مرافقة الصحبة الصالحة
الأدب الخامس: أن يحرص المسلم المسافر أن يسافر ويصحب الصحبة الصالحة، فإن رفيق الخير هو الذي يعينك على طاعة الله تعالى.
فكم هُمُ الذين إذا انطلقوا في الأسفار ما سألوا: مع من تسافر أنت؟ وإذا سألوا قيل لهم: إني أسافر مع زملائي.
مَن هم هؤلاء الزملاء؟ قد يكونون ممن لا يذكرون الله إلا قليلًا، وقد يكونون من أهل الغفلة ومن أهل المعاصي فينطلق المسلم في سفره، وإذا هو يتقلب في السفر ما بين مزمار وطرب، وكلامٍ في أعراض الناس وغيبة ونميمة، أين زاد التقوى الذي يريد المسلم أن يسافر إليه؟! وكم هُمُ الذين ينطلقون في الحج والعمرة، تجدهم أثناء الطريق يسمعون الزمر والطرب، سبحان ربي! يريدون الأجر والثواب، ويزدادون سيئات وظلمات بعضها فوق بعض، يريدون الخير والأجر ويظن بعضهم -وهذا من الجهل- أن المقصود من العمرة هو الطواف والسعي، حتى إذا انقضى الإنسان من سعيه وعمرته انطلق فحلق لحيته، وجلس في فندق، فسمع الزمر والطرب، وأصبح يتقلب في بلد الله الحرام، في أرض الله المقدسة، في الأرض التي تُجْنَى فيها الحسنات، وتعظَّم السيئات، ومع ذلك يبقى على معاصيه، فما يشعر بفائدة العمرة، ولا بأثر الأجر والثواب.
وسبب ذلك أن الإنسان لَمْ يَخْتَر الرفقة الصالحة، فإن من اختار الرفقة الصالحة إن وجدوا عنده نوعًا من القصور وجهوه، وإن وجدوا عنده نوعًا من الخير شجعوه وأعانوه على طاعة الله.
وهذا الأمر ينبغي أن يكون المسلم حريصًا عليه أشد الحرص، فإن النبي ﷺ نهى أن يسافر المسلم وحده؛ ليحرص المسلم في السفر على الرفقة، ليكون معه اثنان أو ثلاثة أو أربعة ينطلق معهم في السفر.
ثم إن الرفقة الصالحة هي الخير، وهي زاد الدنيا في حياتنا، والله إن أعظم الزاد في الاستقامة على دين الله في هذا العصر الرفقة الصالحة، وليس قراءة القرآن ولا القيام ولا غير ذلك، فليست هذه الأعمال أعظم من الرفقة الصالحة، فإن الرفقة الصالحة تشجعك على قيام الليل، وتشجعك على قراءة القرآن، وتشجعك على البذل والإنفاق في سبيل الله.
فكان لزامًا على المسلم أن يختار رفقة صالحة إذا انطلق إلى بيت الله الحرام، فإن بعض الناس ينطلقون برفقةٍ حتى يبقى ليلهم سهرًا، ونهارهم نومًا، فإذا بك تتقلب، في أي شيء؟! أهو في التنافس؟! ليس والله ذلك، إنما في التخذيل والكسل عن طاعة الله تعالى.
3 / 7