Encyclopedia of Arab Speeches in the Glorious Ages
جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة
Editorial
المكتبة العلمية بيروت
Ubicación del editor
لبنان
Géneros
المجلد الأول
مقدمة
...
تصدير: الطبعة الأولى:
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمدك اللهم على ما أوليتني من نعمك السابغة، وآلائك الضافية، وأصلي وأسلم على رسولك المجتبى، سيدنا محمد ﷺ وعلى آله وسلم.
وبعد: فلا مراء أن خطب العرب في عصور ازدهار اللغة مرآة يتجلى فيها ما حباهم الله من ذلاقة اللسان، وعذوبة البيان، ومعرض يتمثل فيه نتاج قرائحهم، وثمرات ألبابهم، في كثير من مناحي القول، وإنها لتعد -بعد القرآن الكريم والحديث الشريف- مثالًا ساميًا للبلاغة العربية، ونموذجًا قويمًا يجتذيه المتأدب في تقويم قلمه المعوج، وشحذ لسانه الكليل، وهي فوق ذلك معين فياض يستقي منه مؤرخ الأدب العربي ما يعن له من آراء، ومادة عزيرة يستنبط منها ما يقفه عليه البحث من فكر.
وقد نظرت فوجدت تلك الخطب مبعثرة منثورة في كتب الأدب والتاريخ، لا يؤلف بينها نظام، ولا يضم أشتاتها كتاب، فإذا ما شئت أن تتعرف صورة الخطابة في عصر
1 / 3
من العصور، أو تترجم لخطيب من خطباء العربية، ألقيت الطريق أمامك وعرة شائكة، وأنفقت مديدًا في التنقيب عن خطبه في بطون الأسفار؛ بله ما يعترضك من مشاق في تحرير ألفاظها، وتحقيق عباراتها، لما نالها من عبث النساخ والطباع، من التصحيف والتحريف الذي ينبهم معه معناها، ويستغلق به تفهمها.
كل أولئك حدا بي أن أعبد السبيل لشداة الأدب العربي إلى ذلك التراث النفيس، الذي يتوقون إلى الارتواء من مناهله العذبة؛ فلا يكادون يسيغونها، ويصبون إلى اجتناء ثماره الشهية؛ فتحول دونها الأشواك، وفيهم من درس اللغات الإفرنجية، وتزود من أفكار الغربيين وآرائهم بقسط وفير؛ ولكنه تعوزه جزالة اللفظ، ورصانة الأسلوب.
استخرت الله؛ فجمعت كل ما أثر عن العرب في عصور العربية الزاهرة، من خطب ووصايا من مظانها -على قدر ما هداني إليه اطلاعي- وضمت إليها ما دار في مجالس الملوك والخلفاء والرؤساء، من حوار ومجاوبة، أو جدال ومناظرة، مما يدخل في باب الخطب، وينتظم في سلكها، وأودعتها ذلك السفر كي يكون لها ديوانًا جامعًا، ومرجعًا عامًّا، يسهل مراجعتها فيه، وسميته: جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة.
وبوبته أربعة أبواب في ثلاث أجزاء:
الجزء الأول:
ويحوي الباب الأول في خطب الجاهلية، والباب الثاني في خطب صدر الإسلام.
الجزء الثاني:
ويحوي الباب الثالث: في خطب العصر الأموي.
الجزء الثالث:
ويحوي الباب الرابع: في خطب العصر العباسي الأول، وذيل الجمهرة، في خطب متفرقة.
1 / 4
وإذا كان الشريف الرضي ﵀ قد أفرد خطب الإمام علي كرم الله وجهه بمؤلف خاص، وهو: "نهج البلاغة" والإمام أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر طيفور، قد جمع في مؤلفه: "بلاغات النساء" طائفة قيمة من كلام بليغات النساء، وطرائف أقوالهن. رأيت أن نقلي ما ورد في هذين السفرين الجليلين بحذافيره، ليس على الحقيقة إلا ضمهما إلى كتابي، وتضخيمة بهما؛ ولذلك اجتزأت بإيراد جمله صالحة مماجاء فيهما؛ مما استدعاه المقام.
ولم أقتصر على إيراد الخطبة بإحدى الروايات الواردة فيها؛ بل عنيت بالتوفيق بين الروايات المختلفة، وإتمام بعضها من بعض، لما في ذلك من زيادة الفائدة للقارئ؛ فإذا ما رأيت الخطبة مروية بصورتين يتبين فيهما الاختلاف، أوردت الصورتين جميعًا.
وقد ضبطت ألفاظها ضبطًا وافيًا، وعقبت كل خطبة بذكر مصادرها التي نقلتها عنها، كما ذيلتها بشرح يفسر غريب ألفاظها، ويحل مستغلق كلماتها، وأوردت فيه كل ما تمس إليه الحاجة في فهمها، من نبذ تاريخية توضح المقامات التي ألقيت فيها، إلى ما هناك.
ولست أستطيع أن أصور للقارئ مقدار ما عانيت من المتاعب في رد كثير من الألفاظ إلى أصولها الصحيحة، بعد تقليبها على كل وجه ممكن، حتى تخلص من شوائب التشويه الشائن. الفاشي في كتب الأدب والتاريخ.
وإني أقدم كتابي هذا إلى أبناء العربية الشريفة، وفاء بما لها في عنقي من حق واجب، وصنيعة مشكورة، والله أسال أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به النفع المرجو منه، وأن يمدني بروح منه، ويظلني بظلال الصحة
1 / 5
والعافية، حتى أصدر ما اعتزمت إصداره بعد تمام هذا الكتاب إن شاء الله، وهو كتاب: "جمهرة رسائل العرب في عصور العربية الزاهرة".
كي تكمل حلقة النثر العربي في تلك العصور، إنه المستعان، عليه توكلت وإليه أنيب،
أحمد زكي صفوت
حرر بالقاهرة في ربيع الآخر سنة ١٣٥٢هـ.
يوليو سنة ١٩٣٣م.
1 / 6
فهرس: مآخذ الخطب في هذا الجزء:
الأمالي لأبي علي القالي: الجزء الأول - الثاني - ذيل الأمالي
الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني: "الرابع - السابع - الثامن - الحادي عشر - الرابع عشر - الخامس عشر
صبح الأعشى لأبي العباس القلقشندي: الجزء الأول - الثاني
نهاية الأرب لشهاب الدين النويري: "الثالث - الخامس - السابع
عيون الأخبار لابن قتيبة الدينوري: المجلد الثاني
الكامل لأبي العباس المبرد: الجزء الأول - الثاني
العقد الفريد لابن عبد ربه: الجزء الأول - الثاني - الثالث
زهر الآداب لأبي إسحق الحصري: الجزء الأول
البيان والتبيين للجاحظ: الجزء الأول - الثاني - الثالث
نهج البلاغة للشريف الرضي: الجزء الأول
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: المجلد الأول - الثاني - الثالث - الرابع
أمالي السيد المرتضى: الجزء الأول - الثاني
مجمع الأمثال لأبي الفضل الميداني: الحزء الأول - الثاني
جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري: الحزء الأول - الثاني
خزانة الأدب لعبد القادر البغدادي: الجزء الأول
1 / 7
تاريخ الأمم والملوك لأبي جعفر بن جرير الطبري: الجزء الثاني - الثالث - الرابع - الخامس - السادس
تاريخ الكامل لابن الأثير: الجزي الأول - الثاني - الثالث
مروج الذهب للمسعودي: الجزء الأول - الثاني
الإمامة والسياسة لابن قتيبة: الجزي الأول
المختصر في أخبار البشر لأبي الفداء: الجزء الأول
معجم البلدان لياقوت الحموى: الجزء الثامن
سيرة النبي ﷺ لابن هشام: الأول - الثاني
السيرة الحلبية لابن برهان الدين الحلبي: الجزء الأول
إعجاز القرآن لأبي بكر الباقلاني:
بلاغات النساء لان أبي طاهر طيفور:
سرح العيون، شرح رسالة ابن زيدون:
لابن نباتة المصري:
أنباء نجباه الأبناء لابن ظفر المكلي:
المحاسن والأضداد للجاحظ:
الشعر والشعراء لابن قتيبة:
شرح قصيدة ابن عبدون لابن بدرون:
بلوغ الأرب للسيد محمود شكري: الجزء الأول - الثالث
الألوسي:
مفتاح الأفكار للشيخ أحمد مفتاح:
1 / 8
الباب الأول: الخطب والوصايا في العصر الجاهلي
إصلاح مرثد الخير بين سبيع بن الحارث، وبين ميثم بن مثوب
مدخل
...
الباب الأول: الخطب والوصايا في العصر الجاهلي.
الخطب: إصلاح مرثد الخير: بين سبيع بن الحارث، وبين ميثم بن مثوب.
كان مرثد الخير بن ينكف قيلًا، وكان حدبًا على عشيرته؛ محبًا لصلاحهم، وكان سبيع بن الحرث١. وميثم بن مثوب بن ذي رعين تنازعا الشرف، حتى تشاحنا، وخيف أن يقع بين حييهما شر، فيتفانى جذماهما٢؛ فبعث إليها مرثد؛ فأحضرهما ليصلح بينهما، فقال لهما:
_________
١ أخو علس، وعلس هو ذو جدن.
٢ الجذم: الأصل وكذا الجذر.
1 / 9
١- مقال مرثد الخير:
إن التخبط١ وامتطاء الهجاج٢، واستحقاب٣ اللجاج، سيقفكما على شفا هوة، في توردها٤ بوار الأصيلة٥، وانقطاع الوسيلة؛ فتلافيا أمركما قبل انتكاث٦ العهد، وانحلال العقد، وتشتت الألفة، وتباين السهمة٧، وأنتما في فسحة رافهة٨، وقدم واطدة٩، والمودة مثرية١٠، والبقيا معرضة١١؛ فقد عرفتم أنباء من كان قبلكم من العرب: ممن عصى النصيح، وخالف الرشيد، وأصغى إلى التقاطع، ورأيتم ما آلت إليه عواقب سوء سعيهم، وكيف كان صيور١٢ أمورهم؛ فتلافوا القرحة١٣ قبل تفاقم الثاي١٤ واستفحال١٥ الداء، وإعواز الدواء؛ فإنه إذا سفكت الدماء، استحكمت الشحناء، وإذا استحكمت الشحناء، تقضبت١٦ عرى الإبقاء، وشمل١٧ البلاء.
_________
١ التخبط: ركوب الرجل رأسه في الشر خاصة، أو السير على غير هدى.
٢ ركب فلان هجاج "غير مصروف"، ووهاج مبنيًّا على الكسر: أي ركب رأسه.
٣ الاستحقاق: استفعال من الحقيبة أو من الحقاب؛ فأما الحقيبة، فما يجعل الرجل فيه متاعه من خرج أو غيره، والحقاب: بريم تشد به المرأة وسطها "والبريم خيط فيه لونان"، وهذا مثل: إما أن يكون أراد أنه احتزم باللجاج أو جعله في وعائه.
٤ التود: الإشراف على الماء وغيره، دخله أو لم يدخل.
٥ الأصل.
٦ انتقاض: "والأنكاث جمع نكث، وهو ما نقض من الحبال ليعاد ثانية".
٧ القرابة.
٨ ناعمة من الرفاهية.
٩ ثابتة.
١٠ متصلة.
١١ ممكنة أمكنت من عرضها، أي من جنبها وناحيتها، يقال قد أعرض لك الظى فارمه، أي أمكنك من عرضه.
١٢ عاقبة.
١٣ الجرح.
١٤ السعي والمثاى: الإفساد والجراح والقتل ونحوه.
١٥ اشتداده، وهو أن يصير مثل الفحل.
١٦ تقطعت.
١٧ من بابي فرح ونصر.
1 / 10
مقال سبيع بن الحارث
...
١- مقال سبيع بن الحرث.
فقال سبيع:
أيها الملك! إن عداوة بني العلات١ لا تبريها الأساة٢، ولا تشفيها الرقاة، ولا تستقل٣ بها الكفاء، والحسد الكامن، هو الداء الباطن، وقد علم بنو أبينا هؤلاء، أنا لهم ردء٤ إذا رهبوا، وغيث إذا أجدبوا، وعضد إذا حاربوا، ومفزع إذا نكبوا، وأنا وإياهم كما قال الأول:
إذا ما علوا قالوا أبونا وأمنا ... وليس لهم عالين أم ولا أب
_________
١ العلة: الضرة، وبنو العلات بنو أمهات شتى من رجل واحد، "والأخياف: من أمهم واحدة والآباء شتى".
٢ جمع آس، وهو الطبيب.
٣ تنهض بها وتحملها.
٤ عون.
٣- مقال ميثم بن مثوب: فقال ميثم: أيها الملك! إن من نفس على ابن أبيه الزعامة، وجد به١ في المقامة٢، واستكثر له قليل الكرامة، كان قرفًا٣ بالملامة، ومؤنبًا على ترك الاستقامة، وإنا والله نعتد لهم بيدٍ إلا وقد نالهم منا كفاؤها، ولا نذكر لهم حسنة إلا وقد تطلع منا إليهم جزاؤها، ولا يتفيأ لهم علينا ظل نعمةٍ؛ إلا وقد قوبلوا بشرواها٤، ونحن بنو فحلٍ مقرم٥، لم يقعد بنا الأمهات ولا بهم، ولم تنزعنا أعراق السوء ولا إياهم؛ فعلام مط٦ الخدود، وخزر العيون٧ _________ ١ عابه. ٢ المجلس. ٣ خليقًا. ٤ مثلها. ٥ القرم: السيد، وأقرمه: جعله قرمًا. ٦ مد. ٧ الخزر أن ينظر الرجل إلى أحد عرضيه. يقال إنه ليتخازرلي: إذا نظر إليه بمؤخر عينه ولم يستقبله بنظرة.
٣- مقال ميثم بن مثوب: فقال ميثم: أيها الملك! إن من نفس على ابن أبيه الزعامة، وجد به١ في المقامة٢، واستكثر له قليل الكرامة، كان قرفًا٣ بالملامة، ومؤنبًا على ترك الاستقامة، وإنا والله نعتد لهم بيدٍ إلا وقد نالهم منا كفاؤها، ولا نذكر لهم حسنة إلا وقد تطلع منا إليهم جزاؤها، ولا يتفيأ لهم علينا ظل نعمةٍ؛ إلا وقد قوبلوا بشرواها٤، ونحن بنو فحلٍ مقرم٥، لم يقعد بنا الأمهات ولا بهم، ولم تنزعنا أعراق السوء ولا إياهم؛ فعلام مط٦ الخدود، وخزر العيون٧ _________ ١ عابه. ٢ المجلس. ٣ خليقًا. ٤ مثلها. ٥ القرم: السيد، وأقرمه: جعله قرمًا. ٦ مد. ٧ الخزر أن ينظر الرجل إلى أحد عرضيه. يقال إنه ليتخازرلي: إذا نظر إليه بمؤخر عينه ولم يستقبله بنظرة.
1 / 11
والجخيف١ والتصعر، والبأو والتكبر؟ ألكثرة عدد، أم لفضل جلدٍ، أم لطول معتقد٢؟ وإنا وإيهاهم لكما قال الأول:
لاه ابن عمك، لا أفضلت في حسب ... عني، ولا أنت دياني فتخزوني٣
ومقاطع الأمور ثلاثة: حرب مبيرة٤، أو سلم قريرة، أو مداجاة وغفيرة٥".
_________
١ التكبر، وكذا البأو.
٢ اعتقد ضيعة ومالًا: اقتناهما.
٣ لاه: أراد لله؛ فخذف اللام الخافضة اكتفاء بالتي تليها، والديان القائم بالأمر، وتخزوني: تسوسني.
٤ مهلكة.
٥ مساترة وغفران.
٤- مقال مرثد الخير: فقال الملك: لا تنشطوا١ عقل الشوارد، ولا تلقحوا العون القواعد٢، ولا تؤرثوا٣ نيران الأحقاد؛ ففيها المتلفة المستأصلة، والجائحة٤ والأليلة٥، وعفوا بالحلم، أبلاد٦ الكم، وأنيبوا إلى السبيل الأرشد، والمنهج الأقصد؛ فإن الحرب تقبل بزبرج٧ الغرور، وتدبر بالويل والثبور، ثم قال الملك: ألا هل أتى الأقوام بذلي نصيحة ... حبوت بها منى سبيعًا وميثمًا وقلت اعلما أن التدابير غادرت ... عواقبه للذل والقل جرهما فلا تقدحا زند العقوق وأبقيا ... على العزة القعساء٨ أن تتهدما ولا تجنيا حربًا تجر عليكما ... عواقبها يومًا من الشر أشأما _________ ١ نشط العقد: عقدها، وأنشطها حلها، والعقل ككتب جمع عقال وهو الحبل. ٢ هو مثل، وأصله في الإبل، يقال: لقحت الناقة إذا حملت، وألقحها الفحل، ثم ضرب ذلك مثلًا للحرب إذا ابتدأت، والعون جمع عوان، وهي الثيب. يقال للحرب عوان إذا كان قد قوتل فيها مرة بعد مرة ٣ تذكوا. ٤ الاستئصال. ٥ الثكل. ٦ الأبلاد: الآثار، جمع بلد "كالندوب جمع ندب". ٧ السحاب الذي تشفره الريح والزينة. ٨ الثابتة.
٤- مقال مرثد الخير: فقال الملك: لا تنشطوا١ عقل الشوارد، ولا تلقحوا العون القواعد٢، ولا تؤرثوا٣ نيران الأحقاد؛ ففيها المتلفة المستأصلة، والجائحة٤ والأليلة٥، وعفوا بالحلم، أبلاد٦ الكم، وأنيبوا إلى السبيل الأرشد، والمنهج الأقصد؛ فإن الحرب تقبل بزبرج٧ الغرور، وتدبر بالويل والثبور، ثم قال الملك: ألا هل أتى الأقوام بذلي نصيحة ... حبوت بها منى سبيعًا وميثمًا وقلت اعلما أن التدابير غادرت ... عواقبه للذل والقل جرهما فلا تقدحا زند العقوق وأبقيا ... على العزة القعساء٨ أن تتهدما ولا تجنيا حربًا تجر عليكما ... عواقبها يومًا من الشر أشأما _________ ١ نشط العقد: عقدها، وأنشطها حلها، والعقل ككتب جمع عقال وهو الحبل. ٢ هو مثل، وأصله في الإبل، يقال: لقحت الناقة إذا حملت، وألقحها الفحل، ثم ضرب ذلك مثلًا للحرب إذا ابتدأت، والعون جمع عوان، وهي الثيب. يقال للحرب عوان إذا كان قد قوتل فيها مرة بعد مرة ٣ تذكوا. ٤ الاستئصال. ٥ الثكل. ٦ الأبلاد: الآثار، جمع بلد "كالندوب جمع ندب". ٧ السحاب الذي تشفره الريح والزينة. ٨ الثابتة.
1 / 12
فإن جناة الحرب للحين عرضة ... تفوقهم منها الذعاف المقشما١
حذار؛ فلا تستنبثوها؛ فإنها ... تغادر الأنف الأشم مكشما٢
فقالا: لا، أيها الملك. بل نقبل نصحك، ونطيع أمرك، ونطفئ النائرة٣، ونحل الضغائن، ونثوب إلى السلم.
_________
١ تفوقهم: تسقيهم الفواق بالضم "وهو مابين الحلبتين" والذعاف: السم، أو سم ساعة "وسم ذعاف" والمقشم: المخلوط.
٢ هو مثل: أي لا تخرجوا نبيثتها، وهو ما يخرج من البئر إذا حفرت: يريد لا تثيروا الحرب، ومكثما: مقطوعًا.
٣ العداوة والشحناء.
١- طريف بن العاصي والحارث بن ذبيان يتفاخران عند بعض مقاول حمير: اجتمع طريف بن العاصى الدوسى، والحارث بن ذبيان -وهو أحد المعمرين- عند بعض مقاول١ حمير، فتفاخرا. فقال الملك للحارث: يا حارث! ألا تخبرني بالسبب الذي أخرجكم عن قومكم حتى لحقتم بالنمر بن عثمان؟ فقال: أخبرك أيها الملك. خرج هجينان٢ منا يرعيان غنمًا لهما؛ فتشاولا٣ بسيفيهما؛ فأصاب صاحبهم عقب صاحبنا، فعاث٤ فيه السيف، فنزف٥، فمات، فسألونا أخذ دية صاحبنا دية الهجين، وهي نصف دية الصريح٦، فأبى قومي، وكان لنا رباء٧ عليهم؛ فأبينا إلا دية الصريح، وأبوا إلا دية الهجين؛ فكان اسم هجيننا ذهين بن زبراء، واسم صاحبهم عنقش بن مهيرة، وهي سوداء أيضًا٨، فتفاقم الأمر بين الحيين، فقال رجل منا: _________ ١ جمع مقول، والمقول والقيل هو الذي دون الملك الأعظم. ٢ الهجين: عربي ولد من أمة، أو من أبوه خير من أمه "والمقرف: الذي أمه عربية، وأبوه ليس بعربي". ٣ تضاربا. ٤ أفسد. ٥ نزف الرجل إذا سال دمه حتى يضعف. ٦ الصريح: الخالص النسب. ٧ زيادة. ٨ كذا في الأصل، ولم يتقدم لكم الحكم على شيء بالسواد؛ فلعل الأصل: "ذهين بن زبراء وهي سوداء".
١- طريف بن العاصي والحارث بن ذبيان يتفاخران عند بعض مقاول حمير: اجتمع طريف بن العاصى الدوسى، والحارث بن ذبيان -وهو أحد المعمرين- عند بعض مقاول١ حمير، فتفاخرا. فقال الملك للحارث: يا حارث! ألا تخبرني بالسبب الذي أخرجكم عن قومكم حتى لحقتم بالنمر بن عثمان؟ فقال: أخبرك أيها الملك. خرج هجينان٢ منا يرعيان غنمًا لهما؛ فتشاولا٣ بسيفيهما؛ فأصاب صاحبهم عقب صاحبنا، فعاث٤ فيه السيف، فنزف٥، فمات، فسألونا أخذ دية صاحبنا دية الهجين، وهي نصف دية الصريح٦، فأبى قومي، وكان لنا رباء٧ عليهم؛ فأبينا إلا دية الصريح، وأبوا إلا دية الهجين؛ فكان اسم هجيننا ذهين بن زبراء، واسم صاحبهم عنقش بن مهيرة، وهي سوداء أيضًا٨، فتفاقم الأمر بين الحيين، فقال رجل منا: _________ ١ جمع مقول، والمقول والقيل هو الذي دون الملك الأعظم. ٢ الهجين: عربي ولد من أمة، أو من أبوه خير من أمه "والمقرف: الذي أمه عربية، وأبوه ليس بعربي". ٣ تضاربا. ٤ أفسد. ٥ نزف الرجل إذا سال دمه حتى يضعف. ٦ الصريح: الخالص النسب. ٧ زيادة. ٨ كذا في الأصل، ولم يتقدم لكم الحكم على شيء بالسواد؛ فلعل الأصل: "ذهين بن زبراء وهي سوداء".
1 / 13
حلومكم يا قوم لا تعزبنها١ ... ولا تقطعوا أرحامكم بالتدابر
وأدوا إلى الأقوام عقل ابن عمهم ... ولا ترهقوهم سبئة في العشائر٢
فإن ابن زيراء الذي فاد لم يكن ... بدون خليف أو أسيد بن جابر٣
فإن لم تعاطوا الحق؛ فالسيف بيننا ... وبينكم، والسيف أجور جائر
فتظافروا٤ علينا حسدًا، فأجمع ذوو الحجى منا أن نلحق بأمنع بطن من الأزد؛ فلحقنا بالنمر بن عثمان، فوالله مافت٥ في أعضادنا، فأبنا عنهم، ولقد أثارنا٦ صاحبنا وهم راغمون.
فوئب طريف بن العاصى من مجلسه، فجلس بإزاء الحرث، ثم قال:
تالله ما سمعت كاليوم قولًا أبعد من صواب، ولا أقرب من خطل٧، ولا أجلب لقدع٨ من قول هذا، والله أيها الملك ما قتلوا بهجينهم بذجًا٩، ولا رقوا به درجًا، ولا أنطوا١٠ به عقلًا، ولا أجتفئوا١١ به خشلًا١٢، ولقد أخرجهم الخوف عن أصلهم، وأجلاهم عن محلهم، حتى استلانوا خشونة الإزعاج، ولجئوا إلى أضيق الولاج١٣: قلا وذلا.
فقال الحارث: أتسمع يا طريف، إني والله ما إخالك كافًا غرب١٤ لسانك، ولا منهنهًا١٥ شرة نزوانك، حتى أسطو بك سطوة تكف طماحك، وترد
_________
١ لا تبعدنها - وأعزب: بعد وأبعد.
٢ العقل: الدية، يقال: عقلت فلانًا إذا غرمت دينه، وعلقت عن فلان إذا غرمت عنه دية جنايته. وأرهقته عسرًا: كلفته ذلك.
٣ فاد يفود: مات "وفاد يفيد: تبختر".
٤ تظاهروا.
٥ أوهن وأضعف.
٦ اثأرت: أدركت منه ثأرى "وأصله اثتأر".
٧ خطأ.
٨ الكلام القبيح، أفذع له إذا أسمعه كلامًا قبيحًا.
٩ البذج: الخروف، فارسي معرب.
١٠ لغة في أعطوا.
١١ صرعوا.
١٢ الخشل: شجرة المقل "الدوم" وهذه أمثال كلها، يريد أنهم لم ينالوا ثأره.
١٣ الولاج الباب، وجمعه الولج، وهي أيضًا النواحي والأزقة.
١٤ غرب الشيء: حده.
١٥ نهنهه عن الأمر فتنهنه: كفه وزجره فكف، والشرة: الحدة، والنزوان: الوثوب.
1 / 14
جماحك، وتكبت تترعك١، وتقمع تسرعك.
فقال طريف: مهلًا يا حارث، لا تعرض لطحمة٢ استناني، وذرب٣ سناني، وغرب شبابي، وميسم٤ سبابي، فتكون كالأظل٥ الموطوء، والعجب الموجوء٦.
فقال الحارث: إياي تخاطب مثل هذا القول؟ فو الله وطئتك لأسختك٧، ولو وهصتك٨ لأوهطتك٩، ولو نفحتك١٠ لأفدتك.
فقال طريف متمثلًا:
وإن كلام المرء في غير كهه ... لكالنبل تهوى ليس فيها نصالها
أما والأصنام المحجوبة، والأنصاب١١ المنصوبة، لئن لم تربع على ظلمك١٢، وتقف عند قدرك، لأدعن حزنك سهلًا، وغمرك ضحلًا١٣، وصفاك١٤ وحلًا.
فقال الحارث: أما والله لو رمت ذلك لمرغت بالحضيض١٥، وأغصصت بالجريض١٦، وضاقت عليك الرحاب، وتقطعت بك الأسباب، ولألفيت لقى١٧
_________
١ التسرع إلى الشر.
٢ طحمة السيل دفعته، واستن الفرس قص وعدا لمرحه ونشاطه شوطًا أو شوطين، والاستنان: النشاط، استن الفرس: جرى في نشاطه على سننه في جهة واحدة.
٣ الذرب: الحدة، وكذا الغرب.
٤ المكواة.
٥ الأظل: أسفل خف البعير.
٦ العجب: أصل الذنب والموجوء: المدقوق "من وجأ التيس: دق عروق خصييه بين حجرين ولم يخرجهما شبيهًا بالخصاء".
٧ أساخه: جعله يسيخ "أو يسوخ في الأرض" أي يغوص.
٨ كسرتك.
٩ صرعتك صرعة لا تقوم منها.
١٠ نفحه بسيفه: تناوله.
١١ الأنصاب: حجارة كانت حوله الكعبة تنصب فيهل عليه ويذبح لغير الله تعالى، وقيل الأنصاب حجارة نصبت وعبدت من دون الله جمع نصب، وقيل النصب جمع نصاب.
١٢ ربع يربع: كف، وظلع ظلمًا غمز في مشيه، وأربع على ظلعك أي إنك ضعيف فانته عما لا تطيقه وكف.
١٣ الغمر: الماء الكثير، والضحل: الماء القليل "وكذا الضحضاح".
١٤ الصفا: جمع صفاة وهي الحجر الصلد الضخم أو الصفا بمعنى الصفو.
١٥ أسفل الجبل.
١٦ الحريض. الغصة من الحرض، وهو الريق يغص به يقال جرض بريقه يجرض ابتلعه بالجهد على هم وحزن، وفي المثل: حال الجريض دون القريض، يضرب للأمر يقدر عليه أخيرًا حين لاينفع. قاله جوشن الكلابي حين منعه أبوه من الشعر فرض حزنًا حتى أشرف على الهلاك، فرق له وقال انطق بما أحببت؛ فقال ذلك.
١٧ اللقى: الملقى المطروح.
1 / 15
تهاداه الرواس١. بالسهب الطامس٢.
فقال طريف: دون ما ناجتك به نفسك مقارعة أبطال، وحياض أهوال، وحفزة٣ إعجال، يمنع معه تطامن الإمهال.
فقال الملك: إيهًا٤ عنكما! فما رأيت كاليوم مقال رجلين لم يقصبا٥، ولم يثلبا٦،ولم يلصوا٧، ولم يقفوا٨.
"الأمالي ١: ٧٣".
_________
١ الرواس: الرياح التي ترمس أي تدفن.
٢ المستوى من الأرض، والطامس: الدارس "كالطاسم".
٣ الحفز: الدفع.
٤ إيها: كلمة زجر بمعنى حسبك "وإيه: أمر. كلمة استزادة واستنطاق".
٥ لم يشتما. قصبه إذا وقع فيه وأصله القطع.
٦ ثلبه: عابه.
٧ لصاه: قذفه.
٨ قفاه: قذفه بأمر عظيم.
1 / 16
وفود العرب يعزون سلامة ذا فائش بابن له مات
مدخل
...
وفود العرب: يعزون سلامة ذا فائش بابن له مات:
نشأ لسلامة ذي فائش ابن كأكمل أبناء المقاول، وكان مسرورًا به يرشحه لموضعه؛ فركب ذات يوم فرسًا صعبًا؛ فكبا به فوقصه١؛ فجزع عليه أبوه جزعًا شديدًا، وامتنع من الطعام واحتجب عن الناس، واجتمعت وفود العرب ببابه ليعزوه؛ فلامه نصحاؤه في إفراط جزعه؛ فخرج إلى الناس فقام خطباؤهم يؤسونه٢، وكان في القوم الملبب ابن عوف، وجعادة بن أفلح فقام الملبب فقال:
_________
١ وقص عنقه: كسرها.
٢ أساه تأسيه: عزاء، وأصله: أن يقول له لك أسوة بفلان وفلان.
١- خطبة الملبب بن عوف أيها الملك، إن الدنيا تجود التسلب، وتعطى لتأخذن وتجمع لتشتت، وتحلى لتمر، وتزرع الأحزان في القلوب، بما تفجأ به من استرداد الموهوب، وكل مصيبة تخطأتك جلل١، ما لم تدن الأجل، وتقطع الأمل، وإن حادث ألم بك؛ فاستبد٢ بأقلك، وصفح عن أكثرك، لمن أجل النعم عليك، وقد تناهت إليك أنباء من رزئ فصبر، وأصيب فاغتفر؛ إذ كان شوًى٣ فيما يرتقب ويحذر؛ فاستشعر اليأس مما فات، إذ كان ارتجاعه ممتنعًا، ومرامه مستصعبًا؛ فلشيء ما ضربت الأسى، وفزع أولو الألباب إلى حسن العزاء. _________ ١ الجلل: العظيم والحقير وهو هنا بالمعنى الثاني. ٢ البدة بالضم: النصيب: النصيب، واستبد به: جعله نصيبه. ٣ الشوى: الهين اليسير ورذال المال.
١- خطبة الملبب بن عوف أيها الملك، إن الدنيا تجود التسلب، وتعطى لتأخذن وتجمع لتشتت، وتحلى لتمر، وتزرع الأحزان في القلوب، بما تفجأ به من استرداد الموهوب، وكل مصيبة تخطأتك جلل١، ما لم تدن الأجل، وتقطع الأمل، وإن حادث ألم بك؛ فاستبد٢ بأقلك، وصفح عن أكثرك، لمن أجل النعم عليك، وقد تناهت إليك أنباء من رزئ فصبر، وأصيب فاغتفر؛ إذ كان شوًى٣ فيما يرتقب ويحذر؛ فاستشعر اليأس مما فات، إذ كان ارتجاعه ممتنعًا، ومرامه مستصعبًا؛ فلشيء ما ضربت الأسى، وفزع أولو الألباب إلى حسن العزاء. _________ ١ الجلل: العظيم والحقير وهو هنا بالمعنى الثاني. ٢ البدة بالضم: النصيب: النصيب، واستبد به: جعله نصيبه. ٣ الشوى: الهين اليسير ورذال المال.
1 / 17
٧- خطبة جعادة بن أفلح:
وقام جعادة فقال: "أيها الملك، لا تشعر قلبك الجزع على ما فات؛ فيغفل دهنك عن الاستعداد لما يأتي، وناضل عوارض الحزن بالأنفة عن مضاهاة١ أفعال أهل وهي٢ العقول؛ فإن العزاء لحزماء الرجال، والجزع لربات الحجال٣، ولو كان الجزع يرد فائتًا، أو يحيي تالفًا، لكان فعلًا دنيئًا، فكيف وهو مجانب لأخلاق ذوي الألباب، فارغب بنفسك أيها الملك عما يتهافت٤ فيه الأرذلون، وصن قدرك عما يركبه المخسوسون، وكن على ثقة أن طمعك فيما استبدت به الأيام، صلة كأحلام النيام". "الأمالي ٢: ١٠١".
_________
١ مشاكلة.
٢ ضعف.
٣ والحجال جمع حجلة "بفتحتين"، وهي القبة وموضع يزين بالثياب والستور للعروس.
٤ التهافت: التتابع.
٨- تساؤل عامر بن الظرب وحممة بن رافع: عند أحد ملوك حمير: اجتمع عامر بن الظرب العدواني، وحممة بن رافع الدوسي عند ملك من ملوك حمير؛ فقال: تساءلًا حتى أسمع ما تقولان. قال عامر لحممة: أين تحب أن تكون أياديك؟ قال: عند ذي الرثية١ العديم، وذي الخلة٢ الكريم، والمعسر الغريم، والمستضعف الهضيم. قال: من أحق الناس بالمقت؟ قال: الفقير المختال، والضعيف الصوال، والعيي القوال. قال: فمن أحق الناس بالمنع؟ قال: الحريص الكاند٣، والمستميد٤ الحاسد، والملحف الواجد. قال: فمن أجدر الناس بالصنيعة؟ قال: من إذا أعطى شكر، وإذا _________ ١ الرثية: وجع المفاصل واليدين والرجلين "الروماتزم". ٢ الخلة الخاجة. ٣ الكاند: الذي يكفر النعمة، والكنود الكفور: "إن الإنسان لربه لكنود". ٤ المستميد والمستمير: المستعطى.
٨- تساؤل عامر بن الظرب وحممة بن رافع: عند أحد ملوك حمير: اجتمع عامر بن الظرب العدواني، وحممة بن رافع الدوسي عند ملك من ملوك حمير؛ فقال: تساءلًا حتى أسمع ما تقولان. قال عامر لحممة: أين تحب أن تكون أياديك؟ قال: عند ذي الرثية١ العديم، وذي الخلة٢ الكريم، والمعسر الغريم، والمستضعف الهضيم. قال: من أحق الناس بالمقت؟ قال: الفقير المختال، والضعيف الصوال، والعيي القوال. قال: فمن أحق الناس بالمنع؟ قال: الحريص الكاند٣، والمستميد٤ الحاسد، والملحف الواجد. قال: فمن أجدر الناس بالصنيعة؟ قال: من إذا أعطى شكر، وإذا _________ ١ الرثية: وجع المفاصل واليدين والرجلين "الروماتزم". ٢ الخلة الخاجة. ٣ الكاند: الذي يكفر النعمة، والكنود الكفور: "إن الإنسان لربه لكنود". ٤ المستميد والمستمير: المستعطى.
1 / 18
منع عذر، وإذا موطل صبر، وإذا قدم العهد ذكر. قال: من أكرم الناس عشرة؟ قال: من إن قرب منح، وإن بعد مدح، وإن ظلم صفح، وإن ضويق سمح، قال: من ألأم الناس؟ قال: من إذا سأل خضع، وإذا سئل منع، وإذا ملك كنع١، ظاهره جشع٢، وباطنه طبع٣. قال: فمن أحلم الناس؟ قال: من عفا إذا قدر، وأجمل إذا انتصر، ولم تطغه عزة الظفر. قال: فمن أحزم الناس؟ قال: من أخذ رقاب الأمور بيديه، وجعل العواقب نصب عينيه، ونبذ التهيب دبر أذنيه٤، قال: فمن أخرق الناس؟ قال: من ركب الخطار٥، واعتسف٦ العثار، وأسرع في البدار، قبل الاقتدار. قال: فمن أجود الناس؟ قال: من بذل المجهود، ولم يأس على المعهود. قال: فمن أبلغ الناس؟ قال: فمن جلى المعنى المزيز٧، باللفظ الوجيز، وطبق٨ المفصل. قبل التحزيز. قال: فمن أنعم الناس عيشًا؟ قال: من تحلى بالعفاف، ورضي بالكفاف، وتجاوز ما يخاف إلى ما لا يخاف. قال: فمن أشقى الناس؟. قال: من حسد على النعم، وتسخط على القسم، واستشعر الندم، على فوت مالم يحتم. قال: من أغنى الناس؟ قال: من استشعر اليأس، وأبدى التجمل للناس، واستكثر قليل النعم، ولم يسخط على القسم. قال: فمن أحكم الناس؟ قال: من صمت فادكر، ونظر فاعتبر، ووعظ فازدجر. قال: من أجهل الناس؟ قال: من رأى الخرق مغمًا، والتجاوز مغرمًا" "الأمالي ٢:٢٨٠".
_________
١ تقبض. تكنع جلده إذا تقبض أي ممسك بخيل.
٢ الجشع: أسوأ الحرص.
٣ الدنس.
٤ جعلت الشيء دبر أذني: إذا لم ألتفت إليه.
٥ جمع خطر، وهو الإشراف على الهلاك.
٦ الاعتساف: ركوب الطريق على غير هداية وركوب الأمر على غير معرفة.
٧ الصعب.
٨ التطبيق: أن يصيب السيف المفاصل فيفصلها لا يجاوزها.
٩- خطبة عامر بن الظرب العدواني وقد خطبت ابنته خطب صعصة بن معاوية إلى عامر بن الظرب العداوني ابنته عمرة فقال:
٩- خطبة عامر بن الظرب العدواني وقد خطبت ابنته خطب صعصة بن معاوية إلى عامر بن الظرب العداوني ابنته عمرة فقال:
1 / 19
"يا صعصعة إنك جئت تشتري مني كبدي، وأرحم ولدي عندي، منعتك، أو بعتك، النكاح خير من الأيمة١، والحسيب كفء الحسيب والزوج الصالح أب بعد أب، وقد أنكحتك خشية ألا أجد مثلك، أفر من السر إلى العلانية، أنصح ابنا، وأودع ضعيفًا قويًّا، ثم أقبل على قومه فقال:
"يا معشر عدوان: أخرجت من بين أظهركم كريمتكم، على غير رغبة عنكم، ولكن من خط له شيء جاءه، رب زارع لنفسه حاصد سواء، ولولا قسم الحظوظ على قدر الجدود، ما أدرك الآخر من الأول شيئًا يعيش به؛ ولكن الذي أرسل الحيا٢، أنبت المرعى، ثم قسمه أكلًا٣ لكل فم بقلة، ومن الماء جرعة، إنكم ترون ولا تعلمون، لن يرى ما أصف لكم إلا كل ذي قلب واع٤، ولك شيء راعٍ، ولك رزق ساع، إما أكيس وإما أحمق، وما رأيت شيئًا إلا سمعت حسه، ووجدت مسه، وما رأيت موضعًا إلا مصنوعًا، وما رأيت جائيًا إلى داعيًا، ولا غانمًا إلا خائبًا، ولا نعمة إلا ومعها بؤس، ولو كان يميت الناس الداء؛ لأحياهم الدواء؛ فهل لكم في العلم العليم؟ قيل ما هو؟ قد قلت فأصبت، وأخبرت فصدقت، فقال: أمورًا شتى، وشيئًا شيًّا، حتى يرجع الميت حيًا، ويعود لا شيء شيًا؛ ولذلك خلقت الأرض والسموات، فتولوا عنه راجعين، فقال: ويلمها٥ نصيحة لو كان من يقبلها".
"مجمع الأمثال ١: ٢١١، البيان والتبيين ٢: ٣٧، والعقد الفريد ٣: ٢٢٣".
_________
١ الأيامى: الذي لا أزواج لهم من الرجال والنساء الواحد مهنما أيم كجيد، سواء كان تزوج من قبل أم لم يتزوج، وامرأة أيم بكرًا كانت أو ثيبًا، وقد آمنت تئيم أيمًا وأيمة وأيومًا، وفي الحديث: "أنه كان يتعوذ من الأيمة".
٢ الحيا: المطر.
٣ الأكل: ما يؤكل والرزق.
٤ حافظ.
٥ يقال للمستجاد ويلمه. أي ويل لأمه، لأب لك يريدون لا أب لك فركبوه وجعلوه كالشيء الواحد.
١٠- حديث بعض مقاول حمير مع ابنيه: وما دار بينه وبينهما من المساءلة حين كبرت سنه: كان لرجل من مقاول حمير ابنان، يقال لأحدهما عمرو، وللآخر ربيعة، وكانا قد
١٠- حديث بعض مقاول حمير مع ابنيه: وما دار بينه وبينهما من المساءلة حين كبرت سنه: كان لرجل من مقاول حمير ابنان، يقال لأحدهما عمرو، وللآخر ربيعة، وكانا قد
1 / 20
برعا في الأدب والعلم؛ فلما بلغ الشيخ أقصى عمره، وأشقى١ على الفناء، دعاهما ليبلو٢ عقولهما، ويعرف مبلغ علمهما؛ فلما حضرا: قال لعمرو -وكان الأكبر- أخبرني عن أحب الرجال إليك، وأكرمهم عليك. قال: "السيد الجواد، والقليل الأنداد، والماجد الأجداد، الراسي الأوتاد، الرفيع العماد، العظيم الرماد، الكثير الحساد، الباسل الذواد٣، الصادر الوراد" قال: ما تقول ياربيعة؟ قال: ما أحسن ما وصف! وغيره أحب إلي منه، قال: ومن يكون بعد ذا؟ قال: "السيد الكريم، المانع للحريم، المفضال الحليم، القمقام٤ الزعيم، الذي إن هم فعل، وإن سئل بذل".
قال: أخبرني يا عمرو بأبغض الرجال إليك؟ قال: البرم٥ اللئيم، المستخذي٦ للخصيم، المبطان٧ النهيم، العي البكيم، الذي إن سئل منع، وإن هدد خضع، وإن طلب جشع٨. قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال: غيره أبغض إلي منه. قال: ومن هو؟ قال: النئوم الكذوب، الفاحش الغضوب، والرغيب عند الطعام، الجبان عند الصدام.
قال: أخبرني يا عمرو: أي النساء أحب إليك؟ قال: الهركولة٩ اللفاء١٠، الممكورة١١ الجيداء، التي يشفي السقيم كلامها، ويبري الوصب١٢ إلمامها، التي إن أحسنت إليها شكرت، وإن أسأت إليها صبرت، وإن استعتبتها١٣ أعتبت، الفاترة الطرف، الطفلة١٤ الكف، العميمة الردف. قال: ما تقول ياربيعة؟ قال: نعت فأحسن! وغيرها أحب إلي منها. قال: ومن هي؟ قال: "الفتانة العينين،
_________
١ أشفى عليه: أشرف.
٢ ليختبر.
٣ من ذاد عنه: إذا دفع.
٤ السيد "ويضم".
٥ البرم: من لا يدخل مع القوم في الميسر.
٦ الخاضع المستكين، والخصيم: المخاصم.
٧ من همه بطنه، أو الرغيب لا ينتهي من الأكل.
٨ الجشع: أسوأ الحرص.
٩ المرتجة الأرداف.
١٠ الملتفة الجسم.
١١ المطوية الخلق من النساء والمستديرة الساقين، والجيداء: من الجيد بالتحريك، وهو طول الرقبة، أو دقتها مع طول.
١٢ المريض.
١٣ استعتبه: طلب إليه العتبى "الرضا" وأعتبه أعطاه العتبى.
١٤ الناعمة.
1 / 21
الأسيلة١ الخدين، الكاعب٢ الثديين، الرداح٣ الوركين، الشاكرة للقليل، المساعدة للحليل٤، الرخيمة٥ الكلام، الجماء٦ العظام، الكريمة الأخوال والأعمام، العذبة اللثام٧.
قال: فأي النساء إليك أبغض يا عمرو؟ قال: القتاته٨ الكذوب، الظاهرة العيوب، الطوافة الهبوب٩، العابسة القطوب، السبابة الوثوب، التي إن ائتمنها زوجها خانته، وإن لان لها أهانته، وإن أرضاها أغضبته، وإن أطاعها عصته، قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال: بئس والله المرأة ذكر! وغيرها أبغض إلي منها. قال: وأيتهن التي هي أبغض إليك من هذه؟ قال: السليطة١٠ اللسان، والمؤذية للجيران، والناطقة بالبهتان، التي وجهها عابس، وزوجها من خيرها آيس، التي إن عاتبها زوجها وترته١١، وإن ناطقها انتهرته. قال ربيعة: وغيرها أبغض إلي منها. قال: ومن هي؟ قال: التي شقي صاحبها، وخزي خاطبها، وافتضح أقاربها. قال: ومن صاحبها؟ قال: مثلها في خصالها كلها، لا تصلح إلا له، ولا يصلح إلا لها. قال: فصفه لي. قال: الكفور غير الشكور، اللئيم الفجور، العبوس الكالح١٢، الحرون الجامح، الراضي بالهوان، المختال المنان، الضعيف الجنان، الجعد١٣ البنان، الفثول غير الملول غير الوصول، الذي لا يرع١٤ عن المحارم، ولا يرتدع عن المظالم.
قال: أخبرني يا عمرو: أي الخيل أحب إليك عند الشدائد، إذا التقى الأقران للتجالد؟ قال: الجواد الأنيق، الحصان العتيق، الكفيت١٥ العريق، الشديد الوثيق، الذي يفوت إذا هرب، ويلحق إذا طلب. قال: نعم الفرس والله نعت! قال: فما تقول
_________
١ الأسيل من الخدود: الطويل المسترسل.
٢ كعب الثدي: نهد.
٣ الثقيلة العجيزة الضخمة الوركين.
٤ الزوج.
٥ اللينة الكلام.
٦ التي ليس لعظامها حجم.
٧ المراد موضوع اللثام؛ فهو على حذف مضاف.
٨ النمامة.
٩ الكثيرة الانتباه، والهبوب: الريح المثيرة للغبار.
١٠ الطويلة.
١١ أحفظته وأغضبته.
١٢ كلج: تكشر في عبوس.
١٣ كناية عن البخل.
١٤ ورع: كورث كف.
١٥ السريع.
1 / 22