Estudios Filosóficos (Parte II): En la Filosofía Occidental Moderna y Contemporánea
دراسات فلسفية (الجزء الثاني): في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة
Géneros
هذه التعرية المستمرة للتقدم والمدنية تدل على أن مصير التكنولوجيا هو البدائية
. وقد تنبأ آينشتين من قبل بأن الحرب التالية للحرب الذرية المقبلة ستكون من جديد عود إلى حرب «النبال» التي كان يستعملها الإنسان البدائي. إنسان اليوم إنسان بدائي أو إنسان طبيعي
Nutermensch
يظهر في عالم متمدين، ويظن أن المدنية هي نتاج الطبيعة مع أنها اصطناع العصر. التكنولوجيا وحدها لا تضمن شيئا، والدولار لا يؤسس معرفة على حد قول أورتيجا وإلا «لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية.» كما يقول الشاعر العربي الحديث. وينطبق هذا التحليل حتما على المجتمعات النامية التي ما زالت تتعثر في بدائيتها. لقد حاولت بعض المجتمعات النامية نقل بعض أساليب التكنولوجيا الحديثة دون تغيير أساسي في بنائها النفسي. فهناك مصانع للثلاجات في بلد يشرب ثلاثة أرباعه الماء العكر، أو نافورة ماء تضيء ليلا وترقص مياهها على أنغام الموسيقى في ميدان عام ليتبول فيها الأطفال لأن الميدان خال من دورات المياه، أو الأنفاق الحديثة التي يعيش فيها الباعة المتجولون أو ناطحات السحاب التي يسكن في ظلها من لا مأوى لهم، أو المساحات الخضراء في الشوارع التي يربي فيها الناس الطيور، أو المسارح والمدرجات التي تتجول فيها القطط والكلاب ... إلخ. كل مدنية إذن مهددة بالضياع. يحرق الآلاف في أفران الغاز، وتلقى القنابل الذرية على مدن بأكملها. فالمدنية تهدد نفسها بالدمار. لقد سقطت الإمبراطورية الرومانية لنقص في التكنولوجيا. واليوم يسقط الإنسان المعاصر بسبب تقدم التكنولوجيا! سقط الإنسان القديم لأنه تخلف عن المدنية، وسقط الإنسان المعاصر لأنه فاق تقدم مدنيته!
ويضرب أورتيجا المثل بالحركة الفاشية والثورة البلشفية على الوجه العادم لثورة الجماهير متناسيا كالعادة النازية والعنصرية. والواقع أن الفاشية ليست ثورة للجماهير بل حركة عنصرية تقوم على أسطورة الجنس الراقي وعلى أمجاد القدماء ومفاخر الحاضر. ويستغل دعاتها حركة الجماهير بالأسلوب الديماغوجي. أما الثورة البلشفية فالأمر مختلف إذ إنها تعتمد على حركة الجماهير دفاعا عن مصالح الطبقات الشعبية الكادحة واستنادا على الوعي الطبقي للحزب. وهي ثورة تاريخية وليست مجرد حركة معاصرة. صحيح أن التاريخ كان دائما تاريخ النبلاء والأشراف والملوك والأمراء، فهم بناة القصور والكنائس، ومؤسسو الإمبراطوريات، وواضعو القوانين ، ولكن الشعوب الكادحة تكمن وراء ذلك كله؛ عمال القصور، وجنود الحروب، وفلاحو الأرض. وهي قديمة بقدم الأرض، أهملها التاريخ ولم تظهر إلا في ثورات العصر وكأنها انفجار بعد طول غياب. فإذا كانت الثورة الروسية قد انفصلت عن تاريخ روسيا القيصري فإنها تعبر عن تاريخها الإنساني الطويل. وإن لم تستمر الحركة الفاشية أكثر من خمسة عشر عاما، وهو العمر الذي يحدده أورتيجا للحركات المنفصلة عن تاريخها، فإن الثورة البلشفية قامت منذ أكثر من نصف قرن، وما زالت مستمرة.
وبطبيعة الحال عندما يتحدث أورتيجا عن العصر الحاضر فإنه يقصد التجربة الأوروبية أي الغرب المعاصر. فقد أصبحت الحياة الجديدة ممكنة فيه بفضل ثلاثة عناصر: الديمقراطية الليبرالية، والتجربة العلمية وما ينتج عنها من تقنية، والتصنيع. ويبرز أورتيجا خلاصة هذه التجربة الأوروبية مبينا كيف كانت ثورة الجماهير في العصر الحاضر ردا على التجربة الأوروبية الماضية والتي استغرقت ثلاثة قرون. وقد انتهت هذه التجربة إلى الحقائق الثلاث الآتية: (1)
إن الديمقراطية الليبرالية القائمة على التكنولوجية هي أفضل أنماط الحياة. (2)
إن أفضل نمط للحياة الممكنة يوجب المحافظة على هذين العاملين؛ الديمقراطية الليبرالية والتكنولوجيا. (3)
إن كل محاولة للرجوع إلى الوراء إلى النظم السياسية السابقة هي محاولة انتحارية.
ولقد ساعد هذان العاملان؛ الديمقراطية الليبرالية والتكنولوجيا (مجموع الخبرة العلمية والتصنيع) الإنسان العادي على تسهيل الحياة المادية له ورفع مستوى معيشته. كما أعطياه قسطا وافرا من الراحة حتى أصبح العصر الحاضر خاليا من كل عقبات مادية. كما سهلت له حياته المدنية والأخلاقية. وإذا كان القرن التاسع عشر عصر الثورات فإن الثورة ليست تمردا بل وضع نظام جديد محل النظام القديم. وبذلك يمتاز الإنسان المعاصر بالتوسع في رغباته الحيوية وفي الوقت نفسه بعدم رضاه عما يسهل له حياته. وهذان هما العاملان النفسيان اللذان يحددان سلوك الطفل المدلل الذي لا يشبع مهما استجيب إلى طلباته والذي يعتبر كل ما يحصل عليه حقا مكتسبا. كذلك الوعي الأوروبي يشعر بأن ما وصلت إليه القرون الماضية خاصة القرن الماضي، وإنما أصبح حقا طبيعيا مكتسبا له. إن ما يشغل الجماهير الآن هو رخاؤها، ولكنها في الوقت نفسه تثور لطلب الخبز فتحطم المخابز، تثور على المدنية التي تنعم بها فيصيح هيجل: «الجماهير تتقدم.» ويعلن أوجست كونت: «عصرنا عصر ثوري تتولد عنه الكوارث.» ويصرح نيتشه: «أرى مد العدمية يقترب.» ومع ذلك يتميز العصر الحاضر بسهولة الحياة المادية، يقضي فيه الفرد حاجياته، ويرضى عن نفسه. إنه عصر إشباع الحواس، عصر التخمة، يفرض إرادته بالعمل المباشر. ومن هنا أتت نغمة الانتصار. تبدو له حياته العقلية والخلقية مرضية تماما، هذا الرضا عن النفس يجعل الإنسان المعاصر أصم عن كل ما يقال له فلا يملك إلا أن يفرض إرادته بالعمل المباشر . إن هذه الوفرة لا تسمح له بأن يعيش حياته لأن الحياة صراع الإنسان من أجل البقاء ومحاولته أن يكون ذاته. أما إنسان العصر التعايشي الذي يريد راحة بدنه وإشباع رغباته وسكينة نفسه فهو من بقايا الأرستقراطية الوراثية؛ إنه عصر عبادة الجسد (كما هو واضح في الأفلام، والاعتناء بالمظهر، وغياب الرومانسية في العلاقة مع الجنس الآخر). يتحدث أورتيجا عن العصر في مجتمع الاستهلاك الذي يشبع كل فرد فيه رغباته والذي يفيض منه الإنتاج عن حاجاته. وهو العصر الذي لم تعشه بعد المجتمعات النامية التي تهدد المجاعة بعض شعوبها وسوء التغذية البعض الآخر. بل إن هذه الموجة من التسهيلات التي تعم المجتمعات المتطورة أثارت جيلا من الشباب الغاضب فاجتاحت ثورة الغضب كثيرا من الأعمال الأدبية والفنية، وأنشأت حضارة مضادة
Página desconocida