Durar Hisan en Carabistán
الدرر الحسان في إمارة عربستان: وترجمة مولانا صاحب العظمة سردار أرفع معز السلطنة الشيخ «خزعل خان» أمير المحمرة وحاكمها ورئيس قبائلها
Géneros
تقسم سياسة عظمة السردار أرفع إلى داخلية وخارجية؛ أما سياسته الداخلية في إدارة شئون إمارته فمبنية على ركني الشورى والعدل حسب أوامر القرآن الشريف، وعظمته، على ما تقدم، في مقدمة المؤتمرين بأوامره والمنتهين بنواهيه؛ فتراه، خلد الله ملكه، لا يبت أمرا من أمور دولته إلا بعد مشورة الأكفاء من أصحابه، ولا يصدق على حكم من الأحكام التي ترفع إليه إلا بعد أن يطبقه على أحكام الشريعة السمحاء ويرتاح إليها ضميره الطاهر؛ ولذلك كانت رعاياه على اختلاف نحلهم مصانة الحقوق مخفورة الذمم في ظله الظليل، تدعو إلى الله آناء الليل وأطراف النهار بطول بقاه مصدرا للعدل ومظهرا للفضل.
جزيرة عبادان.
ومن سياسته الداخلية خلد الله ملكه أنه لا يفرق في المعاملات والحقوق بين رعاياه العرب والفرس والهنود وغيرهم، أو الشيعة والسنة والنصارى واليهود والصابئة والوثنيين، بل الكل في أحكامه العادلة متساوون، والكل في ظله الظليل راتعون ببحابح الأمان. وقد قال لي في هذا سعادة قنصل بريطانيا العظمى في المحمرة سنة 1911 ما ترجمته بالحرف: «إن عظمة السردار أرفع الشيخ خزعل خان هو الأمير الشرقي الوحيد الذي لا يعتمد في سياسة إمارته على المبدأ المعروف عند الحكام الشرقيين وهو «قسم تملك»، بل العكس أنه كحكام أوروبا الراشدين يعتمد بحكم بلاده على التأليف بين رعاياه.» ا.ه. وحسبنا بهذه الشهادة دليلا على حصافة رأي وبعد نظر هذا الملك الحكيم.
ومن هذا القبيل سياسة عظمته مع رؤساء القبائل النازلة في إمارته، فإنه أيده الله يعمل دائما على نزع الأحقاد من صدورهم والتأليف بينهم حتى أصبحوا عصبة واحدة تأتمر بأمره وتنتهي بنهيه، وباتوا هم أنفسهم يعترفون كما سبقت الإشارة بفضل عنايته بهم، تلك العناية التي أزالت الأحقاد من صدورهم وجعلتهم في الله والدين والجنسية إخوانا.
أما سياسته الخارجية فقد كانت كثيرة الاضطراب لوجوده تابعا لسيادة الدولة الإيرانية، ولوقع بلاده وهي في جنوب إيران ضمن منطقة نفوذ الدولة الفخمة الإنكليزية، ولمجاورته للبلاد العثمانية، على أن هذه الحال أخذت بالتبدل بعد هذه الحرب على ما هو منتظر، فكان عظمة السردار أرفع، حفظه الله، محافظا على حقوق السيادة الإيرانية، محتفظا بها من حيث رفع علمها وتأديتها حقوقها، وفي الوقت نفسه كان بإمارته حصنا حصينا لدولة إيران أمام تهجمات الأتراك واعتدائهم المتوالي المشهور على الحدود الإيرانية، فارتاحت دولة الأكاسرة من هذه الجهة مع تعبها المتواصل من الجهات الأخرى، وبهذا تتجلى حكمة إعطاء عربستان استقلالها الداخلي.
وكان عظمة السردار أرفع مع الأتراك في ولاية البصرة دائما أبدا بين دفع وجذب؛ فإنهم كانوا يتحرشون بإمارته حسب عادتهم مع الحدود الإيرانية، كما كانوا يحاولون الاعتداء على أملاكه الكثيرة الخاصة التي يملكها في ولاية البصرة من عقار في نفس المدينة ونخيل في جوارها طمعا بكسب المال من هذا السبيل، على أنه، حفظه الله، كان يذب عن حوضه بسلاحه، ويحتفظ بإمارته وأملاكه بسؤدده وبسالة رجاله؛ ولذلك خابت آمال كل من كان يطمع فيه منهم.
وكان عظمته أعز الله به العرب والإسلام ببعد نظره وثاقب رأيه يعرف لبريطانيا العظمى جمائلها في جنوب إيران الداخل في منطقة نفوذها، وأنه لولاها لما سلم من اعتداءات الأتراك؛ ولذلك كان دائما أبدا حسن العلائق مع الدولة الإنكليزية، حتى قال لي سعادة قنصل بريطانيا العظمى في المحمرة مرة ما ترجمته بالحرف: «لو كان في أمراء جنوب إيران وعماله كثيرون كعظمة السردار أرفع لعمرت البلاد وسعد العباد.»
وكان يرى عظمة السردار أرفع المنافع الجمة الاقتصادية التي عادت على جنوب إيران بفضل عناية بريطانيا العظمى به؛ ولذلك كان بمجالسة الخاصة والعامة يعظ الناس ويحضهم على موالاة هذه الدولة الوفية المخلصة اغتناما للفوائد المادية والأدبية التي تنجم عن موادتها ومصافاتها.
وبفضل صداقة عظمته لبريطانيا العظمى استفادت إمارة عربستان بفوائد مادية كبرى؛ فإن هذه الدولة العظيمة كانت تسهل المواصلات التجارية بين عربستان والهند ببواخرها التي تسير بين القطرين بانتظام، كما أن تجار عربستان كانوا حاصلين دائما أبدا على رعاية وعناية هذه الدولة كلما قصدوا الهند.
فإذا أضفنا هذه الفوائد الاقتصادية التي غنمها أهالي عربستان بصداقة عظمة السردار أرفع لبريطانيا العظمى إلى الفوائد السياسية والمعنوية من مثل تأمين كل اعتداء على حدود عربستان - والأمان أساس الرقي والعمران - تجلى لنا فضل هذا الملك الحكيم على رعاياه، حفظه الله.
Página desconocida