203

شرح العقيدة الطحاوية - خالد المصلح

شرح العقيدة الطحاوية - خالد المصلح

Géneros

الجنة والنار لا تفنيان ولا تبيدان
يقول ﵀: (لا تفنيان ولا تبيدان)، هذا أيضًا من عقد أهل السنة والجماعة، أن الجنة والنار لا تفنيان، بل هما باقيتان بقاءً أبديًا، ولا تبيدان أي: ولا تزولان، ولا تهلكان، ولا يجري عليهما زوال أو فناء، بل هما باقيتان بقاءً أبديًا سرمديًا، ولا خلاف في أن الجنة باقية، فإن هذا عقد أهل السنة والجماعة، ولا خلاف بينهم في ذلك، فإن الله جل وعلا ذكر تأبيد النعيم في آيات كثيرة، وأما النار فقد ذهب جماعة من السلف من الصحابة ومن بعدهم إلى أن النار تفنى، ولكن الذي عليه جمهور السلف والأئمة على تعاقب العصور أن النار باقية لا تفنى، وما ورد مما ظاهره عدم تأبيد النار تقضي عليه النصوص التي ذكر فيها التأبيد، فإن الذين قالوا: إنها لا تبقى، بل تبيد وتفنى، استدلوا بأدلة من ذلك قوله تعالى: ﴿لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا﴾ [النبأ:٢٣]، أي: مددًا طويلة، واستدلوا بمثل قوله تعالى لأهل النار: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [هود:١٠٧]، في حين أنه قال في أهل الجنة: ﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هود:١٠٨]، أي: غير مقطوع، فهذا دل على استمرار وبقاء، لكن هذا وأمثاله لا يجب الاستدلال به، بل هو مفسر بالآيات التي فيها الإخبار بتأبيد النار، وأنها باقية بقاءً لا زوال له، وقد ذكر الله جل وعلا تأبيد تعذيب النار في ثلاثة مواضع من كتابه، في سورة النساء حيث قال الله جل وعلا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ [النساء:١٦٨-١٦٩]، وذكر الله جل وعلا التأبيد أيضًا في سورة الأحزاب في قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا﴾ [الأحزاب:٦٤-٦٥]، وذكر ذلك أيضًا في سورة الجن في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [الجن:٢٣]، فهذه ثلاث آيات في القرآن الحكيم تدل على أن النار مؤبدة، فهذا التوضيح والتبيين يقضي على ما يوهمه قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّك﴾ [هود:١٠٨]، وعلى قوله: ﴿لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا﴾ [النبأ:٢٣]؛ ولذلك كان جمهور أهل السنة والجماعة على أن النار لا تفنى ولا تبيد، بل أهلها فيها إلى أبد الآباد، وأما الجهمية فقالوا: إن الله يفني الجنة ويفني النار، وهؤلاء كذبوا بما دلت عليه النصوص، ولم يوفقوا إلى خير، وهناك أقوال أخرى لا داعي للإسهاب في ذكرها، وقد ذكرها أهل العلم ﵏ في شرحهم وبيانهم لأقوال المختلفين المخالفين لأهل السنة والجماعة في هذه المسألة، والذي استقر عليه الأمر بدلالة الكتاب والسنة أن الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبدًا، ولا تبيدان.

19 / 3