Estudios filosóficos (primera parte): en el pensamiento islámico contemporáneo
دراسات فلسفية (الجزء الأول): في الفكر الإسلامي المعاصر
Géneros
التجزئة والتقسيم والتفتيت بدعوى التحليل والدقة العلمية لرؤية المتناهي في الصغر، حتى استحالت رؤية الكل الشامل. فأصبح المثقفون لدينا بدعوى «المنهج التحليلي» قصيري النظر لا يتجاوزون التخصص الدقيق في حياتهم العامة، وفقدوا المنظور التاريخي، والبعد الحضاري للعلم. وقد حدث ذلك في الغرب خاصة كرد فعل على الشمول الكنسي الأرسطي ومذاهب الفلسفة في العصر الوسيط والفكر الموسوعي.
1 (2)
الوقوع في المتعارضات المفتعلة والتناقضات الوهمية والاتجاهات المتضاربة التي ينفي أحدهما الآخر؛ مثل العقل والحس، المثالية والواقعية، الصورية والمادية، العقل والعاطفة، الفردية والاجتماعية، الرأسمالية والاشتراكية، وكأن الحقيقة في طرف دون الطرف الآخر. وقد حدث ذلك خاصة في العقل الأوروبي نتيجة لسيطرة طرف ورفض الطرف الآخر لذلك. فقد دفع المعطى الديني الغربي العقل إلى الروح فآثر المادة، وإلى الآخرة فآثر الدنيا، وإلى التسامح فأخذ العنف. (3)
وكان نتيجة لذلك أن انتقل العقل الأوروبي من الفعل إلى رد الفعل، ومن رد الفعل إلى الفعل من جديد، يرفض اليوم ما قبله بالأمس، ويرفض بالأمس ما يقبله اليوم، وأصبح من الممكن دراسة الحضارة الأوروبية كلها طبقا لهذا القانون من الكلاسيكية إلى الرومانسية، إلى الكلاسيكية الجديدة، إلى الرومانسية الجديدة في الفن، ومن المثالية إلى الواقعية إلى المثالية الجديدة إلى الواقعية الجديدة في الفلسفة ... إلخ. (4)
ونتج التغير المستمر، وعدم الاستقرار، والقلق، والبحث؛ عن بؤرة للأشياء لا يمكن العثور عليها؛ إذ يمتد الذهن باستمرار إلى أطراف البؤرة وليس إلى البؤرة ذاتها، وكأنه غير قادر تاريخيا على حسن التصويب لفقد البواعث الموجهة أو الهدف الأقصى. هذا الإيقاع السريع في البحث عن شيء هو الدافع وراء الإبداع المستمر من أجل الاستقرار على شيء. وهو ما لم يحدث قبل ذلك في الشعوب غير الأوروبية المستقرة نظريا في تصورها للعالم. (5)
التحيز المسبق للمادي والعياني والمحسوس والاعتماد على المعرفة الحسية والتجريبية؛ نظرا للعقدة من المسلمات والمصادرات والمعطيات المسبقة التي مثلتها الكنيسة وأرسطو، وهو ما أصبح يسمى «بالمادية الأوروبية» وقد انتقلت من مجال المعرفة إلى مجال الأخلاق وكأن الوعي الأوروبي قد ارتكن إلى الرومان دون اليونان، وإلى اليهودية دون المسيحية. (6)
كل المذاهب المثالية التي حاولت إعادة صياغة المسيحية على نحو عقلاني طبيعي اجتماعي، وتلك التي كانت رد فعل على المذاهب المادية؛ لا تخرج على حدود الوعي الأوروبي، بل تنطبق عليه وحده. فمبادئ العقل والحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية وكل ما أعلنه ميثاق «حقوق الإنسان» إنما يصدق داخل أوروبا وحدها . أما خارجها فتنقلب هذه المبادئ إلى ضدها؛ فخارجها لا توجد شعوب بل أشباه شعوب، ولا توجد حقوق بل واجبات، ولا توجد حضارات إنسانية حاضرة بل حضارات تاريخية موضوعا للأنثروبولوجيا في متاحف الغرب. (7)
أصبحت الحضارة الغربية هي النموذج الأوحد لكل الحضارات، وتاريخها، وعصورها، وحروبها تاريخ كل الشعوب، وعصور كل الحضارات، وحروب كل الأمم. فيها تنصب جميع الروافد الحضارية اليونانية والرومانية، واليهودية والمسيحية، وكل ما سواها مقدمات لها مثل حضارات الشرق القديم. وكل ما يتلوها خارج عنها مثل الإسلام والنهضة الحديثة للشعوب غير الأوروبية. (8)
كانت صورة الشعوب غير الأوروبية من صنع الاستشراق والتبشير والأنثربولوجيا والعلوم التاريخية: قبائل وطوائف، وشعوب بدائية، وحضارات فجر التاريخ، سكون، وحركة، وتخلف. وبعد البعثات التعليمية في الغرب قامت نهضتنا الحديثة في «الدول المتحررة حديثا» تحاول إيجاد صياغات للدولة ومذاهب للمجتمع. هي شعوب هلامية ودول لم تتشكل بعد في صياغاتها النهائية، تفتقد إلى الاستقرار، وتدور عليها الانقلابات العسكرية. (9)
الانتشار خارج الحدود من أجل تحويل حضارة الغرب إلى حضارة الإنسانية جمعاء، والانتقال من الخصوصية إلى الشمول. وقد حقق التبشير والاستعمار والغزو الثقافي هذا الهدف حتى قامت النهضات الحديثة للشعوب غير الأوروبية للتحرر من الاستعمار ولصياغة الثقافات الوطنية. (3) التحرر من الغير
Página desconocida