Evidence of Impact on the Prohibition of Drama with Poetry
دلائل الأثر على تحريم التمثيل بالشعر
Editorial
مطابع القصيم
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٣٨٦ هـ
Ubicación del editor
الرياض - المملكة العربية السعودية
Géneros
دلائل الأثر على تحريم التمثيل بالشعر
تأليف
الفقير إلى الله تعالى حمود بن عبد الله بن حمود بن عبد الرحمن التويجري
غفر الله له ولوالديه ولجميع المؤمنين
مطابع القصيم
Página desconocida
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿تقديم هذه الرسالة﴾
للعلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه.
أما بعد فإن الله سبحانه قد ميز الرجال على النساء بميزات كثيرة من أبرزها وأحسنها ما أكرمهم به من اللحى وجعلها ميزة لهم عن النساء والصبيان وكانت العرب في الإسلام والجاهلية تعظم اللحى وتكرمها وتعتبرها وجه الرجل وقد دلت الأدلة الشرعية على إن اللحى من أخلاق الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام ومن صفاتهم الظاهرة وقد كان نبينا ﷺ وهو أفضل الرسل وخاتم النبيين كثير شعر اللحية وافر الشعور وكان يرخي لحيته ويعفيها ويكرمها وقد صح عنه ﷺ أنه قال: «خالفوا المشركين قصوا الشوارب وأرخوا اللحى» وقد ألف العلماء في هذه المسألة رسائل كثيرة وجعلوا لها بحثًا خاصًا في الكتب المطولة وأوضحوا ما جاء به الشرع الكامل من وجوب إعفائها وتوفيرها وتحريم حلقها وتقصيرها وممن ألف في هذه المسألة أخونا وصاحبنا الشيخ العلامة حمود بن عبد الله التويجري
1 / 3
جمع في ذلك رسالة قيمة أسماها (دلائل الأثر على تحريم التمثيل بالشعر) وهي هذه التي نقدمها للقراء والمسلمين وقد أجاد فيها وأفاد وجمع فيها من الأدلة الشرعية ما قل أن تجده في غيرها وأضاف إلى ذلك بحوثًا سديدة في مسائل كثيرة تتعلق باللحية والقزع وغير ذلك ونقل فيها عن أهل العلم فوائد جليلة وتحقيقات نفيسة ونبه على نكت ومقاصد وإشارات من النصوص ترشد قارئ هذه الرسالة إلى كمال هذه الشريعة الإسلامية وعنايتها بكل دقيق وجليل من مصالح العباد في العاجل والآجل وذكر فيها جملة من الأدلة الدالة على تحريم التشبه بالمشركين ووجوب الحذر من ذلك.
وبالجملة فهي رسالة قيمة كثيرة الفرائد جمة الفوائد قد عالجت كثيرًا من مشاكل المجتمع الإسلامي علاجًا دقيقًا صادقًا على ضوء الأدلة من الكتاب والسنة فنسأل الله أن ينفع بها المسلمين وأن يضاعف الأجر لمؤلفها ويزيده من الهدى وأن يجزيه عن سعيه ونصحه للأمة خير الجزاء وأن يهدينا وإياه وسائر إخواننا المسلمين إلى صراطه المستقيم إنه على كل شيء قدير وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله سيدنا وإمامنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي العربي المكي ثم المدني وعلى آله وأصحابه ومن سار على سنته إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
1 / 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الذي جعل اللحى جمالًا للرجال، وجعل عدمها جمالًا للنساء والأطفال، فسبحان من فاوت بين الرجال والنساء في هذا الجمال.
أحمده وهو المحمود على كل حال، وأشكره على ما أولاه من الإنعام والأفضال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخليله الصادق المقال، الآمر أمته بمخالفة أهل الشرك والزيغ والضلال واللاعن للمتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه في الأقوال والأعمال، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد فلا يخفى ما عظمت به البلوى في زماننا من التشبه بالمشركين واليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من أعداء الله تعالى واتباع سننهم حذو النعل بالنعل.
وقد أصيب بهذا الداء العضال كثير من المنتسبين إلى العلم من معلمين ومتعلمين فضلًا عن غيرهم من الخاصة والعامة فمستقل من هذا الداء ومستكثر فالله المستعان.
وهذا مصداق ما جاء في الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال:
1 / 5
«لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا شبرًا وذراعا ذراعًا حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن!» متفق عليه.
وفي صحيح البخاري أيضًا وسنن ابن ماجة عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال: «لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبرًا بشبر وذراعًا بذراع فقيل: يا رسول الله كفارس والروم؟ فقال: ومن الناس إلا أولئك» هذا لفظ البخاري.
ولفظ ابن ماجه لتتبعن سنن من كان قبلكم باعًا بباع وذاعًا بذراع وشبرًا بشبر حتى لو دخلوا في جحر ضب لدخلتم فيه قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن إذًا.
ورواه الحاكم في مستدركه بنحو رواية ابن ماجه ثم قال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه بهذا اللفظ، ووافقه الحافظ الذهبي في تلخيصه.
قال الحافظ بن حجر في فتح الباري الأخذ بفتح الألف وسكون الخاء على الأشهر هو السيرة، يقال أخذ فلان بأخذ فلان أي سار بسيرته وما أخذ أخذه أي ما فعل فعله ولا قصد قصده انتهى.
وروى البزار بإسناد جيد والحاكم في مستدركه من حديث ابن عباس ﵄ عن النبي ﷺ أنه قال: «لتركبن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو أن أحدهم
1 / 6
دخل جحر ضب لدخلتم وحتى لو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه» صححه الحاكم ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وفي جامع الترمذي عن عبد الله بن عمرو ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ «ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك» وذكر تمام الحديث قال الترمذي هذا حديث حسن غريب.
وروى أبو بكر الآجري في كتاب الشريعة من حديث عمرو بن عوف المزني ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «لتسلكن سنن الذين من قبلكم حذو النعل بالنعل ولتأخذن مثل مأخذهم إن شبرًا فشبر وإن ذراعًا فذراع وإن باعًا فباع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتم فيه».
وروى الآجري أيضًا عن شداد بن أوس ﵄ عن رسول الله ﷺ قال: «لتحملن شرار هذه الأمة على سنن الذين خلوا من قبلهم حذو القذة بالقذة».
وروى الترمذي في جامعه عن أبي واقد الليثي ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم» قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.
وروى الطبراني عن المستورد بن شداد ﵁ مرفوعًا لا تترك هذه الأمة شيئًا من سنن الأولين حتى تأتيه.
1 / 7
وروى الشافعي من حديث عبد الله بن عمرو ﵄ لتركبن سنة من كان قبلكم حلوها ومرها.
وروى أبو بكر الآجري عن حذيفة ﵁ أنه قال لتتبعن أمر من كان قبلكم حذو النعل بالنعل لا تخطئون طريقتهم ولا تخطئكم.
ورواه الحاكم في مستدركه ولفظه لتسلكن طريق من كان قبلكم حذو القذة بالقذة وحذو النعل بالنعل لا تخطئون طريقهم ولا تخطئكم. وذكر تمام الحديث قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه وهذا في حكم المرفوع لأنه إخبار عن أمر غيبي فلا يقال إلا عن توقيف.
قال النووي في الكلام على حديث أبي سعيد الذي سبق ذكره السنن بفتح السين والنون وهو الطريق، وقال الحافظ ابن حجر بفتح السين للأكثر وقال ابن التين قرأناه بضمها وقال المهلب بالفتح أولى لأنه الذي يستعمل فيه الذراع والشبر وهو الطريق قال الحافظ وليس اللفظ الأخير ببعيد من ذلك انتهى.
قال عياض الشبر والذراع والطريق ودخول الجحر تمثيل للاقتداء بهم في كل شيء مما نهى الشرع عنه وذمه.
وكذا قال النووي قال وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله ﷺ فقد وقع ما أخبر به ﷺ. وقال الحافظ ابن حجر قد وقع معظم ما أنذر به ﷺ وسيقع بقية ذلك.
1 / 8
وقال المناوي في شرح الجامع الصغير هذا من معجزاته ﷺ فقد اتبع كثير من أمته سنن فارس في شيمهم ومراكبهم وملابسهم وإقامة شعارهم في الحروب وغيرها وأهل الكتابين في زخرفة المساجد وتعظيم القبور حتى كاد أن يعبدها العوام وقبول الرشا وإقامة الحدود على الضعفاء دون الأقوياء وترك العمل يوم الجمعة والتسليم بالأصابع وعدم عيادة المريض يوم السبت والسرور بخميس البيض وأن الحائض لا تمس عجينًا إلى غير ذلك مما هو أشنع وأبشع.
قلت وفي زماننا لم يبق شيء مما يفعله اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من أمم الكفر والضلال إلا ويفعل مثله في أكثر الأقطار الإسلامية، ولا تجد الأكثرين من المنتسبين إلى الإسلام إلا مهطعين خلف أعداء الله تعالى يأخذون بأخذهم ويحذون حذوهم ويتبعون سننهم في الأخلاق والآداب واللباس والهيئات والنظامات والقوانين وأكثر الأمور أو جميعها فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
1 / 9
(فصلٌ)
وقد تظافرت الأحاديث بالأمر بمخالفة أعداء الله تعالى والنهي عن التشبه بهم والتغليظ في ذلك.
فأما الأمر بمخالفتهم ففي الصحيحين عن ابن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: «خالفوا المشركين وفروا اللحى واحفوا الشوارب».
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس». فقوله ﷺ خالفوا المشركين وقوله خالفوا المجوس أمر مطلق بمخالفتهم في كل شيء من زيهم وأفعالهم وهو أيضًا خاص في الأمر بمخالفتهم فيما يفعلونه من التمثيل باللحى وإعفاء الشوارب.
وفي الصحيحين والمسند والسنن عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال «إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم».
وروى الإمام أحمد أيضًا من حديث أبي أمامة ﵁ قال: خرج رسول الله ﷺ على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم فقال: يا معشر الأنصار حمروا وصفروا وخالفوا أهل الكتاب، فقلنا يا رسول الله إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يتزرون فقال تسرولوا واتزروا وخالفوا أهل الكتاب.
1 / 10
فقوله ﷺ خالفوا أهل الكتاب أمر مطلق بمخالفتهم في كل شيء من زيهم وهو أيضًا خاص في الأمر بمخالفتهم في اللباس وفي تركهم صبغ الشيب.
وفي سنن أبي داود ومستدرك الحاكم وسنن البيهقي عن شداد بن أوس ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ «خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم».
قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الحافظ الذهبي في تلخيصه وفي مستدرك الحاكم أيضًا من حديث ابن جريج عن محمد بن قيس بن مخرمة عن المسور بن مخرمة ﵄ أن رسول الله ﷺ قال «هدينا مخالف لهديهم يعني المشركين» قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الحافظ الذهبي في تلخيصه.
وقد رواه الشافعي في مسنده من حديث ابن جريج عن محمد بن قيس بن مخرمة مرسلا ولفظه هدينا مخالف لهدي أهل الأوثان والشرك.
1 / 11
(فصلٌ)
وأما النهي عن التشبه بأعداء الله تعالى فقد قال الله تعالى ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نزلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: ١٦]، فقوله: ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب نهي مطلق عن مشابهتهم وهو خاص أيضًا في النهي عن مشابهتهم في قسوة قلوبهم.
وفي جامع الترمذي عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود» قال الترمذي حديث حسن صحيح ورواه الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه ولفظهما قال: «غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى».
وفي سنن النسائي عن ابن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ «غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود» وله أيضًا عن الزبير ﵁ عن النبي ﷺ مثله، قال النسائي وكلاهما غير محفوظ.
وروى الطبراني عن شداد بن أوس ﵄ أن رسول الله ﷺ قال «صلوا في نعالكم ولا تشبهوا باليهود» فقوله في هذه الأحاديث ولا تشبهوا باليهود، وفي حديث أبي هريرة ولا بالنصارى نهي مطلق عن مشابهتهم في كل شيء
1 / 12
من زيهم وهو خاص أيضًا في النهي عن مشابهتهم في تركهم تغيير الشيب وفي تركهم الصلاة في النعال.
وفي الصحيحين عن عمر بن الخطاب ﵁ أنه كتب إلى المسلمين المقيمين ببلاد فارس إياكم والتنعم وزي أهل الشرك.
ورواه الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح ولفظه ذروا التنعم وزي العجم، ورواه أيضًا في كتاب الزهد بإسناد صحيح ولفظه إياكم وزي الأعاجم ونعيمها.
قال ابن عقيل رحمه الله تعالى النهي عن التشبه بالعجم للتحريم. وقال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى التشبه بالكفار منهي عنه بالإجماع.
(فصلٌ)
وأما التغليظ في التشبه بأعداء الله تعالى ففي المسند وسنن أبي داود وغيرهما عن ابن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ «من تشبه بقوم فهو منهم» صححه ابن حبان وقال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى إسناده جيد قال وقد احتج الإمام أحمد وغيره بهذا الحديث وهذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: ٥١]، انتهى.
1 / 13
وفي جامع الترمذي عن عبد الله بن عمرو ﵄ أن رسول الله ﷺ قال: «ليس منا من تشبه بغيرنا لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى».
وروى الإمام أحمد في كتاب الزهد عن عقيل بن مدرك السلمي قال: أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل قل لقومك لا يأكلوا طعام أعدائي ولا يشربوا شراب أعدائي ولا يتشكلوا شكل أعدائي فيكونوا أعدائي كما هم أعدائي.
وروى أبو نعيم في الحلية عن مالك بن دينار نحوه.
وروى الخلال عن حذيفة ﵁ أنه أتى بيتًا فرأى شيئًا من زي العجم فخرج وقال من تشبه بقوم فهو منهم.
قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى في الكلام على حديث ابن عمر ﵄ قد يحمل هذا على التشبه المطلق فإنه يوجب الكفر ويقتضي تحريم أبعاض ذلك وقد يحمل على أنه صار منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه فإن كان كفرًا أو معصية أو شعارًا للكفر أو للمعصية كان حكمه كذلك وبكل حال فهو يقتضي تحريم التشبه بهم بعلة كونه تشبهًا، والتشبه يعم من فعل الشيء لأجل أنهم فعلوه وهو نادر ومن تبع غيره في فعل لغرض له في ذلك إذا كان أصل الفعل مأخوذًا عن ذلك الغير، فأما من فعل الشيء واتفق أن الغير فعله أيضًا ولم يأخذه أحدهما عن صاحبه ففي كون هذا تشبهًا نظر لكن قد ينهى عن هذا لئلا يكون ذريعة إلى التشبه
1 / 14
ولما فيه من المخالفة كما أمر بصبغ اللحى وإعفائها وإحفاء الشوارب مع أن قوله ﷺ غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود دليل على أن التشبه بهم يحصل بغير قصد منا ولا فعل بل بمجرد ترك تغيير ما خلق فينا وهذا من أبلغ الموافقة الفعلية الاتفاقية.
وقد روي في هذا الحديث عن ابن عمر ﵄ عن النبي ﷺ أنه نهى عن التشبه بالأعاجم وقال من تشبه بقوم فهو منهم ذكره القاضي أبو يعلى، وبهذا احتج غير واحد من العلماء على كراهة أشياء من زي غير المسلمين.
وقال الشيخ أيضًا قد بعث الله عبده ورسوله محمدًا ﷺ بالحكمة التي هي سنته وهي الشرعة والمنهاج الذي شرعه له فكان من هذه الحكمة أن شرع لنا من الأعمال والأقوال ما يباين سبيل المغضوب عليهم والضالين وأمر بمخالفتهم في الهدي الظاهر وإن لم يظهر لكثير من الخلق في ذلك مفسدة لأمور منها أن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسبًا وتشاكلًا بين المتشابهين يقود إلى الموافقة في الأخلاق والأعمال.
وهذا أمر محسوس فإن اللابس لثياب أهل العلم مثلًا يجد من نفسه نوع انضمام إليهم واللابس لثياب الجند المقاتلة مثلًا يجد في نفسه نوع تخلق بأخلاقهم ويصير طبعه مقتضيًا لذلك إلا أن يمنعه من ذلك مانع.
ومنها أن المخالفة في الهدي الظاهر توجب مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب وأسباب الضلال والانعطاف
1 / 15
إلى أهل الهدى والرضوان وتحقق ما قطع الله من الموالاة بين جنده المفلحين وأعدائه الخاسرين.
وكلما كان القلب أتم حياة وأعرف بالإسلام كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطنًا وظاهرا أتم وبعده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشد ومنها أن مشاركتهم في الهدي الظاهر توجب الاختلاط الظاهر حتى يرتفع التمييز ظاهرًا بين المهديين المرضيين وبين المغضوب عليهم والضالين، إلى غير ذلك من الأسباب الحكمية، هذا إذا لم يكن ذلك الهدي الظاهر إلا مباحًا محضًا لو تجرد عن مشابهتهم فأما إن كان من موجبات كفرهم فإنه يكون شعبة من شعب الكفر فموافقتهم فيه موافقة في نوع من أنواع ضلالهم ومعاصيهم: فهذا أصل ينبغي أن يتفطن له.
وقال الشيخ أيضًا مشاركتهم في الظاهر إن لم تكن ذريعة أو سببًا قريبًا أو بعيدًا إلى نوع ما من الموالاة والموادة فليس فيها مصلحة المقاطعة والمباينة مع أنها تدعو إلى نوع ما من المواصلة كما توجبه الطبيعة وتدل عليه العادة.
وقال الشيخ أيضًا المشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي وقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين هم أقل كفرًا من غيرهم كما رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى هم أقل إيمانًا من غيرهم ممن جرد الإسلام.
1 / 16
والمشاركة في الهدي الظاهر توجب أيضًا مناسبةً وائتلافًا وإن بعد المكان والزمان فهذا أيضًا أمر محسوس.
قال والمشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة انتهى.
وما ذكره رحمه الله تعالى من نتائج التشبه بأعداء الله تعالى وثمراته السيئة فكله واقع في زماننا ولاسيما مواصلة أعداء الله تعالى ومؤاخاتهم وموالاتهم وموادتهم ومحبتهم والاختلاط التام بهم في بعض الأقطار بحيث قد ارتفع فيها التمييز ظاهرًا بين المسلم والكافر فلا يعرف هذا من هذا إلا من كان يعرفهم بأعيانهم.
وقد قادت هذه الموافقة والمشابهة بعض الناس إلى النفاق وبعضهم إلى الردة والخروج من دين الإسلام عياذًا بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه.
(فصلٌ)
إذا علم ما ذكرنا فمن أقبح المشابهة ما ابتلي به كثير من المسلمين من التشبه بالمجوس وطوائف الإفرنج في التمثيل بشعر الوجه، وهم بذلك على طرائق شتى:
فمنهم من يحلق لحيته كلها ذقنها وعارضيها ومنهم من ينتفها نتفًا، ومنهم من يحلق العارضين ويقص من الذقن حتى
1 / 17
لا يبقى منه إلا القليل، وكثير منهم يبالغون في قص الذقن حتى لا يبقى فيه إلا أصول الشعر، وبعضهم يحلق لحيته وشاربه ويترك من الشارب نقطة أو نقطتين تحت الأنف ومن اللحية نقطة في العنفقة والذقن، وكثير منهم يحلقون لحاهم ويعفون شواربهم.
وكل من هذه الأفعال مثلة قبيحة، وقد روى الطبراني عن ابن عباس ﵄ أن رسول الله ﷺ قال «من مثل بالشعر فليس له عند الله خلاق».
قال الهروي والزمخشري وغيرهما من أهل اللغة مثل بالشعر صيره مثلة بأن حلقه من الخدود أو نتفه أو غيَّره بالسواد وكذا قال ابن الأثير وابن منظور في لسان العرب.
وقد عظمت بالبلوى بالتمثيل بالشعر في زماننا وزين الشيطان ذلك لكثير من المنتسبين إلى العلم من معلمين ومتعلمين فأجابوا دعوة عدو الله وامتثلوا أمره وعصوا الله ورسوله ﷺ على بصيرة.
قال الله تعالى ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧]، وقال تعالى: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٨]، وقال تعالى ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ [النساء: ٨٠]،
وثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «خالفوا المشركين وفروا اللحى واحفوا الشوارب» وفي لفظ «انهكوا الشوارب واعفوا اللحى».
1 / 18
وثبت عنه ﷺ أنه قال «جزوا الشوارب وأرخو اللحى خالفوا المجوس».
فقال أولئك العصاة بلسان الحال سمعنا وعصينا وآثروا هدي أولياء الشيطان اللعين على هدي الأنبياء والمرسلين.
وسيأتي ذكر الأحاديث في الأمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى والأمر بالشيء نهي عن ضده كما هو مقرر عند الأصوليين فالأمر بإحفاء الشوارب وإنهاكها هو في الحقيقة نهي عن إعفائها وتوفيرها. والأمر بإعفاء اللحى وإرخائها هو في الحقيقة نهي عن حلقها ونتفها وقصها.
وقد ورد النهي عن النتف بخصوصه والتشديد في ذلك كما في المسند والسنن إلا الترمذي عن أبي ريحانة ﵁ قال نهى رسول الله ﷺ عن عشر وذكر منها النتف.
وفي رواية للنسائي قال: إن رسول الله ﷺ «حرم الوشر والوشم والنتف» قال بعض العلماء النتف يعم نتف الشيب ونتف الشعر عند المصيبة ونتف اللحية ونتف الحاجب والعلة في جميع ذلك تغيير خلق الله تعالى.
وفي الصحيحين والمسند والسنن عن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله مالي لا ألعن من لعن رسول الله ﷺ وهو في كتاب الله.
وفي رواية للنسائي عن عبد الله ﵁ قال:
1 / 19
سمعت رسول الله ﷺ يلعن المتنمصات والمتفلجات والمتوشمات اللاتي يغيرن خلق الله ﷿.
وفي سنن أبي داود عن ابن عباس ﵄ قال: لعنت الواصلة والمستوصلة والنامصة والمتنمصة والواشمة والمستوشمة من غير داء.
وفي سنن النسائي عن عائشة ﵂ قالت: نهى رسول الله ﷺ عن الواشمة والمستوشمة والواصلة والمستوصلة والنامصة والمتنمصة. قال الخطابي والهروي وغيرهما من أهل اللغة المتنمصات من النمص وهو نتف الشعر من الوجه ومنه قيل للمنقاش المنماص والنامصة هي التي تنتف الشعر بالمنماص والمتنمصة هي التي يفعل بها ذلك.
وإذا كان النمص محرمًا على النساء وملعونًا من فعل ذلك منهن فتحريمه على الرجال يكون من باب الأولى لوجهين:
أحدهما: ما فيه من المثلة وتغيير خلق الله وقد نص الإمام أحمد في رواية المروذي على كراهة أخذ الشعر بالمنقاش من الوجه وقال لعن رسول الله ﷺ المتنمصات. والمراد بالكراهة عند أحمد رحمه الله تعالى كراهة التحريم والدليل على ذلك احتجاجه بحديث اللعن لمن فعل ذلك واللعن لا يكون إلا على كبائر الإثم.
الوجه الثاني: أن الرجال مأمورون بإعفاء اللحى والنمص ينافي ذلك وقد قال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه باب إعفاء اللحية: عفوا كثروا أو كثرت أموالهم ثم ساق في الباب
1 / 20
حديث عبيد بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ «انهكوا الشوارب واعفوا اللحى». ورواه الإمام أحمد ومسلم والترمذي والنسائي من حديث عبيد الله به ولفظهم احفوا الشوارب واعفوا اللحى.
ورواه البخاري ومسلم أيضًا من حديث عمر بن محمد بن زيد عن نافع عن ابن عمر ﵄ عن النبي ﷺ قال «خالفوا المشركين وفروا اللحى واحفوا الشوارب» هذا لفظ البخاري. ولفظ مسلم خالفوا المشركين احفوا الشوارب وأوفوا اللحى.
ورواه مالك في الموطأ عن أبي بكر بن نافع عن أبيه نافع عن عبد الله بن عمر ﵄ أن رسول الله ﷺ أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى.
ورواه مسلم وأبو داود والترمذي من طريق مالك به وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.
ورواه الإمام أحمد والنسائي أيضًا من حديث عبد الرحمن بن علقمة قال سمعت ابن عمر ﵄ يقول: قال رسول الله ﷺ «اعفوا اللحى واحفوا الشوارب».
وفي رواية لأحمد عن عبد الرحمن قال: سمعت ابن عمر ﵄ يقول: أمر رسول الله ﷺ أن تعفى اللحى وأن تجز الشوارب.
وفي صحيح مسلم من حديث العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب
1 / 21