Efforts of Muslim Scholars in Differentiating the Authentic Prophetic Biography from the Weak
جهود علماء المسلمين في تمييز صحيح السيرة النبوية من ضعيفها
Editorial
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف
Géneros
مقدمة
...
تمهيد:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه.
إن من المتفق عليه عند علماء الإسلام في القديم والحديث أن المحدِّثين من علماء الإسلام كانوا أمناء على السنة النبوية، بما وضعوه من القواعد الدقيقة لفحص الأخبار ونقد المرويات. وكان غرضهم من ذلك تمييز ما صح من الحديث عن رسول الله ﷺ، ليقدموه للباحثين والمجتهدين، حتى يتم بناء الأحكام على الصحيح دون غيره. ولما كانت السيرة النبوية – في جزء كبير منها- موضعا للأحكام الفقهية في مجالات مختلفة من الأسرة والبيت إلى التصرفات العامة والعلاقات الدولية، فقد أولاها المحدثون عناية بالغة، فعملوا على تصحيح مروياتها. ومن أسباب العناية بها أيضا أن السيرة النبوية هي من الظروف العامة المحيطة بنزول الوحي وبورود الأحاديث عن رسول الله ﷺ.
ومعلوم أن أسباب الورود لها فائدة في شرح الأحاديث وبيان فقهها. ولهذا لما صنفت كتب مصطلح الحديث عقد المصنفون أنواعا من علوم الحديث تدخل في ظروف الحديث وملابساته لفائدتها في الفهم الصحيح. منها ما ذكره الحاكم النيسابوري في النوع الثامن والأربعين من علوم الحديث وهو معرفة مغازي رسول الله ﷺ، أورد فيه ما لا يسع المحدث جهله من سيرة رسول الله ومغازيه وبعوثه وسراياه وسنته في ذلك كله. ووجه ذلك أن عهد النبي ﷺ هو الزمن الذي وردت
1 / 1
فيه الأحاديث، وأن أحوال عهد النبوة هي الظروف العامة المحيطة بالحديث النبوي، وأن استحضار أحداث السيرة والمغازي له فائدة في تنزيل الأحاديث على محالها، لأن أعمال رسول الله ﷺ في تجهيز الجيوش وبعث السرايا وغيرها، مما يدخل في السيرة من السنن الفعلية التي تدل على أنواع هذه التصرفات: أهي تصرف بالتبليغ أم بالإمامة أم بالقضاء. يقول الحاكم:" هذا النوع من هذه العلوم: معرفة مغازي رسول الله ﷺ وسراياه وبعوثه وكتبه إلى ملوك المشركين وما يصح من ذلك وما يشذ وما أبلى كل واحد من الصحابة في تلك الحروب بين يديه، ومن ثبت، ومن هرب، ومن جبن عن القتال، ومن كرَّ، ومن تدين بنصرته ﷺ، ومن نافق، وكيف قسم رسول الله ﷺ الغنائم، ومن زاد، ومن نقص، وكيف جعل سلب القتيل بين الاثنين والثلاثة وكيف أقام الحدود في الغلول. وهذه أنواع من العلوم لا يستغني عنها عالم..." (١)
ومن الأسباب العلمية أيضا التي حملت المحدِّثين على العناية بنقد أخبار السيرة وتصحيحها، أن استحضار أحوال عصر النبوة وأخبار المغازي له فائدة في نقد الأحاديث والأخبار. فنقد الحديث المروي عن رسول الله ﷺ قد يتوقف على عرضه على الوقائع التي صحت في السيرة النبوية. وبناء على هذا الأصل تم نقد كثير من الأحاديث، وسيأتي شيء من ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى. فهذه هي الأسباب التي حملت المحدِّثين على العناية بتحقيق السيرة النبوية. ولهذا نجد أخبار السيرة مبثوثة في كتب الحديث
_________
(١) "معرفة علوم الحديث" ص: ٢٣٨.
1 / 2
ودواوين السنة، ومنها ما خصص فيه المؤلفون كتبا للمغازي والسير مثل ما فعل البخاري في جامعه الصحيح حيث عقد كتابًا للمغازي، أخرج فيه ما صح عنده من أخبار المغازي. ومعنى ذلك أن السيرة النبوية عند المحدِّثين جزء من السنة النبوية.
ومع مرور الزمن صارت السيرة النبوية علما قائما بذاته، فانفصلت عن الحديث، فوجدت كتب خاصة بها دون غيرها، واشتهر من علماء الإسلام طائفة ممن لهم عناية واهتمام بالتواريخ والسير والمغازي وأخبار الإسلام، وهم المعروفون بأئمة المغازي أو الأخباريين. وكان الغالب على هؤلاء الجمع والتقميش، دون الفحص والتفتيش، فوجد بذلك التساهل في كتب المغازي والسير. يقول الدكتور فاروق حمادة: "ومما ينبغي التنبه له... أن كتب السير ومثلها كتب التاريخ تسوق كل ما ورد في الباب مما صح أو لم يصح من الأخبار لتمحيصه وغربلته لا قطعا منهم بصحته، ولا جزما بصدقه...وفي هذا يقول الحافظ زين الدين العراقي المتوفى ٨٠٦؟ في فاتحة ألفيته في السيرة النبوية:
وليعلم الطالبُ أنَّ السِّيرا ... تجمع ما صح وما قد أنكرا
والقصد ذكر ما أتى أهل السير ... به وإن إسناده لم يعتبر
ولهذا كان الأئمة عبر العصور يتتبعون ما ورد في كتب السير ويبينون ما فيه من الضعيف والواهي والموضوع"
(١) . ومعنى ذلك أن منهج النقد الذي
_________
(١) مصادر السيرة النبوية وتقويمها " للدكتور فاروق حمادة ص ١٠٤، وانظر "السيرة النبوية الصحيحة" للدكتور أكرم ضياء العمري ١/٣٩-٤٠.
1 / 3
وضعه المحدثون، لم يكن له حضور عند أكثر من كتب في السيرة النبوية وتاريخ الإسلام، فكانوا يسوقون الأخبار والروايات من غير نقد ولا تمحيص. ولهذا بقي المحدثون يتتبعون أخبار السيرة النبوية بالنقد والتمحيص ليتميز الصحيح فيها من الضعيف. وبفضل جهود المحدِّثين والاعتماد على مناهجهم أمكن لعلماء الإسلام التمييز بين الصحيح من السيرة النبوية وضعيفها، وذلك لدقة مناهجهم وقوة مسالكهم في النقد. ويمكن بيان منهج المحدِّثين في نقد أخبار السيرة النبوية في الخطوات الآتية:
١- استقصاء مصادر الخبر وطرقه ورواته وألفاظه وصيغه:
إن الناظر في كتب المحدِّثين والمتتبع لتصرفاتهم في التصحيح والتضعيف، يستوقف نظره ولوع علماء الحديث ونقاده بجمع طرق الحديث الواحد واستقصاء الأسانيد التي ورد بها، وحصر طرقه ومخارجه التي أتى منها، وبلغ منهم ذلك أَنْ حَمَلَ بعضَ مَنْ لم يعرف مسلك المحدِّثين على وصفهم بزوامل للأسفار.
أو كما قال بعضهم:
زوامل للأشعار لا علم عندها ... لعمرك ما يدري البعير إذا غدا
بجيدها إلا كعلم الأباعر ... بأحماله أو راح ما في الغرائر (١)
وذلك لما رآهم لا يكتفون بالسند الواحد للحديث حتى يضموا إليه غيره، وكانوا يفرحون بذلك؛ لأنه الطريق إلى معرفة هذا الحديث والحكم
_________
(١) "تأويل مختلف الحديث" لابن قتيبة ص ١٧. والغرائر جمع غِرارة، وهي: وعاء من الخيش ونحوه توضع فيه الحبوب.
1 / 4
الصحيح عليه، ومعرفة أوصافه، وكل ما يمكن أن يعرض للأحاديث، ولهذا يقول يحيى بن معين: "لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجها ما عقلناه" (١) . فكلما توسع الناظر في الحديث في جمع الطرق وتتبع الأسانيد التي ورد بها، كثرت فوائده وضَعُفَ احتمال غَلَطه في الحكم على الحديث، وعرف من ذلك ما لم يعرفه لو وقف عند السند الأول الذي وقف عليه أولًا. يقول الإمام أحمد: "الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه، والحديث يفسر بعضه بعضا" (٢) . فكل سند للحديث الواحد يأتي بفائدة جديدة في الحكم على الحديث ومعرفة صفته، ولهذا جعل المحدثون الطريق الواحد بمنزلة خبر مستقل ولو كانت الطرق كلها تحكي عن الواقعة نفسها وتحمل المتن نفسه، وكانوا في العد يجعلون كل طريق حديثا واحدا، وفي هذا المعنى يقول الإمام مسلم بن الحجاج في بيان مسلكه في صحيحه:" إنا نعمد إلى جملة ما أسند من الأخبار عن رسول الله ﷺ، فنقسمها على ثلاثة أقسام، وثلاث طبقات من الناس، على غير تكرار إلا أن يأتي موضع لا يستغنى فيه عن ترداد حديث فيه زيادة معنى أو إسناد يقع إلى جنب إسناد؛ لعلة تكون هناك؛ لأن المعنى الزائد في الحديث المحتاج إليه يقوم مقام حديث تام، فلابد من إعادة الحديث الذي فيه ما وصفنا من الزيادة." (٣) فصرح أن الزيادة في الإسناد تقوم مقام حديث تام.
ويتأكد هذا خاصة في أخبار السير والمغازي لأنها في الغالب عبارة عنش
_________
(١) "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" ٢/٢١٢.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) مقدمة صحيح مسلم بشرح النووي ١ / ٤٨ –٤٩.
1 / 5
حكايات لوقائع وحوادث، وهذه الحوادث تكون متلاحقة، والرواة لها ليسوا كلهم في مرتبة واحدة من الحفظ والضبط، فيحفظ بعضهم ما لم يحفظ غيره، ويروي بعضهم ما لا يرويه غيره. ولهذا نص المحدثون على ضرورة استقصاء طرق الخبر وتتبع أسانيده التي ورد بها، حتى يمكن حصر صيغه واستكمال وقائعه وأجزائه. فكل إسناد من أسانيد الحديث الواحد لا يخلو في الغالب من فوائد وزيادات في نص الحديث ومتنه. فأسانيد الخبر تتعدد بتعدد رواة ذلك الخبر ونقلته، والرواة والنقلة يختلفون في الحفظ والاستيعاب، وقد ينقل بعضهم ما غفل عنه الآخر، ولا سيما في نقل الأحاديث الطويلة ورواية الوقائع المتلاحقة الحوادث، والنوازل المتنوعة المشاهد والمواضع، فمن اقتصر على سند واحد فقد اكتفى برواية واحدة، فلم يؤمن عليه ألا يكتمل عنده متن الحديث، وأن تغيب عنه أجزاء كثيرة من الواقعة، أو يقف على الحديث بمعناه دون لفظه، فلا مناص من البحث عن الروايات الأخرى. وما أكثر الأخبار الواردة في مغازي رسول الله ﷺ التي لا يمكن استكمال وقائعها وجمع أجزائها إلا بجمع الروايات المختلفة واستقصاء أسانيدها وطرقها؛ ولهذا وجد عند بعض علماء المغازي ورواة السيرة النبوية ما سماه بعضهم بالسند الجماعي: وهو أن يجمع الراوي في الرواية بين أكثر من واحد ممن سمع منه الواقعة، ويضم سماعاته منهم بعضها إلى بعض لتستقيم الواقعة وتكتمل أجزاؤها، ولو اقتصر على الواحد لجاءت الواقعة قاصرة؛ لأن هؤلاء روى بعضهم من الواقعة ما لم يرو غيره؛ لأن كل واحد حفظ ما لم يحفظ غيره، فلابد من ضم ذلك كله بعضه إلى بعض.
وهذا من منهج إمام الحديث والمغازي في عصره ابن شهاب الزهري،
1 / 6
فقد أخرج البخاري بسنده عنه في قصة الإفك، قال الزهري: حدثني عروة ابن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود عن عائشة ﵂ زوج النبي ﷺ حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، وكلهم حدثني طائفة من حديثها، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت له اقتصاصا، وقد وعيت عن كل رجل منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة وبعض حديثهم يصدق بعضا، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض." (١) قال الحافظ ابن حجر في شرح قول الزهري "وبعضهم كان أوعى..": "هو إشارة إلى أن بعض هؤلاء الأربعة أميز في سياق الحديث من بعض من جهة حفظ أكثره، لا أن بعضهم أضبط من بعض مطلقًا، ولهذا قال: "أوعى له" أي للحديث المذكور خاصة... وحاصله أن جميع الحديث عن مجموعهم لا أن مجموعه عن كل واحد منهم" (٢) . فهذا هو المنهج الذي وضعه المحدثون لجمع الأخبار الطويلة التي تتفرق أجزاؤها بحسب تفاوت حفظ الحفاظ، عندما يروي بعضهم ما لم يرو غيره. فلاستكمال الأخبار لابد من تتبع أسانيدها واستقصاء طرقها، فتجتمع بذلك ألفاظه وصيغه، فيكتمل متنه. وهذا المسلك هو المعروف عند علماء الحديث بالمتابعات أي أن المحدث لا يكتفي بالحديث الواحد في مصدر واحد بسند واحد وإنما يبحث له عن أسانيد أخرى فإن وجدت فالحديث له متابعات، وهي مما يتقوى بها الحديث، وإذا لم تكن له متابعات سموه فردًا غريبًا.
_________
(١) "صحيح البخاري" كتاب المغازي، باب حديث الإفك. (فتح الباري ٧/٤٣١) . ومسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب في حديث الإفك وقبول التوبة (صحيح مسلم ٤/٢١٢٩)، صحيح مسلم بشرح النووي ١٧/١٠٢-١٠٣) . وأخرجه أيضا الإمام احمد في مسنده، ٦/١٩٤.
(٢) فتح الباري ٨ / ٤٥٧
1 / 7
وأما الفائدة الثانية: فهي أن اعتبار المصادر المتنوعة وضم بعضها إلى بعض، يتم به استكمال الخبر وجمع أطرافه؛ لأن كل مصدر إنما يورد منه طرفا أو جزءا، فبعضها يكمل بعضا. وإن هذا المنهج الذي وضعه المحدثون منهج عام يصلح في النقد التاريخي عامة، وليس في الحديث والسيرة النبوية فقط. وقد عبر المؤلفون في النقد التاريخي في العصر الحاضر عن هذا المسلك بتعابير مختلفة، لكنها لا تخرج في حقيقتها عما سطره المحدثون. فقد نصوا على أن منهج النقد التاريخي يقوم أولا على استقصاء الخبر في جميع المصادر المتوافرة، ولا يجوز للناقد أن يزدري أي مصدر قد يرد به الخبر.
إن المؤرخ الذي يقف على خبر تاريخي في مصدر من المصادر أو في وثيقة، لا يكتفي بهذا الخبر من خلال مصدر واحد وإنما يجب عليه استقصاء مصادر الخبر ومظانه المتنوعة. واستقصاء مصادر الخبر "يقتضي عدم الاكتفاء بما يبين للعين أو يعثر عليه بأيسر جهد، بل يتطلب الاستقصاء البعيد والتفتيش الدقيق في كل ركن وزاوية أملا في أن ينكشف شيء جديد" (١) . فكلما عثر المؤرخ على الخبر المنظور فيه في مصدر عَبَرَ منه إلى غيره، فينظر في الخبر الواحد من خلال مصادر عديدة وشواهد متنوعة، " فلا يزدري أيا من المصادر أو يهمله؛ لأن أقلها لدى النظرة الأولى قد يغدو بعد التحقيق أكثرها خطورة، وأغناها بالمعلومات" (٢) . فهذا ما نص عليه المحدثون لما ذكروا وجوب تتبع مصادر الخبر واستقصاء أسانيده ومخارجه، وبهذا تمكن علماء الإسلام من جمع أخبار السيرة النبوية.
_________
(١) "نحن والتاريخ" ص: ٩٧.
(٢) نفسه ص: ٧١.
1 / 8
٢- تحكيم علم الرجال وقواعد الجرح والتعديل:
وهذا أيضا منهج راسخ عند المحدِّثين. فقد اشترط المحدثون لمن ينظر في الخبر لتحقيقه ومعرفة درجته من حيث الصحة والضعف، أن يستحضر أحوال رواته من جهة العدالة والضبط، ومن جهات أخرى لا صلة لها بالعدالة ولا بالضبط، مثل حياة الراوي، مولدا ووفاة، وبلدا ورحلة وتواريخ ذلك كله. بل إنه في بعض الحالات قد يعرف عدالة الرجل وضبطه، لكنه مع ذلك يحتاج إلى أخباره الأخرى، مثل حاجته إلى معرفة البلاد التي دخلها، ومقامه بين أقرانه وغيره ممن يشاركه في الرواية، وفهمه لهذا الحديث الذي يرويه وعلمه به، والطريقة التي تحمل بها هذا الحديث، وتاريخ سماعه، وتاريخ التحديث به. وكلما توسع الناظر في الحديث في استحضار ذلك، حصلت له فوائد جليلة، ولا سيما إذا كان للحديث المنظور فيه معارض، فيحتاج إلى الحكم بالنسخ أو التوفيق أو الترجيح، وإن كثيرا من ضوابط الترجيح ترجع إلى أحوال رواة الحديث من هذه الجهات المختلفة. ولهذا ذكر المصنفون في مصطلح الحديث أنواعا كثيرة تتعلق بأحوال الرواة وأخبارهم، ونصوا على ضرورة استحضارها. وهذه الأنواع هي (١):
* معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد.
* معرفة الصحابة.
* معرفة التابعين.
* معرفة رواية الأكابر عن الأصاغر.
_________
(١) الأنواع مأخوذة من مقدمة ابن الصلاح مع زيادات السيوطي عليه في " تدريب الراوي".
1 / 9
* معرفة رواية الأقران.
* معرفة الأخوة.
* معرفة رواية الآباء عن الأبناء.
* معرفة رواية الأبناء عن الآباء.
* معرفة من اشترك في الرواية عنه اثنان تباعد ما بين وفاتيهما.
* معرفة من لم يرو عنه إلا واحد.
* معرفة من ذكر بأسماء أو صفات مختلفة.
* معرفة المفردات من الأسماء والكنى والألقاب.
* معرفة الأسماء والكنى ومن اشتهر بها.
* معرفة كنى المعروفين بالأسماء.
* معرفة ألقاب المحدِّثين والرواة.
* معرفة المؤتلف والمختلف.
* معرفة المتفق والمفترق.
* معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم.
* معرفة النسب التي على خلاف ظاهرها.
* معرفة المبهمات من الرجال والنساء.
* معرفة الثقات والضعفاء.
1 / 10
* معرفة من اختلط من الثقات.
* معرفة طبقات العلماء والرواة.
* معرفة الموالي والمنسوبين إلى القبائل منهم.
* معرفة أوطان الرواة وبلدانهم.
* معرفة رواية الصحابة بعضهم عن بعض والتابعين بعضهم عن بعض.
* معرفة ما رواه الصحابة عن التابعين عن الصحابة.
* معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه وعكسه.
* معرفة من وافقت كنيته كنية زوجه.
* معرفة من وافق شيخه اسم أبيه.
* معرفة من اتفق اسمه واسم أبيه وجده.
* معرفة من اتفق شيخه والراوي عنه.
* معرفة من وافق اسمه نسبه.
* معرفة الأسماء التي يشترك فيها الرجال والنساء.
* معرفة من لم يرو إلا حديثا واحدا.
* معرفة الحفاظ وما اختص به كل منهم من ناحية العلم.
ويظهر أن هذه الأنواع تتعلق بأحوال الرواة وأخبار الرجال من جهات مختلفة زائدة على العدالة والضبط. وباستحضار هذه الجهات كلها من أخبار
1 / 11
الرواة، تمكن المحدثون من تحقيق الأخبار وتمييز الصحيح من غيره، والترجيح بين الأخبار المختلفة. فكان الناقد يسمع الخبر أو يقف عليه في مصدره المكتوب، فيستحضر جميع ما يتصل بالرجل الذي رواه في حياته وأحواله وتواريخ مولده ووفاته ورحلاته والبلاد التي دخلها، ومن لقيه من الرجال والشيوخ، وكانوا يستحضرون هذه الأخبار حتى بالنسبة للصحابة رضوان الله تعالى عليهم، فإنهم وإن كانوا عدولا، فإن الاعتبار بأخبارهم وأحوالهم وتواريخهم وتراجمهم له فائدة في نقد مرويات السيرة النبوية خاصة.
وبالاعتبار بأحوال رجال الحديث وأخبار رواته استخلص المحدثون فوائد جليلة في الحكم على الحديث وبيان أقسامه وأنواعه وصفاته، منها:
١- معرفة الصحيح والضعيف: فقد اشترط المحدثون لصحة السند عدالة رواته وضبطهم مع الاتصال وانتفاء الشذوذ والعلة القادحة. أما العدالة والضبط فإنما تعرفان بتتبع أحوال الرجل وأخباره من جهة التزامه أحكام الشريعة ومن جهة عنايته بالعلم وحفظه وصيانته. فإن الغرض في الرواية أن يبتعد الرجل عن الكذب والغلط، والكذب إنما يبعد عنه الدين والورع، وقلة الغلط تعرف بمقارنة الرجل في علمه وروايته بغيره ممن شاركه الرواية. ومن هنا يتبين لنا خطورة هذا المسلك والجهد الكبير الذي بذله المحدثون لتحقيق الحديث، فإن معرفة التزام الرجل الشريعة من عدمه، وضبطه من عدمه يحتاج إلى تتبع لحياة الرجل وأعماله وتصرفاته طول عمره، فإن أفعال الرجل وأعماله ممتدة في الزمان على مدى عشرات السنين، وممتدة في المكان أيضا، مع ما هو معروف من طبيعة
١- معرفة الصحيح والضعيف: فقد اشترط المحدثون لصحة السند عدالة رواته وضبطهم مع الاتصال وانتفاء الشذوذ والعلة القادحة. أما العدالة والضبط فإنما تعرفان بتتبع أحوال الرجل وأخباره من جهة التزامه أحكام الشريعة ومن جهة عنايته بالعلم وحفظه وصيانته. فإن الغرض في الرواية أن يبتعد الرجل عن الكذب والغلط، والكذب إنما يبعد عنه الدين والورع، وقلة الغلط تعرف بمقارنة الرجل في علمه وروايته بغيره ممن شاركه الرواية. ومن هنا يتبين لنا خطورة هذا المسلك والجهد الكبير الذي بذله المحدثون لتحقيق الحديث، فإن معرفة التزام الرجل الشريعة من عدمه، وضبطه من عدمه يحتاج إلى تتبع لحياة الرجل وأعماله وتصرفاته طول عمره، فإن أفعال الرجل وأعماله ممتدة في الزمان على مدى عشرات السنين، وممتدة في المكان أيضا، مع ما هو معروف من طبيعة
1 / 12
الإنسان، فإنه تارة يقبل على الطاعة وتارة يفتر عنها، وتارة يقع في المعصية، وتارة يقلع عنها، وتارة متيقظ متقن، وتارة غافل، وفي فترة من عمره جيد الحفظ صافي الذهن، وفي فترة أخرى تغلب عليه أسباب الشرود والاضطراب بسبب الهمِّ والغمِّ والهرم، فهذا كله حاضر في أذهان المحدِّثين وهم يفحصون الأحاديث. فقولهم بصحة السند إنما كان بعد استحضار جميع ما تقدم وتتبع كل ما سبق من حالات الرجل وحياته عبر سنوات عمره، وعبر المكان الذي أقام فيه وارتحل في أرجائه. وقولهم بأن الرجل ضابط حافظ، إنما هو بعد استحضار أحوال غيره من أقرانه ومقارنة روايته بروايتهم. وتجد المحدِّثين أحيانا يحكمون على الرجل بأنه ثقة تغير بآخرة، وإنما قالوا ذلك؛ لأنهم استحضروا حياته كلها حتى أواخر عمره وتغير حاله بسبب الهرم، أو بسبب عارض آخر يختلف باختلاف الأشخاص والرجال. وأما اتصال السند فإنما يعرف باستحضار تواريخ المواليد والوفيات وطبقات الرواة والبلدان التي دخلوها وتواريخ ذلك أيضا. وكذلك العلل والشذوذ إنما يعرف بمقارنة رواية الرجل بغيره واعتبار روايته برواية غيره.
٢- اكتشاف كذب الرواة: فالمحدِّثون عندما ينظرون في حديث الرجل يستحضرون زمانه وعمره من مولده إلى وفاته، وبلده ورحلاته والبلدان التي دخلها ومن لقيه بها من الشيوخ والأقران وأخبار شيوخه وأقرانه وتواريخهم ورحلاتهم، وكثيرا ما يكتشفون كذب الراوي باعتبار ذلك. وهذا ما قصده الثوري في قوله: "لما استعمل
٢- اكتشاف كذب الرواة: فالمحدِّثون عندما ينظرون في حديث الرجل يستحضرون زمانه وعمره من مولده إلى وفاته، وبلده ورحلاته والبلدان التي دخلها ومن لقيه بها من الشيوخ والأقران وأخبار شيوخه وأقرانه وتواريخهم ورحلاتهم، وكثيرا ما يكتشفون كذب الراوي باعتبار ذلك. وهذا ما قصده الثوري في قوله: "لما استعمل
1 / 13
الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ" (١) . من ذلك مثلًا ما أخرجه الخطيب البغدادي بسنده عن عفير بن معدان الكلاعي قال: "قدم علينا عمرو بن موسى حمص، فاجتمعنا إليه في المسجد فجعل يقول: حدثنا شيخكم الصالح، فلما أكثر علينا قلت له: من شيخنا الصالح هذا؟ سمه لنا نعرفه. فقال: خالد ابن معدان. قلت له في أي سنة لقيته؟ قال: سنة ثمان ومائة. قلت: فأين لقيته؟ قال: لقيته في غزاة أرمينية. فقلت له: اتق الله يا شيخ ولا تكذب، مات خالد ابن معدان سنة أربع ومائة، وأنت تزعم أنَّك لقيته بعد موته بأربع سنين. وأزيدك أخرى، أنَّه لم يغز أرمينية قط، كان يغزو الروم. (٢) فهذا عفير بن معدان الكلاعي نظر في حديث عمرو بن موسى مستحضرًا حياته ورحلاته وتواريخ ذلك، وحياة من روى عنه ورحلاته وتواريخ ذلك. ومثال آخر، قال أبو الوليد الطيالسي، كتبت عن عامر بن أبي عامر الخزامي، فقال يومًا: حدثنا عطاء بن أبي رباح، فقلت له: في كم سمعت من عطاء؟ قال: في سنة أربع وعشرين ومائة. قلت: فإن عطاء توفي سنة بضع عشرة." (٣) وكان المحدِّثون أيضا يكتشفون التحريف والكذب بالاعتبار بكتب الرجل وما كتبه وخطه والمداد الذي يكتب به. قال زكريا بن يحيى الحلواني: رأيت أبا داود السجستاني قد جعل حديث يعقوب بن كاسب وقاياتٍ على ظهور كتبه، فسألته عنه، فقال: رأينا في مسنده أحاديث أنكرناها، فطالبناه بالأصول، فدافعنا، ثم أخرجها بعد، فوجدنا الأحاديث في الأصول مغيرة بخط طري،
_________
(١) "الكفاية" ١١٩.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) "ميزان الاعتدال" ٢/٣٦٠.
1 / 14
كانت مراسيل فأسندها وزاد فيها" (١) . فهذه أمثلة من فوائد علم الرجال والجرح والتعديل.
ومعلوم أن المصنفين في السيرة النبوية وفي تاريخ الإسلام من المتقدمين، كانوا يلتزمون بشرط المحدِّثين، وهو النقل بالسند وعزو الروايات إلى مصادرها وبيان مخارجها. ولهذا كانت أخبار السيرة منقولة بأسانيدها، وذلك لبيان رواتها والكشف عن أصحابها. والغاية المرجوة من ذلك هي أن يتمكن الناظر في هذه الأخبار من معرفة درجتها وقيمتها من حيث الصحة والضعف. وإنما يحصل ذلك بتتبع أحوال الرواة في كتب الرجال ومعرفة مراتبهم في الجرح والتعديل. فعلماء الرجال جمعوا أخبار كل من له عناية بالعلم وكل من نقل ولو خبرا واحدا من الحديث أو السيرة النبوية، ودونوا ذلك في كتب الجرح والتعديل. ولهذا فإن من منهج تحقيق أخبار السيرة النبوية الاستعانة بعلم الرجال وتوظيف حقائق الجرح والتعديل. وعلى هذا المسلك يمكن وضع أخبار السيرة في مراتبها، وهذا ما نجده عند من اهتم بالسيرة من المحدِّثين خاصة، فتجدهم يزنون الأخبار اعتمادًا على مراتب رجالها وأحوال رواتها. مثال ذلك: خبر ابن عباس أن خديجة ولدت لرسول الله ﷺ ستة: "عبد الله والقاسم وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة، وولدت له ماريا القبطية إبراهيم". فالخبر في سنده أبو شيبة إبراهيم ابن عثمان وهو متروك. وعليه فإن هذا الخبر بحسب ميزان المحدِّثين من الضعيف (٢) .
_________
(١) المصدر نفسه ٤/٤٥١.
(٢) "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" للهيثمي ٩ / ٢١٧.
1 / 15
٣- ترتيب مصادر الأخبار بحسب قوتها:
من القواعد العلمية التي سار عليها علماء الإسلام وبخاصة المحدِّثون، في تحقيق أخبار السيرة النبوية، تحديد المصادر الصحيحة للسيرة، وتقويم هذه المصادر. فمن المعلوم أن السيرة النبوية قد جمعت في كتب كثيرة، واهتم بها أصناف مختلفة من الباحثين والدارسين: من المفسرين والمحدِّثين، والمؤرخين والقصاص والأخباريين، وأهل الأدب والسمر... وهذه الكتب ليست في منزلة واحدة من حيث النقد والتمحيص، والمهتمون بها ليسوا كلهم من أهل الأمانة والتحري في النقل.
ولهذا قرر علماء الإسلام أن أعلى المصادر وأوثقها مطلقا هو القرآن الكريم، وقد حوى قدرا غير يسير من أخبار رسول الله ﷺ ومغازيه وأحواله وأحوال دعوته. ثم يليه في القوة كتب الحديث ومصادر السنة النبوية، ثم تأتي بعدهما المصادر الأخرى من كتب المغازي والسير وتاريخ الإسلام وغيرها (١) . فلابد من مراعاة هذا الترتيب. وبهذا يظهر الانحراف الكبير الذي حصل لكثير من الدارسين في العصر الحاضر في جمعهم أخبار السيرة على غير منهج، ومن غير مراعاة لمكانة المصادر ولا ترتيبها بحسب قوة منهجها. فليس من المنهج العلمي ما سار عليه كثير من المستشرقين، وكثير من المؤرخين العرب والمسلمين المعاصرين، من أخذهم أخبار السيرة النبوية من كتب السير والمغازي فقط دون القرآن الكريم وكتب الحديث والسنة النبوية. فالمنهج السديد والمسلك القويم أن يؤخذ الخبر من
_________
(١) انظر في هذه المصادر كتاب الدكتور فاروق حمادة "مصادر السيرة النبوية وتقويمها".
1 / 16
القرآن الكريم، ثم من كتب الحديث، ثم من كتب السير والمغازي، ثم من كتب التاريخ العام، ثم يتتبع في سائر الكتب التي يمكن أن تكون مظانًا للسيرة، مثل كتب الأدب ونحوها، مع تقدير كل مصدر حق قدره وإعطائه المكانة التي يستحقها، فبهذا تكتمل صورة الخبر، ويمكن المقارنة بين المصادر من جهة الزيادة والتفصيل، ومن جهة الاختلاف والتعارض إن وجد، فيلجأ إلى الترجيح. فورود الخبر مثلا في صحيح البخاري ليس كوروده في الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني، فصحيح البخاري من أصح كتب الحديث وقد التزم فيه البخاري منهج التحقيق والنقد الحديثي في أعلى درجاته، فجمع الصحيح دون غيره، ولهذا وقع الاتفاق على صحة ما ورد فيه. أما كتاب الأغاني فهو من كتب الأدب، واهتم فيه صاحبه بإمتاع النفوس والأذواق فجمع فيه من الطرف والأخبار ما تغذى به مجالس اللهو ونوادي السمر. ومن كان هذا غرضه فإنه لاشك متساهل في نقد ما ينقله. ومن استحضر حال هذا الكتاب وهو ينظر فيما ورد فيه من الأخبار التاريخية، فإنه يقدر هذه الأخبار حق قدرها، ويتلقاها بمزيد من الحذر وغاية الاحتياط والتحري. ولبيان هذا الجانب في كتاب الأغاني ليعتبر به عند النظر فيه، يقول الدكتور زكي مبارك:" أريد أن أنص على ناحيتين في الأصبهاني وكتابه... وسيكون لهما أثر عظيم في دعوة المؤلفين إلى الاحتياط حين يرجعون إلى كتاب الأغاني يتلمسون الشواهد في الأدب والتاريخ".
أما الناحية الأولى التي ذكرها الدكتور زكي مبارك فهي أحوال المؤلف صاحب الكتاب أبي الفرج الأصبهاني من جهة خلقه ومنهجه في الحياة، وهذا يدخل في الاعتبار بأحوال صاحب الخبر كما سبق بيانه.
1 / 17
وأما الناحية الثانية فهي أحوال كتاب "الأغاني"، وذلك ما بينه الدكتور زكي مبارك بقوله:"... فهو كتاب أدب لا كتاب تاريخ، وأريد بذلك أن المؤلف أراد أن يقدم لأهل عصره أكبر مجموعة تغذى بها الأندية ومجامع السمر، ومواطن اللهو ومغاني الشراب... ولهذا النحو في التأليف قيمة عظيمة جدا إذا فهمه القارئ على وجهه الصحيح، فهو دليل على خصوبة التصور والخيال، وبرهان على أن كُتَّاب اللغة العربية لم يحرموا من القصص الشائق الخلاب... ولكن الخطر كل الخطر، أن يطمئن الباحثون إلى أن لرواية الأغاني قيمة تاريخية، وأن يبنوا على أساسها ما يشاؤون من حقائق التاريخ" (١) .
فهذا مثال لفائدة الاعتبار بقيمة الكتاب ومنهجه ومكانته من جهة التاريخ. ولتيسير هذا العمل على الباحثين في السيرة النبوية، قام أستاذنا الدكتور فاروق حمادة بتقويم الكتب والمصادر التي تضم أخبار السيرة النبوية، وبيان مكانتها التاريخية ليأخذ الناظر ذلك بعين الاعتبار، ورتب هذه المصادر بحسب قوتها ومكانتها ودرجة الوثوق بها، وذلك في كتابه "مصادر السيرة النبوية وتقويمها". ومما قاله في التمهيد: "لذلك فإن عملية تحديد المصادر الأصلية للسيرة النبوية أهم عمل أمام الدارس للسيرة النبوية خصوصا وللإسلام عموما، وتقويم هذه المصادر يعطيه العدة الكافية لتناول السيرة المحمدية نقية من الشوائب، ويطلع على حقيقتها وأبعادها..." (٢) وهي إشارة إلى ضرورة استحضار مكانة الكتاب عند أخذ الخبر التاريخي منه، واستحضار
_________
(١) – انظر " مصادر السيرة النبوية وتقويمها" للدكتور فاروق حمادة ص: ١٣٢-١٣٣.
(٢) "مصادر السيرة النبوية وتقويمها" ص: ٢٩.
1 / 18
فالواجب على المؤرخ تتبع الخبر في مصادره واستقصاؤه من مظانه. وللتمثيل لعمل علماء الإسلام المحققين بهذه القاعدة، يمكن تتبع البخاري في كتاب المغازي من جامعه الصحيح، فهو لا يكاد يخرج في مصادره عن القرآن الكريم، ثم ما صح عنده من الأخبار التي يرويها بأسانيده عن الرواة الموثقين، ثم ينزل أحيانا ليأخذ عن أئمة المغازي والسير، لكن يبقى الأصل المعتمد عنده هو القرآن الكريم وما صح له بأسانيده. فإذا وجد في الخبر آية أو آيات من القرآن الكريم، فإن البخاري لا يستجيز لنفسه أن يورد شيئا مما صح عنده حتى يقدم له بالقرآن. فكان يورد الآيات في أول تراجم الأبواب، لتكون هي الأصل المعتمد، ثم يخرج أخباره بعد ذلك.
من أمثلة ذلك قوله:
بَاب قِصَّةِ غَزْوَةِ بَدْر ٍ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ﴾ ١.
_________
١- (آل عمران: ١٢٣- ١٢٧) .
1 / 19
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ﴾ ....الآية [الأنفال: ٧] .
بَاب قَوْلِ اللَّهِ تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ، وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى َلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ، إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الأنفال: ٩-١٣] .
بَاب غَزْوَةِ أُحُدٍ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٢١] .
وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ
1 / 20