Estudios filosóficos (primera parte): en el pensamiento islámico contemporáneo
دراسات فلسفية (الجزء الأول): في الفكر الإسلامي المعاصر
Géneros
6
وأسقطنا العلوم النقلية الخالصة من الحساب، فتلقفتها الجامعات الدينية وبعض أقسام اللغة العربية في الجامعات الوطنية تعيد في الأغلب اجترار علوم القرآن والحديث والتفسير والسيرة والفقه كما تركها القدماء بلا تطوير وبلا نقل لها من مرحلة العلوم النقلية إلى مرحلة العلوم النقلية العقلية. وتلك مهمة المعاصرين حتى تأتي أجيال لاحقة فتحولها إلى علوم عقلية خالصة. وهي أكثر العلوم حضورا في وعينا القومي؛ فقد استقرت في الأذهان، وترسبت في الوعي، وامتلأت بها المكتبات العامة والخاصة في المساجد والقصور، وقامت عليها المعاهد والمدارس الدينية، وشاعت وراجت طباعة، وتوزيعا، وكسب الناشرون من ورائها الملايين. يستشهد بها الأئمة والخطباء، ويستعملها العامة والخاصة كحجج سلطة للإثبات أو النفي، وهي العلوم التي نشأت نقلية خالصة وتوقف تطورها، ولم تتحول بعد إلى علوم نقلية عقلية، كباقي العلوم الأربعة الأخرى التي تغلب على أقسام الفلسفة. ولما ظلت بعيدة عن أعمال العقل وممارسة النقد امتلأت بالأساطير وسادتها الخرافات، وغاب عنها النقد الداخلي، واكتفينا بالنقد الخارجي كما وضعه القدماء.
لم تتطور علوم القرآن منذ السيوطي والزمخشري، ولم تزد أبوابها عن الأبواب القديمة التي تبلغ المائة بما في ذلك الحرف والشكل والصوت ودون التمييز بين ما هو دال وبين ما لا دلالة له. ظللنا نردد مادة كانت لها دلالتها عند القدماء لقرب عهدهم بالوحي مثل: هل الفاتحة جزء من القرآن؟ هل البسملة جزء من السورة؟ وهي مسائل لم تعد ذات دلالة عندنا لأنها استقرت ولم تعد موطنا للنقاش، وإثارتها مع غيرها مثل ضرورة حذف «قل»، «قال» أو تغيير التاريخ الهجري إلى تاريخ مولد الرسول يجلب الضرر أكثر مما يجلب النفع، ويفرق أكثر مما يجمع. في حين فرض عصرنا أن تكون الأولوية لأبواب أخرى ذكرها القدماء دون التركيز على دلالتها مثل «أسباب النزول» أي أولوية الواقع على الفكر، «الناسخ والمنسوخ» أي تطور التشريع في الزمان وقياسه على القدرة والأهلية، المكي والمدني، أي التصور والنظام، والعقيدة والشريعة، النظر والعمل ... إلخ.
وظلت علوم التفسير القديمة ضحية التفسير الطويل الزماني المتقطع، سورة بعد سورة، آية بعد آية؛ حيث يتوزع الموضوع الواحد في عديد من الأمكنة فتضيع وحدته، ويفقد الناس رؤيته، ويتفتت بناؤه، وبالتالي لا يغير من الواقع شيئا ولا يقدم له نظرية. في حين أن التفسير الموضوعي للقرآن قد يكون أقرب إلى روح العصر لمعرفة موقف الوحي من الأرض والملكية والعمل والطبقات الاجتماعية والفقر والغنى وعوائد النفط والتبعية للأجنبي والحرية والقهر.
7
كما كانت علوم التفسير القديمة ضحية النزعة التاريخية ، أي البحث عن الوقائع المادية التي يشير إليها النص، في حين أن النص مجرد باعث على الفعل والسلوك، وصدقه النظري في تطابقه مع التجربة البشرية وليس مع الوقائع التاريخية .
8
أما علوم السيرة فقد تكون هي المسئولة عن التشخيص في حياتنا العملية وعبادة الأشخاص عندما تتحول الأفكار والمذاهب والمبادئ ونظم الدول بل وعصور التاريخ إلى أشخاص. الوحي مبادئ لا مشخصة، ونظريات لا شخصية، تصورات مبدئية، وشرائع عامة، والرسول مجرد مبلغ للوحي، وأول مبين لعمومه، ومطبق لشريعته. ليس الرسول وحيا بشخصه وإلا وقعنا في التصور المسيحي للوحي، وهو المسيح بشخصه أو الكنيسة بمؤسساتها. علوم السيرة نشأت في المسيحية نظرا لتحول العقيدة من الكلمة عند المسيح إلى الشخص عند الحواريين خاصة بولس، ولتقديس الحواريين من بعده وتعظيم الرهبان ودفنهم في الكنائس وإقامة المعابد فوق المقابر. ولكنها قد لا تنشأ في الإسلام لأن الرسول مجرد مبلغ للوحي، كان يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، ابن امرأة كانت تأكل القديد، رسول قد خلت من قبله الرسل، لا يقوم بالمعجزات في حياته أو بعد مماته، ولادته ومماته مثل سائر البشر؛ لذلك كان تشخيص الرسالة في علوم السيرة هو الراسب التاريخي المكون لعبادة الأشخاص في حياتنا القومية المعاصرة. ثم قويت نظريات الشفاعة والولاية والتوسط والمحبة والتي شملت آل البيت أيضا. هذا التشخيص من خلال الطرق الصوفية يعتبر الرافد الأول للدين الشعبي الذي يمارسه الناس في حياتهم اليومية.
أما علوم الحديث فإنها استطاعت بحق أن تضبط صحة أقوال الرسول بعد أن تشعبت وزادت ونقصت، واختلط الصحيح منها بالموضوع، وبعد أن رفض الأوائل تدوين مصدر ثان للتشريع مع اكتفاء بالمصدر الأول. كانت ظروف العصر الأول تحتم النقد الخارجي والاعتماد على صحة السند؛ استدلالا منه على صحة المتن. ونشأ علم الجرح والتعديل وعلم ميزان الرجال؛ لقرب العهد برواة الحديث. ولكن الظرف الآن قد تغير، وبعد عهدنا عن عهد الرواة، وأصبح عصرنا أكثر قدرة على النقد الداخلي، أي إعطاء الأولوية للمتن على السند، والاستدلال على صحة الحديث من صحة المتن، واتفاقه مع العقل والحس، مع البداهة والواقع، مع التجربة البشرية ومصلحة الجمهور. وهي بعض مقاييس صحة سند المتواتر مثل: استقلال الرواة أي عدم خضوع الراوي لأية ضغوط لتغيير الذمة، واستحالة التواطؤ والاتفاق على تغيير الرواية بوجود العدد الكافي من الرواة حتى يصبح الاطراد في القول أساس الصحة مثل اطراد التجربة البشرية، التجانس في الزمان أي تجانس انتشار الرواية عبر العصور، لا خفاء فجأة أو شهرة فجأة؛ حتى يمكن معرفة مواطن الوضع وجماعات المصلحة التي تريد إخفاء النص أو نشره.
أما الفقه فإنه كان أيضا وثيق الصلة بالعصر القديم، فغلبت فيه العبادات على المعاملات؛ نظرا لقربه من عصر الوحي، ولحداثة العبادات ونجاح المعاملات، وتبويب الفقه بأيدي فرق السلطان حتى يقنن للناس شريعة تغلب عليها الشعائر والطقوس، ولا تتعرض إلى الحياة العامة إلا في الفروع، وكما هو الحال في الإمامة في علوم أصول الدين عندما وضعت كآخر مسألة في نسق العقائد، كفرع لا أصل، على هامش العقيدة وليس في صلبها؛ اتباعا للعرف وليس طبقا لضرورة العقل ومقتضيات العقيدة. في حين أن أزمة عصرنا في هذه الغلبة بالذات وتواري المعاملات عن العبادات، وامتلاء حياتنا العامة بالعبادات، وانفلات المعاملات طبقا للمنافع الشخصية وأساليب الاستغلال، وتهريب رءوس الأموال مع غطاء فقهي صوري من المصارف الإسلامية وشركات توظيف الأموال. لقد كان هم الفقه القديم معرفة الأحكام الشرعية، الحلال والحرام؛ نظرا لقربه من عصر النبوة وحاجة الناس إلى هذه المعرفة. واقتفينا الأثر، وزايدنا في الإيمان، فركزنا على الحلال والحرام، تاركين المندوب والمكروه أو محيلين إياهما إلى الحلال والحرام كما فعلت الصوفية من قبل، ونسينا المباح. طرحنا سؤال التحليل والتحريم في كل شيء حتى أصبحت حياة البعض منا هاجسا وسواسا يرى الحرام في كل شيء، مع أن الحلال أو المباح أحد أحكام الشرع الخمسة. وكل ما سكت عنه الشرع تحليلا أو تحريما فهو مباح. ولا حلال إلا ما حلله الشرع ولا حرام إلا ما حرمه الشرع. أحالت فرقنا الإسلامية المعاصرة - مثل الصوفية قديما - المكروه إلى الحرام، والمندوب إلى الواجب، وتحولت حياة المسلم إلى ثنائية الحلال والحرام، وضاعت حياة التوحيد، وانزوت أمام المانوية الأولى وثنائيات الخير والشر وتعارض النور والظلمة، وضاعت من النفس الطمأنينة والسكينة وحياة السلام، وتحولت إلى حياة الحرب والتضاد والصراع في معركة وهمية غير متكافئة بين قوى الفرد وقوى الإحباط وصنوف القهر، أو ما يسمى بقوى الخير وقوى الشر، بين الفضيلة والرذيلة. مع أن روح العصر تتطلب تحرير الناس من عبودية الحكام وأسر التقاليد وقهر القوانين ودعوتهم إلى الطبيعة أساس الوحي، وبدئهم بالمباح أو الحلال أساس الشريعة، براءة الذمة أو البراءة الأصلية؛ رحمة بالناس.
Página desconocida