Duroos by Sheikh Ali Bin Umar Badahdah

Ali bin Omar Badahdah d. Unknown
34

Duroos by Sheikh Ali Bin Umar Badahdah

دروس للشيخ علي بن عمر بادحدح

Géneros

تطهير اللسان من الثلب والكذب والنميمة وكذلك لابد من التطهر في سائر الجوارح، فلابد أن نطهر ألسنتنا مما تساهل الناس فيه تساهلًا عجيبًا غريبًا؛ حتى كأنهم لم يسمعوا فيه قرآنًا محكمًا، ولا أحاديث هادية، فإذا بهم -إلا من رحم الله ﷿ يكذبون ولا يتورعون عن الكذب، وينسون حديث النبي ﷺ -كما في مسند الإمام أحمد -: (يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الكذب والخيانة)، أي: قد يقع منه شيء من المعصية أو المخالفة، لكنه إن كان صادق الإيمان لا يكذب أبدًا، وقد أخبر النبي ﵊ عن مغبة ذلك فقال: (وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار). وكذلك صور أخرى من التجاوزات التي أصبح قاموس الألسنة فيها بذيئًا فاحشًا يمتلئ بسباب ما كنا نسمعه من قبل، ويمتلئ بغيبة وتجريح لا تترك ظاهرًا ولا باطنًا، ولا خفيًا ولا معلنًا، فإذا مجالس كثير من الناس تتناول أعراض إخوانهم المسلمين تناولًا يتشفون به، وينتظرونه، ويتتبعون الزلات، ويلتمسون العيب للبرآء، في صورة تدل على أن نفوسهم قد أظلمت، وأن قلوبهم قد اسودت، وأن منهاجهم قد انحرفت، وأن تصورهم لهذا الدين قد عراه خلل كبير. إذ أصل الإسلام مبني على براءة المسلم وطهارته، وهدي النبي ﷺ موجه إلى حسن الظن بالمسلم، وإلى التماس العذر له، وإلى إقالة عثرته، ومنعه من الوقوع في المعصية، والتماس نصرته وإعانته كما قال ﵊: (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا. قالوا: يا رسول الله! قد عرفنا نصرته مظلومًا، فكيف ننصره ظالمًا؟ قال: تمنعه من الظلم، فتلك نصرته)، فلابد أن نعرف أن هذه الألسن اللاغية تورد أصحابها المهالك. وقد حذر النبي ﵊ من هذا، وبين خطورته عندما طلبت منه الوصية، فقال ﵊: (كف عنك هذا. وأخذ بلسان نفسه ﷺ، وكما جاء في حديث معاذ: (قال: يا رسول الله! أو إنا لمؤاخذون بما نقول؟ فقال ﵊: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس على وجوههم أو على مناخرهم يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم). هذه الكلمات بين لنا النبي ﵊ خطورتها بقوله: (إن الرجل ليتكلم الكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالًا تهوي به في النار سبعين خريفًا). فطهروا ألسنتكم من الأقوال المحرمة، ومن الكلام الذي لا نفع فيه ولا فائدة؛ فإن من أعظم صفات المؤمنين ما ذكره جل وعلا بقوله: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون:٣] واللغو: كل كلام باطل محرم، وكل لغو هذر لا نفع فيه ولا فائدة. وتأملوا إلى صورة الإيمان في كماله عندما يحدثنا المصطفى ﷺ عن كمال الإيمان: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت)، عجبًا لهذا الربط الوثيق بين الإيمان المستقر في القلب والكلام المنطلق من اللسان! ينبغي أن تفكر قبل أن تنطق الكلمة كيف هي، وما وجهتها، وما حكمها في شرع الله ﷿؛ ولذلك ذكر أهل العلم -كما أشار النووي في شرح هذا الحديث- أن الكلام إما أن يكون كلامًا استبان رشده ونفعه فيجب النطق به، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم العلم، وتوجيه الجاهل، ونحو ذلك مما خرست عنه كثير من الألسن، وانشغلت بغيره من الباطل، وإما كلامًا استبان غيه وفحشه وضرره، فهو مما يجب السكوت عنه وعدم النطق به، من نحو غيبة، أو نميمة، أو سب، أو لعن، أو طعن، أو غير ذلك من جدال ومراء ونحوه. وإما كلامًا لا تدرى عاقبته إلى خير أم إلى شر، فالسكوت عنه أولى. فهل تفكرنا في مثل هذه المعاني؟

4 / 9