الأبصار : بالفتح جمع البصر وبالكسر مصدر أبصر وفي الأبصار ثلاثة مذاهب . | مذهب الرياضيين . ومذهب جمهور الحكماء الطبيعيين . ومذهب بعض الحكماء . أما | مذهب الرياضيين فهو أن الإبصار بخروج شعاع من العين على هيئة مخروطية رأسه عند | مركز البصر وقاعدته عند سطح المرئي المبصر وحجتهم على الأبصار بالخروج المذكور | أن المتوسط بين البصر وما يقابله إذا كان جسما لطيفا لي غير مانع لنفوذ الشعاع فيه | | فهو لا يحجب البصر عن الرؤية وإذا كان كثيفا فهو يحجب البصر عن الروية وما ذلك | إلا كونه شعاعا من البصر فقد نفذ في الجسم المتوسط ووصل إلى المرئي على التقدير | الأول ولم ينفذ في الجسم المتوسط ولم يصل إلى المرئي على التقدير الثاني . ورد بأن | الشعاع إن كان عرضا امتنع عليه الحركة والانتقال وإن كان جسما امتنع أن يخرج من | أعيننا بل من عين البقة جسم يخرق الأفلاك وينبسط في لحظة إلى نصف كرة العالم ثم | إذا طبق الجفن عاد إليها أو انعدم ثم إذا فتحت العين خرج مثله وهكذا . ودفع بأنهم | أرادوا بما ذكروا أن المرئي إذا قابل شعاع البصر استعد لأن يفيض على سطحه من | المبدء الفياض شعاع يكون ذلك الشعاع قاعدة مخروطة رأسه عند مركز البصر لكنهم | سموا حدوث الشعاع بسبب مقابله للتعين بخروج الشعاع عنها إليه مجازا على قياس | تسمية حدوث الضوء فيما يقابل الشمس بخروج الضوء عنها إليه فافهم . ثم إن | الرياضيين اختلفوا فيما بينهم فذهب جماعة إلى أن ذلك المخروط مصمت أي غير | مجوف وذهب جماعة أخرى إلى أنه مركب من خطوط شعاعية مستقيمة أطرافها التي | تلي البصر مجتمعة عند مركزه ثم يمتد متفرقة إلى المبصر فبما ينطبق عليه من المبصر | أطراف تلك الخطوط أدركه البصر وما وقع بين أطراف تلك الخطوط لم يدركه ولذلك | يخفى على البصر المسامات التي في غاية الدقة في سطوح البصرات وذهب جماعة | ثالثة إلى أن الخارج من العين خط واحد مستقيم فإذا انتهى إلى المبصر تحرك على | سطحه في جهتين طوله وعرضه حركة في غاية السرعة ويتخيل بحركته هيئة مخروطية . | وأما مذهب جمهور الحكماء الطبيعيين فهو أن الإبصار بالانطباع والانتقاش وهو | المختار عند أرسطو وأتباعه كالشيخ الرئيس وغيره قالوا إن مقابلة المبصر للباصرة | يوجب استعدادا يفيض به صورته على الجليدية ولا يكفي في إبصار شيء واحد من | حيث إنه واحد الانطباع في الجليدية وإلا لرؤي شيء واحد شيئين لانطباع صورته في | جليديتي العينين بل لا بد من تأدي الصورة من الجليدية إلى ملتقى العصبتين المجوفتين | ومنه إلى الحس المشترك ولم يريدوا بتأدي الصورة من الجليدية إلى العصبتين المجوفتين | ومنه إلى الحس المشترك انتقال العرض الذي هو الصورة ليلزم انتقال العرض من مكان | إلى مكان آخر بل أرادوا أن انطباعها في الجليدية معد لفيضان الصورة على الملتقى | وفيضانها عليه معد لفيضانها على الحس المشترك . وحجة الجمهور أن الإنسان إذا نظر | إلى قرص الشمس بتحديق نظره مدة طويلة ثم غمض عينيه فإنه يجد من نفسه كأنه ينظر | إليها . وكذلك إذا بالغ في النظر إلى الخضرة الشديدة ثم غمض عينيه فإنه يجد من نفسه | هذه الحالة . وإذا بالغ في النظر إليها ثم نظر إلى لون آخر لم ير ذلك اللون خالصا بل | مختلطا بالخضرة وما ذلك إلا لارتسام صورة المرئي في الباصرة وبقائها زمانا . ورد بأن | صورة المرئي باقية في الخيال لا في الباصرة . ودفع الشارح الجديد للتجريد بأنه فرق | بين بين التخيل والمشاهدة . والارتسام في الخيال هو التخيل دون المشاهدة . ولا شك | | أن تلك الحالة حالة المشاهدة لا حالة التخيل . ثم قال فالصواب أن يقال في الرد | صورة المرئي في تلك الحالة باقية في الحس المشترك وفيه نظر . إذ لا شك أن رد | الاستدلال مناقضة مستندة وتحريره أنا لا نسلم قوله وما ذلك إلا لارتسام صورة المرئي | في الباصرة وبقائها في الخيال لا في الباصرة وما ذكر في دفع المنع من أن تلك الحالة | حالة المشاهدة لا حالة التخيل أيضا ممنوع بل الأمر بالعكس وكلام المستدل ناظر إلى | هذا بل ظاهر في أن تلك الحالة شبيهة بالمشاهدة لا عينها حيث قال كأنه ينظر إليها أي | يشبه بأن يشاهده ولو سلم هذا فلا شبهة في أنه كلام على السند الأخص فلا يفيد في | دفع المنع ومع ذلك يلزم أن يكون قوله فالصواب عين خطأ بعين ما ذكر وبأن يقال فرق | بين بين المرتسم في الحس المشترك والمشاهدة وتلك الحالة حالة المشاهدة لا حالة | المرتسم في الحس المشترك فما هو جوابه فهو جوابنا . والحاصل أنه إن أراد بالمشاهدة | الإبصار فكما أن التخيل غيرها الحس المشترك أيضا غيرها وإن أراد به الارتسام فكما | أن في الحس المشترك ارتسام في الخيال أيضا كذلك . وأما مذهب بعض الحكماء فهو | أن الإبصار ليس بالانطباع ولا بخروج الشعاع بل بأن الهواء الشفاف الذي بين البصر | والمرئي يتكيف بكيفية الشعاع الذي في البصر ويصير بذلك آلة للإبصار . وذكروا في | إبطاله إنا نعلم بالضرورة أن الشعاع الذي في عين العصفور بل البقة يستحيل أن يقوى | على إحالة نصف العالم إلى كيفيته بل العصفور أو الفيل إن كان كله نورا أو نارا لما | أحال إلى كيفيته من الهواء عشرة فراسخ فضلا عن هذه المسافة العظيمة وإن لم يكن | هذا جليا عند العقل فلا جلي عنده ويمكن أن يأول كلامهم بمثل تأويل الكلام | الرياضيين بأن يقال قولهم إن الهواء المشف الذي بين البصر والمرئي يتكيف بكيفية | شعاع البصر أرادوا منه أن المرئي إذا قابل شعاع البصر استعد الهواء المشف الذي | بينهما لأن يفيض عليه من المبدء الفياض شعاع لكنهم قالوا إن الهواء يتكيف بكيفية | شعاع البصر مجازا لحصول الاستعداد منه وعلى هذا لا استحالة ولا استبعاد . واعلم | أنه قال صاحب المواقف للحكماء في الإبصار قولان وقال السيد السند الشريف قدس | سره في شرحه لما كان الأول والثالث مبنيين على الشعاع عدهما قولا واحدا وفي شرح | الهياكل أن الفارابي في رسالة الجمع بين الرايين ذهب إلى أن غرض الفريقين التنبيه | على هذه الحالة الأدراكية وضبطها بضرب من التشبيه لا حقيقة خروج الشعاع ولا حقيقة | الانطباع وإنما اضطروا إلى إطلاق اللفظين لضيق العبارة فافهم واحفظ . ( ف ( 9 ) ) . |
Página 21