Duroos by Sheikh Al-Uthaymeen
دروس للشيخ العثيمين
Géneros
جلسات الحج [١]
هذه الجلسة هي الأولى من جلسات الحج، وكان لابد من بيان ما ينبغي فعله في عشر ذي الحجة، ولأجل ذلك تكلم الشيخ فيها، منبهًا للأعمال التي فيها معقبًا ذلك ببيان أن الحج عبادة بدنية مالية، ثم بين الشيخ ﵀ ما يحتاج إليه الناس من مسائل الشريعة كأحكام السفر، مبينًا كل المسائل فيه؛ من القصر والجمع وكيفية طهارة المسافر وبماذا يتنفل، ثم ختم الجلسة بذكر صفة وشروط الحج والعمرة.
1 / 1
من آداب البيان والفتيا
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإنه يطيب لنا أن نبتدئ موسم الحج لهذا العام عام (١٤٠٩هـ) في هذه الليلة ليلة الثلاثاء الموافق للسابع عشر من شهر ذي القعدة، وذلك لأن الناس في حاجة إلى من يرشدهم ويبين لهم شريعة الله ﷿ في كل مناسبة، وقد كان من هدي الرسول ﷺ أن يتكلم في الناس بما يناسب الوقت وبما يناسب الحال، ولهذا ينبغي لطلبة العلم بل يجب على طلبة العلم أن يبينوا للناس ما أنزل إليهم من ربهم في كل حال تقتضي ذلك، وفي كل مكان يقتضي ذلك، وفي كل زمان يقتضي ذلك؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء، فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يورثوا درهمًا ولا دينارًا وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر من ميراثهم، ولا تحقرن شيئًا من العلم، فقد قال النبي ﷺ: (بلغوا عني ولو آية) ولكن يجب عليك أن تتثبت وأن تتأنى وألا تقول شيئًا إلا عن علم أو عن غلبة ظن تقرب من العلم حتى يكون لكلامك وزن بين الناس، لا تستعجل فتقول اليوم قولًا تنقضه غدًا، أو تصر على ما أنت عليه من الباطل بعد أن يتبين لك الحق، الأمر خطير جدًا، خطير من وجهه الإيجابي ومن وجهه السلبي؛ إن منعت بيان الحق فأنت على خطر، وإن تكلمت بما لا تعلم فأنت على خطر، فالإنسان يجب عليه بذل الجهد في طلب الحق والوصول إليه، ثم بذل الجهد في نشره بين الناس وتبليغه الناس، مع التأني وعدم التسرع.
1 / 2
ما ينبغي فعله في عشر ذي الحجة
إننا الآن نستقبل موسم الحج، ونستقبل أيضًا موسم عمل صالح ألا وهو عشر ذي الحجة، وعشر ذي الحجة هي الأيام التي قال عنها رسول الله ﷺ: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلًا خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) هذه العشر التي يجهل كثير من الناس فضلها، ومن علم فإنه قد يتهاون في إعطائها حقها من الاجتهاد في العمل الصالح.
وإذا كان رسول الله ﷺ يقول: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر إلا رجلًا خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) فإنه ينبغي لنا أن نجتهد غاية الاجتهاد في الأعمال الصالحة في هذه الأيام العشر أشد مما نجتهد في أيام عشر رمضان؛ لأن الحديث عام: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر) ولكن: ما الذي نعمل؟ نعمل كل عمل صالح من الصلاة والذكر وقراءة القرآن، والصدقة والصيام والإحسان إلى الخلق وغير ذلك؛ ولهذا يشرع في هذه الأيام التكبير؛ أن يكبر الإنسان ليلًا ونهارًا رافعًا صوته بذلك إن كان رجلًا، وتسر به المرأة، فيقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، أو يثلث التكبير، فيقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
كذلك أيضًا ينبغي في هذه الأيام أن نصوم؛ لأن الصوم من أفضل الأعمال الصالحة، حتى قال فيه الرب ﷿ في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) فهذا دليل واضح أن الصوم من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله ﷿، فيكون داخلًا في هذا العموم، سواء ثبت الحديث الذي فيه أن رسول الله ﷺ صامها ولم يدع صيامها أو لم يثبت، لأن الصوم من العمل الصالح، هذا بالنسبة للعمل الصالح فيها عمومًا.
1 / 3
الحج عبادة بدنية مالية
أما بالنسبة للحج فإننا نقول: إن الحج أحد أركان الإسلام؛ لأن الإسلام بني على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله وهذا واحد، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، حج بيت الله الحرام، وهذه العبادات تجمع بين الفعلية والمالية أعني البدنية والمالية، وهي أيضًا فعل وترك، كالصلاة: عبادة بدنية وهي فعل، والصوم عبادة بدنية لكنه ترك، والحج عبادة بدنية لكن قد يكون معه شيء من المال كالهدي مثلًا لكنه تابع وإلا الحج الأصل فيه أنه عبادة بدنيه، وأما قولنا: إنه فعل وترك فلأن الصلاة والزكاة والحج كلها أفعال والصوم ترك، وهذا من حكمة الله ﷿ ليتم اختبار العبد، لأن بعض الناس يشق عليه الفعل دون الترك، وبعض الناس قد يشق عليه الترك دون الفعل، وبعض الناس قد يشق عليه بذل المال دون عمل البدن، وبعض الناس بالعكس، فلهذا صارت العبادات الخمس جامعة بين الأمور التكليفية كلها.
1 / 4
من أحكام السفر
من المعلوم أن الحج سفر حتى لأهل مكة، فإن القول الراجح أن خروجهم إلى الحج سفر، أما الآفاقيون فالسفر في حقهم واضح، ولهذا ينبغي أن نعرف شيئًا من أحكام السفر:
1 / 5
قصر الصلاة الرباعية
فمن أحكام السفر: أنه يشرع للإنسان أن يقصر الصلاة فيه؛ أن يقصر الصلاة الرباعية فيه إلى ركعتين؛ الظهر والعصر والعشاء يصليها ركعتين لأن هذا هو هدي النبي ﷺ، وواظب عليه ولم يتم يومًا من الأيام في سفره، وما روي عنه ﷺ أنه أتم فإنه حديث ضعيف لا يصح عنه ﷺ.
والقصر سنة مؤكدة، حتى قال بعض أهل العلم أنه واجب، أي أنه يجب على الإنسان أن يصلي الرباعية في السفر ركعتين، وأنه لو أتم كان تاركًا للواجب، ولكن الذي يظهر لي أن القصر ليس بواجب، ودليل ذلك: أن الصحابة ﵃ لما أتم عثمان بن عفان في منى وأنكر عليه من أنكر من الصحابة، حتى ابن مسعود ﵁ لما قيل له: إن أمير المؤمنين صلى أربعًا استرجع ورأى أن هذا من المصائب، ومع ذلك كان يصلي خلفه أربعًا، فكون الصحابة ﵃ يصلون خلف أمير المؤمنين عثمان أربعًا يدل على أن القصر ليس بواجب، لأنه لو كان واجبًا لكان إثمًا وحرامًا، وإذا كان حرامًا بطلت الصلاة به، وكون الصحابة يصلون ويعتدون بصلاتهم يدل على أن إتمام الصلاة بمبطل، وهذا يدل على أن القصر ليس بواجب، لكن لا شك أنه مؤكد إلا إذا صلى الإنسان خلف إمام يتم، فإن الواجب عليه أن يتم، سواء أدرك الصلاة من أولها أو في أثنائها، لعموم قول النبي ﷺ: (إنما جعل الإمام ليؤتم به)، وقوله: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا).
وسئل ابن عباس ﵄: ما بال الرجل -أي المسافر- يصلي ركعتين ومع الإمام أربعًا، قال: [تلك هي السنة] وكان ابن عمر ﵄ إذا صلى وحده صلى ركعتين ومع الإمام يصلي أربعًا، فالحاصل أن المشروع في حق المسافر هو القصر ما لم يصل خلف إمام يتم، فإنه يجب عليه الإتمام.
وهنا مسألة: إذا كان المسافر في البلد، فهل تسقط عنه صلاة الجماعة مع قرب المسجد وسماع الأذان؟
الجواب
يظن كثير من العامة أن المسافر لا تلزمه صلاة الجماعة وهذا ليس بصحيح، فالمسافر تلزمه صلاة الجماعة، لعموم الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة من غير استثناء، ولأن الله ﷾ أوجب على المؤمنين المقاتلين أن يصلوا جماعة، فقال تعالى: ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ﴾ [النساء:١٠٢] فإذا أوجب الله على المقاتلين في السفر صلاة الجماعة فالمسافرون الذين لا يقاتلون من باب أولى، نعم لو فرض أن الإنسان معه عابر سبيل لا يريد النزول فهذا لا يلزمه أن ينزل ليصلي مع الجماعة؛ لأن هذا يرهقه عن سفره، أو كان الإنسان في محل بعيد عن المسجد فإنه يعذر وله أن يصلي في رحله، أو كان الإنسان في بلد ليس فيه مسجد كما لو كان في بلد غير إسلامي فإنه يعذر، أو كان كذلك في بلد ولا يعرف المساجد فهو معذور، المهم أن المسافر تلزمه صلاة الجماعة مع المسلمين في المساجد إلا لعذر، خلافًا لما يظنه بعض الناس من أنه لا تلزمه الجماعة.
1 / 6
مشروعية الجمع
إذًا: الأفضل في حق المسافر بالنسبة للصلاة القصر، فهو سنة مؤكدة جدًا، أما بالنسبة للجمع فله أن يجمع، سواء كان سائرًا أم نازلًا، أي سواء جد من السير أم لم يجد من السير، لأن السفر إذا كان الشرع قد رخص فيه بنقص الصلاة نقص كميتها، فكذلك نقص صفة من صفاتها وهي الجماعة وهو إفرادها في وقتها، ولأن ظاهر حديث أبي جحيفة حين وصف خروج النبي ﷺ من خيمته في الأبطح في مكة المكرمة أنه ﷺ جمع بين الظهر والعصر، لأنه لا ذكر أنه خرج من الخيمة فصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين، فظاهر هذا أنه جمع بينهما مع أنه كان نازلًا.
ولكن إن كان المسافر سائرًا فالجمع أفضل من عدم الجمع، وإن كان نازلًا فترك الجمع أفضل، لأن الرسول ﷺ لم يجمع في منى في حجة الوداع حين كان نازلًا، إذًا: الجمع هل هو من رخص السفر كالقصر يسير مطلقًا أو فيه تفصيل؟ فيه تفصيل: إن كان الإنسان نازلًا فترك الجمع أفضل، وإن كان سائرًا فالجمع أفضل، فإذا قال قائل: هل الأفضل جمع التقديم أو جمع التأخير؟ ف
الجواب
إن الأفضل ما كان أيسر له، إن كان الأيسر له جمع التقديم فجمع التقديم أفضل، وإن كان الأيسر جمع التأخير فجمع التأخير أفضل، فمثلًا: إذا دخل وقت الصلاة الأولى وهو سائر والسير مستمر، فما هو الأيسر عليه؟ التأخير، وإذا دخل وقت الأولى قبل أن يركب فالأيسر له التقديم، وهكذا كان فعل رسول الله ﷺ، إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى العصر، وإن زالت الشمس صلى الظهر والعصر ثم ركب، فصار الجمع تقديمًا أو تأخيرًا حسب ما هو أيسر للإنسان.
1 / 7
طهارة المسافر
أما بالنسبة للطهارة فإن المسافر يجب عليه أن يتطهر بالماء كالمقيم تمامًا، لكن إذا لم يكن معه من الماء إلا ما يحتاجه لشربه وأكله فإنه يجوز له التيمم، لقول الله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ [المائدة:٦] فله أن يتيمم، ولكن إذا وصل الماء فإنه يتطهر به، لحديث أبي هريرة ﵁: أن النبي ﷺ قال: (الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته) فإذا تيممت ثم وصلت إلى الماء وأردت أن تصلي وجب عليك أن تتوضأ بالماء إن كان تيممك عن طهارة صغرى، ووجب عليك الغسل إن كان تيممك عن طهارة كبرى.
فإذا قال قائل: هل التيمم يرفع الحدث بحيث إذا بقي الإنسان على طهارته فله أن يصلي ما شاء، أو هو طهارة استباحة يتقدر بقدر الضرورة؟ ف
الجواب
إن العلماء اختلفوا في ذلك، فمنهم من قال: إن التيمم طهارة استباحة يتقدر بقدر الضرورة، فلا يتيمم للصلاة قبل دخول وقتها، وإذا خرج الوقت بطل التيمم، ومن العلماء من قال: بل إن التيمم طهارته رافعة للحدث لأن الله تعالى حين ذكر الوضوء والغسل والتيمم قال: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة:٦] وهذا يدل على أن التيمم مطهر، كما أن الاغتسال والوضوء مطهران، فكذلك التيمم مطهر، ولقول النبي ﷺ: (جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا) (والطَهور) بالفتح ما يتطهر به، وعلى هذا فأقول: التراب مطهر، بل يكون التيمم مطهرًا، ومعنى كونه مطهرًا أنه رافع للحدث.
فإذا قال قائل: إذا جعلتموه رافعًا للحدث فلماذا تقولون: إنه إذا وجد الماء فلا يصلي إلا بعد الطهارة به، وضوءًا إن كان تيممه عن حدث أصغر، وغسلًا إن كان تيممه عن حدث أكبر؟ فالجواب أن نقول: هذا مقتضى الأدلة، فإن في حديث أبي سعيد الذي رواه البخاري مطولًا، وفيه: أن النبي ﷺ رأى رجلًا معتزلًا لم يصل في القوم، فقال: (ما منعك أن تصلي؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء، فقال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك -فأرشده النبي ﷺ إلى التيمم- ثم حضر الماء واستقى الناس منه وبقي منه شيء فأعطاه النبي ﷺ الرجل، وقال: خذ هذا أفرغه على نفسك) وهذا يدل على أن التيمم لا يرفع الحدث إلا ما دامت الضرورة باقية، أما إذا زالت الضرورة ووجد الإنسان ماء فإنه لا بد من استعماله، ولحديث أبي هريرة الذي أشرنا إليه آنافًا: (فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته).
وقد حكى شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى إجماع العلماء على أنه إذا وجد الماء فإنه لا يصلي حتى يتطهر به، وإذا قدر أن في المسألة خلافًا فإنه خلاف ضعيف، فالصواب إذًا: أن المتيمم إذا وجد الماء فلا بد له من استعماله، فإذا قال قائل: لو تيممت لصلاة الظهر، وبقيت على طهارة إلى صلاة العصر وأنا لم أجد الماء، فهل أصلي صلاة العصر بالتيمم لصلاة الظهر؟ الجواب: إن قلنا: إن التيمم يبيح فإنك لا تصلي صلاة العصر بالتيمم لصلاة الظهر، بل لا بد من إعادة التيمم، وإذا قلنا: إنه رافع وهو الصحيح فإنه يجوز أن تصلي صلاة العصر بالتيمم لصلاة الظهر، حتى لو فرض أنك بقيت إلى المغرب وإلى العشاء فإنك على طهارتك ما لم تنتقض بأحد النواقض المعروفة.
تكلمنا الآن عن ثلاث مسائل: العمل الصالح في أيام العشر، والثاني: صلاة المسافر، والثالث: طهارة المسافر.
1 / 8
تنفل المسافر بالصلاة
الرابع: تنفل المسافر بالصلاة، يعني: هل يشرع للمسافر أن يتطوع بالصلاة أم لا يشرع؟ الجواب أن نقول: يشرع للمسافر أن يتطوع بالصلوات المشروعة في الحضر، إذ لا فرق بين الحضر والسفر، كل صلاة تشرع في الحضر فإنها مشروعة في السفر، إلا راتبة الظهر وراتبة المغرب وراتبة العشاء، هذه الثلاث دلت السنة على أنها لا تفعل في السفر، وما عداها فإنه يصلى لعدم وجود الدليل على تركها، فما هو الذي يمكن أن يصلي ما دام الضابط عندنا، أنه لا يصلي من النوافل ثلاثًا، وهي: راتبة الظهر وراتبة المغرب وراتبة العشاء، أما العصر فليس لها راتبة، فما الذي يصلي من النوافل إذًا؟ سنة الفجر، والوتر وصلاة الليل، وصلاة الضحى، وتحية المسجد، والاستخارة، والنوافل المطلقة التي يقوم فيها الإنسان يتعبد بما شاء، فأنت اعرف ما لا يصلى وما عدا ذلك فإنه يصلى.
فالذي لا يصلى من النوافل في السفر: راتبة الظهر وراتبة المغرب وراتبة العشاء، هذه لا تصلى من النوافل وما عدا ذلك فإنه يصلى، ما الذي يصلى؟ النوافل وصلوات التطوع وصلاة الليل، نحن نتكلم عن التطوع، أما الفرائض لابد أن تفعل، نعم! سنة الفجر والوتر وصلاة الليل، وصلاة الضحى والاستخارة وتحية المسجد، وسنة الوضوء، كل النوافل تفعل في السفر إلا هذه الثلاث.
1 / 9
صفة الحج والعمرة
ثم بعد ذلك ننتقل إلى صفة الحج والعمرة، يقول أهل العلم: إن الأنساك ثلاثة أنواع: تمتع، وإفراد، وقران، كل نوع منها له حكم يختلف عن الآخر، فما هو التمتع؟ التمتع هو: أن يحرم الإنسان بالعمرة في أشهر الحج، ثم يفرغ منها ويحرم بالحج من عامه -في نفس العام- وسمي تمتعًا لأن الإنسان يتمتع فيه بما أحل الله له بين النسكين العمرة والحج، مثال ذلك: رجلٌ قدم إلى مكة في الخامس عشر من شهر ذي القعدة متمتعًا فأحرم بالعمرة وفرغ منها؛ طاف وسعى وقصر أو حلق، فماذا يصنع الآن؟ يحل من كل شيء، يلبس الثياب ويتطيب ويأتي أهله، كل شيء يحل له إلى أن تأتي أيام الحج، فهو إذًا متمتع بما أحل الله له، من أين إلى أين؟ من انتهاء العمرة إلى ابتداء الحج سواء طال أو قصر، فإن أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج، كأن يحرم بها في رمضان لأن أشهر الحج تبتدئ من شوال، أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج ثم أتمها في أشهر الحج، ولنفرض أنه أحرم في اليوم الثلاثين من رمضان وقدم مكة ليلة العيد وأدى مناسك العمرة، فهل يكون متمتعًا؟ الجواب لا.
لماذا؟ لأنه أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج، وأما ما اشتهر عند العامة من أنه صام في مكة رمضان فليس بمتمتع، ومن لم يصم فإنه متمتع فهذا لا أصل له، المدار والأصل على إحرامك بالعمرة، إن أحرمت بالعمرة قبل دخول أشهر الحج التي أولها شوال فلست بمتمتع، وإن أحرمت بعد دخولها فأنت متمتع؛ لأنك أحللت بين النسكين وتمتعت بما أحل الله لك، ثم تحرم بالحج من عامك في اليوم الثامن من ذي الحجة وتأتي بأفعال الحج، ولو اعتمر في أشهر الحج عام (١٤٠٩هـ) ولم يحج إلا في عام (١٤١٠هـ) هل هو متمتع؟ لا.
لماذا؟ لأنه لم يحج في عامه، والمتمتع لا بد أن يحج في عامه، إن حج في عام آخر فليس بمتمتع.
أما الإفراد: فإنه إحرام الإنسان بالحج وحده، فيحرم به من الميقات ويبقى على إحرامه إلى يوم العيد، ليس فيه تمتع، يبقى على إحرامه إلى يوم العيد، لكنه لا يحصل له إلا نسك واحد وهو الحج، فماذا يصنع هذا المفرد إذا وصل إلى مكة؟ يطوف ويسعى ويبقى على إحرامه إلى أن يأتي وقت الحج ويخرج مع الناس؛ لأنه محرم بالحج، والحاج لا يتحلل إلا إذا رمى جمرة العقبة يوم العيد وحلق أو قصر فإنه يحل التحلل الأول، وإذا طاف وسعى أحل التحلل الثاني.
القارن في الإحرام كالمفرد، يعني: أنه يحرم بالعمرة والحج جميعًا ويبقى على إحرامه إلى يوم العيد فإذا وصل إلى مكة فإنه يطوف ويسعى ويبقى على إحرامه إلى أن يحل منه في يوم العيد، إذا رمى جمرة العقبة وحلق حل التحلل الأول، ثم إذا طاف حل التحلل الثاني، لأنه سعى من قبل.
فإذا قال قائل: ما الفرق بين هذه الأنساك في الأفضلية وفي الحكم؟ نقول: الفرق: أن التمتع أفضل الأنساك؛ لأن النبي ﷺ أمر أصحابه به، وقال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولأحللت معكم)، ولأن فيه توفيرًا على المكلف، فإن المكلف -أي: الإنسان- يبقى مترفهًا بما أحل الله له من حين انتهاء العمرة إلى أن يبدأ الحج، وهذا لا شك أنه نعمة، والله تعالى يحب التيسير على العباد.
الثالث: أن المتمتع يأتي بالنسكين جميعًا بأفعالهما تامة، فالعمرة تامة والحج تام ليس فيه نقص.
رابعًا: أن المتمتع يلزمه هدي، ولزوم الهدي هذا فضيلة ليس غرمًا وخسرانًا، بل هو فضيلة ونعمة من الله ﷿، لأنه لولا أن الله أوجب عليك الهدي لكان الهدي بدعة؛ لأن كل من تعبد لله بما لم يشرع فهو مبتدع، فكون الله ﷿ يشرع لعباده الهدي ليذبحوه ويتمتعوا بما يتمتعون به ويتصدقون ويهدون هذا نعمة من الله ﷿، وهذه الميزة الأخيرة يشاركه فيها القران، إلا أنه إذا ساق الهدي معه فالقران أفضل لأن هذا فعل النبي ﷺ، ولهذا قال النبي ﵊: (لولا أن معي الهدي لأحللت معكم) وهذا يدل على أن من ساق الهدي فالقران في حقه أفضل، وهو كذلك.
القران والإفراد بالنسبة للأفعال واحد؛ لأن كلًا من القارن والمفرد يبقى على إحرامه إلى يوم العيد، وهذا يدل على أن القران والإفراد بالنسبة للأفعال على حد سواء، لكن القران أفضل من الإفراد، لماذا؟ لأنه يحصل له حج وعمرة، والإفراد ليس فيه إلا حج، ولأن فيه الهدي، والإفراد لا يجب فيه الهدي، وإيجاب الهدي مثلما قلنا نعمة من الله ﷿، لولا أن الله أوجبه لم يكن واجبًا بل لم يكن مشروعًا، فلهذا نقول: إن القران أفضل من الإفراد، ثم يأتي بعد ذلك الإفراد في المرتبة الثالثة.
1 / 10
شروط الحج والعمرة
إذا قال قائل: هل لهذا الحج والعمرة من شروط؟
الجواب
نعم.
لهما شروط: الأول: الإسلام.
الثاني: البلوغ.
الثالث: العقل.
الرابع: الحرية.
الخامس: الاستطاعة.
خمسة شروط: الإسلام وضده الكفر، فالكافر لا يجب عليه الحج، بل ولا يصح منه الحج، فلو أن رجلًا حج ولكنه لا يصلي فإن حجه مردود عليه، وحرام عليه أن يدخل مكة، لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التوبة:٢٨] ولا يحل لأحد قدر على منعه وهو يعلم أنه لا يصلي إلا منعه؛ لأنه كافر نجس لا يجوز أن يقرب المسجد، حرام، لكنه لو حج مع الناس وهو لا يصلي فحجه غير صحيح ومردود عليه.
الثاني: البلوغ: فالصغير لا يجب عليه الحج، ولكن يصح منه، وهل يجزئه؟ لا يجزئه، إذًا: لا يجب عليه الحج لأنه غير مكلف، وقد قال النبي ﷺ: (رفع القلم عن ثلاثة -وذكر منهم:- الصبي حتى يبلغ) فيصح منه، ما الدليل؟ الدليل: حديث ابن عباس ﵄: (أن النبي ﷺ لقي ركبًا بالروحاء، فقال: من القوم؟ قالوا مسلمون، فمن أنت؟ قال: رسول الله، ثم رفعت إليه امرأة صبيًا، فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم.
ولك أجر) وجه الدلالة: أنه قال: نعم.
لما قالت: ألهذا حج؟ وهذا يدل على أن حجه صحيح، ولكن: كيف يكون حج الصبي؟ نقول: إن كان الصبي مميزًا قيل له: افعل كذا افعل كذا، فعند الإحرام نقول له: انوِ الإحرام، ونأمره بالاغتسال والتجرد من المخيط إذا كان ذكرًا، ونقول: انوِ الإحرام لأنه مميز يعرف، وهل يلزمه الطواف؟ نعم.
يلزمه الطواف، ويلزمه السعي إلا إذا عجز فإنه يحمل.
وإن كان الصغير غير مميز فإن وليه ينوب عنه في تعيين النسك، فيقول: لبيك (لفلان الصبي) مثلًا: نفرض أن اسمه عبد الله، فيقول: لبيك لعبد الله أو عن عبد الله؟ لعبد الله؛ لأن لبيك عن فلان معناها أنك تحج عنه، لكن لبيك له يعني: أن هذه التلبية لفلان يتلبس فيها بالنسك، فيقول: لبيك لفلان.
إذا قال: لبيك لفلان وهو عبدالله هذا الصبي صار بذلك محرمًا، ويطوف به ويسعى به، لكن يطوف به وحده ويسعى به وحده؛ لأنه لا يعقل النية ولا يمكن لوليه أن يأتي بنيتين لفعل واحد؛ لأن الفعل الآن من الولي، والصبي ليس منه فعل ولا نية، فلا ينو عن نفسه وعن الصبي إذا كان الصبي لا يدرك النية، فإذا قال قائل: هل الأفضل أن نحج بالصبيان، أي: نجعلهم يحجون ويعتمرون، أو الأفضل ألا نفعل؟ الجواب: إن كان الحج بهم يؤدي إلى التشويش عليك وإلى المشقة التي تحول بينك وبين إتمام نسكك فالأفضل ألا تحج بهم، وهذا حاصل في أيام المواسم؛ كالعمرة في رمضان، وكأيام الحج، ولهذا نقول: الأفضل ألا تحججهم أو تعتمر بهم في هذه المواسم؛ لأن ذلك مشقة عليهم ويحول بينك وبين إتمام نسكك على الوجه الأكمل، أما إذا كان في الأمر سعة فإن الإنسان يعتمر بهم، وكذلك لو قدر أن الحج صار سعة فإنه يحج بهم، والمهم ألا تحج بهم فتفعل سنة لغيرك على وجه يضر بك ويمنعك من إتمام النسك.
1 / 11
الأسئلة
1 / 12
كيفية إثبات دخول العشر من ذي الحجة
السؤال
يشكل على كثير من الناس دخول شهر الحج حيث أنه ليس كشهر رمضان يتحرى له في أول يوم منه، فهل يعتمد على التقويم في دخوله، أو على الأحوط، أو بإكمال الشهر؟ أرجو التفصيل لأن هذا يشكل حتى في صيام أيام البيض وفي الكفارات؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله رب العالمين لقد أعطانا رسول الله ﷺ قاعدة نبني عليها، فقال: (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) فإذا أشكل عليك الأمر فأكمل الشهر ثلاثين فمثلًا: إذا صار اليوم التاسع والعشرون من ذي القعدة فإن اليوم الثلاثين منه لا يعتبر من ذي الحجة بل هو من ذي القعدة؛ لأن الرسول ﷺ قال: (أكملوا العدة ثلاثين) فإذا أكملنا عدة ذي القعدة ثلاثين فلازم ذلك ألا نصوم إلا إذا أكملنا الثلاثين، وكذلك يقال بالنسبة لأيام البيض مع أن أيام البيض وقوعها في اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر على سبيل الأفضلية وإلا فإن أجرها يحصل سواء صامها الإنسان في هذه الأيام أو قبلها أو بعدها، فقد كان النبي ﷺ يصوم من الشهر ثلاثين يومًا ولا يبالي من أي الشهر صامها من أوله أو وسطه أو آخره، والأمر فيها واسع.
لكن بالنسبة لدخول شهر ذي الحجة، نقول: إذا لم يثبت دخوله ببينة فإننا نكمل عدة شهر ذي القعدة ثلاثين يومًا.
1 / 13
الجمع بين فضل العمل الصالح في عشر ذي الحجة وجود النبي ﷺ في رمضان
السؤال
كيف نجمع بين فضل العمل الصالح في عشر ذي الحجة وبين عمل الرسول ﷺ وأنه كان في رمضان أجود ما يكون؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
كان النبي ﷺ أجود ما يكون في رمضان بالنسبة لبذل المعروف والإحسان لأنه شهر جود الله ﷿ وكرمه، فكان النبي ﷺ يتعرض لجود الله ﷿ بما يبذله من النفع البدني والمالي؛ لأن من جاد على عباد الله جاد الله عليه، أما شهر ذي الحجة فإن الرسول ﵊ ذكر لنا سنة قولية وإذا ثبت القول عن رسول الله ﷺ فإننا لسنا بحاجة إلى أن يثبت الفعل على وجه التطبيق، ومن زعم أن القول لا يعمل به حتى يثبت تطبيقه فقد قال شططًا، فإذا ثبت القول عن رسول الله ﷺ وجب العمل به سواء علمنا أنه طبق أم لم نعلم؛ لأن الأصل هو التطبيق حتى وهو دليل على عدم التطبيق وإذا وجد عدم تطبيق فإنه لابد أن يكون هناك سبب يمنع من التطبيق وقضايا الأعيان كما نعلم ليس لها حصر.
1 / 14
حكم القصر بالنسبة لأهل مكة بمنى وساكن العزيزية
السؤال
كيف يكون ساكن العزيزية مسافرًا إذا كان بـ منى وهو يجلس بالنهار في بيته وينام فقط بالليل بـ منى؟
الجواب
الذي أرى أنه لا ينبغي لساكن العزيزية أن ينزل إلى بيته في النهار، والسنة بلا شك أن يبقى في الخيمة في منى؛ لأن الحج نوع من الجهاد في سبيل الله، كما قال الرسول ﵊ لـ عائشة حين قالت: (هل على النساء جهاد؟ قال: نعم.
جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة) فالمشروع في حق الحاج أن يبقى ليلًا ونهارًا في منى، ولكن بالنسبة لـ منى في الوقت الحاضر أنا أتردد في أنها سفر بالنسبة لأهل مكة؛ لأن البيوت اتصلت بها، وصارت كأنها حي من أحياء مكة، أما مزدلفة وعرفة فهي خارج مكة بلا شك حتى إلى الآن لم تصلها منازل، فالأحوط لأهل مكة بـ منى أن يتموا الصلاة لا سيما وأن المشهور من مذهب الإمام أحمد وجماعة كثيرة من أهل العلم أن أهل مكة ليسوا مسافرين حتى في عرفة، لكن القول الراجح: أنهم مسافرون لأنهم كانوا يصلون مع النبي ﷺ في منى وفي عرفة ويقصرون، إنما بالنسبة لـ منى في الوقت الحاضر أنا أتردد في أنها تعتبر سفرًا بالنسبة لأهل مكة، لأنها -كما قلت- أصبحت وكأنها حي من أحياء مكة.
1 / 15
الحج أفضل الأعمال في عشر ذي الحجة
السؤال
أيهما أفضل: الأعمال الصالحة أم حج التطوع في عشر ذي الحجة؟
الجواب
الحج أفضل بلا شك؛ لأن الحج من أكبر الأعمال الصالحة، والإنسان المسافر للحج هو في عمل الحج من حين أن يسافر وقبل أن يسافر يستطيع أن يعمل العمل الصالح، فمثلًا: إذا قدرنا أنه سافر في اليوم الخامس من ذي الحجة فالأيام الخمسة الأولى سيعمل فيها العمل الصالح الذي يعمله المقيم، وإذا سافر فهو نشاء في حج لأنه قاصد للحج، والحج بلا شك أفضل من العمل الصالح، بل هو عمل صالح في الحقيقة، وعمل صالح كما قال الرسول ﵊: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة).
1 / 16
الحج واجب على الفور إذا تمت شروطه
السؤال
هناك شباب وكهول يتهاونون في أداء فريضة الحج مع العلم أن باستطاعتهم ذلك، فما حكم الله فيهم؟ وما الحكم إذا ماتوا على ذلك وهم يتعذرون بأعذارٍ واهية؟
الجواب
القول الراجح من أقوال أهل العلم أن الحج واجب على الفور إذا تمت شروطه، وأن الإنسان إذا تمت الشروط في حقه يجب عليه أن يبادر، فإذا أخر كان مسيئًا وعاصيًا وآثمًا، وهؤلاء الذين يتهاونون بالحج مع وجوبه الفوري هم كالمتهاونين بالصلاة والمضيعين لها وإن كان الحكم يختلف، فإن تارك الصلاة كافر وتارك الحج ليس بكافر، على كل حال أنا أنصح هؤلاء الإخوة المتهاونين الذين منَّ الله عليهم بالاستطاعة بأن يتوبوا إلى الله ﷿ وأن يبادروا بأداء الفريضة، وهم إذا ماتوا فقد ييسر الله لهم ورثة يقومون بأداء الواجب عنهم، وقد يتهاون الورثة أيضًا ولا يؤدون عنهم هذه الفريضة.
1 / 17
حكم عصيان الوالدين في الذهاب إلى الحج
السؤال
حججت في أحد الأعوام ولكن لم يكن الحج على الوجه المشروع، ولقد نويت أن أحج هذا العام، لكن والدتي غير موافقة بحجة أنني سبق أن حججت، مع العلم أنه يوجد أخ لي كبير يقوم بحاجتها، أرجو الإفادة؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الذي أرى أنه يجب عليك أن تقنع الوالدة بأن حجك السابق ليس حجًا كما ينبغي، وأنك تريد أن تحج حجًا يكون موافقًا للشرع، وفي ظني أنك إذا أقنعتها واستعنت عليها بمن يشير عليها بترك نهيك عن هذا، أي: يشير عليها ألا تنهاك وأعتقد أنها سوف توافق وسوف يكون في ذلك خير لك ولها أيضًا، ولا يحل لوالدتك أن تمنعك من الحج حتى وإن كان نفلًا كما في حالتك هذه؛ لأن الإنسان أو الوالد لا يحل له أن يمنع ولده من أي تطوع يتطوع به لله ﷿.
1 / 18
متى يصير المتمتع مفردًا
السؤال
أحرم بالعمرة متمتعًا إلى الحج وبعد أن تحلل منها رجع إلى جدة أو إلى أهله، فهل هذا متمتع؟
الجواب
إذا أحرم الإنسان بالعمرة متمتعًا بها إلى الحج ثم سافر بعد أن حل من العمرة وعاد إلى مكة محرمًا بالحج وحده، فإن القول الراجح من أقوال أهل العلم أنه متمتع، وأن هذا السفر لا يقطع التمتع، إلا إذا سافر إلى بلده ثم عاد من بلده فأحرم بالحج وحده فإنه يكون مفردًا في هذه الحال؛ لأنه سَفَرٌ قطع بين العمرة والحج وأنشأ للحج سفرًا جديدًا، هذا هو المروي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وعلى هذا: فإذا خرج الإنسان من مكة إلى جدة وهو متمتع نظرنا: إن كان من أهل جدة فقد انقطع تمتعه، وإن كان من غيرهم فإن تمتعه لا ينقطع، وهكذا إذا ذهب إلى المدينة بين العمرة والحج وليس من أهل المدينة فإن تمتعه لا ينقطع فهو باق على تمتعه.
وخلاصة القول أن من سافر من المتمتعين بين العمرة والحج فإن كان سافر إلى بلده ثم رجع محرمًا بالحج فإنه مفرد وليس بمتمتع، وإن سافر إلى بلد سوى بلده ثم رجع محرمًا بالحج فإنه لا يزال على تمتعه.
1 / 19
حكم الصلاة خلف الإمام بنية أخرى
السؤال
إذا أراد المسافر أن يجمع الظهر مع العصر ثم وصل إلى قريته أو إلى قرية من القرى في وقت العصر فوجد الجماعة يصلون العصر، فهل يصلي العصر معهم قبل الظهر؟ أم يصلي الظهر ثم يصلي العصر، ولو فاتته الجماعة؟ أم ماذا يصنع؟
الجواب
إذا دخل الإنسان المسجد وهو جامع فوجد الناس يصلون الصلاة الثانية، يعني: دخل وقد نوى الجمع بين الظهر والعصر المسجد والناس يصلون صلاة العصر فإننا نقول له: ادخل معهم بنية الظهر وإن كان الإمام يصلي العصر؛ لأن اختلاف النية بين الإمام والمأموم لا يضر، فادخل معهم بنية الظهر وإذا سلمت فأت بصلاة العصر، ومعلوم أنك سوف تصلي الظهر مع الإمام أربعًا، وسوف تصلي العصر إذا كان البلد غير بلدك ستصلي ركعتين لأنك مسافر.
1 / 20