شرح العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية في ضوء الكتاب والسنة
شرح العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية في ضوء الكتاب والسنة
Editorial
مطبعة سفير
Ubicación del editor
الرياض
Géneros
شرح العقيدة الواسطية
لشيخ الإسلام ابن تيمية
في ضوء الكتاب والسُّنَّة
تأليف الفقير إلى الله تعالى
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
Página desconocida
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:
فإن العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عقيدة أهل السنة والجماعة.
ومن أسباب كتابته لها رحمه الله تعالى وتسميتها بالواسطية: أن القاضي الواسطي عندما قدم لموسم الحج من بلدته واسط طلب من شيخ الإسلام أن يكتب له عقيدته السلفية؛ فكتبها ﵀ في جلسة واحدة بعد صلاة العصر، وهذا دليل واضح على سعة علمه ﵀ وما أعطاه الله من القدرة والموهبة العلمية الباهرة، ولا يستغرب ذلك؛ فإن فضل الله يؤتيه من يشاء ويحرمه من يشاء فنسأل الله العلي العظيم من فضله، وكرمه.
وعندما عرفت ما للعقيدة الواسطية من الأهمية البالغة أحببت أن أقوم بشرح مختصر لهذه العقيدة وأسأل الله أن يجعله خالصًا لوجهه
1 / 3
الكريم.
لا شك أن العلماء قد قاموا بجهد كبير نحو هذه العقيدة بالحفظ، والتدريس، والتعليق، والشرح، ومما عرفته من الشروح لهذه العقيدة: الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية للشيخ زيد بن فياض، والكواشف الجلية عن معاني العقيدة الواسطية للشيخ عبد العزيز بن محمد السلمان، والأسئلة والأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية للشيخ عبد العزيز بن محمد أيضًا. وشرح العقيدة الواسطية لمحمد خليل الهراس، والتعليقات المفيدة على العقيدة الواسطية للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الشريف. وهذه الشروح جيدة قد بسطت معاني هذه العقيدة، وهذا الشرح المختصر الذي قمت به قد عملت فيه كالآتي:
خرَّجت الأحاديث وعزوتها إلى مصادرها الأصلية، وربما اكتفيت بالإشارة إلى مصدر الحديث بدون نصِّه. وعزوت الآيات إلى سورها مرقَّمة. ووضعت لكل موضوع عنوانًا مناسبًا على النحو الآتي: تعريف الفرقة الناجية، أركان الإيمان عند الفرقة الناجية، مذهب أهل السنة والجماعة في صفات الله تعالى، طريقة أهل السنة في النفي والإثبات، ومذهبهم في أسماء الله وصفاته وآيات الصفات وأحاديثها، وجعلت لكل صفة عنوانًا، وربما جعلت عنوانًا يضم صفات وليس ذلك للحصر بل لذكر الصفات التي ذكرها المؤلف ﵀، وذكر المؤلف آيات كثيرة وأحاديث كذلك فاكتفيت بالدليل لكل صفة بآية أو حديث وحذفت الباقي للرغبة في الاختصار، ثم ذكرت توسط أهل السنة في باب صفات
1 / 4
الله تعالى بين الفرق الأخرى، وتوسطهم في باب أفعال العباد، وتوسطهم في باب وعيد الله، وتوسطهم في باب أسماء الإيمان والدين، وتوسطهم في صحابة رسول الله ﷺ، ثم الإيمان باليوم الآخر وما يتعلق به، ثم القدر ومراتبه الأربع، ثم مذهب أهل السنة في الإيمان والدين، وفي صحابة رسول الله ﷺ، وكرامات الأولياء، ثم آخر ذلك مكارم أخلاق أهل السنة والجماعة.
وأسأل الله التوفيق لما يحبه ويرضاه وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه.
المؤلف
حرر في عام ١٤٠٧هـ
1 / 5
المبحث الأول: تعريف الفرقة الناجية: «أهل السنة والجماعة»
الفِرقة بكسر الفاء: الطائفة من الناس. ووصفت بأنها الناجية المنصورة إشارة إلى قوله ﷺ: «لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك» (١).
وأهل السنة والجماعة بدل من الفرقة، والمراد بالسنة: الطريقة التي كان عليها رسول الله ﷺ وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة.
والجماعة: في الأصل القوم المجتمعون، والمراد بهم في هذه العقيدة: سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وإن كان واحدًا قد ثبت على الحق الذي كانت عليه الجماعة المذكورة (٢). قال عبد الله بن مسعود ﵁: «الجماعة من وافق الحق وإن كنت وحدك» (٣).
وعن عوف بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة وسبعون في النار. وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة. فإحدى وسبعون فرقة في النار وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده لتفترقنَّ أمتي على ثلاث وسبعين فرقة واحدة في الجنة، واثنتان وسبعون في النار» (٤).
_________
(١) أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب رقم ٢٨، برقم ٣٦٤١، ومسلم في كتاب الإمارة، باب قوله ﷺ: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم»، برقم ١٩٢٠، ١٩٢١، ١٠٣٧.
(٢) انظر: الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية، لزيد بن فياض، ص ١٤، وشرح العقيدة الواسطية لمحمد خليل الهراس، ص١٦.
(٣) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان لابن القيم، ١/ ٧٠.
(٤) أخرجه ابن ماجه في كتاب الفتن، باب افتراق الأمم، برقم ٣٩٩٢، وللحديث شواهد أخرى عن أبي هريرة، وأخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب شرح السنة، برقم ٤٥٩٦، والترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، برقم ٢٦٤٠، والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم ٢٠٣، ١٤٩٢.
1 / 6
المبحث الثاني: أركان الإيمان عند الفرقة الناجية
أولًا: الإيمان بالله تعالى: وهو الاعتقاد الجازم بأن الله رب كل شيء ومليكه، وأنه الخالق، الرازق، المحيي، المميت، وأنه المستحق للعبادة دون ما سواه، وأن يُفرد بالعبادة والذل، والخضوع وجميع أنواع العبادات، وأن الله هو المتصف بصفات الكمال والعظمة، والجلال، المنزَّه عن كل عيب ونقص (١).
ثانيًا: الإيمان بالملائكة: وهو الاعتقاد الجازم بأن لله ملائكة موجودون مخلوقون من نور، وهم كما وصفهم الله عباد مكرمون لا يعصون الله
ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ويسبحون الله الليل والنهار لا يفترون، وأنهم قائمون بوظائفهم التي أمرهم الله بها كما تواترت بذلك النصوص من الكتاب والسنة، فكل حركة في السموات والأرض فهي ناشئة عن الملائكة الموكلين بالسموات والأرض امتثالًا لأمر الله ﷿. فيجب الإيمان بمن سَمَّى الله منهم على وجه التفصيل، ومن لم يسمِّ منهم فيجب الإيمان به على وجه الإجمال (٢).
ثالثًا: الإيمان بالكتب: وهو التصديق الجازم بأن لله كتبًا أنزلها على أنبيائه ورسله، وهي من كلامه حقيقة، وأنها نور وهدى، وأن ما تضمنته حق، ولا يعلم عددها إلا الله، ويجب الإيمان بها جملة إلا ما سمَّى الله منها
_________
(١) الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية، ص١٥،والأجوبة الأصولية، ص١٦،والطحاوية، ص٣٣٥. والإيمان بالله تعالى يشمل أربعة أمور: ١ - الإيمان بوجوده سبحانه. ٢ - الإيمان بربوبيته. ٣ - الإيمان بألوهيته. ٤ - الإيمان بأسمائه وصفاته.
(٢) الروضة الندية، ص١٦، والعقيدة الطحاوية، ص٣٥٠.
1 / 7
فيجب الإيمان به على وجه التفصيل وهي: التوراة، والإنجيل، والزبور، والقرآن، ويجب مع الإيمان بالقرآن وأنه من عند الله الإيمان بأن الله تكلم به كما تكلم بالكتب المنزَّلة، كما يجب مع هذا كله اتباع ما فيه من أوامر، واجتناب ما فيه من زواجر، وأنه مُهَيْمِن على الكتب السابقة، وأنه مخصوص من الله بالحفظ من التبديل والتغيير، فهو كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود (١).
رابعًا: الإيمان بالرسل: وهو التصديق الجازم بأن الله أرسل رسلًا لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، واقتضت حكمته تعالى أن يرسلهم إلى خلقه مبشرين ومنذرين، فيجب الإيمان بهم جميعًا على وجه الإجمال، ويجب الإيمان بمن سمَّى الله منهم على وجه التفصيل وهم: خمسة وعشرون ذكرهم الله في القرآن الكريم، ويجب الإيمان بأن لله رسلًا غيرهم وأنبياء لا يُحصي عددهم إلا الله، ولا يعلم أسماءهم إلا هو جل وعلا كما يجب الإيمان بأن محمدًا ﷺ أفضلهم وخاتمهم، وأن رسالته عامة للثقلين ولا نبي بعده ﷺ (٢).
خامسًا: الإيمان بالبعث بعد الموت: وهو الاعتقاد الجازم بأن هناك دارًا آخرة يجازي الله فيها المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، ويغفر الله ما دون الشرك لمن يشاء.
والبعث شرعًا: هو إعادة الأبدان وإدخال الأرواح فيها، فيخرجون
_________
(١) الأجوبة الأصولية، ص١٦، و١٧.
(٢) انظر: الكواشف الجلية عن معاني الواسطية، ص٦٦.
1 / 8
من الأجداث كأنهم جراد منتشر أحياء مهطعين إلى الداعي، فنسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة (١).
سادسًا: الإيمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى: وهو التصديق الجازم بأن كل خير وشر هو بقضاء الله وقدره، وأن الله تعالى علم مقادير الأشياء وأزمانها أزلًا قبل إيجادها ثم أوجدها بقدرته، ومشيئته على وِفْقِ ما علمه منها، وأنه كتبها في اللوح المحفوظ قبل إحداثها (٢).
والأدلة على هذه الأركان الستة من الكتاب والسنة كثيرة منها: قوله تعالى: ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾ ... الآية (٣)، وقوله تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ (٤)، وقوله ﷺ في حديث جبريل. «... أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره» (٥).
_________
(١) انظر: المرجع السابق.
(٢) شرح العقيدة الواسطية لمحمد خليل الهراس، ص١٩.
(٣) سورة البقرة، الآية: ١٧٧.
(٤) سورة القمر، الآية: ٤٩.
(٥) أخرجه البخاري بلفظ قريب في كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي ﷺ عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة، برقم ٥٠، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله ﷾، برقم ٨ - ١٠، واللفظ له.
1 / 9
المبحث الثالث: مذهب أهل السنة والجماعة في صفات الله تعالى إجمالًا
أهل السنة والجماعة يثبتون صفات الله تعالى: بلا تعطيل، ولا تمثيل، ولا تحريف، ولا تكييف، ويمرُّونها كما جاءت مع الإيمان بمعانيها وما تدل عليه.
أولًا: التحريف: هو لغة التغيير والتبديل. واصطلاحًا. تغيير ألفاظ الأسماء الحسنى والصفات العلا أو معانيها. وهو ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: تحريف اللفظ بزيادة، أو نقص، أو تغيير شكل وذلك كقول الجهمية ومن تبعهم في استوى: استولى. بزيادة اللام. وكقول اليهود: حنطة لَمّا قيل لهم: قولوا حطة، وكقول بعض المبتدعة بنصب لفظ الجلالة في قوله تعالى: ﴿وَكَلَّمَ الله مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ (١).
والقسم الثاني: تحريف المعنى وهو إبقاء اللفظ على حاله وتغيير معناه وذلك كتفسير بعض المبتدعة: الغضب بإرادة الانتقام، والرحمة بإرادة الإنعام، واليد بالنعمة.
ثانيًا: التعطيل: هو لغة: الترك. والمراد به نفي الصفات الإلهية عن الله تعالى وإنكار قيامها بذاته تعالى أو إنكار بعضها. فيكون الفرق بين التحريف والتعطيل هو أن التعطيل نفي للمعنى الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة، والتحريف: هو تفسير النصوص بالمعاني الباطلة.
أنواع التعطيل
التعطيل أنواع:
_________
(١) سورة النساء، الآية: ١٦٤.
1 / 10
١ - تعطيل الله عن كماله المقدس، وذلك بتعطيل أسمائه وصفاته أو تعطيل شيء من ذلك كما فعلت الجهمية والمعتزلة.
٢ - تعطيل الله بترك معاملته، وذلك بترك عبادته أو بعضها، أو عبادة غيره معه.
٣ - تعطيل المخلوق عن خالقه، وذلك مثل قول القائلين: إن الطبيعة هي التي أوجدت الأشياء، وإنها تتصرف بطبيعتها. وكل محرف معطل، وليس كل معطل محرفًا. فمن أثبت المعنى الباطل، ونفى المعنى الحق، فهو محرِّف ومعطِّل. أما من نفى الصفات فهو معطل وليس بمحرف.
ثالثًا: التكييف: هو السؤال بكيف. والمراد به تعيين وتحديد كنه الصفة بحيث يجعل لها كيفية معلومة، وليس المراد بنفي الكيفية تفويض المعنى المراد من الصفات؛ بل المعنى معلوم من لغة العرب، وهذا مذهب السلف كما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى حينما سئل عن كيفية الاستواء فقال رحمه الله تعالى: «الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة» (١). فكل صفة من صفات الله تعالى تدل على معنى حقيقي ثابت نؤمن به ونثبته لله، ولكننا لا نعرف كيفيتها، وهيئتها وصورتها. فالواجب إثبات الصفات حقيقة ومعنى، وتفويض الكيفية بخلاف الواقفة الذين يفوضون معانيها.
رابعًا: التمثيل: هو بمعنى التشبيه بحيث يُجعل لله شبيهٌ في صفاته الذاتية أو الفعلية، وهو قسمان:
_________
(١) فتاوى ابن تيمية، ٥/ ١٤٤.
1 / 11
أ - تشبيه المخلوق بالخالق، كما شبهت النصارى المسيح بن مريم بالله تعالى، وكما شبهت اليهود عزيرًا بالله. تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
ب - تشبيه الخالق بالمخلوق، كما فعلت المشبهة الذين يقولون: له وجه كوجه المخلوق، ويد كيد المخلوق، وسمع كسمع المخلوق، ونحو ذلك من التشبيه الباطل تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا (١) (٢).
_________
(١) الكواشف الجلية عن معاني الواسطية، ص٨٦.
(٢) قال الشيخ عبد العزيز بن باز ﵀: «وهناك تشبيه ثالث وهو تشبيه الخالق بالمعدومات، والمستحيلات، والناقصات، أو الجمادات، وهذا الذي وقع فيه الجهمية والمعتزلة».
1 / 12
المبحث الرابع: الإلحاد في أسماء الله وصفاته:
الإلحاد في أسماء الله تعالى: هو العدول بها وبحقائقها، ومعانيها عن الحق الثابت لها. والإلحاد إما أن يكون بجحدها أو إنكارها بالكلية، وإما بجحد معانيها وتعطيلها، وإما بتحريفها عن الصواب وإخراجها عن الحق بالتأويل الفاسد، وإما بجعلها أسماء لبعض المبتدعات كإلحاد أهل الاتحاد، فيدخل في الإلحاد: التحريف، والتعطيل، والتكييف، والتمثيل، والتشبيه (١).
_________
(١) انظر: الأجوبة الأصولية، ص٣٢، وشرح العقيدة الواسطية للهراس، ص٢٤.
1 / 13
المبحث الخامس: طريقة أهل السنة والجماعة في النفي والإثبات
أهل السنة والجماعة يثبتون ما أثبته الله لنفسه مفصلًا على حد قوله تعالى: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾، فكل ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله ﷺ من جميع الأسماء والصفات أثبتوه لله على الوجه اللائق به تعالى. وأهل السنة والجماعة ينفون ما نفاه الله عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله ﷺ نفيًا إجماليًا غالبًا على حد قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ (١).
والنفي يقتضي إثبات ما يضاده من الكمال فكل ما نفى الله عن نفسه من النقائص ومشاركة أحد من خلقه في شيء من خصائصه فإنها تدل على ضدها من أنواع الكمال. وجمع الله النفي والإثبات في آية واحدة - أعني النفي الإجمالي والإثبات المفصل - وهي قوله ﷾: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾، فهذه الآية تضمنت تنزيه الله عن مشابهة خلقه لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله. وفي أول هذه الآية رد على المشبهة وهو قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾، وفي آخرها رد على المعطلة وهو قوله تعالى: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾، وفي أول هذه الآية نفي مجمل، وفي آخرها إثبات مفصّل، وفيها رد على الأشاعرة الذين يقولون ببعض الصفات وينفون البعض الآخر، وفيها رد على المعتزلة الذين يقولون سميع بلا سمع، وبصير بلا بصر (٢). وقد ساق المؤلف رحمه الله تعالى (٣) الآية السابقة، وسورة الإخلاص، وآية الكرسي لتضمن
_________
(١) سورة الشورى، الآية: ١١.
(٢) الأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية، ص٢٦.
(٣) شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية.
1 / 14
هذه السورة - وما ذكر معها من الآيات - النفي والإثبات (١)، فسورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن كما بين ذلك رسول الله ﷺ (٢)، وذكر العلماء من تفسير ذلك أن القرآن أنزل على ثلاثة أنواع: توحيد، وقصص، وأحكام. وهذه السورة تدل على التوحيد بأنواعه الثلاثة: توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات؛ لذا قيل إنها تعدل ثلث القرآن (٣).
وآية الكرسي آية عظيمة، وهي أعظم آية في كتاب الله تعالى (٤)، وما ذلك إلا لما اشتملت عليه من الأسماء الحسنى والصفات العلا، فقد اجتمع فيها ما لم يجتمع في غيرها، فآية احتوت على هذه المعاني العظيمة يحق أن تكون أعظم آية في كتاب الله تعالى (٥).
_________
(١) الروضة الندية، ص١٢٠، وشرح العقيدة الواسطية للهراس، ص٣١.
(٢) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب فضل ﴿قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ﴾، برقم ٥٠١٥، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة: ﴿قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ﴾، برقم ٨١١.
(٣) شرح العقيدة الواسطية للهراس، ص٢١.
(٤) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي، برقم ٨١٠، وأبو داود في كتاب الوتر، باب ما جاء في آية الكرسي، برقم ١٤٦٠، وأحمد في المسند،
٥/ ١٤٢.
(٥) الأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية، ص٤٠.
1 / 15
المبحث السادس: مذهب أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته تفصيلًا
أهل السنة مذهبهم مذهب سلف هذه الأمة رحمهم الله تعالى، وهو أنهم يؤمنون بكل ما أخبر الله به عن نفسه في كتابه، وبكل ما أخبر به عنه رسوله ﷺ إيمانًا سالمًا من التحريف والتعطيل، ومن التكييف والتمثيل، ويجعلون الكلام في صفات الله وذاته بابًا واحدًا فالقول في الصفات كالقول في الذات، فإن كان إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات تكييف، فكذلك إثبات الصفات. فيجب عندهم الإيمان بأسماء الله وصفاته التي ثبتت بالكتاب والسنة الصحيحة أو بأحدهما ويجب أن تُمرّ كما جاءت بلا تكييف مع الإيمان بما دلّت عليه من المعاني العظيمة التي هي أوصاف لله ﷿ يجب وصفه بها على الوجه اللائق به بلا تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل (١).
وأهل السنة والجماعة لا يقيسون الله بخلقه، فلا يجوز عندهم استعمال الأقيسة التي تقتضي المماثلة، والمساواة بين المقيس والمقيس عليه في الشؤون الإلهية، فلا يستخدمون قياس التمثيل، ولا قياس الشمول في حق الله تعالى. إنما يستخدمون في حقه سبحانه قياس الأَوْلى. ومضمون هذا القياس أن كل كمال ثبت للمخلوق لا نقص فيه بوجه من الوجوه فالخالق به أولى، وكل نقص تنزّه عنه المخلوق فالخالق أحقّ بالتنزيه عنه.
_________
(١) انظر العقيدة الصحيحة وما يضادها، للشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز ﵀، ص٧، ط الإفتاء، وشرح العقيدة الواسطية للهراس، ص٢٥ ..
1 / 16
المبحث السابع: آيات الصفات وأحاديثها
بعد أن ذكر المؤلف رحمه الله تعالى (١) عقيدة الفرقة الناجية إجمالًا: من الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره من الله تعالى، شرع في ذلك على وجه التفصيل، فذكر ﵀ أن من الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله ﷺ من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
ثم ذكر ﵀ جملة من الآيات، وجملة من الأحاديث الصحيحة التي أثبت فيها رسول الله ﷺ صفات الله ﷿ على الوجه اللائق به تعالى. وأراد المؤلف بهذا الإثبات أنه لا طريق لمعرفة الإنسان المسلم صفات ربه العلا، وأسمائه الحسنى إلا عن طريق الوحي. وأسماء الله وصفاته توقيفية فما أثبته الله لنفسه أو أثبته رسوله ﷺ أثبتناه، وما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله ﷺ نفيناه. وحسبنا ما جاء في هذا القرآن وصحيح السنة.
ومما ذكر ﵀ ما يلي:
١ - صفة العزة: قال الله تعالى: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (٢)، فسبح الله نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل، وسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب.
_________
(١) شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية.
(٢) سورة الصافات، الآيات: ١٨٠ - ١٨١.
1 / 17
٢ - صفة الإحاطة: قال تعالى: ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (١)، وقد فسر ذلك رسول الله ﷺ بقوله: «اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء» (٢)، وهذا يدل على الإحاطة الزمانية ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ﴾ ويدل على الإحاطة المكانية قوله تعالى: ﴿وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ﴾.
٣ - صفة العلم، ٤ - صفة الحكمة، ٥ - صفة الخبرة: قال الله تعالى:
﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ (٣)، وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ (٤)، وعلم الله تعالى من الصفات الذاتية التي لا تنفك عن الله، فهو قد أحاط بكل شيء علمًا جملة وتفصيلًا. والله تعالى له الحكم في الدنيا والآخرة، وهو سبحانه إذا أحكم شيئًا لا يتطرّق إليه الفساد فقد أحكم هذا الخلق وأوجده وهو سبحانه الحكيم العليم (٥).
٦ - صفة الرزق، ٧ - والقوة، ٨ - والمتانة: قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الله هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ (٦)، والرزاق هو كثير الرزق واسعه كما تدل
_________
(١) سورة الحديد، الآية: ٣.
(٢) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع، برقم ٢٧١٣، وانظر: شرح العقيدة الواسطية للهراس، ص٤٢.
(٣) سورة يوسف، الآية: ١٠٠.
(٤) سورة الأنعام، الآية: ١٨.
(٥) انظر الأجوبة الأصولية، ص٤٢.
(٦) سورة الذاريات، الآية: ٥٨.
1 / 18
عليه صيغة المبالغة، وكل ما في الكون من رزق فهو من الله تعالى. والرزق رزقان:
رزق يستمر نفعه في الدنيا والآخرة، وهو رزق القلوب، الذي هو العلم والإيمان والرزق الحلال.
والرزق الثاني وهو الرزق العام لسائر الخلق برَّهم وفاجرهم والبهائم وغيرها. والله تعالى موصوف بالقوة، والقوي شديد القوة، فَعُلِمَ أن القوي من أسمائه ومعناه الموصوف بالقوة. والمتين البالغ في القوة والقدرة نهايتهما (١).
٩ - صفة السمع، ١٠ - صفة البصر: قال الله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ (٢)، من صفات الله الذاتية: السمع والبصر. فله تعالى سمع وبصر يليق بجلاله لا كسمع خلقه ولا بصرهم، بل قد أحاط سمعه بجميع المسموعات، وهو يشاهد، ويرى كل شيء وإن خفي ظاهرًا وباطنًا (٣) وقد قال الشاعر:
يا من يرى مدَّ البعوض جناحها ... في ظلمة الليل البهيم الأليل
ويرى مناط عروقها في نحرها ... والمخَّ في تلك العظام النحَّل
امننْ عليَّ بتوبةٍ تمحو بها ... ما كان مني في الزمان الأوّل
_________
(١) الروضة الندية، ص٧٤.
(٢) سورة الشورى، الآية: ١١.
(٣) انظر: الروضة الندية، ص٧٤، وص١١٢.
1 / 19
١١ - صفة الإرادة، ١٢ - والمشيئة: قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ الله مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ (١)، وقوله تعالى: ﴿فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ (٢)، والإرادة نوعان:
١ - إرادة كونية ترادفها المشيئة وهما تتعلقان بكل ما يشاء الله فعله وإحداثه، فهو سبحانه إذا أراد شيئًا وشاءه كان عقب إرادته له كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ (٣)، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
٢ - إرادة شرعية تتعلق بما أمر الله به عباده مما يحبه ويرضاه، وهي المذكورة في مثل قوله تعالى: ﴿يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ (٤).
الفرق بين الإرادتين:
الإرادة الكونية القدرية عامة تشمل جميع الحوادث وكل ما يقع في هذا الكون من خير وشر، وكفر، وإيمان، وطاعة ومعصية. أما الإرادة الدينية الشرعية فتختص بما يحبه الله ويرضاه مما جاء في الكتاب والسنة. فتجتمعان في حق المطيع وتنفرد الكونية القدرية في حق العاصي
_________
(١) سورة البقرة، الآية: ٢٥٣.
(٢) سورة الأنعام، الآية: ١٢٥.
(٣) سورة يس، الآية: ٨٢.
(٤) سورة البقرة، الآية: ١٨٥.
1 / 20
والكافر. ومعنى ذلك أن طاعة المطيع أرادها الله دينًا، وشرعًا، وكونًا، وقدرًا. أما كفر الكافر فأراده الله كونًا وقدرًا، ولم يرده دينًا وشرعًا (١).
١٣ - صفة المحبة، ١٤ - والمودة: قال الله تعالى: ﴿وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (٢)، ومحبة الله تليق بجلاله كما تقدم، وهي من الصفات الفعلية وسببها امتثال ما أمر الله به من الإحسان في عبادة الله والإحسان إلى عباد الله. وكذلك صفة المودة لقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ﴾ (٣)، والود صفاء المحبة وخالصها.
١٥ - صفة الرحمة، ١٦ - والمغفرة: قال الله تعالى: ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا﴾ (٤)،وقال سبحانه: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (٥) في الآية الأولى أثبت الله لنفسه صفة الرحمة، وفي الآية الثانية أثبت سبحانه لنفسه صفة المغفرة، ونحن نثبت ما أثبت الله لنفسه على الوجه اللائق به ﷾.
١٧ - صفة الرضى، ١٨ - والغضب، ١٩ - والسخط، ٢٠ - واللعن، ٢١ - والكراهية، ٢٢ - والأسف، ٢٣ - والمقت: قال الله تعالى: ﴿رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ (٦)، وقال سبحانه: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا
_________
(١) العقيدة الطحاوية، ص١١٦، وشرح الواسطية للهراس، ص٥٢، والأجوبة الأصولية، ص٤٨.
(٢) سورة البقرة، الآية: ١٩٥.
(٣) سورة البروج، الآية: ١٤.
(٤) سورة غافر، الآية: ٧.
(٥) سورة يونس، الآية: ١٠٧.
(٦) سورة البينة، الآية: ٨.
1 / 21