فقال عباس برجاء: أليس المستحسن أن تتركني في حالي؟!
ولكن حسين قال متحمسا: لست من رأيك، هي دراسة قد تكون خطوة أولى لمتابعة جيل بأسره، ولن أنشر كلمة عنك قبل الرجوع إليك، أعدك بهذا، ولعلي أستغني عن ذكر الأشخاص كلية.
لم يعترض وإن لم يبد متحمسا. ولم يعلن وجهه عن شيء حتى تساءل حسين منصور بقلق عما وراءه. ترى هل آلمه الموقف وما أثار من ذكريات؟! مهما يكن من أمر ثرائه اليوم؛ فقد كان بالأمس مليونيرا بلا جدال، وكان نجما سياسيا بازغا، نجح في الانتخابات بالتزكية بفضل جاهه، ورشحته الأقاويل للوزارة في أواخر 1950م. - إني أقيم هنا بصفة دائمة، ولذلك أرسلت ابني الجامعي إلى عمته بالقاهرة، ولا أكاد أغادر العزبة إلا فيما ندر!
ولانت فرامله فاستفاض حديثه. قال إنه يزرع أرضه بنفسه مستعملا أحدث الآلات الزراعية، وإنه يعنى عناية خاصة بتربية الماشية والدواجن، وإنه أعد لأوقات الفراغ مكتبة كبيرة، واختار ركوب الخيل هواية ورياضة. إنه قابع في مملكة صغيرة استغنى بها عن العالم كله، ويود لو يمضي عمره في حدودها لا يجاوزها. وإذا بالآخر يسأله عن الفلاحين! - أنا فلاح أيضا، وكذلك كان أبي، ولا أجد صعوبة في التعامل معهم، إنهم قوم طيبون.
وعاد حسين يتساءل، ولكنه عدل عن الموضوع بلباقة: ألم ترشح نفسك للاتحاد القومي؟
فقال بتوكيد: اقترح علي كثيرون ذلك، ولكنني سعيد هكذا!
تخيل حسين تلك الحياة الجامعة للفطرة والحضارة معا، المنعمة بكل طيب، المنطوية في عزة وكبرياء، المتعزية باللذائذ الدنيوية والفكرية، الهائمة بالليل والقمر والبار الأمريكاني والغرزة البلدي. - وأصدقاء الماضي؟ - من؟! الخاصة يمضون عندي نهاية الأسبوع، أما الآخرون فلا أدري عنهم شيئا.
وأبى أن يتكلم كلمة واحدة عن أمر من الأمور العامة، فلم يلح عليه وسأله: ألا تشتاق أحيانا إلى السينما مثلا؟ - عندي صالة عرض خاصة، لا ينقصني شيء!
وعرض عليه الصورة المدرسية القديمة؛ لعله يدله على أحد منها فتصفحها باسما. ثم أشار إلى وجه قائلا: علي سليمان، أصيب برصاصة في صدره على عهد صدقي، وبسببها عين في السلك السياسي بعد تخرجه، ثم خرج أخيرا في التطهير.
وأشار حسين إلى صورة حامد زهران فهز الآخر رأسه نافيا، فقال: حامد زهران، مدير شركة، 500 ج. م. شهريا!
Página desconocida