ولعله كان منصرفا إلى مهنته الخحاصة التي اتخذها مصدرا لعيشه، وقد آثرها على الكسب من تقربه إلى ذوي السلطان، فلم يطرق أبوابهم أو يتردد على مجالسهم. فابتعد بذلك عن مجال الإشتهار، لأن وقته مستغرق في العلم والمهنة (٢١) .
المطلب الثالث: مكانته العلمية، وثناء العلماء عليه:
ربما كان بيان مكانته الخطيب العلمية أسعد حالا، وإن غطى الغموض جوانب ترجمته، لأن الذي وصل من مؤلفاته كان كافيا لتكوين فكرة جليلة عن هذا الرجل وعلمه، كما يوجد من معاصريه من امتدحه، وكذلك فإن كثيرا ممن نقلوا عنه متأخرا امتدحوا علمه.
كفى الخطيب مكانا أن يكون من أوائل المؤلفين الذين ألفوا في توجيه الآيات المتشابهة لفظا في القرآن الكريم، ومن جاء بعده ممكن ألف في هذا النوع من أنواع التفسير هم عيال عليه، وقد عرف قيمته الأئمة وقدروه، حتى ابن الزبير الغرناطي (ت ٧٠٨هـ) حذا في كتابه «ملاك
التأويل» حذو «درة التنزيل» للإسكافي، ونهج نهجه فاعتمد عين ما ورد فيه من آيات مع استدراك ما أغفل، ووصف مؤلفه قائلا:
«.. إنه (٢٢) باب لم يقرعه من تقدم وسلف، ومن حذا حذوهم ممن أتى بعدهم وخلف، أحد فيما علمته على توالي الأعصار والمدد، وترادف أيام الأبد، مع عظيم موقعه، وجليل منزعه، ومكانته في الدين، وفته أعضاء ذوي الشك والارتياب من
1 / 34