Diwan de la nostalgia
ديوان الصبابة
فمن حدود المليحة ورسومه الصحيحة قول فيثاغورث الذي أخذ عن أصحاب سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام فيما ذكره صاعد في كتاب الطبقات العشق طمع يتولد في القلب ويتحرك وينمو ثم يتربى وتجتمع إليه مواد من الحرص وكلما قوي زاد صاحبه في الاهتياج واللجاج والتمادي في الطمع والفكر والأماني والحرص على الطلب حتى يؤديه ذلك إلى الغم المقلق ويكون احتراق الدم عند ذلك باستحالة السوداء أو التهاب الصفراء وانقلابها إليها ومن طبع السوداء إفساد الفكر يكون زوال العقل ورجاء ما لا يكون وتمنى ما لا يتم حتى يؤدي ذلك إلى الجنون فحينئذ ربما قتل العاشق نفسه وربما مات غمًا وربما نظر إلى معشوقه فمات فرحًا وربما شهق شهقة فتختنق روحه فيبقى أربعًا وعشرين ساعة فيظنون أنه مات فيدفنونه وهو حي وربما تنفس الصعداء فتختنق نفسه في تامور قلبه وينضم عليها القلب ولا ينفرج حتى يموت وتراه إذا أذكر من يهواه هرب دمه واستحال لونه قال الإمام ابن الإمام محمد بن داود الظاهري وتكرار وإذا كان ذلك كذلك فإن زوال المكروه عمن هذه حالته لا سبيل إليه بتدبير الأدوية ولا شفاء له في نسخة وقال فزاري إلا بلطف رب العالمين وذلك إن المكروه العارض من سبب واحد قائم بنفسه يتهيأ التلطف فيه بزوال سببه فأما إذا وقع السببان وكان كل واحد منهما سببًا فإذا كانت الصوداء سببًا لاتصال الفكر وكان اتصال الفكر سببًا لاحتراق الدم والصفراء وقلبهما إلى تقوية السوداء فهذا هو الداء العضال الذي يعجز عن معالجته الأطباء ومنها قول أفلاطون الآخذ للحكمة عن فيثاغورس المتقدم ذكره العشق قوة غريزية متولدة من وسواس الطامع وأشباح التخيل نام بإيصال الهيكل الطبيعي محدث للشجاع جنبًا وللجبان شجاعة يكسو كل إنسان عكس طباعه حتى يبلغ به المرض النفساني والجنون الشوقي فيؤديانه إلى الداء العضال الذي لا دواء له. ومنها قول ارسطاطاليس الآخذ للحكمة عن أفلاطون المتقدم ذكره العشق عمى العاشق عن عيوب المعشوق وهذا كقوله ﷺ حبك الشيء يعمي ويصم وقول الشاعر:
فلست براء عيب ذي الود كلّه ... ولا بعض ما فيه إذا كنت راضيًا
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا
وقول لآخر
وعين السخط تبصر كل عيب ... وعين أخي الرضا عن ذاك عميا
ومنها ما مشى عليه أبو علي بن سينا وغيره من الأطباء العشق مرض وسواسي شبيه بالماليخوليا يجلبه المرء إلى نفسه بتسليط فكرته على استحسان بعض الصور والتماثيل وقد يكون معه شهوة جماع وقد لا يكون وقال بعض الأدباء الظرفاء العشق عبارة عن طلب ذلك الفعل المخصوص من شخص مخصوص وهذا ظريف وقال الجنيد العشق ألفة رحمانية وإلهام شوقي أوجبها كرم الله تعالى على كل ذي روح لتحصل به اللذة العظمى التي لا يقدر على مثلها إلا بتلك الألفة وهي موجودة في الأنفس بقدر مراتبها عند أربابها فما أحد إلا عاشق لأمر يستدل به على قدر طبقته من الخلق ولأجل ذلك كان أشرف المراتب في الدنيا مراتب الذين زهدوا فيها مع كونها معاينة ومالوا إلى الآخر مع كونها مخبرًا لهم عنها بصورة اللفظ وقال الأصمعي سألت إعرابية عن العشق فقالت: جل الله عن أن يرى وخفى عن أبصار الورى فهو في الصدور كامن ككمون النار في الحجر إن قدحته أورى وإن تركته توارى وقال بعضهم إن الجنون فنون والعشق فن من فنونه واحتج بقول قيس:
قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم ... العشق أعظم مما بالمجانين
العشق لا يستفيق الدهر صاحبه ... وإنما يصرع المجنون في الحين
إني جننت فهاتوا من جننت به ... إن كان ينفي جنوني لا تلوموني
1 / 5