Lágrimas del Payaso: Colección de Cuentos Publicada por Primera Vez

Abd Ghaffar Makkawi d. 1434 AH
50

Lágrimas del Payaso: Colección de Cuentos Publicada por Primera Vez

دموع البلياتشو: مجموعة قصصية تنشر لأول مرة

Géneros

قال محمود وهو يضع يده على عينيه ليداري أشعة الشمس النافذة من الأبواب والنوافذ الزجاجية: تفضل اسأل.

قال النادل: حضرتك قريبه؟

فاجأبه محمود: أخوه الكبير.

هتف النادل كأنه كشف غطاء البئر: أولاد حلال، وأنا أقول لنفسي يخلق من الشبه أربعين، الله يرحمك يا حاج بسيوني.

صحح محمود معلوماته: أبي مات وفي نفسه الحج إلى بيت الله.

قال النادل وهو يربت على ذراعه: نصيب ومكتوب، الله يرحمه في تربته، كان أطيب رجل في البلد، البركة في حضرتك وفي الشيخ حامد، وفي أحفاده أيضا الله يهديهم ويصلح حالهم.

شعر محمود أن الرجل أخذ من وقته أكثر مما يجب، فمد إليه يده وصافحه بحرارة تغني عن المزيد من الثرثرة، وأسرع في الاتجاه الذي أشار إليه وهو يتعجب من النهم القاتل إلى تشمم أسرار الناس والخوض في كل شيء وأي شيء، وهز رأسه محاولا أن يفسر الظاهرة الملعونة بأنها قد تكون نتيجة الفراغ وانعدام الحرية والوعي وتجاهل قيمة الزمن، إلى آخر ما يؤدي إلى استباحة الغير واقتحامه وتعريته وحرمانه من أن يملك حتى نفسه أو ينفرد حتى بأحزانه. ومر على الكتاب الذي اهتدى إليه بغير جهد يذكر، إذ وجد على أعلى الباب لافتة سوداء كبيرة نقش عليها بخط كوفي باللون الأبيض: ألا بذكر الله تطمئن القلوب، وتحتها مباشرة بالخط النسخ البسيط: كتاب الشيخ حامد غفر الله له. سأل صبيا يقتعد الأرض بجوار الباب ويهز رأسه وجذعه بحركة رتيبة أمام المصحف الذي وضعه على حجره: أين جامع الشيخ يس يا بني؟ وقف الولد في أدب وهو يهش الذباب من على وجهه وعينيه المحمرتين: نحن نسميه جامع الشيخ حامد، إنه هو الذي ...

قاطعه محمود متأففا: أعرف، أعرف، قلت لك أين؟

قال الولد الذي فوجئ بإغلاق الباب في وجهه فطوى المصحف واستعد لمصاحبته: صعب أن تعرفه بنفسك، يظهر حضرتك غريب عن البلد، تعال معي.

لم يقل محمود شيئا، قبل صحبة الشيخ الصغير بغير ترحيب، وأفهمه بنظراته وسحنته الجادة أنه لا يحب الكلام الكثير، ومضت قدماه تغوصان في وحل الطريق ومياه الغسيل التي تكون نقرا عطنة أمام أبواب البيوت الفقيرة المتساندة والبيوت المدللة المبنية بالطوب الأحمر والمطلية بالألوان الفاقعة، كانت المهملات والفضلات وعلب الصفيح وصناديق الكرتون وأشلاء اللعب الصغيرة وأعواد القش والجريد وأوراق الجرائد المسودة والقطط المتوحشة التي تتصارع على القمامة والكلاب الضامرة المكسورة النظرات - كانت تزحم الأرض التي تنغرز الأقدام في طينها وتهرب منها إلى الرصيف المتهالك المملوء بالحفر كوجوه عجائز هاجمها الجذام. ولما كان الشيخ الصغير قد لزم الصمت إلا من تمتمات بالآيات التي يحاول أن يحفظها فقد راح حامد يسأل نفسه: في أي عصر بائد يعيش الناس؟ أين هي حضارة السبعة آلاف سنة التي يتشدق بها المذيعون اللامعو الوجوه والمذيعات اللبقات اللائي يستعرضن آخر تسريحات الشعر والمكياج وآخر أزياء المودة؟ والضجيج مستمر والتخليط يبتلع البشر والحيوان والنبات والأشياء والكلمات والهموم والآمال في الدوامة التي تتدحرج في هاوية الغيبوبة وحضيض التفاهة والضحالة. وزفر زفرة نبهت الصبي الذي توقف عن تمتماته الرتيبة وهتف قائلا: خلاص يا سيدنا الأفندي، الجامع أهه! وأشار إلى باب الجامع الصغير المفتوح على مصراعيه فوق ثلاث عتبات من الحجر الجيري النظيف، واستدار راجعا كأنه يفر بجلده من مهمة ثقيلة.

Página desconocida