وآمنوا بأن الإسلام خير الأديان، وأن الناس حولهم في ضلال، وأنهم حماة الإسلام، وحملة الدين القويم، وأن عليهم دعوة الناس كافة، ليتخلوا عن دياناتهم السابقة، ويدخلوا فيه، وكان من بعد ذلك الجهاد، فظفروا بفارس ودكوا عرشها، وانتصروا على الروم، وهزموا جيشها، واستولوا على كثير مما في أيديها. وعلى الجملة فقد رأوا: أن سيادة العالم كانت للفرس والروم، فانتقلت فجأة إليهم! وأن هؤلاء الفرس الذين كان العرب بالأمس يخشون بأسهم أصبحوا تحت حكمهم! وهؤلاء الروم الذين كان العرب يتمنون أن يفتحوا لهم باب الشام ومصر، ليتاجروا فيها قد هزموا، وفروا أمامهم إلى عقر دارهم! كل هذا رفع من نفسية العرب. وغلا كثير منهم في ذلك فشعروا بأن الدم الذي يجري في عروقهم دم ممتاز، ليس من جنسه دم الفرس والروم وأشباههم! وتملكهم هذا الشعور بالسيادة والعظمة، فنظروا إلى غيرهم من الأمم نظرة السيد إلى المسود. وكان الحكم الأموي مؤسسا على هذا النظر! والحق: أن العرب في هذا لم يطيعوا الإسلام في تعاليمه! فالله تعالى: يقول
إنما المؤمنون إخوة
ويقول النبي:
صلى الله عليه وسلم «لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى.» ويقول عمر: «لو كان سالم، مولى حذيفة حيا لوليته!!» وإذا قلت العرب؛ فلست أعني جميعهم، فقد كان هناك طائفة كبيرة من خيارهم تدين بتعاليم الإسلام، وتجعل مقياس الفضل التدين لا الدم؛ فقد كان علي بن أبي طالب لا يفضل شريفا على مشروف، ولا عربيا على عجمي، ولا يصانع الرؤساء وأمراء القبائل، فكان هذا من آكد الأسباب في تقاعد العرب عنه!»
10
وروى المدائني: أن طائفة من أصحاب علي مشوا إليه فقالوا: «يا أمير المؤمنين أعط هذه الأموال، وفضل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش على الموالي والعجم، واستمل من تخاف خلافه من الناس.» وإنما قالوا له ذلك لما كان معاوية يصنع في المال. فقال لهم: «أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور؟!»
11
ولكن سواد العرب، وحكام بني أمية وولاتهم، كانت عندهم هذه العصبية العربية قوية، يحقرون معها من لم يكن منهم. وكتب الأدب وحوادث التاريخ مملوءة بالشواهد على ذلك: نزل جرير بقوم من بني العنبر فلم يضيفوه حتى اشترى منهم القرى! فانصرف وهو يقول:
يا مالك بن طريف، إن بيعكم
رفد القرى مفسد للدين والحسب!
Página desconocida