والأفعال حيث يقول ﵀: «إن الإنسان إذا اتبع العدل نُصر على خصمه، وإذا خرج عنه طمع فيه خصمه» (^١)، لهذا السبب ولما أوجبه الله قبل هذا من ترك الظلم ولزوم العدل في جميع الأحوال كان شيخ الإسلام ﵀ عادلًا في معاملته لخصومه منصفًا لهم، عادلًا في الحكم عليهم وعلى مقالتهم، وهو القائل تلك المقولة الجليلة: «أوجب الله العدل، لكل أحد، على كل أحد، في كل حال» (^٢)، وهذه السمة تجدها بارزة في جميع مناظرات الشيخ ﵀، ومن أبرز ملامحها تفاوت حكمه على المقالات بحسب قربها وبعدها من الكتاب والسنة، وتفريقه في الحكم بين القول وقائله، وإنصافه لخصومه في مخاطبتهم وإنزالهم منزلتهم التي يستحقونها، كما سيتضح في النقطة القادمة، قال شيخ الإسلام ﵀: «وليس مما أمر الله به ورسوله، ولا مما يرتضيه عاقل، أن تقابل الحجج القوية بالمعاندة والجحد، بل قول الصدق والتزام العدل لازم عند جميع العقلاء،
وأهل الإسلام والملل أحق بذلك من غيرهم، إذ هم -ولله الحمد- أكمل الناس عقلًا وأتمهم إدراكًا وأصحهم دينًا، وأشرفهم كتابًا، وأفضلهم نبيًا، وأحسنهم شريعة» (^٣).
١٣) إنصاف الخصم وإنزاله منزلته التي يستحقها:
وترى هذا الأمر جليًا واضحا في حديث الشيخ عمن ناظرهم وفي مخاطبته لهم، فمع شدة العداوة بين شيخ الإسلام والفلاسفة والرافضة والأشاعرة وجميع الفرق المخالفة، وبعد الفجوة بينه وبينهم، وبغضه لآرائهم ومعتقداتهم، لم يمنعه هذا من نسبة الفضل لذي الفضل منهم فقد قال في مناظرته مع الفلاسفة: «ولهذا خاطبني بعض الأعيان من الفضلاء المتفلسفين» (^٤)، وقال في وصفه للشيخ