Estudios filosóficos (primera parte): en el pensamiento islámico contemporáneo
دراسات فلسفية (الجزء الأول): في الفكر الإسلامي المعاصر
Géneros
أما الفكر السياسي الليبرالي فإنه أخذ موقف التبرير للواقع باستعمال القديم أو التوفيق بين القديم ومقتضيات الحداثة؛ مما جعل القديم مجرد آلة للاستخدام لصالح الدولة. استعمل لتبرير الحداثة ونشرها، بل وباستعمال المنقول دون المعقول، وبالاعتماد على الأشعرية السائدة .
2
وقد استمر هذا النمط حتى الآن ولم يغيره أحد، فاستعملت الدولة القديم لتبرير وجودها وتدعيم شرعية نظامها، كما استعمله الموظفون الأيديولوجيون لكل نظام لتدعيم السلطة وبيعتها أمام الجماهير التي ما زال القديم يمثل بالنسبة لها قيمة مطلقة وتصديقا يعادل الإيمان. لم يقم الجيل الخامس بتغيير نمط التبرير إلى نمط التثوير، ومن الدفاع عن النظام إلى قيادة الجماهير، فكبا الإصلاح وتعثر، وضاق بعد أن امتد الواقع وتجاوز نمطه القديم.
وعلى هذا النحو تشترك الروافد الثلاثة فيما بينها في أنها ليس لديها موقف بحكم علمي تاريخي من القديم، بل مواقف لا علمية تمثل ردود أفعال انفعالية على بعضها البعض أو تكشف عن قصور في رؤية الواقع.
ثالثا: الموقف من الغرب
بالرغم من التمايز بين روافد النهضة الثلاثة، إلا أنها في واقع الأمر أخذت موقفا متشابها بالنسبة للغرب، وهو أنها جميعا اعتبرت الغرب نمطا للتحديث، والخلاف بينها مجرد اختلاف في الدرجة لا خلافا في النوع.
فبالرغم من هجوم الحركة الإصلاحية على الماديين «النيتشريين» سواء في الهند أو في الغرب ممثلين في الاشتراكيين (السوسياليست) والشيوعيين (الكومونيست) والعدميين (النهيليست)، وبالرغم من رفضنا أطر الغرب النظرية المادية ومظاهر تقليده في الفكر والثقافة كما في السلوك والممارسة، إلا أن الإعجاب بالإنجازات العملية والتفرق العلمي والعمراني في الغرب دفع الإصلاح الديني إلى اعتبار الغرب من هذه الناحية نمطا للتحديث؛ فمواجهة الاستعمار الغربي من الناحية العملية لم تمنع من تبني الوسائل التي استعملها الغرب نفسه، فأدت إلى تفوقه على غيره، وفي مقدمتها العلم والصناعة، وقد أدى كلاهما إلى القوة والغلبة. وقد دافع الغرب عن الحرية وما تؤدي إليه من نظم برلمانية ومجالس ودساتير وملكيات مقيدة. وبالتالي استطاع الغرب أن يحقق العمران، ويبني المدن، ويراعي النظافة، ويتقدم، ويكتشف علوم الإنسان والتاريخ. لا يحارب العدو إلا بسلاحه، ولا سبيل إلى مواجهة الغرب إلا بأساليب الغرب. واستمر الحال كذلك في الجيلين الثالث والرابع على مستوى الفكر والمذاهب الفلسفية، خاصة بعد أن خفت حدة مقاومة الاستعمار بعد بدايات الحصول على الاستقلال الوطني. ولكن في الوقت نفسه بدأت ظاهرة «التغريب» ولم يلتفت إليها أحد إلا كرد فعل مضاد في الحركة السلفية المتهمة لدينا بالرجعية والتخلف والارتداد إلى الماضي. ولم يحاول الجيل الخامس تغيير النمط القديم «الغرب كنمط للتحديث» إلى «تحجيم الغرب » ورده إلى حدود الطبيعية لإفساح المجال للإبداع الذاتي للشعوب ولتجاربها الخاصة.
1
بل لم يحاول أحد مراجعة «الرد على الدهريين» والموقف من المادية، وأن المادية ليست مذهبا تاريخيا ظهر عند اليونان في القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد، بل بنية فكرية وموقف طبيعي للإنسان، وأنها تصور علمي للطبيعة وليس تصورا أخلاقيا يدعو إلى المشاركة في الأموال والأبضاع. بل إن الطبيعة ليست ضد الدين، فهناك الدين الطبيعي الذي كان عنصر تحرر في القرن الثامن عشر في الغرب والذي كان عليه إبراهيم، وهو دين الإسلام. وقد ظهر تحليل العلل المادية في أبحاث الأصوليين القدماء، وكانت الطبيعيات باستمرار مقدمة للإلهيات عند الحكماء، وكان الخلق هو الحق عند الصوفية.
أما التيار العلمي العلماني فإنه دعا صراحة إلى أخذ الغرب كنمط للتحديث، دفاعا عن الحداثة والمدنية. فالغرب هو مصدر للمعرفة وليس لدى غيره إلا الجهل، وبدايات الإنسانية. الغرب هو العلم والاجتماع، العلوم الطبيعية والإنسانية، ولا حرج من تقليد الغرب في العادات والتقاليد فالمدنية لا وطن لها. وبالرغم من مشاركة أنصار هذا التيار في الحركة الوطنية باسم الليبرالية والحرية إلا أن اعتبار الغرب نمطا للتحديث قد أدى عند الجيل الخامس إلى الوقوع الكلي في «التغريب» حيث أصبحنا وكلاء حضاريين للغرب، نخلط بين المعرفة والعلم، نجمع المعارف ونكدسها نقلا عن الغرب ولا ننشئ علما أو يكون لدينا تصور علمي للعالم. وأصبح الشباب لدينا هو الذي يبدأ حياته الفكرية بذكر أكبر قدر ممكن من أسماء الأعلام في الغرب والمذاهب في الغرب منتسبا إلى إحداها وداخلا في معاركها وهو لم ينشئها، وليس طرفا فيها ولا تعبر عن أي واقع لديه. ويبدو أن توقف الإبداع الذاتي كطابع مميز لمرحلة تاريخية أفسح المجال للنقل بصرف النظر عن مصدره؛ نقل من القدماء ونقل من المحدثين، نقل من القديم فتنشأ الحركة السلفية أو نقل من الغرب فتنشأ الحركة العلمانية. وبالرغم من محاصرة العلمانية وعزلتها وظهور تراث الجماهير كعامل مكون لثقافتها لم يحاول الجيل الخامس تغيير الغرب كنمط للتحديث. ولم يلتفت إلى تراث الشعب إلا كنوع من الفن الشعبي «الفولكلور» مطورا إياه أيضا بأسلوب غربي.
Página desconocida