وحكى الجاحظ قال: قلت لعبيد الكلابي، وكان فصيحا فقيرا: أيسرك أن تكون هجينا ولك ألف جريب؟ قال: لا أحب اللؤم بشيء! قلت: فإن أمير المؤمنين ابن أمة. قال: أخزى الله من أطاعه! ويقول الرياشي:
إن أولاد السراري
كثروا يا رب فينا
رب أدخلني بلادا
لا أرى فيها هجينا
وكتب محمد بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب يعير أبا جعفر المنصور: «واعلم أني لست من الطلقاء أولاد، ولا أولاد اللعناء، ولا أعرقت في الإماء، ولا حضنتني أمهات الأولاد! إلخ.»
فالحق أن الحكم الأموي لم يكن حكما إسلاميا، ويسوى فيه بين الناس، ويكافأ فيه من أحسن؛ عربيا كان أو مولى، ويعاقب فيه من أجرم؛ عربيا كان أو مولى، ولم يكن الحكام فيه خدمة للرعية على حساب غيرهم. كانت تسود العرب فيه النزعة الجاهلية لا النزعة الإسلامية؛ فكان الحق والباطل يختلفان باختلاف من صدر عنه العمل؛ فالعمل حق إذا صدر عن عربي من قبيلة! وهو هو باطل إذا صدر عن مولى أو عربي من قبيلة أخرى! ولسنا الآن بصدد أن نبحث إذا كان الموالي أسعد حظا تحت حكم العرب منهم تحت حكم الفرس أو الروم أو أشقى؟ فذلك ما يهم الباحث السياسي.
ولا بد أن نكرر هنا ما سبقت الإشارة إليه من أن هذا النظر القاسي الذي وصفناه ليس نظرا عاما كان عند العرب جميعهم، إنما كان هو النظر السائد بين البدو والولاة. أما نظر المساواة فقد كان سائدا في الأوساط العلمية والدينية، فالعالم يشرف بعلمه سواء كان مولى أو عربيا. ومن سادة التابعين من كانوا موالي، والناس منحوهم من الإجلال ما منحوا العرب، لا تفاضل بينهم إلا بالدين والعلم؛ فنجد الزهري، ومسروق بن الأجدع ، وشريحا، وسعيد بن المسيب، وقتادة من سادات التابعين، وهم من العرب، كما نجد الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وسعيد بن جبير، وعطاء بن يسار وربيعة الرأي، وابن جريج، من سادة التابعين، وهم من الموالي. والناس من عرب وموال يأخذون عنهم على السواء، وينتقلون من حلقة أحدهم إلى حلقة الآخر، حتى لترى الحسن البصري ينقد خلفاء بني أمية، وينقد يزيد بن المهلب! ويرى أن يزيد وصحبه وبني أمية وأصحابهم ضلال مارقون! ويقول: والله لوددت أن الأرض أخذتهم خسفا جميعا! ثم يأتي يزيد بن المهلب في رهط من قومه إلى الحسن، ويهم أحدهم بقتله، فيقول يزيد: «اغمد سيفك؛ فوالله لو فعلت لانقلب من معنا علينا!»
23
ولما مات تبع الناس كلهم جنازته حتى لم يبق بالمسجد من يصلي العصر، ولم يستنكر الناس عمل الحجاج في قتله الآلاف من العرب والموالي، كما استنكروا قتل سعيد بن جبير وهو مولى؛ لعلمه ودينه!
Página desconocida