لصفة الحياة، والقيوم متضمن لصفة القيومية، ويعبّد: عبد الحي وعبد القيوم. نعم.
1 / 28