وند عن المصاب صوت كالزفير المكتوم، وتحرك حركة شاملة مباغتة، ثانية واحدة، ثم غرق في اللامبالاة! - لم يمت! حي. - لعلها إصابة بسيطة. - لكنه طار في الهواء، والعياذ بالله! - ولو، عفو ربنا كبير. - لا يوجد دم؟ - عند فمه، انظر! - كل ساعة حادث من هذا النوع!
وجاء شرطي مسرعا ففتح له وقع قدميه ثغرة في السور الآدمي، نفذ منها وهو يصيح بالناس أن يبتعدوا. فابتعدوا خطوات، خطوات فقط، وأعينهم لا تتحول عن الرجل ولا تخف حدة تطلعها وإشفاقها. وقال إنسان: سيبقى هكذا حتى يموت، ونحن لا نفعل شيئا!
فأجابه الشرطي بلهجة رادعة: أول لمسة قد تقتله، وبوليس النجدة والإسعاف في الطريق إليه.
واعترض الحادث جانب الطريق، فاضطرت السيارات إلى الالتفاف حول السور البشري، مشاركة الترام في ممشاه، فضاق بها حتى تحركت في بطء شديد وتجمعت في صفوف ممتدة ومتداخلة، وهي تصرخ وتعوي بلا فائدة، ومن ركابها تطلعت أعين إلى الضحية في اهتمام، وأعين تجنبت النظر في جزع. وجاء بوليس النجدة وراء صفارته الحلزونية فاتسعت الحلقة، وغادرت القوة السيارة إلى الرجل الملقى، وكان الضابط حاسما وحازما، فأصدر أمرا بتفريق المتجمعين، وتفحص الرجل بنظرة شاملة، وسأل الشرطي: ألم تحضر الاسعاف؟
وإذا لم تكن ثمة ضرورة إلى السؤال؛ فإنه لم يلق بالا إلى الجواب، وتساءل مرة أخرى: هل من شهود؟!
فتقدم ماسح أحذية وسائق لوري وصبي كبابجي كان عائدا بصينية فارغة. وأعادوا على مسمع الضابط ما حدث منذ كان الرجل المجهول يتكلم في التليفون. وجاءت سيارة الإسعاف، وأحاط رجالها بالرجل، وتفحصه رئيسهم بعناية وحذر وهو يجلس القرفصاء، ثم نهض متوجها إلى الضابط، فبادره هذا قائلا: أظن يجب نقله إلى الإسعاف؟
فقال الآخر بلهجة ذات أثر لا يختلف عن الأثر الذي يحدثه عادة جرس سيارته: بل يجب نقله إلى مستشفى الدمرداش.
وأدرك الضابط ما يعنيه ذلك، على حين استطرد رجل الإسعاف قائلا: أعتقد أن الحالة خطيرة جدا!
وعندما أرقد الرجل بحجرة الفحص بمستشفى الدمرداش، كانت طلائع الليل تزحف كالجبال. وفحصه مدير القسم بنفسه، ثم التفت إلى مساعده قائلا: إصابة خطيرة في الرئة اليسرى، تهدد القلب مباشرة! - عملية؟
فهز رأسه قائلا: إنه يحتضر!
Página desconocida