Duroos of Sheikh Abdullah Al-Jalali
دروس للشيخ عبد الله الجلالي
Géneros
حال الإنسان في هذه الدنيا
هذا الإنسان إما أن يكون جادًا في السير إلى ربه، أو غير جاد، وأنا أشبه هؤلاء الناس بقسميهم برجلين، أعلنت الدولة أن هذين الرجلين سوف ينفيان بعد مدة من الزمن إلى صحراء قاحلة، إلاّ أنّ هذه المدة مجهولة وغير محدودة الأمد، فكان أحدهما عاقلًا فقال: ما دامت هناك صحراء قاحلة ليس فيها سكن، وليس فيها ماء، وليس فيها ظل، فسأقوم بعمارة هذه الصحراء، فمتى تم الرحيل كنت مسرورًا، فشرع في عمارة هذه الصحراء، فحفر فيها بئرًا، وغرس فيها غرسًا، وبنى فيها دارًا، وجهزها للرحيل، أما الآخر فكان ذا كسل، وكان ذا ملل، وكان ذا تسويف فقال: سأنام، حتى إذا قرب موعد الرحيل إلى هذه الصحراء سعيت إلى عمارتها.
وهكذا الإنسان في هذه الحياة الدنيا، وما أسرع ما تنقضي هذه الحياة الدنيا! ولذلك فإن الله تعالى يمثل لنا هذه الحياة الدنيا بالزرع فقط، وأكثركم يستعمل الزراعة، فإنك ترى الزرع ينبت اليوم، ثم يرتفع، ويخضر، وينمو، ويقوى، ثم يبدأ يصفر، ثم يتساقط: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ﴾ [يونس:٢٤] اخضرت ﴿أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ﴾ [يونس:٢٤] زهور وروائح جميلة ﴿وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا﴾ [يونس:٢٤] يعني: الحصاد في أي لحظة ﴿أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ﴾ [يونس:٢٤]، هذا هو مثل الحياة الدنيا! ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا﴾ [الكهف:٤٥].
أيها الإخوة! إن أمر الإنسان قريب الشبه بالنبات؛ ولذلك كثيرًا ما يصور الله ﷿ الحياة الدنيا بالنبات، والإنسان في ولادته يشبه النبتة حين تنبت من الحبة في جوف الأرض، ثم في نموه، ثم في اكتمال نموه، ثم في اصفراره، ثم في يبوسته وتساقطه على الأرض، ثم في عودته مرة أخرى حينما يأتي الماء؛ لذا يشبّه الله ﷿ دائمًا هذا الإنسان بهذا النبات.
2 / 17