ديوان
ابن أبي حصينة
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الأجل الأوحد أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي رحمه الله تعالى:
الدهر مديد طويل، يجوز أن يحدث في آخره، كما حدث في أوله؛ لأن الله سبحانه قدير على الممتنعات، كل ما حكم به فهو آت، تقدَّست أسماؤه، وجلت نعماؤه، ولا يمتنع أن ينشئ في هذا العصر من الشعراء من هو لاحق بالمتقدمين، وشبيه من سلف من الفحول الأولين.
وكان مولاي الأمير الجليل أبو الفتح الحسن بن عبد الله بن أبي حُصينة سألني أن أسمع شعره فقرئ علي ما أنشاه من أنواع القريض، فوجدت لفظه غير مريض، ومعانيه صحاحًا مخترعة، وأغراضه بعيدة مبتدعة، وهو وإن كان متأخرًا في الزمان، فكأنه من فرط عهد النعمان، ومن سمع كلامه علم أنه لم يغير شهادة، ولا حُرِمَ في إبداع الكلم سيادة؛
والحمد لله الذي خصَّ بمدائحه السيد الأجل تاج الأمراء، فخر الملك، أعز الله نصره، وأعلى ذكره، وقد جمع الله الألسن على مدائحه بكل لسان يبلغ مجهود الإنسان؛ فعييٌّ يقدر على كلام قليل، وبليغ يصل إلى المقال الجليل، وثالث لا يقتصر على النية، ويأمل بها بلوغ
1 / 3
الأمنية. وزالت العرب في قديم الزمان تفتخر بالشعر وتجله ويعظمه مُكثر الحي ومُقله؛ وإنما عرضت الملوك أموالها للأعطية، راغبة في ثناء باقٍ، واستبعاد من لا يجنح إلى الإباق، ويتفق في الزمان الواحد شعراء كثيرة، لا يحمد منهم إلى قول الرجل أو الرجلين. وقد كان علي بن عبد الله بن أحمد أقام سوقًا للشعراء وتفرد بتقريبهم دون الأمراء فرحل إليه قريبُهم والبَعيدُ، والتُمس عنده النوالُ الرَّغيبُ لا الزَّهيدُ، فما اشْتَهَر منهم إلَّا نفرٌ قليلٌ؛ منهم أحمدُ بن الحسين المتنبي، وأحمدُ بن محمد النامي، والحارث بنُ سعيد المعروفُ بأبي فراس، ورجلٌ يُعرف بابن كاتب البكتمري وهو أقلُّهم حَظًّا في سير القصيد.
ولما كان السيدُ الأجلُّ تاج الأمراء فخرُ الملك مُبَرِّزا في الفَهْم خالص الغَريزةِ من التُّهم، يَعرِفُ عُقُودَ الكَلِم مَعْرِفَةَ الصَّيْرِفي قَيَّض الله سبحانه لَهُ من يَشفي
1 / 4
الغُلة، ويُخلص مدى الدهر الخُلَّة، فحديثه يَعْبُرُ عَلَى الدُّهور إلى أن يؤذن بنفخ الصُّور، وقد قال القائل:
يَمُوتُ رَدِيءُ الشِّعْر مِنْ قَبْل أَهْلِهِ ... وَجَيِّدُهُ حيٌّ وَإِنْ مَاتَ قَائِلُهُ
قال الأمير الجليل أبو الفتح الحسنُ بنُ عبد الله بن أحمد بن أبي حصينة السُّلمي أيَّد الله عزَّه، يمدح الأمير الجليل، الأعز، تاج الأمراء فخر الملك، سيف الخلافة، وعضدها، شرف المعالي، بهاء الدولة العلوية، وزعيم جيوشها المستنصرية، علم الدين، ذا الفخرين، مصطفى أمير المؤمنين، أبا العلوان ثمال بن الأمير الأجل، أسد الدولة، ومقدمها، وناصحها، أبي علي صالح بن مرداس السلمي ﵁ وأرضاه، وجعل الجنة منقلَبَه ومثواه؛ وأُنْشِدَت بالرافقة سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة للهجرة:
1 / 5
هَل بَعدَ شَيبكَ مِن عُذرٍ لِمُعتَذِرِ ... فَازجُر عَنِ الغَيِّ قَلبًا غَيرَ مُنزَجِرِ
ما أَنتَ وَالبِيضُ في شِعرٍ تَفُوهُ بِهِ ... بَعدَ البَياضِ الَّذي قَد لاحَ في الشَعَرِ
فَلا تَكُن مِن ظَعينِ الجِزعِ ذا جَزَعٍ ... وَلا بِمَن حَلَّ وَادي السِدرِ ذا سَدَرِ
وَاردع فُؤادكَ عَن وَجدٍ يُخامِرُهُ ... إِذا نَزَلنَ ذَواتُ الخُمرِ بِالخَمَر
فَالراجِحُ اللُبِّ يَأبى أَن يُحَمِّلَهُ ... وِزرًا هَوى الرُجَّحِ الأَكفالِ وَالأُزُرِ
أَو يَطَّبِيهِ وَشملُ الحَيِّ مُنشَعِبٌ ... رَبعٌ بِشِعبِ يَعارٍ دارِسُ الأُثَرِ
قَد كانَ مَأوى ظِباءِ الأُنسِ فَاتَّخَذَت ... عُفرُ الظِباءِ بِهِ مَأوى مِنَ العَفَرِ
فَلَيسَ يَبرَحُ مُحتَلًا بِدِمنتِهِ ... سِربٌ مِن الغِيدِ أَو سِربٌ مِنَ البَقَرِ
فَكُلُّ جازِئَةٍ مِنهُنَّ جاثِمَةٌ ... بِحَيثُ كانَ ذَواتُ الدَلِّ وَالخَفَرِ
جِنسانِ ما أَشتَبها إِلّا لِأَنَّهُما ... نَوافِرٌ قَلَّما يَألفَن بِالنَفَرِ
يا ظَبيَةً لا تَبيتُ اللَيلَ ساهِرَةً ... هَلا رَثَيتِ لِمَوقُوفٍ عَلى السَهَرِ
أَورَدتِهِ بِالمُنى وِردًا عَلى ظَمَإٍ ... وَما شَفَيتِ غَليلَ الصَدرِ في الصَدَرِ
1 / 6
لَقَد بَخِلتِ وَفَضلُ البُخلِ مَكرُمَةٌ ... مِنَ الأُناثِ كَفَضلِ الجُودِ في الذَكَرِ
لا حَبَّذا صَفَرٌ شَهرًا فَقَد صَفِرَت ... يَدايَ مِن زَورَةِ الأَحبابِ في صَفَرِ
كَأَنَّ أَعشارَ قَلبي يَومَ بَينِهِمِ ... تُذكى بِزِندَين مِن مَرخٍ وَمِن عُشَر
يا سَاكِنينَ بِحَيثُ الخَبتُ مِن هَجَرٍ ... أَطَلتُمُ الهَجرَ مُذ صِرتُم إِلى هَجَرِ
عُودوا غِضابًا وَلا تَنأى دِيارُكُم ... فَقِلَّةُ الماءِ تُرضي الكُدرَ بِالكَدِرِ
يا دَهرُ لا تَستَقِل جُرمًا بِنَأيِهِمِ ... فَإِنَّ جُرمَكَ جُرمٌ غَيرُ مُغتَفَرِ
ما لُمتُ غَيرَكَ في تَغييرِ وُدِّهِمِ ... لِأَنَّ صَرفَكَ مَجبُولٌ عَلى الغِيَرِ
سَحَبتُ بُردَيكَ في غَيٍّ وَفي رَشَدٍ ... وَذُقتُ طَعمَيكَ مِن حُلوٍ وَمِن صَبِرِ
فَما حَمَدتُكَ في بُؤسي وَلا رَغَدي ... وَلا شَكَرتُكَ في نَفعي وَلا ضَرَري
لَكِنَّ شُكري لِمَن لَولا مَكارِمُهُ ... لَكُنتَ فَلَّلت مِن نابي وَمن ظُفُري
فَتّىً يَعَمُّ جَميعَ الخَلقِ نائِلُهُ ... كَما تَعُمُّ السَماءُ الأَرضَ بِالمَطَرِ
يُنبيكَ بِالبِشرِ عَن بُشرى مُؤَمَّلَةٍ ... فَالبِشرُ أَحسَنُ ما في أَوجُهِ البَشَرِ
1 / 7
يَعلَو الأَسِرَّةَ مِنهُ بَدرُ مَملَكَةٍ ... أَبهى مِنَ البَدرِ لا يُعطي سِوى البِدَرِ
حَجِّي إِلَيهِ وَتَطوافي بِحَضرَتَهِ ... نَظيرُ حَجِّي وَتَطوافي وَمُعتَمَرِي
حَتّى إِذا ما اِستَلَمنا ظَهرَ رَاحَتِهِ ... قامَت مَقامَ اِستِلامِ الرُكنِ وَالحَجَرِ
زُرهُ نَزُر مِن أَبي العُلوانِ خَيرَ فَتىً ... يُزارُ مِن وُلْدِ قَحطانٍ وَمِن مُضَرِ
وَالقَ المُعِزَّ بنَ فَخرِ المُلكِ تَلقَ فَتىً ... يُحَقِّقُ الخُبرُ عَنهُ صِحَّةَ الخَبَرِ
حَكى أَباهُ فَقالَ الناسُ كُلُّهُمُ ... مِن أَطيَب العُودِ يُجنى أَطيَبُ الثَمَرِ
بَنى مِنَ الفَخرِ ما لَم يَبنِهِ أَحَدٌ ... إِلّا الطَراخينُ مِن أَجدادِهِ الغُرَرِ
ماتُوا وَعاشُوا بِحُسنِ الذِكرِ بَعدَهُمُ ... وَالذكرُ يَحيى بِهِ الأَمواتُ في الحُفَرِ
لا يُصبِحُونَ حَليبَ الدَرِّ ضَيفَهُمُ ... أَو يُمزَجَ الدَرُّ لِلضِيفانِ بِالدُرَرِ
سُودُ المَرائِرِ لا يُفشَونَ يَومَ وَغىً ... إِلّا عَلى لَحِقِ الآطالِ كَالمِرَرِ
هُمُ اللُيوثُ وَلَكن لا تَرى لَهُمُ ... مِثلَ الليوثِ أَظافيرًا سِوى الظَفَرِ
1 / 8
أَو مُرهَفاتٌ إِذا هَزوا مَضارِبَها ... هَزُوا بِهِنَّ قُلُوبَ البَدوِ وَالحَضَرِ
وَذُبَّلٌ مِن رِماحِ الخَطِّ حامِلَة ... مِنَ الأَسِنَّةِ نيرانًا بِلا شَرَرِ
إِذا هَوَوا في مُتونِ الدارِعينَ بِها ... حَسِبتَهُم غَمَسوا الأَشطانَ في الغُدُرِ
مِن كُلِّ مَن تُرِك الذِكرُ الجَميلُ لَهُ ... مُخَلَّدًا في غِرارِ الصارِمِ الذَكَرِ
رُوحي الفِداءُ لَهُم قَومًا تُرابُهُمُ ... عَلَيَّ أَكرَمُ مِن سَمعِي وَمِن بَصَرِي
ذَمَمتُ شَرخَ شَبابي عِندَ غَيرِهِمِ ... وَعُدتُ أَحمَدُ طِيبَ العَيشِ في الكِبَرِ
يا ابنَ السَمادِعَةِ الشُمسِ الَّذينَ هُم ... في كُلِّ وِزرٍ لَنا أَحمى مِنَ الوَزَرِ
غالَيتُ في الحَمدِ حَتّى صِرتَ مُشتَرِيًا ... مِنَ القَريضِ سُطُورَ الحِبرِ بِالحَبَرِ
لا خَلقَ أَكرَمُ عَفوًا مِنكَ عَن زَلَلٍ ... وَلا أَعَفُّ عَنِ الفَحشاءِ وَالنُكُرِ
تَبيعُ نَفسَكَ في كَسبِ النَفيسِ بِها ... إِنَّ الخَطيرَ لَمِقدامٌ عَلى الخَطَرِ
لَو كُنتَ في الزَمَنِ الماضي لَما تَرَكُوا ... ذِكرًا يُسَيَّرُ إِلّا عَنكَ في السِيَرِ
يا مَن تَأَلَّمَ قَلبي مِن تَأَلُّمِهِ ... فَباتَ في غَمَراتِ الهَمِّ وَالفِكَرِ
شَكَوتَ فَاِشتَكَتِ الدُنيا وَلا عَجَبًا ... إِنَّ الكُسُوفَ لَمَحتُومٌ عَلى القَمَرِ
1 / 9
فَاِسلَم رَفيعَ بِناءٍ المَجدِ شاهِقَهُ ... وَعِش طَويلَ رِداءِ العِزِّ وَالعُمُرِ
وَلا سَلَكت طَريقًا غَيرَ مُتَّسِعٍ ... وَلا هَمَمتَ بِأَمرٍ غَيرَ مُتَدِرِ
وقال أيضًا يمدحه وأنشدها بالرافقة في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة:
لِأَيَّةِ حالٍ حُكِّموا فيكَ فَاشتَطُوا ... وَما ذاكَ إِلّا حينَ عَمَّمَكَ الوَخطُ
فَهَلّا وَأَيّامُ الشَبيبَةِ ثابِتٌ ... بِفَودَيكَ في رَيعانِها الحالِكُ السَبطُ
وَإِذ أَنتَ في ضافٍ مِنَ العَيشِ لَم يَرُع ... فُؤادَكَ لا نَأيٌ مُشِتُّ وَلا شَحطُ
وَسَلمى كَشاةِ الرَيمِ تَرنُو بِطَرفِها ... إِلَيكَ كَما تَرنُو وَتَعطُو كَما تَعطُو
قَلِيلَةُ تَجوالِ الدَماليج وَالبُرى ... إِذا جالَ في مَيدانِ لَبَّتِها السِمطُ
مِنَ الآنِساتِ اللابِساتِ مَلابِسًا ... مِنَ الصَونِ لَم يُدنَس لَها بِالخَنا مرطُ
شَرَطتُ عَلَيهِنَّ الوَفاءَ فَمُذ بَدا ... بَياضُ عِذاري لِلعَذارى مَضى الشَرطُ
وَكَيفَ وَقَد جُزتَ الثَلاثينَ حِجَّةً ... يُرى لَكَ حَظٌّ في هَواهُنَّ أَو قِسطُ
كَأَنَّ الفَتى يَرقى مِنَ العُمرِ سُلَّمًا ... إِلى أَن يَجُوزُ الأَربَعينَ فَيَنحَطُّ
فَلا يُبعِدِ اللَهُ المَشيبَ فَإِنَّهُ ... مَطيّةُ حُكمٍ في الخِطيئَةِ لا يَخطُو
1 / 10
فَدَع ذا وَلَكِن رُبَّ لَيلٍ عَسَفتَهُ ... بِرَكبٍ كَأَنَّ العَيسَ مِن تَحتِهِم مُقطُ
وَجُبتَ بِهِم أَجوازَ كُلِّ تَنُوفَةٍ ... لِكُدرِ القَطا حَولَ الثَمادِ بِها لَغطُ
كَأَنَّ عَزيفَ الجِنِّ في فَلَواتِها ... دُفُوفٌ تَغَنَّت لِلنَدامى بِها الزُطُّ
يَحارُ دَليلُ القَومِ فيها إِذا طَفا ... بِها الآلُ وَاُغبَرَّت دَيامِيمُها المُلطُ
وَطارَ سَفا البُهمى بشها فَكَأَنَّهُ ... إِذا عَصَفَت ريحُ الجَنوبِ لِحىً سُنطُ
تَنائِفُ لِلظُلمانِ فيها مَعَ الضُحى ... عَرارٌ وَلِلأَنضاءِ في جَوزِها خَبطُ
إِذا ما قَطَعنا حِقفَ رَملٍ بَدا لَنا ... عَلى إِثرِهِ حِقفٌ مِنَ الرَملِ أَو سِقطُ
وَصَحبي نَشاوي مِن نُعاسٍ كَأَنَّما ... تَميلُ بِهِم صِرفٌ مِنَ الراحِ إِسفِنطُ
عَلى كُلِّ مَوّارِ الوَضينِ كَأَنَّهُ ... مَرِيرَةُ قِدٍّ لا يَبينُ لَهُ وَسطُ
بَراهُ البُرى حَتّى تَحَيَّرَ نِحضُهُ ... وَسالَت نَجيعًا مِن تَأَكُّلِها الإِبطُ
1 / 11
أَقُولُ لَهُم وَاللَيلُ مُعتَكِرُ الدُجى ... وَحُدبُ المَطايا تَحتَهُم حُدُبٌ تَمطُو
وَقَد لاحَ لِلرَكب الصَباح كَأَنَّما ... بَدا مِن جَلابِيبِ الدُجى لِمَمٌ شُمطُ
وَنَجمُ الثُرَيّا في السَماءِ كَأَنَّهُ ... صَنوبَرَةٌ مِن ناصِعِ الدُرِّ أَو قِرطُ
أَقيمُوا صُدُورَ العيسِ نَحوَ ابنِ صالِحِ ... فَما بَعدَهُ لِلعَيسِ رَفعٌ وَلا حَطُّ
وَدُونَكُمُ البَحرُ الَّذي لا يُرى لَهُ ... إِذا ما طَمى عَبرٌ قَريبٌ وَلا شَطُّ
تُمَزَّقُ بِالتَقبِيلِ وَاللَثمِ سَبطَةٌ ... فَتَبلى وَما تَبلى مِنَ القِدَمِ السُبطِ
حَليمٌ عَلى الذَنبِ العَظيمِ وَإِنَّهُ ... لَفَظٌّ عَلى أَعدائِهِ في الوَغى سَلطَ
أَبادَ سُيوفَ الهِندِ بِالضَربِ في الصِبا ... وَأَفنى بِطُولِ الطَعنِ ما أَنبَتَ الخَطُّ
عَجِبنا لَهُ أَن تَقبِضَ السَيف كَفُّهُ ... وَأَكثَرُ شَيءٍ عُوِّدَت كَفُّهُ البَسطُ
إِذا صُغتَ مَدحًا فيهِ لَم أَخشَ قائِلًا ... يَقُولُ فُلانٌ في الَّذي قالَ يَشتَطُّ
فَتى كَرَمٍ مِن خَيرِ رَهطٍ وَمَعشَرٍ ... مَرادِسَةٍ يا حَبَّذا ذَلِكَ الرَهطُ
إِذا سُئِلُوا أَنطَوا جَزيلًا مُوَسَّعًا ... وَكَم مَعشَرٍ سِيلُوا نَوالًا فَلَم يُنطُوا
1 / 12
لَيُوثٌ وَما جارُ اللُيُوثِ بِآمِنٍ ... وَهَذِي لُيُوثٌ لَم يُرَع جارُها قَطُّ
إِذا ما سَطا خَطبٌ سَطَونا بِبَأسِهِم ... عَلى ذَلِكَ الخَطبِ المُلِمِّ الَّذي يَسطُو
بَنى لَهُمُ بَيتًا مِنَ العِزِّ باذِخًا ... ثِمالٌ فَما انحَطَّ البِناءُ وَلا انحَطُّوا
فَتىً رَبَطتَني في ذُراهُ مَواهِبٌ ... رَبَطت عَلَيها الحَمدَ فَاستَحكَمَ الرَبطُ
وَحَبَّرت فيهِ كُلَّ عَذراءَ زانَها ... مَديحُ أَبي العُلوانِ لا الشَكلُ وَالنَقطُ
وَعَدَّدتُ لِلأَعداءِ فيها قَواتِلًا ... إِذا نَفَثَت بِالسَمِّ أَصلالُها الرُقطُ
فَعِش عُمرَها لا عُمرَ خَطّي فَإِنَّها ... سَتَبقى وَيَبلى كاتِبُ الخَطِّ وَالخَطُّ
وقال (يمدحه وقد أمره أن يوازن قصيدة أبي نواس التي ألوها:
وبلدة فيها زور):
وأنفذها إليه من الرحبة سنة أربع وثلاثين وأربعمائة:
وقال أيضًا:
مجزوء الرجز
سَقى مَحَلًا قَد دَثر ... بَينَ زَرُودٍ وَهَجَر
1 / 13
أَو طَفُ وَسْمِيّ البُكر ... كَأَنَّهُ إِذا اِنعَصَر
مِنَ الحَبِيِّ أَو قَطَر ... ما دَقَّ مِن روسِ الإِبَر
هَبَّت لَهُ مَعَ السَمَر ... صِرُّ شِمالٌ فَاِنتَشَر
ثُمَّ تَلالا وَهَدَر ... هَدرَ خَطاطيفِ البكَر
بِكُلِّ مَشزُورٍ مُمَر ... في كَفِّ أَلوى ذي أَشَر
حَزَوّرٍ حينَ جَفَر ... يَنثِرُهُ إِذا اِنتَثَر
فَيَقدَحُ القَفوُ الشَرَر ... قَدحَكَ بِالمرخِ العُشُر
لَدى القَليبِ المُحتَفَر ... نَوَّخَ حَولَيهِ العَكَر
غِبَّ رَبيعٍ وَصَفَر ... يَنفِضُ أَهدابَ الوَبَر
عَنِ الهَوادي وَالسُرُر ... فَهُنَّ أَمثالُ الزُبُر
1 / 14
هِيمٌ يُقَلِّبنَ النَظَر ... إِلى حِياضٍ وَجُرَر
يَسنى لَها عَذبٌ خَصِر ... حَتّى إِذا الماءُ اِحتُكِر
أَورَدَها ثُمَّ صَدَر ... يُرى عَلى وَجهِ العفَر
مِن وَبلِهِ إِذا اِنحَدَر ... إِمّا غَديرٌ أَو نَهَر
أَوِ الثَمادُ في النُقَر ... أَمثالُ أَحداقِ البَقَر
كَأَنَّما ذاكَ المَطَر ... لَمّا اِستَهَلَّ وَاِنهَمَر
يَدُ المُعزِّ المُشتَهر ... رَبيعِ قَيسٍ وَمُضَر
بَل هُوَ أَندى وَأَدَرّ ... وَمَهمَهٍ جَمِّ الخَطَر
ما فيهِ لِلأَنسِ أَثَر ... ظَليمُهُ تَحتَ الخَمَر
يَحضُنُ دُرمًا كَالأُكَر ... كَأَنَّهُ إِذا وَكَر
1 / 15
شَيخٌ حَبا مِنَ الكِبَر ... أَو قَسُّ دَيرٍ قَد نَشَر
مَسابِجًا مِنَ الشَعر ... حَتّى إِذا جاعَ اِبتَكَر
إِلى هَبيدٍ في عُجَر ... مُفَوَّفاتِ كَالحَبَر
يَقتاتُ مِنها ما اِنتَثَر ... بَينَ السَفيرِ وَالشَجَر
قَفرٌ تَعَدَّيتُ الغَرَر ... فيهِ بِحُدبٍ كَالمِرَر
أَشباهُ ما فَوقَ النُخُر ... قَد ذُبنَ مِن فَرطِ السَفَر
إِلى فَتىً سادَ البَشَر ... وَساءَ مُذ شَبَّ وَسَرّ
إِمّا بِنَفعٍ أَو بِضُرّ ... كَالسَيفِ لانَ وَبَتَر
أَفَخرِ مَخلوقٍ فَخَر ... مِن نَفَرٍ خَيرِ نَفَر
جَمالِ بَدوٍ وَحَضَر ... أَهلِ عُمودٍ وَمَدَر
زُرهُ تَزُر نِعمَ الوَزَر ... وَعُذ بِهِ مِنَ الغِيَر
تَعُذ بِخَرقٍ لَو نَظَر ... إِلى فَقيرٍ ما اِفتَقَر
1 / 16
يُعطى اللُهى بِلا ضَجَر ... كَأَنَّما عادى البِدَر
فَلَم يَدَع وَلَم يَذَر ... وَلا اِقتَنى وَلا ادَّخَر
شَيئًا سِوى حُسنِ الخَبَر ... ذاكَ وَشُكرِ مَن شَكَر
يا اِبنَ الطَراخينِ الغُرَر ... وَالطاعِنينَ لِلثُغُر
وَالتارِكينَ في الحُفَر ... مَنافِبًا مِلءَ السِيَر
وَصلُكَ فَضلٌ قَد بَهَر ... شِعري وَشِعرَ مَن شَعَر
فَلَو سَكَتنا لَم تُضَر ... وَالصُبحَ يُغنيهِ النَظَر
عَن شاهِدٍ إِذا اِنفَجَر ... يا مَن بِهِ شِعري اِفتَخَر
عِش أَبَدًَا حِلفَ الظَفَر ... وَاسعَد بِأَعيادٍ أُخَر
وَاعذُر وَلِيًّا ما حَضَر ... فَلَو مَشى عَلى البَصَر
نَحوَكَ لَم يَشكُ الضَرَر ... وَأَنتَ أَولى مَن عَذَر
وَاصبِغ لَها بِيضًا غُرَر ... مَنحوتَةً تَحتَ الحَجَر
1 / 17
بِناتِ لَيلٍ وَسَهَر ... قَوَّمتُهُنَّ مِن صَعَر
وَمِن سِنادٍ يُعتَبَر ... فَهُنَّ أَمثالُ الدُرَر
غاصَت عَلَيهِنَّ الفِكَر ... في لُجِّ بَحرٍ قَد زَخَر
مَدائِحًا لَم تُستَعَر ... وَلَم يَقَع فيها الحَصَر
صافِيَةً مِن الكَدَر ... تُنسيكَ في دَهرٍ غَبَر
مَدحَ القُطاميّ زُفَر ... وَبَلدَةً فيها زَوَر
وقال يمدحه — رحمهما الله تعالى — في سنة ثلاث عشرة وأربعمائة:
سَأَلنا الرَبعَ لَو فَهِمَ السُؤالا ... مَتى عَهِدَ الغَزالَةَ وَالغَزالا
وَما نَعني الظِباءَ لَهُ وَلَكِن ... عَنَينا شَمسَ رامَةَ وَالهِلالا
هِلالٌ مِن هِلالٍ غَيَّبَتهُ ... جِمالٌ أُوقِرَت مِنهُ جَمالا
1 / 18
كَساهُ اللَيلُ فَرعًا وَالثُرَيّا ... سِخابًا وَالرُدَينيُّ اِعتِدالا
كَأَنَّ الدِعصَ يَحمِلُ منه غُصنًا ... إِذا هَبَّت بِهِ النَكباءُ مالا
يَرى وَصلي بِنائِلِهِ حَرامًا ... وَقَتلي في مَحَبَّتِهِ حَلالا
تَنَقّى الضالَ وَالعُبرِيَّ دارًا ... سَقاهُ اللَهُ عُبرِيًا وَضالا
وَجَرَّ عَلى شِمالِ الرِيحِ رُدنًا ... فَطَيَّبَ رِيحُهُ الريحَ الشَمالا
لَقَد طَرَقَ الخَيالُ فَهاجَ شَوقًا ... فَدَت رُوحي خَيالَكُم خَيالا
تَعَلَّمَ مِنكُمُ طُولَ التَجافي ... وَصارَ يَغِبُّ مِثلَكُمُ الوِصالا
خَليليَّ انظُرا لَمَعانَ بَرقٍ ... كَأَنَّ عَلى الرُبا مِنهُ ذُبالا
تَأَلَّقَ مِن دُوَينِ حَزيزِ خَبتٍ ... فَأَذكَرَني بِهِ الحَيَّ الحَلالا
1 / 19
إِذا نَزَلُوا حِبالَ الرَملِ قُلنا ... سَقى دَرُّ الحَيا تِلكَ الحِبالا
بِحَيثُ يَسيلُ مَدفَعُ كُلِّ وَادٍ ... فَرَوى سَيلُهُ ذاكَ السِيالا
وَتُمرِعُ غِبَّهُ قُلَلُ الرَوابي ... فَيَكتَهِلُ النَباتُ بِها اِكتِهالا
إِذا هَبَّت رِياحُ الصَيفِ باتَت ... تُفَوِّقُ مِن سَفا البُهمى نِبالا
وَمائِرَةِ الأَزِمَّةِ مُبرَياتٍ ... كَأَنَّ عَلى غَوارِبِها صِلالا
شَربنَ الخِمسَ بَعدَ الخِمسِ حَتّى ... ظَمِئنَ فَكِدنَ يَشرَبنَ العُلالا
كَأَنَّ الكُدرَ باتَت حَيثُ باتَت ... تُلَبِّدُ في مَبارِكِها الرِمالا
شَكَت فَرطَ الكَلال فَقُلتُ أُميِّ ... ثِمالًا تَحمَدي هَذا الكَلالا
وَحُطّي الرَحلَ عَنكِ بِخَيرِ أَرضٍ ... يَحُطُّ المُعتَفونَ بِها الرَحالا
لَدى مَلِكٍ إِذا أَعطى العَطايا ... حَقَرنا عِندَها السُحُبَ الثِقالا
1 / 20
أَنالَ فَنالَ غايَةَ كُلِّ حَمدٍ ... وَكَم مَن لا يَنالُ وَقَد أَنالا
كَريمُ الخِيَمِ تَصحَبُهُ طَويلًا ... فَتَصحَبُ خَيرَ مَن صَحِبَ الرِجالا
إِذا كَشَّفتَ عَنهُ وَجَدتَ فيهِ ... خِلالًا لا تَرى فيها اِختِلالا
أَبادَ المالَ حَتّى لَيسَ تُلفي ... لَهُ إِلّا جَميلَ الذِكرِ مالا
إِذا ما أَمحَلَت أَرضٌ لِقَومٍ ... وَلَم يَجِدوا الحَيا نَجَعوا ثِمالا
فَتىً سَمحُ اليَدَينِ إِذا أَراقَت ... سِجالًا كَفُّهُ مَلَأت سِجالا
إِذا عِفنا مَوارِدَ كُلِّ بَحرٍ ... شَرَعنا بَحرَهُ العَذبَ الزُلالا
وَأَصدَرنا الرَكائِبَ حامِداتٍ ... إِلَيهِ النَصَّ وَالرَكبَ العِجالا
1 / 21