Estudios en doctrinas literarias y sociales
دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية
Géneros
فقد سبق إلى الأوهام أن الوعي الباطن هذا اختراع حديث لم يكن له وجود في عصور التاريخ الغابرة، وخطر لهؤلاء الواهمين أن الحس الظاهر لا يكون مرجعا للفنون بعد اكتشاف ذلك «الوعي الباطن» ... ولا يجوز للفنان بعد اليوم أن يرسم ما يراه بعينيه ولو ظهرت فيه آثار وعيه الباطن كله، بل يجب عليه أن يلفق المحسوسات كيفما تخيلها في وعيه الباطن وفي غيره الذي لا يعرفه ولا يراه بطبيعة الحال! ولا ضير بعد ذلك أن تخرج الصور بلا مقاس معروف لأمانة النقل أو لجودة الأداء التعبير، ولا بدليل مفهوم على الفارق بين الحسن والرديء، وبين العناية والإهمال.
وليس أدل على جهل هؤلاء الواهمين بالفن نفسه من غفلتهم عن آثار الوعي الباطن في كل صورة من صور الفنانين الأقدمين، مع الحرص على صدق الحس وأمانة الشبه واللون، فلا عجب أن تنتهي هذه الأوهام إلى نهايتها التي لا محيص عنها، وهي الخلط الذي يلغي بعضه بعضا بعد قليل.
وقد كان لسوء فهم المذاهب الاجتماعية أثر لا يقل في تضليله للأذهان عن الأثر الذي نجم عن سوء فهم الدراسات النفسية.
فقد كان المفهوم من الاشتراكية في بداءة ظهورها أنها دعوة تحارب الامتياز بالثروة المغتصبة وتمنع الاحتكار والاستغلال.
فلما وصلت الدعوة إلى الذين لا يفهمونها خيل إلى الجاهلين بها أنها تقضي على كل امتياز بين أفراد الناس ولو كان امتيازا بالعبقرية، والمواهب العقلية، أو الفضائل الخلقية ... وحسب فريق من هؤلاء أن الكتابة في غير مسائل الأجور وأسعار الطعام وحاجات المعيشة اليومية تعني الترفع عن طبقة الدهماء، وأن كل استعداد للكتابة، غير الكتابة التي يدركها الأميون وأشباه الأميين، هو ضرب من الفضول والخروج على مبادئ الاشتراكية كما يفهمونها، ومصالح الشعب كما يقدرونها.
ومن آثار هذه الدعوة في الأدب العربي صياح الصائحين بإلغاء كل استعداد فني غير متوافر لمن يجهلون أصول الفنون والآداب.
فلا لزوم لقواعد الرسم والتلوين في التصوير، ولا لزوم للنحو والصرف في اللغة، ولا لزوم للقوافي والأوزان في الشعر، ولا لزوم - جريا على هذه القاعدة - لقيود العرف والأخلاق في العلاقات الاجتماعية.
وبعبارة أخرى لا لزوم لمزية من المزايا، ولا لضرب من ضروب الاستعداد لا يشيع بين جميع الناس.
وفي اعتقادنا الذي نبنيه على تجارب الواقع أن هذه الدعوات لا تجاوز أعمار «الموضات» التي يعجل إليها الزوال، وأن هذه الأمواج التي يلغي بعضها بعضا ليست مما يطلق عليه اسم الاتجاه في الأدب العربي ولا في غيره من الآداب العالمية، وليست هي بالتيار الجاري في مجراه القويم على أية حال.
وفي وسع الناظر إلى أدبنا العربي في مجراه أن يصرف نظرته عن هذه الموجات جميعا ليرقب النهر في طريقه المتقدم منذ مطلع نهضتنا الفكرية إلى اليوم، فإنه وشيك أن يتابع النهر في طريقه منذ نيف وسبعين سنة، متقدما على سنة التطور بغير انقطاع، وبغير التفات إلى هذه المقاطعة العارضة من الشاطئ إلى الشاطئ، في موقع محدود لا تتعداه.
Página desconocida