Encyclopedia of Islamic Morals - Al-Dorar Al-Sunniyah
موسوعة الأخلاق الإسلامية - الدرر السنية
Editorial
موقع الدرر السنية على الإنترنت dorar.net
Géneros
قابلية الناس لاكتساب الأخلاق
هل الناس لهم قابلية لاكتساب الأخلاق؟ هنا (يرد سؤالان: الأول: إذا كانت الأخلاق طباعًا فطرية، فلماذا وضع الإنسان تجاهها موضع الابتلاء والتكليف؟
الثاني: إذا كانت الطبائع الإنسانية هي المهيمنة على سلوك الإنسان الشامل للسلوك الأخلاقي وغيره، وهذه الطبائع ذات نسب فطرية متفاوتة، فما هي فائدة التربية الأخلاقية؟ وهل باستطاعة الإنسان أن يعدل من طبائعه الخلقية الفطرية، ويكتسب من الأخلاق ما ليس في فطرته؟
... في الإجابة على السؤالين:
لدينا حقيقة ثابتة لابد من ملاحظتها في مجال كل تكليف رباني: هي أن الله ﵎ لا يكلف نفسًا إلا وسعها، فمسؤولية الإنسان تنحصر في نطاق ما يدخل في وسعه، وما يستطيعه من عمل، أما ما هو خارج عن وسع الإنسان واستطاعته فليس عليه مسؤولية نحوه، يضاف إلى ذلك أن نسبة المسؤولية تتناسب طردًا وعكسًا مع مقدار الاستطاعة.
فالقوي يأتي امتحانه على نسبة قوته، وكذلك الضعيف يأتي امتحانه على نسبة ضعفه، وامتحان الذكي على مقدار ما منحه الله من ذكاء، وامتحان الغبي على مقدار غبائه:
أما صور الامتحان فكثيرة مختلفة، فبعض الناس يمتحنه الله بالغنى، وبعضهم يمتحنه بالفقر، وبعضهم يمتحنه بأن يكون قائدًا، وبعضهم يمتحنه بأن يكون جنديًا، وبعضهم يمتحنه بكثرة البنين، وبعضهم يمتحنه بكثرة البنات، وبعضهم يمتحنه بالصنفين معًا، وبعضهم يمتحنه بالعقم، وهكذا إلى سائر الصور المشحونة بها ظروف الحياة الدنيا.
والله تعالى يمتحن كل إنسان بما يناسبه، وعلى مقدار ما منحه من هبات وعطايا، وعلى مقدار استطاعته الجسدية والنفسية، ثم تكون المحاسبة بعد ذلك على مقدار نسبة الامتحان، ويكون الجزاء العادل على مقدار الطاعة والجهد المبذول نفسيًا وجسديًا، أو على مقدار المعصية والجهد الذي كان يمكن بذله في الطاعة.
وميزان الله تعالى لا يضيع منه مثقال ذرة، والعلم الإلهي لا يعزب عنه صغيرة ولا كبيرة من نية أو عمل، والقانون الذي يطبقه الله على المكلفين من عباده، هو المعلن بقوله تعالى: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: ٧ - ٨]، والمعلن بقوله: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا [الطلاق: ٧] وقوله: لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة: ٢٨٦].
فما كان من الطباع الفطرية قابلًا للتعديل والتبديل، ولو في حدود نسب جزئية، لدخوله تحت سلطان إدارة الإنسان وقدرته، كان خاضعًا للمسؤولية، وداخلًا في إطارها تجاه التكاليف الربانية، وما لم يكن قابلًا للتعديل والتبديل، لخروجه عن سلطان إرادة الإنسان وقدرته، فهو غير داخل في إطار المسؤولية تجاه التكاليف الربانية.
وبناء على ذلك فإننا نقول وفق المفاهيم الدينية: لو لم يكن لدى كل إنسان عاقل قدرة على اكتساب حد ما من الفضائل الأخلاقية، لما كلفه الله ذلك.
وليس أمر قدرة الإنسان على اكتساب حد ما من كل فضيلة خلقية بعيدًا عن التصور والفهم، ولكنه بحاجة إلى مقدار مناسب من التأمل والتفكير.
أليست استعدادات الناس لأنواع العلوم المختلفة متفاوتة، فبعضهم أقدر على تعلم الفنون الجميلة من بعض، وبعضهم أقدر على تعلم العلوم العقلية من بعض، وبعضهم أقدر على حفظ التواريخ والحوادث أو حفظ النصوص من بعض؟
إنه مع وجود التفاوت الواسع في هذا بين الناس، نلاحظ أن حدًا ما من الاستعداد لتعلم كل أنواع العلوم موجود عند كل أقسام الناس المتفاوتين في قدراتهم واستعداداتهم، وفي حدود استطاعة كل منهم يمكن توجيه التكليف، ويمكن الاستفادة من نسبة الاستعداد، فالاستعداد الضعيف بقدره، والاستعداد القوي بقدره.
1 / 20