بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله الَّذِي يسبح كل شَيْء بِحَمْدِهِ وَله سُبْحَانَهُ فِي كل شَيْء آيَة من الْهِدَايَة ﷺ على نبيه الْأمين الْمُرْسل بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ وَبعد فَمَا زَالَ الشّعْر فِي كل أمة جلاء الأذهان وصقل الخواطر بِحَيْثُ توفرت عَلَيْهِ الرغبات وَبعثت إِلَيْهِ الهمم وَأصْبح من لم يرو مِنْهُ وَلم يصدر عَنهُ كَأَنَّهُ أحَاط من اللُّغَة بالغلاف وَتَنَاول الكأس من غير سلاف وَإِن لهَذَا النَّوْع من الْكَلَام فِي لغتنا الشَّرِيفَة فضلا يبْقى بِهِ على الزَّمَان وَهُوَ مَا كَانَ الْعَرَب يجمعُونَ إِلَيْهِ من كل لَفْظَة ناصعة وَكلمَة رائعة بِحَيْثُ كَانَ الشّعْر من شَاعِرهمْ بِمَثَابَة خزانَة النفائس من صَاحب الْكُنُوز إِلَيْهِ مرجع كل نَفِيس وَفِيه مَوضِع كل جمال بيد أَن مَا روى من شعر الْعَرَب شَيْء كثير لَا يحاط بِهِ وَإِن قصر عَلَيْهِ الْعُمر فَكَانَت الْحَاجة ماسة إِلَى مَجْمُوع يقوم مِنْهَا مقَام الْخُلَاصَة وَلم نجد من ذَلِك أحسن وَلَا أوفى من كتاب الحماسة الَّذِي اخْتَارَهُ ملك الْكَلَام أَبُو تَمام فقد كَانَ للرجل من المحفوظات مَا لَا يلْحقهُ فِيهِ غَيره قيل إِنَّه كَانَ يحفظ أَرْبَعَة عشر ألف أرجوزة للْعَرَب غير القصائد والمقاطيع هَذَا عدا مَا اطلع عَلَيْهِ فِي خزانَة كتب أبي الْوَفَاء الْعَظِيمَة الَّتِي جمع مِنْهَا هَذَا الْكتاب

1 / 2

وَعدا أَنه شَاعِر بَصِير بمحاسن الْكَلَام وعيون النظام خَبِير بِالنَّقْدِ ومطلع بِهَذَا الْفَنّ وَلِهَذَا عد جَمِيع الأدباء كتاب الحماسة الْمَذْكُور أفضل كتاب مَجْمُوع من شعر الْعَرَب وَقد هبت بِنَا الرَّغْبَة من أجل ذَلِك فِي نشره وتوفير الْوَقْت على الْفُضَلَاء إِذْ يرجعُونَ فِي مثل هَذَا الْكتاب إِلَى الشُّرُوح الطوَال ومعاجم اللُّغَة وَغَيرهَا فضبطنا الْمَتْن وعلقنا عَلَيْهِ شرحا يحل كل مَا فِيهِ وَيظْهر من خافيه مَعَ الإيجاز الْوَاقِف عِنْد حد الْفَائِدَة وتراجم الشُّعَرَاء حَتَّى يكون الْكتاب غنية للمطلع وثقة للمراجع وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق مُحَمَّد عبد الْقَادِر سعيد الرَّافِعِيّ ١ - قَالَ قريط بن أنيف أحد بني العنبر ــ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه ثقتي الْحَمد لله على أفضاله ﷺ على مُحَمَّد وَآله أما بعد فَهَذَا مَا أردته من وضع كَلِمَات على مَا اخْتَارَهُ أَبُو تَمام حبيب بن أَوْس الطَّائِي من شعر الْعَرَب المسمي بالحماسة راجيا من الله التَّوْفِيق وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل ١ - هُوَ شَاعِر إسلامي وَالسَّبَب الَّذِي من أَجله قَالَ هَذَا الشّعْر مَا حدث بِهِ أَبُو عُبَيْدَة قَالَ أغار نَاس من بني شَيبَان على رجل من بني العنبر يُقَال لَهُ قريط بن أنيف فَأخذُوا لَهُ ثَلَاثِينَ بَعِيرًا فاستنجد قومه فَلم ينجدوه فَأتى مَازِن تَمِيم فَركب مَعَه نفر فأطردوا لبني شَيبَان مائَة بعير فدفعوها إِلَيْهِ فَقَالَ هَذِه الأبيات ومازن هُنَا هُوَ ابْن مَالك بن عَمْرو بن تَمِيم أخي العنبر بن عَمْرو بن تَمِيم هَذَا وَقصد الشَّاعِر بِهَذِهِ الأبيات أَن يحمل قومه على الانتقام لَهُ من

1 / 3

(لَو كنت من مَازِن لم تستبح إبلي ... بَنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا) (إِذا لقام بنصري معشر خشن ... عِنْد الحفيظة إِن ذُو لوثة لانا) ٣ - (قوم إِذا الشَّرّ أبدى ناجذيه لَهُم ... طاروا إِلَيْهِ زرافات ووحدانا) ــ أعدائه وَلم يقْصد إِلَى ذمهم وَكَيف يذمهم وعار الذَّم رَاجع إِلَيْهِ وَلكنه سلك طَرِيق كَبْشَة أُخْت عَمْرو بن معد يكرب فِي قَوْلهَا (ودع عَنْك عمرا إِن عمرا مسالم ... وَهل بطن عَمْرو غير شبر لمطعم) فَإِنَّهَا لَا تقصد إِلَى هجاء أَخِيهَا وَهُوَ الَّذِي كَانَ يعد بِأَلف فَارس وَلكنهَا تُرِيدُ تهييجه هَذَا وَلم يُوجد لقريط تَرْجَمَة فِي معاجم الأدباء ١ - هم بَنو مَازِن ابْن مَالك بن عَمْرو بن تَمِيم الاستباحة الاستئصال وَعدم الاستبقاء وَقَوله بَنو اللقيطة هَكَذَا رَوَاهُ شرَّاح الحماسة قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي وَالصَّوَاب إِن شَاءَ الله مَا أنْشدهُ أَبُو الندى وَذكر أَنه لقريط بن أنيف (لَو كنت من مَازِن لم تستبح إبلي ... بَنو الشَّقِيقَة من ذهل بن شيبانا) قَالَ والشقيقة هِيَ بنت عباد بن يزِيد بن عَوْف بن ذهل بن شَيبَان وَأما اللقيطة فَهِيَ أم حصن بن حُذَيْفَة من بني فَزَارَة وَلَا اتِّصَال لَهَا بذهل بن شَيبَان ٢ - خشن بِضَمَّتَيْنِ جمع خشن وَقيل جمع أخشن الصعب الَّذِي لَا يلين والحفيظة الْغَضَب فِي الشَّيْء الَّذِي يجب عَلَيْك حفظه واللوثة الضعْف يَقُول لَو كنت من هَذِه الْقَبِيلَة لما أغار بَنو ذهل على إبلي واستأصلوها أخذا ونهبا وَلَو كَانَ ذَلِك لقام بنصري قوم صعاب أشداء يدْفَعُونَ عني وَيَأْخُذُونَ بحقي مِمَّن اعْتدى عَليّ وظلمني إِذا لَان ذُو الضعْف لم يدْفع ضيما وَلم يحم حَقِيقَة ٣ - إبداء الشَّرّ ناجذيه مثل لِشِدَّتِهِ وصعوبته والزرافات الْجَمَاعَات يصفهم بالإقدام على

1 / 4

(لَا يسْأَلُون أَخَاهُم حِين يندبهم ... فِي النائبات على مَا قَالَ برهانا) (لَكِن قومِي وَإِن كَانُوا ذَوي عدد ... لَيْسُوا من الشَّرّ فِي شَيْء وَإِن هانا) ٣ - (يجزون من ظلم أهل الظُّلم مغْفرَة ... وَمن إساء أهل السوء إحسانا) ٤ - (كَأَن رَبك لم يخلق لخشيته ... سواهُم من جَمِيع النَّاس إنْسَانا) ٥ - (فليت لي بهم قوما إِذا ركبُوا ... شدوا الإغارة فُرْسَانًا وركبانا) ٦ - قَالَ الفند الزماني فِي حَرْب البسوس ــ المكاره والإسراع إِلَى الشدائد لَا يتواكلون وَلَا يتخاذلون وَلَا ينْتَظر بَعضهم بَعْضًا بل كل يرى أَنه حقت عَلَيْهِ الْإِجَابَة فيسرعون مُجْتَمعين وَمُتَفَرِّقِينَ ١ - يندبهم أَي يَدعُوهُم يَقُول إِذا دعاهم أحد لينصروه على أعدائه أَسْرعُوا إِلَى الْحَرْب وَلَا يسْأَلُون عَن سَببهَا وَلَا يتعللون كَمَا يتعلل الجبان ٢ - يصف قومه بِأَنَّهُم يهابون الْحَرْب لعدم حماستهم وَإِن كَانُوا ذَوي عدد كثير ٣ - يَقُول إِن قومه لم يكن فيهم حماسة حَيْثُ بلغ بهم الْجُبْن إِلَى أَنهم يسامحون من ظلمهم ويحسنون إِلَى من أَسَاءَ إِلَيْهِم ٤ - هَذَا الْبَيْت وَمَا قبله نبه بهما على أَن احتمالهم الْمَكْرُوه إِنَّمَا هُوَ لاحتساب الْأجر فِي زعمهم فَكَأَن الله لم يخلق لخوفه غَيرهم ٥ - قَوْله شدوا الإغارة ويروى شنوا الإغارة أَي فرقوها والفرسان الراكبون على الْخَيل والركبان على الْإِبِل يتَمَنَّى الشَّاعِر أَن يكون لَهُ قوم بدل قومه إِذا ركبُوا لمحاربة الْأَعْدَاء مزقوهم كل ممزق حَالَة كَونهم فُرْسَانًا وركبانا ٦ - الفند اسْمه شهل بن شَيبَان بن ربيعَة ابْن زمَان الْحَنَفِيّ فَهُوَ مَنْسُوب إِلَى جده وَهُوَ شَاعِر جاهلي كَانَ الفند أحد

1 / 5

(صفحنا عَن بني ذهل ... وَقُلْنَا الْقَوْم إخْوَان) (وَعَسَى الْأَيَّام أَن يرجعن ... قوما كَالَّذي كَانُوا) (فَلَمَّا صرح الشَّرّ ... فأمسى وَهُوَ عُرْيَان) (وَلم يبْق سوى الْعدوان ... دناهم كَمَا دانوا) (مشينا مشْيَة اللَّيْث ... غَدا وَاللَّيْث غَضْبَان) ــ فرسَان ربيعَة الْمَشْهُورين الْمَعْدُودين شهد حَرْب بكر وتغلب وَقد قَارب الْمِائَة سنة وَهَذِه الأبيات من قصيدة قَالَهَا فِي حَرْب البسوس الَّتِي كَانَت بَينهمَا وَذَلِكَ أَن بكر بن وَائِل بعثوا إِلَى بني حنيفَة فِي حَرْب البسوس يستنصرونهم فأمدوهم بِهِ وبقومه بني زمَان وعدادهم فِي بني حنيفَة ١ - صفحنا عَن بني ذهل ويروى عَن بني هِنْد وَهِي هِنْد بنت مر بن أد وَهِنْد هَذِه أُخْت تَمِيم يَقُول أعرضنا عَن هَؤُلَاءِ الْقَوْم المتحاربين وضربنا عَنْهُم صفحا لِأَن بَينهم رحما وقرابة فَعَسَى أَن تردهم الْأَيَّام إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ من قبل من التوافق والتوادد ٢ - صرح بِمَعْنى انْكَشَفَ وَقَوله وَهُوَ عُرْيَان مثل لظُهُور الشَّرّ ووضوحه ويروي فأضحى الخ وَهِي أحسن لِأَن الشَّيْء فِي الضُّحَى أظهر وَأبين ٣ - الْعدوان الظُّلم الصَّرِيح وَالدّين الْجَزَاء يَقُول لما أصروا على الْبَغي وأبوا أَن يدعوا الظُّلم وَلم يبْق إِلَّا أَن نقاتلهم ونعتدي عَلَيْهِم كَمَا اعتدوا علينا جازيناهم بفعلهم الْقَبِيح كَمَا ابتدؤنا بِهِ ٤ - هَذَا تَفْصِيل لما أجمله فِي قَوْله دناهم وَتَفْسِير لكيفية المجازاة وَكرر اللَّيْث وَلم يَأْتِ بِهِ مضمرا تَعْظِيمًا لِلْأَمْرِ وتفخيما لَهُ وَغدا بالغين الْمُعْجَمَة ابتكر وكنى بِالْغَضَبِ عَن الْجُوع لِأَنَّهُ يَصْحَبهُ يَقُول مشينا إِلَيْهِم مشْيَة الْأسد ابتكر وَهُوَ جَائِع

1 / 6