من أصولنا: الإيمان باليوم الآخر
ننطلق إلى أصل آخر من أصول الإيمان، وهي قضية الإيمان باليوم الآخر، ولطالما أغفلنا هذا الأصل إغفالًا كبيرًا، متى نتذكر الإيمان باليوم الآخر؟ إن مات لنا عزيز عرفنا أن هناك يومًا آخر، إن وجدنا أحدًا أصيب بمصيبة تذكرنا الانطلاق من الدنيا إلى الآخرة.
لما قال لنا الله: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ [إبراهيم:٤٢] ما يعمله كل طاغوت في هذه الأرض من ظلم بأكل أموال الناس بغير حق، من ظلمٍ بضرب الناس أو جلدهم: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيِه الأَبْصَار﴾ [إبراهيم:٤٢] أي هذا اليوم؟ إنه اليوم الآخر، فلئن لم ينصف لنا في الدنيا، فإن الله سيقتص للخلائق جميعًا من هؤلاء الطواغيت، سواء كانوا من الظلمة الذين اعتدوا على أناس أو أخذوا أموالهم بغير حق، إن هذا يوجب لنا إيمانًا باليوم الآخر، فكان النبي ﷺ في كل صغيرة وكبيرة يربط الصحابة ﵃ بقضية اليوم الآخر، وكأنها عندنا هذه الأيام تحيط بنا، حالنا هذه الأيام كحال الأحزاب لما أحدق الأعداء بـ المدينة، وجاءت العرب بقضها وقضيضها وأحاطت بـ المدينة، وإذا بالنبي يرى حال الصحابة فيهم الجوع والبرد وقلة العتاد ويعملون، ومضى لهم ثلاثة أيام ما ذاقوا شيئًا ﵃، ويأتي الصحابي يكشف عن بطنه وقد ربط حجرًا على بطنه من شدة الجوع، ويرى النبي ﷺ ما أصابه من الجهد، فلما رآه المصطفى كشف عن بطنه وإذا بالمصطفى قد ربط حجرين ﷺ، وتكون النتيجة بعد ذلك أن يسليهم النبي تسلية عجيبة، ما يقول لهم: إنها ستنفرج ونرجع إلى رغد العيش، بل كان يقول لهم: (اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة) أين نحن من هذه المفاهيم في عقيدتنا وفي أصول إيماننا؟!! إيماننا وعقيدتنا دائمًا تربط بقضية الآخرة، ويجيب الأخيار ﵃:
نحن الذين بايعوا محمدًا على الجهاد ما بقينا أبدًا
لا وقفة للجهاد أبدًا حتى تعلو كلمة الله في الأرض خفاقة براية التوحيد، في كل صقع من أصقاع الأرض.
ونجد النبي ﷺ يعرض للصحابة قضية الآخرة وكأنهم يرونها رأي العين، أوليس النبي في غزوة بدر كما ثبت في الصحيح: (لما صف الصحابة صفوفًا وهو يقول لهم: قوموا إلى جنة عرضها كعرض السماوات والأرض - يشير إلى أن الجنة أمام هؤلاء الأعداء- يقول عمير بن الحمام: يا رسول الله! جنة عرضها السماوات والأرض؟! قال: نعم.
قال: بخ بخ -يعني: ربح من قام- قال النبي: ما حملك على هذه الكلمة؟ قال: والله يا رسول الله! إني لأرجو أن أكون من أهلها، قال النبي: أنت من أهل الجنة) .
إن هذا يدلنا على أن أمتنا يجب أن تربط بالآخرة لا بالدنيا، كم نربي أبناءنا على الشهادات والمستقبل ولقمة العيش، ويقول الناس: إن هذا الشاب قد أمن مستقبله.
إن مستقبل الأمة المسلمة هناك في الفردوس الأعلى، في جنة عرضها السماوات والأرض، ليس مستقبلها في بيت أو وظيفة أو شهادة تحملها، هكذا هي عقيدتنا.
ويأتي الصحابي يقول: أخبرتنا يا رسول الله بالجنة فكم بيني وبينها؟ قال: أن تقتل فتدخل الجنة، وكان في يده تمرات فيلقيها وراء ظهره وهو يقول: إنها لحياة طويلة إن بقيت حتى آكل هذه التمرات، لسان حاله: من يريد زاد الدنيا فهاهو في يدي فليأخذه من شاء.
إذًا: هذه عقيدتنا، وينطلق ويدخل الجنة.
أين يوجد هذا إلا في عقيدة التوحيد الإسلام! الله أكبر! أين نحن عن عقيدتنا التي دائمًا ننادي بها؟! ويا أسفى على قومي وأمتي إذا انتصرنا في الرياضة قلنا: بتمسكنا بعقيدتنا، أي عقيدة تكون في اللهو والزمر والطرب وضياع الأوقات؟!! عقيدتنا تخرج في الشدائد والمدلهمات ونُربط بها ربطًا عجيبًا، النبي لا يؤمل الصحابة برجوعهم إلى الدنيا، بل يؤملهم بقضايا الجنة والآخرة، حتى أصبحوا يرونها رأي العين، بل يقول أنس بن النضر ﵁: [والله إني لأجد ريح الجنة دون أحد] فتحت له الجنة فشم رائحتها، فاشتاق إليها، وانطلق حتى يدخلها ﵁ وأرضاه.
لو قلنا لكثير من المسلمين: قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، كم من المسلمين يتخلفون عن ذلك؟ أين عقيدتنا التي دائمًا ننادي بها، أهي مجرد دعوى؟! تلك لا رصيد لها عندنا في أمة الإسلام، بل هي سلوك وعمل وانطلاق بعمل لهذه الأصول الإيمانية.
الله لما قال لنا: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه﴾ [الزلزلة:٧-٨] أين يجد الإنسان حصائد تلك الأعمال؟! إنها في الآخرة يجدها دائمًا أمام عينيه، إن قضية اليوم الآخر تعطينا أصلًا عظيمًا، ليعلم أولئك الطغاة والظلمة واللصوص الذين يسرقون أموال الناس ويبذرونها في غير حقها أن ربي لهم بالمرصاد ولن يغفل عنهم إطلاقًا، سواء في الدنيا يعاقبون أم في الآخرة، أوليس الله يقول: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ [غافر:٥٨]؟! والله يقول: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [القلم:٣٥-٣٦] ويقول سبحانه: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [الجاثية:٢١] .
1 / 17