وإن كانوا من أهل البيت، فإن كانت سيرتهم كمن ذكر من خلفاء الدولتين فحكمهم كحكمهم، ولا إشكال في ذلك، وإن كانوا من ذوي الفضل والصلاح والتقوى، وعرف ذلك منهم قبل التعارض وبعده، مع لزومهم السيرة المرضية من العدل في الرعية، والقسمة بالسوية، وعدم الأثرة، وامتثال أوامر الشرع، والوقوف عند نواهيه، وبذلهم لوسعهم فيما هم بصدده بحيث يعلم من قصد كل منهم أنه لا حامل له على التورط في حبائل الأمر والنهي إلا وجوب ذلك عليه عنده، وصلاحيته له دون غيره، وقيام الحجة عليه بوجود الناصر وكماله عند نفسه، وبحيث يعلم من قصده أنه لو علم أن معارضه أنهض بتحمل أعباء الإمامة وأثقال هذه الزعامة لترك معارضته، واتبعه واعتقد إمامته، وكان له أطوع من نعله واتبع من ظله.
فهذا مقام صعب رجع فيه طرف النظر حسيرا، وآض جناح الفكر كسيرا، وتعارضت فيه أقوال الراسخين تيسيرا وتعسيرا، والذي ندين الله فيهم ونعتقده -سواء قلنا مسألة الإمامة قطعية جملة وتفصيلا، أو جملة، فقط أو ظنية- هو استصحاب حالهم الأول الذي كانوا عليه قبل المعارضة، ونقطع بفضلهم وصلاحهم، وندعو لهم بالرحمة والمغفرة والمسامحة، مع براءتنا من كل أمر فعلوه متأولين فيه مخالفة للشرع إن وقع ذلك، ونكل أمر ما شجر بينهم إلى الله سبحانه، وقد ذكر محققو علمائنا رحمهم الله تعالى في كتب الأصول في باب الاستصحاب: أن الأصل البقاء على الحال الأول، حتى يعلم تغيره إن كان علميا، أو يظن إن كان ظنيا، فيستصحب فيهما الحال الأول المعلوم حتى يعلم مغيره.
Página 355