الدرة الخطيرة في شعراء الجزيرة
١- الفقيه القاضي أبو إسحاق إبراهيم بن مالك المعافري
أحد قضاة الجزيرة المشهورين بالكرم والإنعام، المذكورين بكثرة الصواب في الأحكام، وله مع ذلك شعر كثير، وترسل غزير، فمن ذلك قوله في صباه:
كتبت لما فنى دمعي ومصطبري ... إليك أشكو صباباتي وأسقامي
ما زال تبكي لما تمليه من حرقي ... عليك مقلة قرطاسي وأقلامي
٢- أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن خفيف الكاتب
كثير النوادر من شعره [وقد رأى] رجلًا أحدب قد علا إنسانًا:
رأيت اليوم محمولًا ... وأعجب منه من حمله
جمال الناس تحملهم ... وهذا حامل جمله
٣- إبراهيم بن محمود القسري
من شعره قوله من قصيدة أولها:
أي طيف من لامعات البروق ... بات يسري بين الحمى والعقيق
يقول فيها:
لا وبرق الثغور والشبم العذ ... ب من الريق والرضاب الرحيق
ما عققت العقيق لكن دموعي ... لفراق العقيق مثل العقيق
أنا صب إلى الحمى مستهامُ ... بمهاة النقى وريم الشقيق
٤- أبو القاسم أحمد بن إبراهيم الوداني
أنشدت له:
ترفق بنفسك لا تضنها ... بحرصٍ فحرصك لا ينفع
فكم عاجز واسعٍ ماله ... وكم حازمٍ فقره مدقع
٥- الأمير أبو الحسين أحمد بن الحسن الكلبي
من شعره:
شنئت البيض إذ أشبهن شيبي ... ويا بأبي التي ملكت فؤادي
وهل يختار ذو عقل ولب ... بياض المقلتين على السواد
٦- أبو الفتح أحمد بن علي الشامي
زين الأدباء، وغرة الفهماء له:
في السمهري مشابه ... ممن أحب وأعشق
اللون، والقد الرشي ... ق، وطرفه إذ يرمق
قلبي لسهم لحاظه ... غرض ففيه يرشق
وسألته أن ينفذ إلي بشيء من شعره في حين تأليف الكتاب، فكتب إلي:
أبا قاسم والفضل فيك سجية ... وأنت بكل المعلوات خليق
ومن مجده فوق السماك محلقٌ ... ومنصبه في المكرمات عريق
تكلفني إظهار ما قد نظمته ... ليالي غصني ناضر ووريق
وإذ لمتي تحكي خوافي ناعب ... وعندي لوصل الغانيات طريق
فكن ساترًا عورات خلك إنه ... شقيقك، والخل الصديق شقيق
وله في المجون:
احتل لأيرك في درع مضعفة ... فبين فخذيه أرماح من الشعر
وله:
عجبت لنوار الأقاحي إذ بدا ... في عارضي ورأته قبل بنفسجا
لا تعجبي مما ترين فإنما ... يبدو ضياء الصبح في إثر الدجى
وله في الغزل:
وذي مقلة كحلاء من غير ما كحل ... رماني بسهم من جفون لها نجل
يضارع أم الخشف جيدا ومقلة ... ويفضلها في الحسن والدل والشكل
أعار العوالي طرفه وقوامه ... ولونا يزيد القلب خبلًا على خبل
بوجهٍ يريك الشمس في غصن بانةٍ ... على كفل يحكي الكثيب من الرمل
٧- أبو الفضل أحمد بن علي الفهري
صاحب الشرطة، له:
خليلي مالي قد حرمت التدانيا ... وأصبحت على وصل الأحبة نائيا
وما كان لي صبر على الوصل ساعة ... فها أنا في بين سنين ثمانيا
رعى الله أحبابًا وقرب دارهم ... وبلغ مشتاقًا وأطلق عانيا
٨- أبو علي أحمد بن محمد بن القاف
له:
ولما رأيت الناس لا خير عندهم ... صددت وبيت الله عن صحبة الناس
وصرت جليس الفكر ما دمت فيهم ... وأعملت حسن الصبر فيه مع الياس
وله:
سأكرم نفسي جاهدًا وأصونها ... وإن فرحت من ناظري جفونها
ولست بزوار لمن لا يزورني ... ولا طارحًا نفسي على من يهينها
وله:
إذا ما أراد المرء إكرام نفسه ... رعاها ووقاها القبيح وزينا
وإن هو لم يبخل بها وأهانها ... ولم يرعها كانت على الناس أهونا
وله في إفشاء السر:
حدثت خلي بهم ... رجوت منه انفراجي
وكان سري لديه ... كالنار، والليل داج
وله:
أيها الخائف المكا ... ره وطنلها الحشا
رب أمر كرهته ... نلت فيه الذي تشا
٩- الفقيه أبو العباس أحمد بن أبي محمد الكلاعي
أحد فقهاء صقلية ونبلائها، وكان أديبًا شاعرًا، ظريفًا.
له:
1 / 1
وقالوا: التحى فانحط نصف جماله ... فقلت لهم: بل زاد في حسنه الشعر
فلولا سواد العين ما كان نورها ... ولولا ظلام الليل ما حسن البدر
١٠- الفقيه أبو العباس أحمد بن محمد اللخمي
[من شعره]:
فلا أنتم للعهد ترعون حقه ... ولا السلم يرجى آخر الدهر منكم
فإن تقطعوا حبلي فإني واصل ... وإن تنقضوا عهدي فإني مبرم
١١- أبو الحسن أحمد بن نصر الكاتب
فمن شعره قوله من قصيدة يعتذر للمهدي بالله من أبيات، أولها:
يا من إليه عيون الناس ناظرة ... يرون تعظيمه تعظيم باريه
إن كان وجدك عن ذنب أتيت به ... فإن عفوك يمحو ذنب جانيه
أو كان ذلك عن واش وشى كذبًا ... فأنت عصمة من يبلى بواشيه
وإن يكن عبدك المحسود منقطعًا ... ولم يكن أهل ما قد كنت توليه
فما تقول لنعمى أنت واهبها ... وما تقول لعبد أنت هاديه؟
وما تقول لصبر أنت معدنه ... وما تقول لجود أنت واديه؟
الله يعلم أني لم أدع سببًا ... إلا بلغت الذي ترضى به فيه
فانظر إلي بعين منك راحمة ... فقد أذاب فؤداي ما أقاسيه
وقال أيضًا:
وصافية اللون مشمولة ... مجلية للأسى طارده
إذا مزجت خلت في كاسها ... تحلل ياقوتة جامده
وأحور لو أن عرس العزيز ... رأته لخرت له ساجده
كان الهلال له والد ... وشمس النهار له والده
فإن أنكرت ذاك شمس الضحى ... أقمنا محاسنه شاهده
يسقى ويشدو على عوده ... ألا من شجت ليلةٌ عامده
ولا بد والله من سكرة ... تسر ونشجي بها الحاسده
ولا سيما مطر مسعد ... وقد نامت الأعين الراصده
فلا نؤثرن على قربنا ... ولذات ليلتنا فائده
فإني أرى النوم في مثلها ... حرامًا على الأعين الراقده
وله يصف الفرس:
ولي صاحب ليس لي منية ... سوى أن يرى باقيًا في تراثي
طويل الثلاث، قصير الثلاث ... حديد الثلاث عريض الثلاث
١٢- الأمير ثقة الدولة جعفر ابن تأييد الدولة الكلبي
كان أحد ملوك صقلية.
كتب إليه بعض الكتاب:
أنت مولى الندى ومولاي لكن ... رب مولى يجور في الأحكام
قد وعدت الإنعام فامنن بإنجا ... زك ما قد وعدت من إنعام
فكتب إليه:
حاش الله أن أقصر فيما ... يبتغيه الولي من إنعامي
أنا موفٍ بما وعدت ولكن ... شغلتني حوادث الأيام
١٣- الأمير تاج الدولة وسيف الملة أبو محمد جعفر بن ثقة الدولة يوسف بن عبد الله
ملك عظيم، وجواد كريم، وفد عليه العلماء والشعراء من كل مكان، فأعلى منزلتهم، وأجزل صلتهم، وكان الشعر أقل مراتبه.
فمن شعره قوله، [بديهة] (وقد رأى غلامين على أحدهما ثوب ديباج أحمر، وعلى الآخر ثوب ديباج أسود):
أرى بدرين قد طلعا ... على غصنين في نسق
لدى ثوبين قد صبغا ... صباغ الخد والحدق
فهذا البدر في غسق ... وهذا الشمس في شفق
وقوله:
هيهات يؤلمني الزمان فاشتكي ... وهو الذي من سطوتي يتألم
وعزيمتي ما إن يثلم غربها ... خطب على أن الحديد يثلم
وقوله: وأمر أن يكتب على طوابع الند
إن مست النار جسمي ... أبديت طيب نسيمي
كالدهر إن عض يومًا ... أبان فضل الكريم
وقال في مثله:
اصبر على الشوق صبري ... على ملاقاة جمر
وطب كطيبي إذا ما ... نالتك سطوة دهر
وقوله:
رأتني وقد شبهت بالورد خدها ... فتاهت وقالت: قاس خدي بالورد
كما قال: إن الأقحوان كمبسمي ... وإن قضيب البان يشبه قدي
وحق صفا ماء النغيم بوجنتي ... وحسن الجبين الصلت والفاحم الجعدي
لئن عاد للتشبيه يومًا حرمته ... لذيذ الكرى، لا بل أذوقه فقدي
إذا كان هذا في البساتين عنده ... فقولوا له: لم جاء يطلبه عندي
١٤- الأمير أبو أحمد جعفر بن الطيب الكلبي
من شعره:
ما الصبر بعد فراقكم من شاني ... رحل العزاء برحلة الأظعان
ما كنت أحسب للمنية ثانيا ... فإذا الفراق هو الحمام الثاني
1 / 2
بعدًا لذاك اليوم بعدًا إنه ... أجرى دموع العين بالهملان
من ساتر دمعًا بفضل ردائه ... أو ممسك قلبًا من الخفقان
وألفت فيك الحزن حتى إنني ... لأسر فيك بكثرة الأشجان
ومنها في المديح:
ملك إذا لاذ العفاة ببابه ... أخذوا من الأيام عقد أمان
يعطي الجزيل ولا يمن كأنما ... فرض عليه نوافل الإحسان
وله من قصيدة:
أراها للرحيل مثورات ... جمالا بالجمال محملات
تتيه على الركائب في سراها ... بأقمار عليها طالعات
ولو نظرت لمن تسري إليه ... لصدت عن وجوه الغانيات
وجازت والفلاة لها ركابٌ ... كما كانت ركابًا للفلاة
ولم تعلق بشيء غير شعر ... منابته بأفواه الرواة
تمر على المياه ولم تردها ... كأن الري في زجر الحداة
أقول لها وقد علقت ذميلا ... بأجفان لزجري سامعات
سأنزل عنك في مرعى خصيب ... وماء بارد عذب فرات
بأرض "مدافع" مأوى الأماني ... وقتال السنين المجديات
فيحمل عنك همي فوق طرف ... سبوق من خيول سابقات
أغر تخاله ريحًا أعيرت ... قوائم باللجين محجلات
كساه الليل أثوابًا ولكن ... تراها بالصباح مرقعات
وحسبك ما يفرق من نوال ... بأيد للمكارم جامعات
فقد أطمعت في جدواك حتى ... سباع الطير من بعض العفاة
وله من أخرى:
ضحوك مرةً جهدًا وباكٍ ... وشاكر حاله حينًا وشاك
ومغتبط بعيشٍ غير باق ... يروم سلامةً تحت الهلاك
ألا يا حار قد حارت عقول ... وغلت بالغليل عن الجراك
وقد نصبت لك الدنيا شباكا ... فإياك الدنو من الشباك
وإن شيدت لي يا حار بيتا ... فحاول أن يكون على السماك
وأبعد إن قدرت على مكان ... فإني والحوادث في عراك
وله في الغزل:
لقد بليت بشيءٍ لست أعرفه ... مولى يجور على ضعفي وأنصفه
ما زال يطعمني لفظ له خنث ... يمن بالوعد سرًا ثم يخلفه
يا رب زدني غراما في محبته ... ودع فؤادي بالأشواق يتلفه
وله:
فارقتكم لا عن قلى وتركتكم ... رغمًا على حكم الزمان الجائر
وفقدتكم من ناظري فوجدتكم ... لما أردت لقاءكم في خاطري
وله في ذم الاجتداء من البخلاء:
وحقك لو نلت النوال معجلا ... لغير سؤال كان غير جميل
فكيف وما في الأرض وجه مؤمل ... ولا يرتجى للجود غير بخيل
وله:
ألا سكن إذا ما ضقت يوما ... سكنت إليه في شكوى همومي
أوسع صدره وأحل منه ... محل الجود من قلب الكريم
وله:
لو تشتفي بالدمع مقلة عاشق ... لشفت فؤادي هذه العبرات
لكن دمعي كلما أجريته ... وقدت به بين الحشا الزفرات
وله:
وليلٍ أتى في جحفل من ظلامه ... فقدت له من أسرة اللهو جحفلا
وسل علينا مُنصلًا من بروقه ... فسلت له كفي من الراح منصلا
وركبت في خطية الشمع لهذمًا ... طعنت به في نحره فتجندلا
وله:
هيفاء يكفينا المدام غناؤها ... وجمالها التفاح والريحانا
١٥- أبو محمد جعفر بن علي بن محمد السعدي المعروف بابن القطاع
أحد العلماء باللغة المبرز فيها، المتصرف في علم العربية، القادر عليها. وله في الترسل طبع نبيل، وفي المعاني ونقد الشعر حظ جزيل، فمن شعره قوله من قصيدة يتغزل فيها، أولها:
بثينة قد زادت بي الحال ... وأرقني شوق إليك وبلبال
أكابد هذا الليل أرعى نجومه ... تسامرني فيه هموم وأوجال
فقد صار قلبي للصبابة موطنًا ... معاهدها فيه غدو وآصال
فو الله لا أشكوك ما هبت الصبا ... ولو كثرت في الأحاديث والقال
لعل يد الدهر البخيل تضمنا ... فللدهر فيئات تكر وإقبال
ومنه:
لما استقلوا للرحيل ضحًا ... وتضاعف الزفرات والكرب
أخفيت شخصي عن وداعكم ... حذر الرقيب فودع القلب
١٦- القاضي أبو الفضل الحسن بن إبراهيم بن الشامي الكناني
وله من قصيدة مرثية:
فلا البؤس مدفوع بما أنت جازع ... ولا الخير مجلوب بعلم ولا فهم
1 / 3
وإن الحريص الغمر يلقيه حرصه ... إلى حفرة جوفاء واهية الرضم
تعلم بأن الموت أزين للفتى ... وأهون من عيش يشين ومن وصم
١٧- أبو علي الحسن بن أحمد الكاتب
[من شعره، قوله]:
يا شرابًا من رقة كالسراب ... راحتي في ارتشافه وعذابي
ناولتني ما أسأرته بكأس ... كمشيبي ونشوة كالشباب
صان منها الزجاج مثل الذي صا ... ن من الوجنتين شف النقاب
فكأن الزجاج دمع التجني ... وكأن المدام خمر التصابي
وقوله:
وكأس من الماء مخروطة ... تنير لها مثل نور النهار
تبدت وفي وسطها جمرة ... تكاد تصدعها بالشرار
فحسبك من عجب ما تراه ... بتأليف ما بين ماءٍ ونار
وقوله:
لا تحسبي أن دمع العين غير دمي ... وإنما نفسي العالي يصعده
فابيض من حر جمرٍ كان يطبخه ... ولو طفى الجمر لم يذهب تورده
وقوله:
انظر إلى ورد "المعسكر" قد كسا ... أشجاره نورًا يخيل نارا
جاد الربيع لنا به فكأنما ... سلب الخدود وألبس الأشجارا
١٨- أبو علي حسن بن أبي الحسن بن الوداني
من أهل القرآن. من شعره:
يا قانطا من حاله ... إن القنوط من البليه
لا تيأسنَّ من الغنى ... لله ألطاف خفيه
١٩- أبو علي حسن بن عبد الله الحمامي
[له]:
طاش الفؤاد فليت شعري هل يرى ... بقراره هذا الفؤاد الطائش
رشني فقد حُصَّ الجناح وليس لي ... يا سيد الأجواد غيرك رائش
٢٠- أبو [علي] حسن بن عبد الله الطرابنشي
له في بدو الشيب:
وزائرة للشيب حلت بعارضي ... فعاجلتها بالنتف خوفا من الحتف
فقالت: على ضعفي استطلت ووحدتي ... رويدك للجيش الذي جاء من خلفي
وله:
أتدري ما يقول لك العذول ... وتدرس ما يريد بما يقول
يريد بك السلو، وهل جميلٌ ... سلوك عن بثينة يا جميل
يا ربة الهودج المزرور كيف لنا ... بالقرب منك، وهل في وصلكم طمع
إن تبذليه فإن الماء من حجر ... أو تبخلي فمنال الشمس يمتنع
٢١- القائد أبو محمد الحسن بن عمر بن متكود
له، يصف النيلوفر:
كؤوس من يواقيت ... تفتح عن دنانير
وفي جنباتها زهر ... كألسنة العصافير
[وله]:
وفاترة اللواحظ مازحتني ... وفي أحشائها للوجد نار
وقالت: كيف تطمع في وصالي ... وقد أيقنت أن اسمي نوار
فقلت: أما تقدم منك وعدٌ ... بوصل شفني منه انتظار
فوفي ما وعدت به، فقالت: ... كلام الليل يمحوه النهار
٢٢- أبو علي الحسن بن محمد الكاتب، المعرف بابن الأصطبي
أحد الكتاب الأفراد، والكرماء الأجواد، وأكثر شعره في الحث على اقتناء المحامد، وبذل الطارف فيها والتالد.
فمن ذلك قوله:
أنا في المعسكر مفرد في جحفل ... من نوح قمري ورنة بلبل
فكأنما يلقي علي بصوته ... نغمات "معبد" في الثقيل الأول
وإذا تكاملت المسرة لامرئٍ ... وأليفه متخلف لم تكمل
وقوله:
ذروني وأموالي التي قد جمعتها ... أقدم لي نصفًا وأرتع في النصف
إذا كان أموالي علي حسابها ... فمالي وأموال أخلفها خلفي
٢٣- أبو محمد الحسن بن محمد الطوبي الكاتب
قطب الأدباء الذي عليه مدارهم، ومجلي الفهماء الذي به افتخارهم. وله نثر كالبرود، ونظم كالعقود، فمن شعر قوله:
بهاءً في سناءٍ في ذكاءٍ ... جمعت وعظم قدر في علاء
إذا قاضٍ قضى بالجور يومًا ... فأنت المرء تعدل في القضاء
وسأله الأمير ثقة الدولة، وقد حل وسط أرض ناضرة أن يصنع فيها، فقال بديها:
روضٌ يحار الطرف في زهراته ... ويهيج المشتاق من زهراته
يبدي بأصفره بوادي عاشق ... ويري بأحمره لظى زفراته
يا أيها الملك الذي أحيا الندى ... ...............
أني إذا ذقت المدامة خلتها ... ريق الحبيب ومجتنى رشفاته
وأرى العروضي البديع إذا شدا ... يهدي إلى الإنسان روح حياته
٢٤- أبو علي الحسين بن أحمد بن محمد بن زيادة الله السعدي
1 / 4
شاعر شريف الأصل، جامع لأدوات الفضل، فمن شعره قوله:
لولا صعوبة أبواب وحراس ... ومفضحات قيود ذات وسواس
وخيفةٍ من عيون غير غافلة ... للناس قد وكلت بالرعي للناس
لجئت نحوك زوارًا عن شغف ... إما على الوجه أسعى أو على الراس
حتى نكون جميعًا من تواصلنا ... كالخمر والماء ممزوجين في كاس
وقوله:
إن كان يلهو بشيء عنك يشغله ... فلا أتيح له ما منك يأمله
في كل حين له ذكر يردده ... شوقًا إليك وتمثالًا يمثله
لما رأى دونك الأبواب مغلقة ... حاول في غيرها بابًا يوصله
ألقى على جسمه الأسقام تنحله ... كيما يخف لعل الريح تنقله
٢٥- أبو علي حسين بن خالد الكاتب
له:
وشادن قد قميص الهوى ... في حبه، ما عنه لي مذهب
كأنما الصدغ على خده ... ياقوته تلبسها عقرب
وله:
لا تحاول من يزيد ... فضله، واستغن عنه
ربما عضك كلبٌ ... إن طلبت العظم منه
٢٦- أبو عبد الله الحسين بن أبي علي القائد
من أبناء قواد السلطان، وتصرف في الأعمال، وسافر إلى مصر.
فمن شعره قوله يصف العود من أبيات يقول فيها:
ومعاهد آنسنني بأوانس ... يدنو السرور بها وفيه شطون
خمص البطون صدورها أفواهها ... جعلت لها بدل النهود عيون
وذات ألسنةٍ أسر حديثها ال ... شاجي وأفصح قولها الملحون
يصدرن عنها عن صدور ما بها ... مما تثير من الحديث دفين
مضمومةٍ ضم الحبيب مخمش ... منها صدور تارة وقرون
يضربن عند عناقهن فمن رأى ... أن العقاب مع العناق يكون
فكما ضربن وما لهن جناية ... فكذا لهن وما ألمن أنين
تدعو بألسنها السرور كما دعا ... حسن الثناء بجوده سرفين
وقوله من قصيدة يمدح فيها الأمير تأييد الدولة وعميدها أحمد بن ثقة الدولة ويهنئه فيها بفتح فستيانو من أرض الروم:
على العادات فاجر مع الأعادي ... وناد يجبك منهم كل ناد
فما لحصونهم منك امتناع ... ولو أن البناء بناء عاد
فكم من معقل للغي سام ... سلكت إليه منهاج الرشاد
وقد حارت نفوس القوم فيه ... إلى أن قام فيهم منك هاد
فأصعدت الخيول إلى الأوادي ... وأنزلت الوعول إلى الوهاد
وكم أخرجت منها من كمي ... ومن عضب ومن طرف جواد
يغل يديه خوفك عن شباه ... فيضحى كالموثق في صفاد
نجوا في حيث لا يرقى إليهم ... فأصعدت المنون على الصعاد
لقد أوردتهم بالسيف ماء ... رويت به وإنهم صواد
كأن رؤوسهم كانت نباتًا ... فلاقتها سيوفك بالحصاد
وكم أهدى إليك من الدراري ... حسامك حين مر على الهوادي
وأما رومة فإلى قريب ... تصبحها بداهمة الحداد
عبيدك من تؤم من الأعادي ... وأرضك ما تروم من البلاد
فدونك يا عميد الملك فاعمد ... تنل إن رمتها "ذات العماد"
صرفت عن الأغاني والغواني ... هواك إلى العوادي والأعادي
وقدمت الركاب على كعاب ... مخضبة الترائب بالجساد
وكم باتت جفونك ساهدات ... سهادًا يقتضي طيب الرقاد
ومن يك في اللذاذة ذا اجتهاد ... فإنك ذو اجتهاد في الجهاد
وبين يديك طاعن كل قرم ... وها أنا طاعن بشبا الوداد
ومن شام الظبى منهم فإني ... أشيم ظبى ثنائي واعتقادي
يداك بحر يدفق بالمنايا ... وأخرى تستهاب بها الأيادي
وما بدع تخالف حالتيها ... ففي إسرارها ما في الغوادي
لقد أصلحت أحوال المعالي ... صلاحًا لا يخاف من الفساد
وقد نال "المؤيد" عنك حتى ... هو التأييد في حلم واد
فسار على طريقك في الرعايا ... برأي لا يحيد عن الشداد
ومن شعره:
أرى المعسكر قد صفت مواكبه ... فمحقت كل إمحال يحاربه
قضبانها الملد أرماح أسنتها ... ثمارها وسواقيها قواضبه
ومنه:
وإذا رماحك أشرعت فكأنما ... من حول أسدك تأبك الآجام
وكأنما انسلخت هناك أراقم ... وكأنما باضت هناك نعام
٢٧- خلوف بن عبد الله بن البرقي
1 / 5
عالم بالقراءات والإعراب، متفنن في سائر الآداب، وله شعر صالح؛ فمن شعره قوله:
يأيها المغرور ده ... رك كم تقيم على الغراره
إذ جمع شملك للشتا ... ت وربح مالك للخساره
وقوله أيضًاَ:
كتبت إليك مشتاقا ... كثير الوجد تواقا
سؤولًا داعيا لل ... هـ آصالًا وإشراقا
بأن تبقى على الأيا ... م للأقران سباقا
٢٨- رزيق بن عبد الله الشاعر
كان محارفًا، ولم يزل حرمانه-لضعف حظه- متضاعفا، بره بعض الرؤساء بدنانير وظن أنه يعفيه، فلما عاد إلى بيته وجد لصًا قد سرق جميع ما فيه، فقال:
محاني الله من ديوان سعده ... وأيأس راحتي من نيل رفده
إذا ما السعد أسعفني بشيء ... يقوم النحس محتسبًا لرده
٢٩- سليمان بن محمد الطرابنشي
سافر إلى إفريقية، وانتقل إلى الأندلس وتوطنها، واتخذها لمخالطة ملوكها سكنا، ومن شعره قوله من قصيدة:
نبهته لما تغنى الحمام ... ومزق الفجر قميص الظلام
وقلت: قم يا بدر تم أدر ... في فلك اللهو شموس المدام
فقام نشوان وشمل الكرى ... له
بريع مقلتيه
التئام
ومج في الدن خلوقية ... عتقها في الدن طول المقام
لاحت تحاكي ذهبا خالصا ... دار من الدر عليها نظام
بنت عناقيد إذا خامرت ... شيخًا أعارته مجون الغلام
يا هل لعيشي معه أوبة ... تعيد في وجه حياتي ابتسام
وله من قصيدة:
أجر جفوني من دمعٍ ومن سهر ... وأضلعي من جوى فيهن مستعر
جرى علي بما شاء الهوى قدرٌ ... يا قوم ما حيلة الإنسان في القدر؟
ما كنت أحسب دمعي سافكًا لدمي ... حتى أبحت لعيني لذة النظر
رميت نبلًا أصابتني فلست أرى ... يومًا أعاود ذاك النزع في وتري
وله:
سبحان من صاغ الأنام بقدرة ... منه، وأفرد بالملاحة جعفر
حمل المحاسن كلها مجموعة ... في وجهه"كالصيد في جوف الفرا"
ومن شعره في صفة شمعة رومية:
ولا مسعد إلا مسامرة سخت ... بدمع ولم تفجع ببين ولا هجر
تكون، إذا ما حلت الستر حلة ... على أنها لم تبلغ الباع في القدر
إذا أيقنت بالموت بادرت رأسها ... بقطع فتستحيي جديدًا من العمر
حكتني في لون وحزن وحرقةٍ ... وفي بهرٍ برحٍ وفي مدمع همر
ومنه:
ألا بأبي ساق سقاني مدامةً ... أثارت بقلبي كامنًا من حريقه
لها فعل عينيه وحمرة خده ... ونكهة رياه ولذة ريقه
ومنه:
ووردية من بنات الكروم ... كساها النحول مرور الحقب
رأت أيدي الشرب من فضة ... فصاغت أنامهم من ذهب
ومنه:
الويح لي من طول لي ... ل كدت أنفذ قبل ينفذ
سامرت فيه كوكبًا ... كمصابح الرهبان ركد
فكأنها درٌ تنا ... ثر فوق أرض من زبرجد
والبدر في وسط السما ... ء كدرهم في كف أسود
٣٠- الوزير أبو الفضل طاهر بن محمد التغلبي [المعروف بابن الرقباني]
لم يكن في زمانه أعلم منه بلغة العرب وكلامها، ونثرها ونظامها. وكان رئيسًا مقدمًا، جليلًا معظمًا، وقصدته العلماء من كل مكان، فلقوا منه بحرًا خضرما، وانتجعته الشعراء فوردوا قليبًا [عيلما] . وله شعر كان يخفيه، منه:
ألا أيها القاضي الرفيع مناره ... ويا واطئًا مجدًا مناط الكواكب
أغثني برأي منك يفرج كربتي ... وحل محسنًا بيني وبين النوائب
وداركني نحس الزمان فنحه ... فما زلت قرنًا للزمان المحارب
وعش سالمًا للجود ترأب صدعه ... طوال الليالي منعمًا غير سالب
ومنه:
رأى الناس فوق المجد مقدار مجدكم ... فقد سألوكم فوق ما كان يسأل
وإن أنتمو أنعمتمو وبذلتمو ... فقد يستتم النعمة المتفضل
وإن كنتمو أو ليتمونا بفضلكم ... جميلًا فإن العود بالفضل أفضل
وكم ملحفٍ قد نال منكم مراده ... ويمنعنا من أن نلح التجمل
ومنه:
كاتبت من أهواه مستعذبًا ... لطول ما ألقاه من ظلمه
فوقع الماجن مستهزئًا ... يكشف في الديوان عن زعمه
وكان في الديوان ذو صبوة ... قد نالت الأسقام من جسمه
1 / 6
فرد: ما نقطع رسمًا مضى ... فليبق موقوفًا على رسمه
٣١- أبو العباس بن محمد بن القاف
له:
يا تائها بجماله رفقا ... أنت الذي عذبتني عشقا
وزعمت أنك لا تكلمني ... عشرا فمن لك أنني أبقى؟
وله:
وسقانا الراح ساقٍ ... ماله في الحسن ند
فهي في الكأس أقاحٍ ... وهي في خديه ورد
وله:
أموالكم في النجم أودعتم ... ولا تحبون الجفا والأذى
وتكرهون الهجو مني لكم ... هيهات ما تسمح نفسي بذا
٣٢- عبد الجبار بن عبد الرحمان بن سرعين الكاتب
له في حاسد:
وحاسدٍ لا يزال مني ... فؤاده الدهر في اشتعال
كاتب يمناه مثل حالي ... ومثله كاتب الشمال
ذاك في راحةٍ، وهذا في تعبٍ منه واشتغال
وله:
يا بدر تم على غصن من الآس ... ألا يرق لقلبي قلبك القاسي؟
ما لا مني الناس إلا زدت فيك هوى ... قلبي بحبك مشغول عن الناس
٣٣- الفقيه أبو محمد عبد الحق بن محمد [بن هارون السهمي]
من شعره:
أرى فتن الدنيا تزيد وأهلها ... يخوضون بالأهواء في غمرة الجهل
فما أن ترى من مخلص ذي بصيرة ... وما إن ترى من صادق القول والفعل
إلى الله أشكو ما أرى من تغير ... وإياه أدعو في إيابي على مهل
فيا سوء حالي حين أصبحت فارغًا ... ولم أدخر زادًا وما زلت في شغل
وله، يرثي ابنه عمران:
أراك قريبًا واللقاء بعيد ... وجسمك يبلى والزمان يبيد
وما كان يا عمران في الظن أنني ... أراك مقيمًا في التراب تبيد
ولا أنني أبقى وراءك ساعة ... أعاين موجودًا وأنت فقيد
سأصبر في الدنيا ... بني
لعلني
ألاقيك في الأخرى وأنت سعيد
٣٤- الفقيه أبو القاسم عبد الرحمان بن أبي بكر السرقوسي
له:
أما منكم من مسعدٍ ومعاون ... على حر وجد في السويداء كامن؟
أبان الكرى عن مقلتي التهابه ... وما هو يومًا عن فؤادي ببائن
ومنها:
وبيداء قفر ذات آلٍ كأنما ... هو البحر إلا أنه غير آسن
ترى ظعنهم فيها غداة تحملوا ... طوافي فوق الآل مثل السفائن
وله:
أسارقه اللحظ الخفي مخافةً ... عليه من الواشين والرقباء
وأجهد أن أشكو إليه صبابتي ... فيمنعني من ذاك فرط حيائي
وإني وإن أضحى ضنينا بوده ... لأمنحه ودي وحسن صفائي
سأكتم ما ألقاه من حرق الأسى ... عليه ولو أني أموت بدائي
وله:
أسقم جسمي بسقم مقلته ... وشفني باحمرار وجنته
فالويل لي من لظى جهنمه ... إذا تندت رياض جنته
وله:
لا تبغ من أهل الزمان تناصفا ... والغدر من شيم الزمان وأهله
وإذا أردت دوام مصاحب ... فاغضض جفونك جاهدًا عن فعله
٣٥- أبو القاسم عبد الرحمن بن حسن الكاتب
له تصانيف ومقامات.
من شعره يصف البرق:
ولما بدا للعين من جانب الحمى ... لوامع برق شاق نحوك شائق
كأنك فيها ماثل وكأنما ... ديار الحمى بين البراق بوارق
فيا حبذا برق بأرضك لائح ... ويا حبذا طيف بوصلك طارق
وقال في مثل ذلك:
أغرى جفوني بالسهاد المقلق ... لمعان هذا البارق المتألق
باتت لوامعه تسل صوارمًا ... بالغرب ثم تشيمها بالمشرق
فكأنهن سهام نار مزقت ... ثوب الدجى بضرامهن المحرق
٣٦- الأمير مستخلص الدولة عبد الرحمان بن الحسن الكلبي
له في بعض الكتاب:
نحن كلانا يضمنا أدبٌ ... حرمتنا فيه حرمة النسب
فعد عمن معناك خالفه ... في كل فن تسلم من التعب
واجنح إلينا فإن ألفتنا ... تدفع باليمن (حرفة الأدب)
وقوله:
فلت يومًا لها وقد أحرجتني ... قولة ما قدرت أنفك عنها
أشتهي لو ملكت أمرك حتى ... آمر الآن فيك قهرًا وأنهى
فبكت، ثم أعرضت ثم قالت: ... خنتني في محبة لم أخنها
قلت: إن أنت لم تجودي بوصل=فالمنى ما عليك [لو نلت] منها
٣٧- أبو القاسم عبد الرحمان بن عبد الغني المقرئ الواعظ
له [من] مرثية:
1 / 7
سيف المنية آفة العمر ... كل العباد بحده يفري
حكم المهيمن بالفناء لنا ... فمن الذي يبقى على الدهر؟
وله:
أيا من نال في الدنيا مناه ... تأهب للفراق وللرحيل
ولا تفرح بشيء قد تناهى ... فما بعد الطلوع سوى النزول
٣٨- الوزير الكاتب أبو الفضل عبد العزيز بن أحمد بن دانق
عالم بالهندسة والحساب، يتصرف في آلات الكتاب، وله مع ذلك مقطعات عجيبة، وتشبيهات مصيبة، فمن ذلك قوله يصف النرجس من أبيات:
كف من الفضة مبسوطة ... في وسطها كاس من العسجد
وقوله في مقارنة القمر للمريخ::
كأنما البدر حين لاح وقد ... فارق مريخه وداناه
وجه محب وقد دنا خجلًا ... تحمل كأس النديم يمناه
٣٩- أبو محمد عبد العزيز ابن الحاكم عمر بن عبد العزيز المعافري
بارع في الصناعة، ماهر في العبارة، متنزه في رياض الرياضات، متنبه في سحريات السحريات.
من شعره قوله في العذار:
فيه للعين منية واعتذار ... حين أبدى البديع منه العذار
فات حد القياس إذ صيغ ماءً ... وسط در مركبٍ فيه نار
وقوله في الأوصاف:
انظر إلى الزهرة والمشتري ... إذ قابلا البدر يريكا العجب
قد أشبها قرطين قد علقا ... في جانبي تاج صقيل الذهب
وله أيضًا:
وكأن البدر والمر ... ريخ إذ وافى إليه
ملكٌ، توقد ليلا ... شمعةٌ بين يديه
وله في القناعة:
أنا لعمري يئست ... من الغنى فاسترحت
وقد قنعت فحسبي ... من الغنى أن قنعت
٤٠- أبو محمد عبد العزيز بن عبد الرحمن الأنصاري الكاتب
كاتب مبرز، وشاعر مفلق وبحر متدفق، له نثر كبرود اليمن، ونظم مع النظم في قرن متصرف في فنون الشعر كأنما هو ملقى على لسانه، فهو يجري مع نفسه جرى الزلال على الرضراض، لو مزج شعره بشعر أبي العتاهية لم يفرق بينهما إلا من كان راوية.
فمن شعره قوله مترسلًا في الغزل:
بالله يا طاووسة انطلقي ... بلطافة فاستعطني الوحشة
قولي لها عبد العزيز بكى ... فسقى بأدمعه الربى العطشة
وتناول القرطاس يكتب ما ... يلقى فخانته اليد الرعشة
وقال:
أخلو به وأعف عنه كأنني ... حذر الدنية لست من عشاقه
كالماء في يد صائم يلتذه ... نظرًا ويصدف عن لذيذ مذاقه
وقال:
أتعرف لي من سائر الناس أسوة ... أعزي به نفسي فقد عزني صبري
تعاون إخواني وأهل مودتي ... علي ليرموني بقاصمة الظهر
وأصبح من علمت يرمي ويتقي ... يريش ويبري كل سهم إلى نحري
إلى أي شرق أم إلى أي مغرب ... أوجه وجهي عنكم يا بني دهري
وقال:
ولما رأيت الحب يعدي من الهوى ... كتمتك ما ألقاه من ألم الحب
وصنتك في إنسان عيني فمذ بكت ... جعلتك
والتوحيد
في حبة القلب
ولو قلت لي لا تشرب الماء لم أرد ... عليه ولم أشتق إلى البارد العذب
فما لك تلقاني بصد وإنما ... تواصلني بالشوق في أسطر الكتب
وقال:
أقول للعاذل لما بدا ... يرفل في إشراقه المعجب
أهذه الشمس التي قلتمو ... تطلع للناس من المغرب؟
وكتب إلى بعض إخوانه في صدر كتاب:
كتبت أشكو إليكم ما وجدت بكم ... من الغرام ومثلي من شكا فبكا
والله والله ثم الله ثالثةً ... ما قصر البين في قتلي ولا تركا
كأن بين ضلوعي حين يذكركم ... قلبي جناح قطاة علقت شركا
وقال:
بحق المحبة لا تجفني ... فإني إليك مشوقٌ مشوق
ولا تنس حق الوداد القديم ... فذلك عهد وثيقٌ وثيق
وكن ما حييت شفيقًا علي ... فإني عليك شفيقٌ شفيق
ولا تتهمني فيما أقول ... فو الله إني صدوقٌ صدوق
٤١- الأمير أبو القاسم عبد الله بن سليمان بن يخلف الكلبي
1 / 8
(أحد الأدباء المجيدين، والشعراء المعدودين)، وممن جمع على شرف المنصب، غرائب العلم والأدب، وتصرف في أنواع الشعر، وأجاد في التشبيهات ووصف الخمر، وأضاف إلى ذلك جودة النثر، (وله تأليفات، وكتب مصنفات، في الرد على العلماء)، وتصنيف الشعراء، (فمن مختار شعره) في التشبيهات والخمر والغزل (قوله):
نعيمي أحلى بتلك الديار ... رواحي إلى لذةٍ وابتكاري
فليت ليالي الصدود الطوال ... فداء ليالي الوصال القصار
زمان أبيت طليق الرقاد ... وأغدو خليا خليع العذار
ولم يكن الهجر مما أخاف ... ولا العاذل الفظ ممن أداري
أسابق صبحي بصبح الدنان ... وأصرف ليلي بصرف العقار
ألا رب يومٍ لنا بالمروج ... بخيل الضياء جواد القطار
كأن الشقيق بها وجنةٌ ... بآخرها لمعةٌ من عذار
وسوسنها مثل بيض القباب ... بأوساطها عمدٌ من نضار
ترى النرجس الغض فوق الغصو ... ن مثل المصابيح فوق المنار
وأترجها كحقاق النضار ... تصفف أو كثدي الجواري
أقمنا نسابق صرف الزمان ... بدارًا إلى عيشنا المستعار
نجيب بصوت القناني القيان ... إذا ما أجابت غناء القماري
وتصبح عيداننا في اصطخاب ... يلد وأطيارنا في اشتجار
نشم الخدود شميم الرياض ... ونجني النهود اجتناء الثمار
ونسقي على النور مثل النجو ... م مثل البدور اعتلت للمدار
عقارًا هي النار في نورها ... فلولا المزاج رمت بالشرار
نعمنا بها وكأن النجوم ... دراهم من فضةٍ في نثار
إذا ما لقيت الليالي بها ... فأنت على صرفها بالخيار
وقال من أخرى في أولها:
شربت على الرياض النيرات ... وتغريد الحمام الساجعات
معتقة ألذ من التصابي ... وأشرف في النفوس من الحياة
تسير إلى الهموم بلا ارتياع ... كما سار الكمي إلى الكماة
وتجري في النفوس شفاء داءٍ ... مجاري الماء في أصل النبات
كأن حبابها شبكٌ مقيمٌ ... لصيد الألسن المتطايرات
لنا من لونها شفق العشايا ... ومن أقداحها فلق الغداة
على روضٍ يدله من رآه ... بأصناف المناظر واللغات
ويبكيه ابتسام الصبح فيه ... ويضحكه عبوس المدجنات
كأن الأقحوان فصوص تبرٍ ... تركب في اللجين موسطات
ونارنجا على الأغصان يحكي ... كؤوس الخمر في أيدي السقاة
إذا ما لم تنعمني حياتي ... فما فضل الحياة على الممات
شربت بسدفةٍ كظلام جدي ... وأحداث الزمان المبهمات
إلى أن بان فتقٌ مثل لفظي ... وأخلاقي الحسان المشرقات
وقوله من أخرى في مثل ذلك، أولها:
أرحت النفس من هم براحٍ ... وهان علي إلحاح اللواحي
وصاحبت المدام وصاحبتني ... على لذاتها وعلى سماحي
فما تبقي على طرب مصون ... ولا أبقي على مالٍ مباح
ثوت في دنها ولها هديرٌ ... هدير الفحل ما بين اللقاح
وصفتها السنون ورققتها ... كما رق النسيم مع الرواح
إلى أن كشفت عنها الليالي ... ونالتها يد القدر المتاح
فأبرزها بزال الدن صرفًا ... كما انبعث النجيع من الجراح
وقوله في الغزل:
قلبٌ يلد بطول الوجد والحرق ... ومقلةٌ تشتفي بالدمع والأرق
من لي بشمس جمالٍ أظلمت أفقي ... عليٍ غمًا وكل الناس في قلق
ثنى أعنة أبصار الأنام لها ... جمالها فهي في درعٍ من الحدق
وقوله:
زارني طيفٌ على وجلٍ ... ساحر الألفاظ والمقل
للضنى حقٌ علي به ... حين أخفاني عن العذل
أنا راضٍ في محبته بالذي يقضي علي ولي
كيف أحيا في هواه وقد ... خلقت عيناه من أجلي
وقوله:
أقمتم وقلبي بكم راحل ... وغبتم وتمثالكم ماثل
وأوهمتموني بطول الجفا ... ء أن ودادي لكم باطل
وأني لأخفي بكم ما لقيت ... مخافة أن يشمت العاذل
إذا سمحت منكم عطفةٌ ... حماها رقيبكم الباخل
كأن نحولي في حبكم ... يباريه وصلكم الناحل
وقوله من قصيدة يفخر فيها، أولها:
1 / 9
عهدي ببؤس رباك وهو نعيم ... أيام أنت على الحسان كريم
أيام فيك من الكواعب جنة ... معشوقة ومن الوشاة جحيم
يقول فيها:
وأهاجني برق يشوق إلى الحمى ... قلب المشوق فلا يزال يهيم
حسنت به الدنيا فكل قرارة ... روض وكل صبا يهب نسيم
تلك الرياض المحييات نفوسنا ... أنفاسها لا الشيح والقيصوم
سقيا لأيام الربيع وحسنها ... لو أن ذاك الحسن كان يدوم
طابت حدائقها ورقن كأنها ... جودي النثير ولفظي المنظوم
وأنا الذي حازت مناسبه العلى ... وأناف منها محدث وقديم
شرفي سماءٌ للسماء منيفةٌ ... وخلائقي فوق النجوم نجوم
ما دمت فالفخر المؤثل دائمٌ ... فإذا عدمت فإنه معدوم
وقوله:
بروحي وعهد الصبا في ذرود ... بكل مهاة من العين رود
إذ الدار تجمع شمل السرور ... والدهر يطلع نجم السعود
وإذ موردي من رضاب الثغور ... وإذ مرتعي من ثمار النهود
وقوله:
فقام يمشي الهوينا من روادفه ... وقد تحملت [منه] فوق ما حملا
ومن شعره:
تحنو علي المكرمات نوازعًا ... فكأنني للمكرمات حميم
واصلتهن كأنهن حبائب ... وحميتهن كأنهن حريم
ومنه قوله:
ما إن سمعت ولا رأيت بمثلها ... نار على أيدي السقاة تدار
وجلوتها غلس الظلام فراعني ... أن قام في غلس الظلام نهار
ومنه قوله:
يا قاتلي ... صبرًا
بطرف فاتر
ومعذبي
وجدًا
بخذ ناضر
ما زال دمعي يألف ناظري ... حتى حسبت الدمع بعض الناظر
ومنه قوله:
كفى حزنًا على البلوى مقامي ... أخص عداك دونك بالسلام
فجد بالنوم إذ منعوك مني لعلي ... أن أزورك في المنام
رجوت بمقلتيك شفاء دائي ... وهل يشفي السقام من السقام
وما أبقى الحمام علي عطفًا ... ولكني خفيت عن الحمام
٤٢- الوزير أبو محمد عبد الله بن عبد الله الهاشمي
من شعره:
وأغيدٍ لم يزل كريما ... من جيده قد أراك ريما
يريك من قربه نعيما ... يبرك تحقر النعيما
عيناه عونٌ على البلايا ... كلامه يبرئ الكلوما
فحاذر الطرف منه كيلا ... تظل من سقمه سقيما
سليم لحظ سليم لفظٍ ... يا من رأى سالمًا سليما
٤٣- أبو عبد الله العروضي
أحد العلماء الرواة، الحفاظ الثقات، العالمين بجميع التواريخ والأخبار، وملح الآداب والأشعار.
كان يسامر الملوك والأمراء، وينادم السادات والوزراء، عالم بالغناء أربى فيه على المتقدمين، وعلمه بالعروض والقوافي والأوزان كعلم الخليل. وله شعر، منه:
جريح قلب قريح أجفان ... دموعه والبحار سيان
يهجر من ليس هاجرًا أبدًا ... مغرى بما ساءني وهجراني
وسنان طرفٍ يبيت في دعةٍ ... وليس طرفي عنه بوسنان
كأن أجفان عينه حلفت ... ألا تذوق الرقاد أجفاني
ومنه:
لما نظرن إلي من حدق المها ... وبسمن عن متفتح النوار
وحللن أطراف الخمار مجانةً ... عن جنح ليل فاحم ونهار
وشددن بين قضيب بانٍ ناعمٍ ... وكثيب رمل عقدة الزنار
عفرت وجهي في الثرى لك ساجدًا ... وعزمت فيك على دخول النار
٤٤- أبو المصيب عبد الله بن أبي مالك القيسي
أحد رجال اللغة [و] العربية، المطابيع في أجناس القريض، العالمين بالأوزان والأعاريض، وله في ذلك تأليف يدل على علمه، وجودة اختياره وفهمه. ومن شعره:
غلط الذي سمى الحجارة جوهرًا ... إن الكريم أحق باسم الجوهر
إن الجواهر قد علمت صوامتٌ ... والمرء جوهره جميل المحضر
وقوله:
أنا المرء صارمه لحظه ... وميزانه للورى لفظه
إذا المرء قابلني بالجميل ... يوفر من مدحي حظه
وعظت أناسًا وكم واعظٍ ... لهم لم يؤدبهم وعظه
فلما تولوا فلاقيتهم ... بقولٍ ينهنههم فظه
صحبتهم فحفظت الجميل ... وما كان يألفني حفظه
٤٥- أبو محمد عبد الله بن مخلوف الفأفأ
له:
يا من أقل فؤادي ... ولحظ عيني عله
1 / 10
صلني تصلني حياتي ... وامنن علي بقبله
وله:
يا من يجود بدائه ... لا تبخلن بدوائه
واعطف على قلب غدا ... مثواك في سودائه
وانضح بماء الوصل نا ... ر الهجر في أحشائه
أمرضته بجفونك ال ... مرضى فجد بشفائه
٤٦- أبو محمد عبد المعطي بن محمد السرقوسي
عالم بالمنطق والحساب، وله:
أطلب الرزق حيث كان من الأر ... ض، فإن الفقير كالمفقود
وإذا ضاقت البلاد بحر ... سار عنها إلى مكان جديد
٤٧- أبو محمد عبد الوهاب بن عبد الله بن مبارك
من أهل الديانة من شعره:
نفسي الفداء لظبي ... قد جاز في التيه حده
حكى القضيب انعطافًا ... كما حكى الليث نجده
بالدمع طرز خدي ... مذ طرز الشعر خده
كأنه بدر تم ... في الأفق قابل سعده
يا ليته بات عندي ... أو ليتني بت عنده
يا عاذلي فيه دعه ... يطل كما شاء صده
فإنما هو مولى ... أضحى يؤدب عبده
ومنه:
إذا المرء لم يعرف بجدٌ ولا أب ... ولم يشتهر في الناس إلا بأمه
فلا تسألن عن حاله فهو ساقطٌ ... وإن لم يشع في الناس أسباب ذمه
ومنه:
تأمل لعل الله يعقبك الهدى ... فشاهد ذاك العقل إن لم يكن محك
أليس الذي قد نظم العقد بدأة ... ينظمه عودًا إذا انتثر السلك
٤٨- أبو بكر عتيق بن عبد الله [بن رحمون الخولاني] المقرئ
من شعره:
لا تخش في بلدة ضياعًا ... حيث حياةٌ فثم رزق
قد ضمن الله للبرايا ... رزقهم فالعناء حمق
ومنه:
عارض فيه عذارٌ ... ذاك ليلٌ ونهار
هو في الجوهر ماءٌ ... وهو في التوريد نار
كتب الحسن عليه ... أنه حتف معار
من رآه فهو صب ... ماله عنه اصطبار
أيها البدر المفدى ... أدمعي فيك بدار
سحر عينيك رمتني ... أسهم منه غرار
فمتى لي عنك سلوا ... ن وفي الصدر أوار
أنت لي حتف قتولٌ ... ليس لي منه فرار
إن أرم عنك عزاء ... فهو في النفس بوار
[إلى أن] يقول في مدحه:
ملكٌ تحسد فيه ... آل قحطان نزار
٤٩- العابد أبو بكر عتيق بن علي بن داود المعروف بالسمنطاري
أحد عباد الجزيرة المجتهدين، وزهادها العالمين، وممن رفض الأولى ولم يتعلق منها بسبب، وطلب الأخرى وبالغ في الطلب، وسافر إلى الحجاز فحج وساح في البلدان، من أرض اليمن والشام إلى أرض فارس وخراسان، ولقي من بها من العباد، وأصحاب الحديث والزهاد، فكتب عنهم ما سمع، وصنف كل ما جمع.
وله في دخول البلدان ولقياه العلماء كتاب بناه على حروف المعجم في غاية الفصاحة، وله في الرقائق وأخبار الصالحين كتاب كبير لم يسبق إلى مثله في نهاية الملاحة، وفي الفقه والحديث تأليف حسان، في غاية الترتيب والبيان.
وله شعر في الزهد ومكابد الزمان، فمنه قوله:
فننٌ أقبلت وقومٌ غفول ... وزمانٌ على الأنام يصول
ركدت فيه لا تريد زوالًا ... عم فيها الفساد والتضليل
أيها الخائن الذي شأنه الإث ... م وكسب الحرام ماذا تقول؟
بعت دار الخلود بالثمن البخ ... س بدنيا عما قريب تزول
٥٠- أبو سعيد عثمان بن عتيق [الصفار الكاتب]
له من قصيدة في الأمير المعتصم أبي يحيى محمد بن معن بن صمادح:
فاض عقيق الدمع فوق البهار ... وانحدر الطل على الجلنار
واجتمع الغصنان لكن ذا ... ذاوٍ وهذا يانع ذو اخضرار
وكاد ذا ينقد من لينه ... وكاد هذا يعتريه انكسار
واضطرمت في القلب نار الجوى ... فهذه الأدمع منها شرار
٥١- أبو الحسن علي بن أحمد بن زين الخد الأزدي
من شعر
تهلل وجه الدهر بعد قطوب ... وأشرق نجم السعد بعد مغيب
وآذنت الأيام إيذان منعم ... بإسعاد صب أو قفول حبيب
فبت رحيب الصدر ذا أريحيةٍ ... ومن قبل ما قد كان غير رحيب
ومما شجى قلبي وشيب مفرقي ... مراغمةً من قبل حين مشيبي
كتابٌ أتاني فيه غدر أحبةٍ ... وفيت لهم في حضرةٍ ومغيب
٥٢- أبو الحسن علي بن أبي إسحاق إبراهيم الوداني
1 / 11
صاحب الديوان ينسب إلى "ودان" مدينة بإفريقية من ذوي الرئاسة والنفاسة. وله فضائل وأدب وشعر، منه قوله يصف ليلة:
من يشتري مني النهار بليلة ... لا فرق بين نجومها وصحابي
دارت على فلك السماء ونحن قد ... درنا على فلكٍ من الآداب
وأتى الصباح ... فلا أتى
وكأنه
شيبٌ أطل على سواد شباب
وكأنما شفق السماء خضابه ... يبدو كنعمان بأرض سراب
وله في الشيب:
وبرغمي لما أتاني مشيبي ... قلت: أهلا بذا الضحوك القطوب
ولعمري ما كنت ممن يحي ... يه ولكن تملق المغلوب
كان في عهد ابن رشيق وبينهما مكاتبات
٥٣- أبو الحسن علي بن بشري الكاتب
كان في النظم والنثر سابقًا لا يجارى، وفي اللغة والإعراب لا يبارى، وله في الشعر قوله:
وتعجبني الغصون إذا تثنت ... ولا سيما وفيهن الثمار
إذا ارتجت نهودٌ في قدودٍ ... فقل للحلم قد ذهب الوقار
وقوله أيضًا:
ملكتني المدامة الخندريس ... وغزالٌ يرنو وطرفٌ يميس
إنما يملك النفوس فتعصي ... ناصحيها ما تشتهيه النفوس
قد ألفت الصبا وإن لحظتني ... فيه من عاذلي لواحظ شوس
رب يومٍ لهوت فيه بأبكا ... رٍ حسان كأنهن شموس
حضرتنا السعود فيه وغابت ... عن ذرانا فلم تطرنا النحوس
للقماري به غناء وللرو ... ض ابتسامٌ وللغيوم عبوس
وقوله يصف البرق:
بدا البرق من نحو الحجاز مذكرًا ... بسلمى وسعدى والتذكر ينصب
يلوح على لون الدجى فكأنه ... سيوف على زرق الثياب تقلب
فلله برقٌ عذب القلب لمعه ... أكل محب بالبروق معذب؟
٥٤- أبو الحسن علي بن الحسن بن حبيب اللغوي
(أحد رجال اللغة المعدودين، والعلماء بها المبرزين)، وممن تناول المرمى البعيد بقريب فهمه، وأوضح المبهمات بنور علمه، (وكان مضطلعًا بنقد الشعر ومعانيه، ناهضًا بأعباء الغريب ومبانيه)، فمن شعره قوله:
أهاب الكأس أشربها وإني ... لأجر أمن أسامة في النزال
أراوغها مراوغة كأني ... ألاقي عند ذاك شبا العوالي
٥٥- أبو الحسن علي بن الحسن بن أبي سعيد القاضي سهل بن مهران
أحد المطيلين المحسنين والمداح المجيدين.
فمن شعره يمدح الأمير أبا القاسم علي بن الحسن الكلبي ملك صقلية ويعاتبه من قصيدة أولها:
مرادك من قرب الحبيب المباعد ... ضمان على طيف الخيال المعاود
ألم قبيل الصبح يجلبه الدجى ... على رقبةٍ خوف العيون الرواصد
فأطمع مشتاقًا وعلل مدنفًا ... عديم الأسى فيه قليل المساعد
وبات فما زالت ذراعي وسادةً ... تلي جيده المعطار دون الوسائد
٥٦- أبو الحسن علي بن الحسن ابن الطوبي
إمام البلغاء، وزمام الشعراء، مؤلف دفاتر، ومصنف جواهر، ومقلد دواوين، ومعتمد سلاطين، سافر إلى الشرق، وحل منه في الأفق، وكان في زمان المعز بن باديس عنفوانه، وله فيه قصيدة رصع بها ديوانه:
أجارتنا شدي حزيمك للتي ... هي الحزم أو لا تعذلي في ارتكابها
وكفي فإن العذل منك زيادة ... علي، كفى نفسي الحزينة ما بها
ومنها:
وإما المنى أو فالمنية إنها ... حياة لبيبٍ لم ينل من لبابها
وهل نعمة إلا ببؤس وإنما ... عذوبة دنيا المرء عند عذابها
سآوي إلى عز المعز لعله ... سيأوي لنفس حرة واكتئابها
إليك معز الدين وابن نصيره ... حملت عقود المدح بعد انتخابها
وأثواب حمد حكت أثواب وشيها ... على ثقةٍ مني بعظم ثوابها
وله من قصيدة:
أجارتنا إن الزمان لجائر ... وإن أذاه للكرام لظاهر
أجارتنا إن الحوادث جمة ... ومن ذا على ريب الحوادث صابر؟
ومنها:
أجيراننا إن الفؤاد لديكم ... لثاوٍ وإن الجسم عنكم لسائر
أأترك قلبي عندكم وهو حائر ... وآخذ طرفي منكم وهو ساهر
كذا يغلب الصبر الجميل كما أرى ... ويخسر في بيع الأحبة تاجر
وله:
أعددت للدهر إن أردت حوادثه ... عزما يحل عليه كل ما عقدا
وصارمًا تتخطى العين هزته ... كأنما ارتاع من حديه فارتعدا
1 / 12
وذابلًا توضح العليا ذبالته ... كأنها نجم سعد لاح منفردا
ونثرة ليس للريح المضي بها ... إلا كما عرضت للنهي فاطردا
وسابحا لا تروع الأرض أربعه ... كأنه ناقد مالًا قد انتقدا
فداك مالٌ متى يحرزه وارثه ... فخير ما وجد الإنسان ما وجدا
وله:
سل الليل عني هل أنام إذا سجى؟ ... وهل مل جنبي مضجعي ومكاني؟
على أنني جلد إذا الضر مسني ... صبور على ما نانبي وعراني
وله في الغزل:
ما أحسب السحر غير معناها ... والعنبر الجون غير رياها
إنا جهلنا ديارها فبدا ... من عرفها ما به عرفناها
كأنما خلفت بساحتها ... منه دليلًا لكل من تاها
لا كثبٌ دارها فأغشاها ... ولا فؤادي يريم ذكراها
ومنها:
الموت أولى متى قضيت بها ... نجي فمحياي في محياها
وأغبط الماء حين ترشفه ... إذ كان دوني مقبلا فاها
منها:
وما ثنائي على قلائدها ... إلا بأن أشبهت ثناياها
أجزع من عتبها ويبعثني ... إليه كرها طلاب عتباها
دنوها منك من شمائلها ... وبعدها عنك من سجاياها
وله من أخرى أولها:
أرى نورها أو رأى نارها ... فلما تجلى اجتلى دارها
وقد ضرب الليل أرواقه ... وأرخت دياجيه أستارها
فقل في جمال يضيء الدجى ... ويغشى النجوم وأنوارها
ومنها:
وشاطرة ردفها شطرها ... وما يبلغ الخصر معشارها
ومنها:
فيا لك عصرا قطعنا به ... ليالي تشبه أسحارها
ولذات عيش مضى عينها ... فها أنا أطلب آثارها
فها هي لم يبق منها سوى ... أحاديث أعشق تكرارها
قضيت الصبا دين أوطاره ... ولم تقض نفسي أوطارها
وله من أخرى:
أما من وقفة أم من مقام ... أبثك عنده داءً دخيلا
جفوت فضاقت الدنيا وكانت ... علي رحيبة عرضا وطولا
لعلك يا قضيب البان يوما ... تمهد في ظلالك لي مقيلا
أما لو كان قلبك من صفاةٍ ... لشيعني على حبي قليلا
ولكني دُفعت إلى حديد ... ينول
كلما قُرِع
الصليلا
لئن أنبطت من عيني دموعًا ... لقد أذكيت في قلبي غليلا
فيا عجبًا دموعٌ ليس ترقي ... ووجدٌ ليس يمكن أن يزولا
ولم أسمع بأنَّ حيًا توالى ... على أرض تزيد به محولا
وله:
خالسته نظرا تحمل بيننا ... نجوى هوىً خفيت على الجلاس
فاحمر ثم اصفر خيفة كاشح ... فعل المدامة عند مزج الكاس
وله:
أيا رب قرب دارها ونوالها ... وإلا فأعظم
إن هلكت
بها أجري
ويا رب قدر أن أعيش بأرضها ... وإلا فقدر أن يكون بها قبري
وله:
هبني أسأت فأين إق ... راري بذنبي واعتذاري
هلا ثناك عن الجفا ... ء غناك عني وافتقاري
لو أن غيرك رام بي ... غدرًا لكان بك انتصاري
وله:
ارفق بعينيك فإن الذي ... ضمنتا من سقمٍ زائد
فاستودع اللحظ لأجفانها ... فهي مراض وهو العائد
وله أيضًا:
وعيشٌ هززناه هز النسيم ... قضيب الأراكة عند الهبوب
مزجناه باللهو مزج الكؤوس ... بشكوى الهوى ورضاب الحبيب
فيالك عصرًا قضينا به ... حقوق الشبيبة دون المشيب
وله في العذار:
البدر في أزراره ... والغصن في زناره
وكأنما فت العبي ... ر على مخط عذاره
وله أيضًا:
يا عاذلي أنت الخلي فخلني ... وحشًا عليه من الصبابة نار
كيف السلو وكيف صبري عندما ... قامت بعذري قامةٌ وعذار؟
وله في الخمر وغيرها من قصيدة:
قضيت أوطار نفسي غير مترك ... ولم أعقها على لحقٍ ولا حرك
وكم رددت على العذال ما سهروا ... في حوكه فهو لم ينجح ولم يحك
وكم عدوت إلى الحانات منهمكا ... بكل عاد إلى اللذات منهمك
أهين مالي وأغلي الراح دونهم ... في ظل عيش كما تهوون مشترك
ومسمما يجمع الأسماع في قرنٍ ... من صوت غر عليه لحن محتنك
وساقيا تركب الصهباء نظرته ... إلى صريع من الفتيان منتبك
1 / 13
غدا يصرفها فينا ويمزجها ... فنحن وهي مع الأيام في ضحك
والماء يحذر منها أن تطير فقد ... صاغ الحباب عليها صيغة الشبك
ومنها:
كأنها جوهر في ذاته عرض ... قد شيب منسبك منه بمنسبك
فاسمع بعينيك عنها مثل ما سمعت ... أذناك ما قيل عن نوح وعن لمك
وليلة بتها والأرض عامرة ... حولي بالجوهرين الماء والبنك
ومنها في الدبيب:
والكأس تخدعهم عني وقد نذروا ... بأنني غير مأمون على التكك
حتى إذا أقبلوا منها ومال بهم ... أخذ الكرى وتداعى كل ممتسك
دببت أكتم في أنفاسهم قدمي ... كأنني بينهم ماش على الحسك
وقد تخلص غيي من يدي رشدي ... فيهم وأطلق فتكي من عرى نسكي
فبت أنفذ مما خولوا سككا ... وكنت قدما أجيد النفذ للسكك
وقد وثقت بعفو الله عن زللي ... فما أبالي بما خطت يد الملك
وله من أخرى في الخمر:
وصهباء كالإبريز تبصر كأسها ... من اللمع في مثل الشراع الممدد
كما حف نور البدر من حول هالة ... وفاض لهيب الشوق من قلب مكمد
إذا ما احتوتها راحة المرء أمسكت ... بهداب ظل من سناها مورد
وإن ناولتها بالمزاج يدٌ علا ... لها زيد مثل الدلاص المسرد
إذا ما تبدى تحسب العين أنه ... نجوم لجين لحن في أفق عسجد
وله:
حيى بريحان وقد ... حصر اللسان فناب عنه
وفهمت من معكوسه ... تأخير ما أبغيه منه
وله في وصف الثريا:
انظر إلى الأفق كيف بهجته ... والثريا عليه تنكته
كأنها وهي فيه طالعة ... قميص وشي وتلك عروته
وله في الخضاب ومدحه:
بعيشك ما أنكرت من ذي صبابة ... تحيل في رد الصبا فأعاده
هب الشيب في خدي بياض أديمه ... زمان شبابي في الخضاب سواده
وله في العذار: قدٌ من الأغصان يشرق فوقه=وجهٌ عليه بهجة الأقمار
وكأن ممتد العذار بخده ... ليل أمر على ضياء نهار
وله:
يا حبذا كأس يكون بها ... ريقٌ كأن ختامه مسك
باتت تعللني بها وبه ... حسناء ما في حسنها شك
هاتيك كالدنيا فلا أحدٌ ... إلا لها بفؤاده فتك
وله في العذار:
قال العذول: التحى، فقلت له: ... حسنٌ جديدٌ قضى بتجديد
أما ترى عارضيه فوقهما ... لام ابتداء ولام توكيد
وله يصف الكأس والحباب:
يا حبذا كأس بدت فوقها ... حبابة زهراء ما تذهب
أدارها الساقي فرد الضحى ... وانجابت الظلماء والغيهب
فقلت للشرب: انظروا واعجبوا ... من حسن شمس وسطها كوكب
وله يصف قوادا يحسن الصناعة:
وأحور مائل النظرات عني ... دسست إليه من يسعى وسيطا
فجاء به على مهلٍ وستر ... كما يستدرج اللهب السليطا
وله:
بأبي وجهك المليح وخيلا ... ن بخديك تخجل الأنوارا
غايرت أنجم الدجى فأنارت ... تلك ليلًا وأظلمت ذي نهارا
٥٧- أبو الفضل علي بن طاهر بن الرقباني
حافظ للغة وأيام العرب، جامع لأدوات الأدب.
فمن شعره يمدح الأمير صمصام الدولة، وقد وصلت إليه ألقاب كثيرة، وخلعٌ شريفة من مصر:
من قبل ذي الألقاب كنت شريفا ... إذ لم تزدك بكثرة تعريفا
لكنها عذبت فنحن بذكرها ... نرتاح لو كانت تعد ألوفا
يا سيد الأملاك والعلم الذي ... ترك القوي من العصاة ضعيفا
لا زلت مسعودا وجدك صاعدا ... حتى ترى فوق النجوم منيفا
٥٨- أبو الحسن علي بن عبد الجبار الكاتب [المعروف بابن الكموني]
توطن الأندلس.
كان نبيلًا أديبًا، وهو القائل -يرثي صقلية عند الحادث بها من الفتنة.
قد كانت الدار وكنا بها ... في ظل عيش ناعم رطب
مد عليها الأمن أستاره ... فسار ذكرها مع الركب
لم يشكروا نعمة ما خولوا ... فبدلوا الملح من العذب
ومن شعره:
لحا الله الفراق وما أقاسي ... من البين المشتت والبعاد
فألف روحنا بلطيف معنى ... وفرقت الهياكل في البلاد
لئن بعدت نفوسٌ من نفوسٍ ... لأنتم نور عيني في فؤادي
٥٩- أبو الحسن علي بن عبد الرحمان الأنصاري الكاتب
1 / 14
رحل إلى مصر.
فمن شعره قوله يمدح الناصر للدين أبا محمد اليازوري:
توالت فتوحات وأدرك ثار ... وقر لأمر المسلمين قرار
وجرد سيف الله ناصر دينه ... فصال به حد له وغرار
ودانت له الحرب العوان وإنها ... وإن رئمت أنسًا به لنوار
يرد إليه أمرها وهي شامس ... لها مسحل من قهره وعرار
كأن مطاف الحادثان بشاهقٍ ... منيف الذرى للفتح فيه مطار
تزل خطوب الدهر عن صفحاته ... كما زل عن صفح الحسام غبار
فيا ناصر الدين الذي فخرت به ... بناة المعالي يعرب ونزار
لقد علم الأعداء أنك منتضٍ ... حسامًا لهم هلك به ودمار
وأنك حزب الله تسعى بهديه ... وتغضب في مرضاته وتغار
بكفك سيف الله تضربهم به ... وهل يحتمي من ذي الفقار فقار
تسلهم خيل الإله عوابسا ... كما طرد الليل البهيم نهار
كتائب في ذات الإله مشيحة ... لها بغياث المسلمين شعار
فولوا فرارًا والرماح تنوشهم ... لهم حيدٌ عن وقعها ونفار
وجاؤوك في دوحٍ، قناك غصونه ... فليس لها إلا الرؤوس ثمار
أضفتهم حتى إذا ما تمردوا ... أضفت بهم تبا لهم وخسار
وأروع بسامٍ عليه سكينة ... من الله بادٍ نورها ووقار
عمرت به جيد المعالي قلائدا ... يطول بها الإمتاع وهي قصار
فيا علم المجد الذي طرزت به ... حلاه وأضحى في ذاره منار
تنام الرعايا ملء أجفانها كرى ... فنومك تسهاد له وغرار
فلا عطلت منك الوزارة إنها ... هي المعصم الحالي وأنت سوار
وعش يا "غياث المسلمين" فإنما ... حياتك عز للورى وفخار
ودم ملكا ما ساوت العين أختها ... وما صحبت يمنى اليدين يسار
وقال فيه أيضًا:
يمينك أندى العارضين سحابا ... وعزمك أمضى الضاربين ذبابا
وأنت أعم الناس طولا وسؤددا ... وأطيبهم جرثومة ونصابا
وأشرعهم يوم اللقاء أسنة ... وأمرعهم يوم العطاء جنابا
شهادة برٍ لا يحابى بمثلها ... ألا ربما كان السحاب محابى
حللت بدار الملك ثم قطنتها ... كما قطن الليث الغضنفر غابا
وأنشبتها بالسمهرية والظبى ... طعانا نفى عنها العدى وضرابا
وفجرت فيها للنضار جداولا ... وسطرت فيها للسماح كتابا
يقولون إن المزن يحكيك صوبه ... مجاملة: ها قد شهدت، وغابا
وكم أزمةٍ عم البرية بؤسها ... فهل ناب فيها عن نداك منابا؟
همت ذهبا فيها يداك عليهم ... وضنت يداه أن ترش ذهابا
ولو كان للأسياف عزمك ما نبت ... ولا ناط بالخصر النجاد قرابا
تغار من المجد المعالي، وتنتمي ... إلى اسمك حبات القلوب طرابا
وما زلت ترضي الله في نصر دينه ... بمألكةٍ تزجي الأسود غضابا
إذا طويت كانت وغى وقساطلا ... وإن نشرت كانت ظبا وحرابا
وما أنت إلا مطعم النصر أينما ... أغرت على نهبٍ لزمت نهابا
وكم نعم خولته لم تشله ... بخيلٍ ولم توجف عليه ركابا
وأبلح ميمون النقيبة لو دعا ... إلى نصره وحش الفلا لأجابا
أجل ملوك الأرض من ظل لاثما ... ترابا علته رجله وركابا
سقى حلبا من جود كفك ماطر ... إذا لم تصب فيه المواطر صابا
علوتهم بالمرهفات كأنما ... مددت عليهم بالبروق سحابا
وأطلعت سحبا من بنانك ثرة ... تفيض عليهم نائلا وعقابا
وقال أيضًا:
عرفت لها طيفا على النأي طارقا ... يساعد مشتاقا ويسعد شائقا
ألمت وفي جفني بقايا مدامع ... مرتها نواها فاستهلت سوابقا
وأومض في رجع الحديث ابتسامها ... وميض الحيا أهدى لنجدٍ شقائقا
فولت بقلبٍ أسلمته يد الهوى ... إلى الشوق مغلوب التجلد وامقا
سقاها الحيا حيث استهلت مواطرا ... كجود "غياث المسلمين" دوافقا
رعى الله "تاج الأصفياء" وإنما ... دعوت بأن يرعى الدنى والخلائقا
فيا "ناصر الدين" الذي بنواله ... إذا الشعر بين الجود والبخل فارقا
ملكت فؤادا بالمعالي متيمًا ... وأعطيت قلبًا بالمكارم عاشقا
1 / 15
وما ابتدر الأملاك غاية سؤدد ... ومكرمةٍ إلا وجدناك سابقا
فمن كان منهم مانعا كنت باذلا ... ومن كان منهم حارما كنت رازقا
وخولك الله المغارب كلها ... تنفذ فيها حكمه والمشارقا
تنكبت عن ظل الهوادة سالكا ... هواجر في طرف العلى وودائقا
وملمومةٍ أزديةٍ ناصريةٍ ... بعثت على الأعداء منها البوائقا
قرعت بها عظم العراق فلم تزل ... له بشفار المشرفي عوارقا
وقد جمعت منه خراسان ذيلها ... على عجلٍ لما قددت البنائقا
قددت غمام السابري عليهم ... مضاعفة لما انتضيت البوارقا
بكفك آجال الأعادي وإنما ... أخذت على الأعمار منها المضايقا
إذا خاطبٌ لم يعل أعواد منبرٍ ... بما تشتهي من خطبة كان فاسقا
إذا ردهم لم يبد بين سطوره ... بذكرك سطر كان زيفا مزابقا
إذا ما تعاطى الجود بعدك مدعٍ ... له أو تحلى باسمه كان سارقا
ومن يبغ أن يحظى نداه بمنعمٍ ... سواك كمن يبغي مع الله خالقا
وكان الذي كانت خراسان داره ... بها مغرما ثم استقل مفارقا
إذا هم تقويَضًا تلفت باكيًا ... بساتين في أكنافها وجواسقا
تريه مناه مرفقا في طماعةٍ ... إذا ساغت الأطماع كنت مرافقا
وقد نصحته نفسه وهي حربه ... إذا نصح الأعداء كانوا أصادقا
وبالموصل أستأصلت شافة ملكه ... بكرات حملاتٍ تشيب المفارقا
يقيك بشحط الدار منها فلم تزل ... تجوب سهوبًا دونها وسمالقا
ذكرت الردينيات في جنباتها ... بواسق تعلو في ذراها البواسقا
جلبت من الأجبال "طيء" ... كراديس شكت بالكماة الرساتقا
فظلت وقد عادت جواسقها ربى ... وكانت رباها قبل ذاك شواهقا
إذا خاطر الرعديد أنهل رمحه ... كما اختلس اللحظ المحب مسارقا
وساقت "عقيل" في رؤوس رماحها ... عقائل من أموالهم ووسائقا
وهرت "كلاب" في الوشيج فأقعصت ... ثعالب في أجحارها وخرانقا
ملكت رجالات العراق براحةٍ ... تفيض حيا طورا وطورًا صواعقا
فقد أنطقت بالجود من كان أخرسا=وقد أخرست بالبأس من كان ناطقا
تصافح أيديها الألوف صوامتا ... وما عرفت من قبل إلا الدوانقا
وكم قلعةٍ بالمشرفي اقتلعتها ... وأذريتها وجه الرياح سواحقا
وثقت بنصر الله في كل موطن ... وكنت أمرأ
مذ كنت
بالله واثقا
كساك أمير المؤمنين مناقبا ... فكنت بها يا "ناصر الدين" لائقا
وأصفاك من بين البرية خلة ... رآك لها محض المودة صادقا
وقوله من أخرى يمدح فيها سماء الرؤساء شمس الكفاة أبا الحسن علي بن أحمد بن المدبر أولها:
هذي العيون وهذه الحدق ... فليدن من بفؤاده يثق
لو أنهم عشقوا لما عذلوا ... لكنهم عذلوا وما عشقوا
عنفوا علي بلومهم سفها ... لو جرعوا كأس الهوى رفقوا
ما الحب إلا مسلك خطر ... عسر النجاة وموطئٌ زلق
من أجل هذا ظل يقنص لي ... ث الغاب فيه الشادن الحزق
ومسربل بالحسن معتجر ... منه بأكمله ومنتطق
عجبي لجبهته وطرته ... وضح الصباح وما انجلى الغسق
يا ليلة نادمت كوكبها ... في حيث أطلعه لي الأفق
لو لم أعاجل كأسه بجنى ... فيه البرود لكنت أحترق
حتى إذا صرعته سورتها ... قمرا عليه الشهب تأتلق
قبلت وجنته وقد ظهرت ... في صحنها من قلبي الحرق
قد كانت الآمال ذاوية ... ظمأى مكدر شربها رنق
حتى أتيح لها أبو حسنٍ ... فنمت وعم غصونها الورق
يستصغر الدنيا، فأهون ما ... تعطي يداه العين والورق
في صورةٍ جمع الكمال لها ... والأحسنان الخلق والخلق
وتخرق في الجود يعظمه ... فيكاد يحسب أنه خرق
وقال في النارنج:
ألا أنعم بنارنجك المجتنى ... فقد حضر السعد لما حضر
فيا مرحبا بخدود الغصون ... ويا مرحبا بنجوم الشجر
كأن السماء همت بالنضار ... فصاغت لنا الأرض منه أكر
وقال يصف النخل وقد أربى خلال روضة:
1 / 16
وروضٍ حديقٍ كالشباب طرقته ... وللنجم في أفق السماء ركود
ترقوق في أحداق نرجسه الندى ... كما استعبر العشاق
وهو جليد
وتفتر فيه للأقاحي مباسم ... فتخجل فيه للشقيق خدود
وترتج من فوق الغصون ثمارها ... كما ارتج من بان القدود نهود
يسل عليها المشرفيات جدولٌ ... له ثغب عذب الرضاب برود
وقامت عذارى النخل من كل جانب ... حواسر في لباتهن عقود
وقال لي كنت بحضرة رئيس الرؤساء فقدمت بين يديه أطباق فيها ورد أحمر وأبيض مضعف، فقلت فيه ارتجالا:
كأنما الورد الذي نشره ... يعبق من طيب معاليكا
دماء أعدائك مسفوكة ... قد قابلت بيض أياديكا
وقوله:
تضمن فوه درًا من ثنايا ... جلاه لنا بدر من كلامٍ
وشال عذاره من تحت صدغٍ ... فصار بصحن وجنته كلامٍ
وقوله في مثله:
يمين أبي العلاء إذا استهلت ... سحائب جودها هطلت نوالا
تفيض على العفاة حيا وإن لم ... تفض سحب الكرام وغضن وإلا
وقوله:
إن كان لم يخبرك قلبك أنني ... قد ذبت من كمدٍ فلست كذاكا
لا تطلبن شهادة من غيره ... اسأله عن أحبابه وكفاكا
وله من قصيدة يمدح فيها الوزير رئيس الرؤساء:
لحظات من شبيهات الدمى ... صرعتني بين ظلم ولمى
بعد ما قلت تناهت صبوتي ... رجعتني مستهامًا مغرما
لائمي أقصر فإني كلما ... زدت لومًا زاد سمعي صمما
بأبي من جاءني معتذرا ... وجلاُ مما جناه ندما
فرأيت البدر في طلعته ... ضاحكا من وجهه مبتسما
زائر أسأل عنه مقلتي ... هل رأته يقظة أو حلما
بوشاح ناقض الحجل فذا ... باح بالسر وهذا كتما
كيف تخفى زورة الصبح وقد ... فتح الروض وجلى الظلما
عجبي من سقمٍ في طرفه ... يورث السقم ويشفي السقما
قمر يعبده عاشقه ... عبد المفتون قبل الصنما
قد أعار الكأس منه وجنة ... وثنايا ورضابا وفما
أحبابًا ما أثار الماء في ... جوها أم حدقا أم أنجما
جال فيها لؤلؤًا منتثرا ... وعلاها لؤلؤًا منتظما
كيف أعتد بلقيا هاجرٍ ... قبل ما حاول وصلي صرما
لو تجاسرت على الفتك به ... لم أعد أقرع سني ندما
أي شيء ضرني لو أنني ... كنت في الحل طرقت الحرما
أنا عندي من شفى غلته ... من حبيب مسعدٍ ما أثما
ولقد ذقت بكاسات الهوى ... عسلًا طورًا وطورًا علقما
وجليس قد شنأنا شخصه ... مذ عرفناه ملحا مبرما
ثقل الوطأة في زورته ... ثم ما ودع حتى سلما
بعض ما لاقيت منه أنه ... نفر الرئم الذي قد رئما
ذل من يأوي إلى ملتجئ ... ليس يؤوي ويروي من ظما
وأعز الخلق طرا عائذ ... برئيس الرؤساء اعتصما
نحن منه في جنانٍ ورعٍ ... نلبس العز ونجني النعما
قد بلوناه على علاته ... فبلونا العارض المنسجما
وله أيضًا:
أقول ولاح لي خد وصدغ: ... لمن تفاحة مع صولجان؟
بودي لو لثمتهما جميعًا ... ولكني أحاذر صول جان
وله:
زماننا منقلب فاسد ... يرفع أهل الجهل والعجب
كالنقش في الخاتم لا يستوي ... ختم به إلا مع القلب
وله أيضًا:
أنت عما حل بي في شغل ... إنما يرثي لمثلي من بلي
لي وعد عند عينيك مضى ... دونه عمري ووافى أجلي
فوريحان العذار الخضل ... فوق ورد الوجنة المشتعل
يا حبيب النفس لو أبصر ما ... حل بي منك عدوي رق لي
وله:
جاء بكمثرى جني غدا ... منظره بيدي لنا خبره
من كل زهراء خلوقية ... تجمع بين النهد والسرة
٦٠- أبو الحسن علي [بن محمد] بن عبد الله بن الحسين [بن القطاع] التميمي السعدي
أحد العلماء المتقدمين، مدح الحاكم.
له:
ذكرتك ذكرى لو تذكر بعضها ... ثبير تداعى ركنه وتصدعا
وواصلت أنفاسا أبي طول وصلها ... لقلبي إلا أن يكون مقطعا
وأفنيت دمع العين يوم فراقكم ... فلم يبق لي دمعٌ يصافح مدمعا
وقوله في "رونق" اسم جارية:
1 / 17
اسم الذي تيمني حبه ... يلوح في ديباج خديه
حتى إذا صحف معكوسه ... كان الذي في لحظ عينيه
وأضمر اسم "علي" فقال:
اسم الذي تيمني عشقًا ... يتعب ذا اللب إذا يلقى
ثلاثةٌ إن رخمت كان ما ... رخم جذرًا للذي يبقى
وأضمره أيضًا فقال:
اسم الذي ابتغي رضاه ولا ... آمن ما عشت من تسخطه
ثالثه مثل سبع أوله ... بل هو إن شئت ثلث أوسطه
٦١- أبو الحسن علي بن عبد الله ابن الشامي
له من قصيدة:
يا سيدي لي أوامر كرمت ... فارع لها
لا عدمتك
الذمما
فكم أناس حقوقها جحدوا ... ظلمًا، وما عادل كمن ظلما
فحسنوا جحدها بلؤمهم ... وإنما هجنوا به الكرما
وله في الوداع:
ودعني وانصرفا ... يحمل وجدًا متلفا
ملتفتا وكلما ... نقل رجلًا وقفا
لو أنني أنصفته ... مت مكاني أسفا
وله:
إذا نحن أعيانا اللقاء فودنا ... بمحض التصافي كل حين له ورد
ولا صنع للأيام في نقض مبرمٍ ... يعود جديدًا كلما قدم العهد
٦٢- أبو الحسن علي بن محمد بن علي الربعي المعروف بابن الخياط
شاعر فصيح اللسان، مشهور بالإحسان، وحدة الجنان، وجودة البيان، ماهر في اللغة والأدب، حافظ لأشعار العرب، وكان يشبه في عصره، بجرير في دهره.
ومدح الملوك من آل أبي الحسين الكلبيين، وكان عندهم عالي القدر، نابه الذكر. فمن شعره قوله من قصيدة يمدح فيها الأمير ثقة الدولة يوسف بن عبد الله وولده تاج الدولة وسيف الملة جعفرًا، أولها:
سلمى وما أدراك ما سلمى ... قنص لعمرك رائع الأدما
لا تستبح روضًا بوجنتها ... أنفًا لسهم جفونها يحما
وأنا نذيرك أن تلاحظها ... وانظر لنفسك قبل أن تصما
فهي العيون لقلبي تطادمًا ... لا تحتقب قودًا ولا إثمًا
وسفيهة بكرٍ تسفهني ... أو تحسبين لعاشق حلما
كفي ملامك إن بي صممًا ... عنه أيسمع لومك الصما
هذا وأشمط رب دسكرةٍ ... رحب الفناء لكل من أما
مستنزل جلباب زائره ... ببشاشةٍ تستنزل العصما
طفنا به أملًا فهب لنا ... بزجاجة تتحمل النجما
فلو أن ملك الأرض تحت يدي ... لجعلت كل نباتها كرما
حتى تكون الراح منهلة ... تغني الصوداي عن زلال الما
كيد ابن عبد الله يوسف إذ ... طرد الغنى بنوالها العدما
ظلت تحزم سيرذي شطب ... شبق الملامة وامتطى الحزما
يقول فيها من مدح ولده:
يا جعفرًا ورد العذوبة بو فحلى ... ورد والمنة نعما
أنت اللباب لكل مكرمة ... كان الملوك لقرعها عدما
وبما بلغت حجى الكهول فتىً ... وحلمت قبل بلوغك الحلما
فاسلم ليوسف ساعدًا ويدًا ... فوق السماء تخيم أنجما
وقوله من قصيدة يمدح فيها الأمير تأييد الدولة:
طرق الخيال وساء ما طرقا ... أخذ الرقاد وخلف الأرقا
عندي سرائر لو نفثت بها ... في صخرة لتقطعت فلقا
حب صليت به وأكتمه ... لو مس أبكم حره نطقا
ولقد صبرت له فأوسعني ... قلقا وأثخن مهجتي حرقا
ولعلني إن قلت بي علق ... قعد الوشاة بقصتي حلقا
وأنا الرهين بحب ساحرة ... ملأت يدي ببشرها ملقا
نظمت لها أيدي ملاحتها ... خرز القلوب بجيدها نسقا
ملك تضم الأرض قبضته ... حتى تكون جميعها طبقا
يغزر بأدهم في العجاج ترى ... لمع السيوف بجسمه بلقا
وقوله من أخرى يمدحه فيها ويهنئه بسلامة ولده من جدري. أولها:
لا يطمعنك في السلو تكهلي ... أنا من علمت على الغرام الأول
إن كان غرك ذا الوقار فإنه ... كالطيب يعبق في القميص وقد بلي
نسك نصبت به حبالة مطعم ... متعودٍ قنص الغزال الأكحل
ولرب مأربةٍ لبست لها الدجى ... وقضت بها وطرأ لطافة مدخلي
أسري كما تسري النجوم لحاجتي ... والناس بني مدثر ومزمل
ولقد تعبدني على حريتي ... رشأ تنعم في الرحيق السلسل
ممن يصون عن الأكف ثماره ... بخل ويحجبه عن المتأمل
1 / 18
لا تنفع العبرات عند صدوده ... أحدًا ويرهب أن يقال له: صل
داريت قسوته بلين تلطفي ... والصعب تعطفه يد المتحيل
وإذا بليت بهاجر فاصبر له ... فالماء ينبط من صفاة الجندل
لأسابقن غدًا لتهنئة العلى ... ولآخذن بشارة المستعجل
ولأهدين إلى الخلافة إنها ... تعلى وتحمد بعد أحمد في علي
سردت يد الجدري فوق أديمه ... حلق الدروع مقدرات المدخل
ولقبلها لبس الدروع مسومًا ... في موكب كدر العجاجة جحفل
الله هناك السلامة في الذي ... سيء العدو به كما سر الولي
داويت بالصدقات معضل دائه ... والبر يدفع كل داء معضل
وقوله من أخرى يمدحه فيها وولده مؤيد الدولة، أولها:
انجري بعض موعدي ... كم تمنين بالغد
أنا راض ببلة ال ... ريق للحائم الصدي
نصب الكاشحون لي ... كل عين بمرصد
سبني أن عشقته ... جائر الحكم معتدٍ
سب ما شئت لا ترع ... بلساني ولا يدي
خوطة في قرارة ... أينعت في قرى ند
ظلها في عرين ور ... د من الأسد ملبد
لا أطيق الفداء من ... هـ بشيء فأفتدي
غير أني مؤيد ... بالأمير المؤيد
ولقد قلت للحوا ... دث: قومي واقعدي
أنا في ذمة الأمي ... ر علي بن أحمد
حط رحلي بداره ... بين نسر وفرقد
هذه الدولة التي ... كنت أرجو لمجتد
وله من قصيدة يمدح فيها الأمير مستخلص الدولة الحسن بن ثقة الدولة، أولها:
يا قلب ويحك قد خلقت ضعيفا ... أفلا تزال على هوى موقوفا
حتام أنت بذات طرفٍ ساحرٍ ... لا تستبل بحنةٍ مطروفا
خفت حصاتك يوم خف قطينها ... هل كنت تحذر للقطين خفوفا؟
وكأن قيم ركبها مستوفز ... ضربوا له أجلًا فحث عنيفا
ساروا بها والبدر من أترابها ... يتنقصون تمامه تحييفا
قد كان في حال الكمال كوجهها ... فغدا كحاجبها أزج نحيفا
يا من رأى القمر المنير بهودج ... متجللا غير السحاب سجوفا
نظمت له أيدي القيان بلؤلؤ ... مثل النجوم قلائدًا وشنوفا
غم الهلال فأطلعته بوجهها ... في هالة جعلت عليه نصيفا
وتخيلت للعين حمر برودها ... شفقا أحاط به وكن شفوفا
يا رب ليل بت أنشد صبحه ... وكأنني أضللت منه تليفا
ليلا حسبت به المجرة جدولًا ... وحسبت أنجمها حصى مرصوفا
ولعله بعد اليبيس مروح ... بندى الحنين فأرتعيه خريفا
ملك تنطق بالملوك أبوة ... وبنوة فأتى بهم محفوفا
مستخلص الخلفاء وابن ملوكها ... وأبوهم ما بل بحر صوفا
لو لم تفز بتليد مجدك في العلى ... حظًا لفزت بمن ولدت طريفا
وقوله فيه أيضًا:
نظرت فقلت هو الغزال الأدعج ... وتبسمت فإذا النقي الأفلج
وشككت بين مذكر ومؤنثٍ ... فيها فأنبا باليقين الأبلج
ريحانة برد النعيم يظلها ... لو كان فيه للمظل تولج
إحدى حبالات القلوب لقلما ... ينجو إذا نصبت له المتحرج
لا يخدعنك بالكناس نعامها ... إن العرين به زئير مزعج
ذو لبدةٍ منع الجواز كأنما ... منه على الصحراء باب مرتج
أنيابه شفراته ولهاته ... تنوره فالنيء فيها منضج
أغمامة برقت بها أم هودجٌ ... أم تلك أحلام بنوم تهلج
ما خلت قبلك والمخالة حيرة ... إن الإيناس على بعير يخدج
صار الأراك على الغزالة كلةً ... والمرد أزرارًا عليها تسرج
هون عليك بمن نواه كهجره ... أيبكر الحادي به أم يدلج
فيم الصبابة بعد ما ذهب الصبي ... سن مذكية ورأس أخرج
إن الذي قد كان يحسن في الهوى ... بالأمس منك اليوم شيء يسمج
لم يبق يا شرخ الشباب بلمتي ... إلا دريس من ثيابك منهج
ست من العشرات خلف حقيبتي ... طويت كما طوي الكتاب المدرج
فاصرف هواك إلى الثناء على الذي ... يثني صروف الدهر عنك فتفرج
الخاتم الأملاك لولا ناشئ ... من صلبه يلد الملوك متوجٌ
قمر أبوه البدر إلا أنه ... تم وذاك حين يولد مخدج
1 / 19
أخذت بأسعده الكواكب حظها ... وتقاسمته على السواء الأبرج
وإذا الدجى صنع النبيط أحابشًا ... فكأنما بيض الجلود تزندج
كشف العمى فتميزت ألوانها ... فكأنما أنفلق الصباح الأبلج
نور أعين من الهدى ببصيرة ... طمس الضلال بها وكان المنهج
الحق في الشبه البهيمة أبلج ... والباطل المصنوع فيها لجلج
ومن الثناء على الملوك محبر ... يكسونه حللا ومنه مثبج
ولو استطعت على النجوم نظمتها ... عقدًا عليك فهل إليها معرج
وإذا منحتك من ثناي نتيجة ... فعن المنائح من نوالك تنتج
لا يعد منك منبر وخطيبه ... ما لم يزل فيه بفخرك يلهج
وقال:
حبيب تولى الحب قلبي وقلبه ... فصاغهما قلبًا له جسدان
ونحن على ما بيننا من تآلفٍ ... إذا حضر الواشون مفترقان
وقال:
حسن وجهٍ لي فيه قلب شقي ... أبدًا في الهوى وطرف سعيد
أين ألقتني المطامع فيه ... ساعدٌ لين ومرمى بعيد
قمر دونه رجوم الشياط ... ين وظبي تذب عنه الأسود
وقال:
لا تعجبن لرتبة أشرارها ... يعلون والأخيار فيها تسفل
فالناقصون هم الذين علوا بها ... والراجحون هم الذين تنزلوا
أو ما ترى الميزان يعلو خفةً ... في كفةٍ ويحط فيها الأثقل
وقال:
إن سب الملوك من شعب المو ... ت فإياك أن تسب الملوكا
إن عفو عنك بالذنوب أهانو ... ك وإن عاقبوا بها قتلوكا
وقال:
ليس إلا تنفس الصعداء ... وبكائي وما غناء بكائي
من رسولي إلى السماء يؤدي ... لي كتابا إلى هلال السماء
كيف يرقى إلى السماء كثيفٌ ... يسلك الجسم في رقيق الهواء
أعجز الإنس أن ترقى إليها ... فعسى الجن أن تكون شفائي
أم ترى الجن تتقي شهب الرج ... م فدعني كذا أموت بدائي
وحضر أبو الحسن الفتنة ومدح صاحبها ابن الثمنة بقصيدة أولها:
سر حيث شئت فأنت وحدك عسكر ... والناس بعدك فعله لا يذكر
ومن شعره قوله:
يا جامع البوس والنعما براحته ... كالغيث يجمع بين الماء واللهب
وقوله:
تمتع بالمنام على شمالٍ ... فسوف يطول نومك باليمين
ومتع من يحبك من تلاقٍ ... فأنت من الفراق على يقين
٦٣- أبو الحسن علي بن محمد المعروف بالصقلي
من شعره:
بركةٌ للماء تطرد ... للصبا في متنها زرد
بات في أحشائها قمرٌ ... مثل قلب الصب يرتعد
وقوله يصف الخمر:
وقهوةٍ كشعاع النار في قدحٍ ... قد شجها بمزاج الماء ساقيها
يريك درا نثيرًا في أسافلها ... يعود درا نظيمًا في أعاليها
أبو الحسن علي بن المعلم
صاحب ديوان الصناعة.
ولع بالهجاء وذم الزمان، وأوطن الأندلس.
سأله بعض إخوانه أن يجيز:
وماء كعين الديك يجري على الحصى
فقال:
إذا ما نهته الريح عن جريه عصى
يصفق مرتاحًا براحة موجه ... كنشوان غنته المثاني [...]
٦٥- أبو حفص عمر بن حسن ابن السطبرق
من أهل الدين، والورع، والعفاف.
له في الزهد:
سيلقى العبد ما كسبت يداه ... ويقرأ في الصحيفة ما جناه
ويسأل عن ذنوب سالفاتٍ ... فيبقى حائرًا فيما دهاه
فيا ذا الجهل مالك والتمادي ... ونار الله تحرق من عصاه
فعول في الأمور على كريمٍ ... توحد في الجلالة في علاه
وأمل عفوه وافزع إليه ... وليس يخيب مخلوقٌ رجاه
٦٦- أبو حفص عمر بن حسن، ابن القرني الكاتب
لغوي، شاعر، كاتب، منجم، مهندس.
وله من مرثية، أولها:
للموت ما يولد لا للحياة ... وإنما المر رهين الوفاه
كأنما ينشره عمره ... حتى إذا الموت أتاه طواه
من ترم أيدي الدهر لا تخطه ... والدهر لا يخطئ من قد رماه
منها:
نفس الفتى عارية عنده ... ما بخله بالرد إلا سفاه
وله:
بأبي من غدا صمي ... م فؤادي محله
والذي عقد حبه ... ليس خلق يحله
أيها العاذل الذي ... طال في الحب عذله
أتراني مللته ... لست ممن يمله
1 / 20