169

Duroos of Sheikh Muhammad Isma'il Al-Muqaddim

دروس الشيخ محمد إسماعيل المقدم

Géneros

استثقال شهر رمضان وأسباب ذلك وحكمه
إن المستثقلين شهر رمضان هم أهل الغفلة الذين يعدونه إذا نزل بهم كالضيف الثقيل، يعدون أيامه ولياليه وساعاته منتظرين رحيله بفارغ الصبر، يفرحون بكل يوم مضى منه، حتى إذا قرب العيد فرحوا بدنو خروج هذا الشهر، وليس فرحهم من أجل العيد وإنما فرحهم لأنهم تخلصوا من هذا الشهر، وهذا الشعور السيئ عندهم يرجع إلى أسباب عدة: أولها: أنهم اعتادوا على التوسع في الملذات والشهوات المحرمة فضلًا عن التوسع في الشهوات المباحة، فهم يعلمون أن هذا الشهر سيقيدهم ويحجزهم عن الاسترسال فيها، فاستثقلوه حتى قال بعضهم أقوالًا تقشعر منها الجلود وتشمئز منها النفوس، كقول الشاعر ابن الرومي: ألا ليت الليل فيه شهر ومر نهاره مر السحاب ويقول الآخر: رمضان ولى هاتها يا ساقي مشتاقة تسعى إلى مشتاق حكي أنه كان لـ هارون الرشيد ﵀ غلام سفيه، فلما أقبل رمضان ضاق الغلام به ذرعًا وأخذ ينشد: دعاني شهر الصوم لا كان من شهر ولا صمت شهرًا بعده آخر الدهر فلو كان يعديني الأنام بقوة على الشهر لاستعديت قومي على الشهر فأصيب بمرض الصرع فكان يصرع في اليوم عدة مرات، وما زال كذلك حتى مات قبل أن يصوم رمضان الآخر.
كذلك من هؤلاء المتضجرين المستثقلين لهذا الضيف العزيز من يستقبل رمضان بالسفر أو بالهروب من بلاد المسلمين.
ومنهم من يستقبله بإعداد خطط خاصة للطعام وألوان الشراب وغير ذلك.
ومنهم من يستقبله فرحًا مسرورًا لما يجده فيه من فرص اللهو والعبث أمام (التلفزيون) أو (الراديو)، أو مع أصدقائه وأترابه في اللعب واللهو.
فهؤلاء جميعًا يستثقلون الشهر، وإذا فرحوا فلا يفرحون بمواسم الطاعات التي فيه، وإنما يبتهجون بمواسم اللهو والعبث التي تزيدهم عن الله ﷿ بعدًا.
نقل عن ابن حجر رحمه الله تعالى أنه قال: إن تمني زوال رمضان من الكبائر.
إذًا: المؤمن المملوء بالصبر واليقين في بداية الشهر أو قبل بدايته قلبه يكاد يطير فرحًا بقدومه، ويتمنى أن يكون شعبان يومًا واحدًا.
كذلك إذا دخل رمضان فإنه يحزن جدًا لكل ساعة أو لكل ليلة تمر منه؛ لأنه يعلم أن تمني زوال رمضان من كبائر الذنوب.
وقال بعض العلماء معلقًا على كلام ابن حجر: ولعله إذا كان بغضًا للعبادة فربما يخشى منه الكفر.
ومما يخالف تعظيم شعائر الله قول العوام: رمضان مريض، أو يخرج الروح، ونحو ذلك.
وذكرنا آنفًا أن أحد أسباب استثقال رمضان عند من يستثقله توسع بعض الناس في الملذات والشهوات المحرمة فضلًا عن المباحة، ولا شك أن التعلق بهذه الشهوات يثقل على القلب العبادة المرتبطة بها، فمن تعلق مثلًا بالمال ثقل عليه عبادة الزكاة والصدقة، ومن تعلق بالأهل والأولاد ثقل عليه الجهاد في سبيل الله ﷿، ومن تعلق بالطعام والشراب والشهوات ثقل عليه الصيام.
واستثقال الأعمال الصالحة ناتج عن ضعف الإيمان وضعف محبة الله ﷿ في القلب.
فقارن بين قول رسول الله ﵌: (وجعلت قرة عيني في الصلاة)، وقوله ﵌: (أرحنا بها يا بلال) بقول من يقول بلسان حاله أو حتى مقاله: أرحنا منها! قارن حال هذا بحال أولئك الذين قال فيهم رسول الله ﷺ: (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه) وقوله: (إيمانًا واحتسابًا) أي: تصديقًا بفرضيته، ورغبة في ثوابه، طيبة به نفسه، غير كاره ولا مستثقل لقيامه، ولا مستطيل لأيامه، لكن يغتنم طول أيامه لتعظيم الثواب فيه.

9 / 3