154
عليه النفوس، وقد قال الشاعر: (وليس بمغن في المودةِ شافعٌ ... إذا لم يكن بينَ الضلوعِ شفيعُ) وكتب الكرخي: قد واصلت أيامًا تباعًا غدوًا إليك ورواحا حتى ملني البكور وسئمني التهجير وشكاني الطريق ولحاني الصديق في كل ذلك أعاق بالحجاب وتستقبلني ردة البواب: (ولا خيرَ في ود امرئ متكارهٍ ... عليك ولا في صاحبٍ لا توافقُه) وهذا ذرء عتاب جاش به الصدر وضاق عن كتمانة الصبر فإن عطفك حفاظ فأهل الفضل والبر أنت وإلا فإني على العهد الذي كان بيننا ولا أقول كما قيل: (فما ملني الإنسانُ إلا مللتهُ ... ولا فاتني شئٌ فظلت له أبكي) ولا أقول كما قيل: (وإني على عهدِ الأخلاءِ دائم ... ولستُ إذا مالَ الصديقُ على حرفِ) (إذا أنا لم أصفح وأغضض على القذى ... فلا انبسطتُ في الحادثاتِ إذًا كفى) ومن ألطف الكلام قول بعض الكتاب: أنفذ إلي أبو فلان كتابًا منك فيه ذرء عتاب كان أحلى عندي من تعريسة الفجر وألذ من الزلال العذب فلك العتبي ولبيك وسعديك داعيًا مستجابًا له وعاتبًا معتذرًا إليه ولو شئت مع ذلك أن أقول إن العتب عليك أوجب والاعتذار لك ألزم لقلت ولكني أسامحك ولا أشاحك وأسلم لك ولا رادك لأن أفعالك عندي مرضية وشيمك لدي مقبولة ولولا أن للحجة موقعها لقصرت العنان عما أجريت إليه من هذا العتاب وكففت اللسان عما أطلقته فيه من مر هذا الخطاب وقلت: (إذا مرضتم أتيناكم نعودكمُ ... وتذنبونَ فنأتيكم ونعتذرُ) ولا ترى كلامًا ألطف من هذا ولا أحسن في معناه. وكتب بعضهم لست أقتضى الوفاء بكثرة الالحاح فأثقل عليك ولا أقابل الجفاء يترك العتاب فأغتنم

1 / 160