Lágrimas del Payaso: Colección de Cuentos Publicada por Primera Vez
دموع البلياتشو: مجموعة قصصية تنشر لأول مرة
Géneros
قلت وأنا أحس بعبث الفكرة: امرأته صاحبتك.
قالت: وأدخل بيتها يا ابني وهي غائبة؟
قلت: لو عرفوا أننا دخلناها عشان الديك ...
قاطعتني قائلة: حتى لو كانوا أصحابنا الروح بالروح، والجيران، والناس كلها تقول علينا إيه؟ حرامية؟
فزعت للكلمة الأخيرة، رنت في أذني رنينا مخيفا وإن كان صادقا، تبين لي بالفعل أن عقلي صغير كما قالت أمي، هتفت من يأسي: والعمل يا أمي؟ العمل؟
قالت وهي تغطيني وتقرأ الفاتحة على رأسي قبل أن أنام: العمل عمل الله يا ابني، العمل عمل الله.
ومضت الأيام بطيئة مملة، كنت أكرر محاولاتي التي تزيدني يأسا كل يوم، وكانت تراودني أفكار أفزع منها حين أفكر فيها بعد ذلك، أفكار يمكن أن تجعل مني لصا يفتح الشقق وأصحابها غائبون، أو مجرما يحاول إحراق بيوت الجيران، أو معتوها يحاول أن يطعم ميتا أو ينقذ محكوما عليه بالإعدام أو يمد يده إلى السماء ليتلقى معجزة أو يبدد السحب من على وجه النجوم. كنت أعرف أن الديك يعيش الآن، ولم يكن عندي شك في أنه يعيش وأنني أسمع رفرفة جناحيه وانتفاض ريشه ودقات قلبه، بل ويخيل لي أني أسمع صوت صياحه المشروخ المبحوح، كلما أشعلت عود ثقاب أو قربت الوناسة من فتحة المنور المظلم العميق، ومع أن أبي كان يواصل سخريته بي أو شخطه في كلما رآني مشغولا بإرسال الكل إلى الديك أو رش الماء فوقه أو مناداته بأصوات أقلد بها أصوات الدجاج، حتى وصل الأمر به ذات يوم إلى تهديدي بالضرب أو الطرد من البيت إذا حاولت أن أدلي مصباحا من المنور أو أقرب النار منه خوفا من الحريق. ومع أن أمي كانت قد سلمت أمرها في وفي الديك إلى الله، وبدأ عطفها علي يتحول إلى إشفاق، ثم يصير بعض الوقت غضبا من تصرفاتي الصبيانية، وسخطا لتضييع وقتي عبثا، وخوفا على صحتي من انشغال الفكر وإهمال المذاكرة، ومع أن الخادمة كذلك كانت تضحك كلما رأتني أحاول محاولة جديدة في توصيل الطعام والشراب والنور أو في التسمع للصوت العزيز المكتوم، ويتحول ضحكها مع الزمن، بل ومشاركتها لي في بعض الأحيان في مجهوداتي إلى نوع من الرثاء أو الدعاء بأن يشفيني الله.
مع هذا كله فقد ظللت على اهتمامي بالديك وكل ما يتعلق به وبحياته وموته الذي كنت أحاول أن أبعد شبحه عنه بجهد المستميت، بل لقد شغلني موضوع الديوك كلها إلى ما وراء حدود البيت، فرحت أسأل أصحابي ومعلمي في المدرسة عن الديوك وأنواعها وصفاتها وتاريخها وتطورها، حتى لقد بلغ بي الأمر أن كتبت عنها موضوع إنشاء قدمته لمعلم اللغة العربية الذي رضي عنه وقرأ سطورا منه أمام زملائي في الفصل. وأذكر أنني تكلمت عن الديك وفصيلته ووصفت مزاياه، وبينت لماذا كان دائما صديق الإنسان الذي ينبهه للزمن ويحذره من اللصوص ويعلمه تحمل المسئولية واحترام الأسرة ورعاية الأولاد، كما أذكر أنني بدأت ذلك الموضوع وختمته بهاتين العبارتين:
رسول الفجر الذهبي سقط في الجب، فأين الراعي الذي يخرجه منه؟
صوت النور المبحوح اختنق في الظلام، فمن يا ترى ينقذه؟
Página desconocida